الناصرة ـ «القدس العربي» ـ وديع عواودة: لم يشهد قانون سنه البرلمان الإسرائيلي «الكنيست» ما شهده تشريع قانون القومية، فقد تسبب في انقسام حتى الإسرائيليين عليه رغم أن دوافع بعض المعارضين له براغماتية وتنم عن حسابات الربح والخسارة بدلا من الدوافع الأخلاقية أو الديمقراطية. ينص القانون على عدة مبادئ، أهمها اعتبار إسرائيل دولة الشعب اليهودي دون ذكر كلمة مساواة أو ما يكفل أي نوع من المواطنة المتساوية لغير اليهود. كما ينص على إقامة بلدات لليهود فقط وسط استخدام لغة التفافية لتخفيف حدة الرسالة العنصرية المتجسدة في هذا البند ومن أجل إخفاء مشروع تهويد الجليل والنقب على حساب سكانهما الفلسطينيين. كذلك يلغي المكانة الرسمية للغة العربية إلى جانب العبرية، كما كان حتى الآن، معتبرا العبرية اللغة الرسمية الوحيدة في الدولة. منذ تأسيسها على أنقاض الشعب الفلسطيني عام 1948 اختارت إسرائيل توليفة غير ممكنة ومتناقضة في جوهرها في تعريف ذاتها تتمثل في «دولة يهودية وديمقراطية «. طيلة سبعة عقود زعمت أن هذا التعريف منسجم ومنطقي وأنها تحرص على المساواة بين كفتيه، لا ترجح الديمقراطية على اليهودية أو العكس، متجاهلة وجود 17 في المئة من المواطنين هم فلسطينيون وسكان أصليون ممن رفضوا هذا التعريف ودعوا لاستبداله بدولة كل مواطنيها.
ويرد السؤال، لماذا تشرع إسرائيل هذا القانون الآن بعد نقاش حوله منذ سبع سنوات؟ هل هي اعتبارات شعبوية انتخابية يأخذها في الحسبان الحزب الحاكم بقيادة بنيامين نتنياهو؟ أم أن القانون نتاج طبيعي لاستشراء التطرف القومي ـ الديني اليهودي المتشدد في إسرائيل منذ توقيع اتفاق أوسلو عام 1993؟ وهل هناك محاولة للرد على مخاطر تهدد يهودية الدولة في ظل تنامي قوة فلسطينيي الداخل كما وكيفا بعدما تضاعف عددهم عشر مرات منذ 1948 وباتوا قوة اجتماعية ـ سياسية تطرح تحديات أمام إسرائيل آخرها ربما تأسيسها للقائمة البرلمانية المشتركة التي كادت بعد انتخابها في 2015 أن تكون القوة الثانية وتترأس المعارضة في الكنيست؟ هل فعلا هو تعبير عن اهتزاز ثقة إسرائيل بذاتها رغم حيازتها ترسانة أسلحة دمار شامل كما يقول أبرز معلقيها ناحوم برينع في مقال نشرته «يديعوت أحرونوت» الجمعة.
يختلف مثقفون فلسطينيون في قراءة وتفــســير الاعتـــبارات خلف تشريع قانون استمات نتنياهو من أجل المصادقة عليه قبل أسبوع.
ثلاثة عوامل
ويتفق البروفيسور مروان دويري، من الناصرة داخل أراضي 48 مع من يعتقد أن يهودية الدولة صارت فكرة ملحة في السنوات الأخيرة لعدة أسباب، منها تطور المواطنين العرب من نواح كثيرة وهذا يفسر ازدياد الحذر والخوف في تعامل إسرائيل معهم. ويقول لـ «القدس العربي» إن الدولة اليهودية لم تعد مضمونة على عكس الماضي، فوجود فلسطينيي الداخل وبقائهم هو الإخفاق الأساسي للمشروع الصهيوني. كما أشار لدور جفاف منابع الهجرة اليهودية، فهو قد زاد مخاوف إسرائيل. وتابع «هذا بالتزامن مع ازدياد الطموحات لضم الضفة والهضبة والتي زادت السؤال ماذا مع يهودية الدولة؟ إسرائيل في حاجة لهذا القانون لمواصلة مشروعها بعد ما وصلت إلى نقطة الحسم في التناقض بين الديمقراطية وبين اليهودية. لم تعد إسرائيل قادرة على لعب لعبة الديمقراطية كما لعبت حتى اليوم».
حكم ذاتي
في المقابل يرى البروفيسور سعيد زيداني ردا على سؤال «القدس العربي» أن القانون الجديد يشرع ويحصّن ممارسات وسياسات وقوانين إسرائيلية سابقة. لكنه ومع ذلك يرى فيه تحديا هاما، معتبرا أن الرد الأنسب هو مطالبة فلسطينيي الداخل في حق تقرير المصير الذي يعني حكما ذاتيا يرتب مكانة المواطنين العرب وحقوقهم المدنية في إطار المواطنة داعيا للاحتجاج في المدن الإسرائيلية بقوة وتعليق عضوية النواب العرب في الكنيست للدورة المقبلة. معتبرا أن العمل من خارج المواطنة في إسرائيل هو خطأ سياسي فاحش، لأن فلسطينيي الداخل يريدون في نهاية المطاف مواطنة متساوية بالحقوق الفردية والجماعية مع اليهود الإسرائيليين. أما دويري فيتقاطع مع زيداني ويرى ضرورة التعامل مع القانون دون تخويف رغم أهميته. موضحا أن القانون من الناحية العملية لن يتيح ممارسات خطيرة أكثر مما مارسوه وفعلوه بنا من هدم قرى وقتل وحكم عسكري وغيره، ويقول إن القانون يشرعن ما يقومون به ويقلل شرعية فلسطينيي الداخل.
من داخل وخارج المواطنة
ويرى دويري أيضا أن الانسحاب من المواطنة ليس أداة سليمة ويتابع «هم لا يريدونها لنا وعلينا التشبث بها والحديث عن مواطنة متساوية الحقوق بما فيها من ديمقراطية توافقية ولجانبها التمسك بنصوص رؤيوية صدرت عنا. لا جديد يمكن فعله ولم نطالب به من قبل كالعمل الشعبي والدبلوماسي والمصالحة الداخلية الخ. كل ذلك طالبنا به. الآن تعرضنا لصفعة ربما تدفعنا لأن نستيقظ. علينا إعادة بناء الأحزاب وتعميق دورها وتفعيل العمل الشعبي وكل ذلك ضمن خطة. يمكن الاستفادة من القانون ونخرج منه طفرة ننطلق منها لتنظيم أنفسنا». ويتفق الدكتور الشاب إبراهيم خطيب مع ما قاله دويري وزيداني لكنه يشير لإمكانيات العمل أحيانا من خارج المواطنة أيضا، داعيا لتعلم تجارب الباسك في اسبانيا والألبان في مقدونيا وغيرهم.
بين هذا وذاك تتعرض الطبقة السياسية الفلسطينية في إسرائيل للكثير من الانتقادات لضعف الرد على مشروع القانون رغم خطورة دلالاته وتبعاته السياسية والعملية على الكل الفلسطيني وعلى فلسطينيي الداخل بشكل خاص. وتتعرض الأحزاب لانتقادات واسعة في منتديات التواصل الاجتماعي لاكتفائها بردود شعبوية وتصريحات إعلامية وخطوات ارتجالية وسط فقدان خطة حقيقية وتقادم أدوات النضال لمواجهة التحديات. من جهتها تقول الفعاليات السياسية الفلسطينية في أراضي 48 أنها تستعد لتدويل القضية والشروع في احتجاجات متصاعدة علاوة على المسار القضائي وسط تلويح بالتواصل مع الأشقاء في الأرض المحتلة عام 67 والعودة للمربع الأول عام 1948 والشروع بنضال مشترك ضد الأبرتهايد الإسرائيلي الذي بات رسميا بفعل القانون الجديد.
حاليا يناهض الدروز الفلسطينيون القانون في القضاء والاحتجاجات الإعلامية والميدانية بشكل منفصل عن بقية فلسطينيي الداخل، ويلاحظ أن صوتهم المعارض أعلى من سواهم، ويبدو أنهم يستمدون ذلك من خدمتهم العسكرية في جيش الاحتلال التي تجاهلها القانون وتجاهلهم رغم تضحياتهم فيها فيراهم أيضا مواطنين من الدرجة الثانية.
الحسابات الإسرائيلية متنوعة
وتناهض أوساط إسرائيلية واسعة قانون القومية الذي صادق عليه الكنيست بأغلبية ضئيلة جدا (62 صوتا مقابل معارضة 55 صوتا) بل تتزايد هذه الأصوات في ظل تصاعد احتجاجات الدروز داخل أراضي 48 على القانون. في معسكر اليمين الصهيوني تخشى بعض الأوساط أمثال رئيس إسرائيل رؤوفين ريفلين ووزيرا الأمن السابقان شاؤول موفاز وموشيه يعلون وآخرون أن يشكّل القانون مواد وذخائر إعلامية بيد أعداء إسرائيل خاصة حركة المقاطعة الدولية لاسيما أن بعض بنوده لم تعتمد اللف والدوران في الصياغات وتعتمد لغة عنصرية سافرة ومباشرة في منح اليهود امتيازات. ويبدى ريفلين، معارضته لمشروع قانون القومية، داعيا إلى إجراء تعديلات على بعض بنوده، وسوَّغ موقفه هذا «خشية من أن يتم توظيف القانون واستعماله ضد الشعب اليهودي حول أنحاء العالم». في مقال نشرته «هآرتس» حمل وزير الأمن الأسبق موشيه أرس على قانون القومية واعتبره غبيا ويعرض «حلف الدم» مع الدروز للخطر، فيما يواصل النائب بيني بيغن (نجل رئيس الحكومة الراحل مناحيم بيغن) هجومه على المشروع معتبرا أنه مناف للروح اللبرالية الأصلية الكامنة في حزبه «الليكود».
عمل رجس مؤذي
وعبر رئيس الشاباك السابق يوفال ديسكين، عن معارضته للقانون بقوة في مقال نشره موقع «والا» قال فيه «إنّ قانون القوميّة هو ليس قانون قوميتي، وكمواطنٍ في إسرائيل، لا أُريد أنْ أكون شريكا، ولو بصمت، في هذا العمل الرجس والمؤذي.
في الوقت نفسه يشير إلى أنّ الحديث لا يدور عن قانونٍ غير ضروريٍّ، كما يزعم المُعارضون من اليسار واليمين، إنمّا هو قانون مرفوض كليًا، جملةً وتفصيلا». وشدد على أنّ «قانون قوميته وقانون قومية العديد من مُواطني الدولة العبريّة كان وما زال وسيبقى وثيقة الاستقلال، التي تمّ الإعلان عنها في الرابع عشر من أيّار/مايو عام 1948 بعد عمل شاق وتحضير عميق ومُحاولات للتوصّل لاتفاق واسعٍ يُرضي أكبر شريحة من المجتمع». معتقدا أن اعتبارات رعاة القانون شعبوية، ويرى أنّ الحديث يجري عن لحظة تاريخيّة وعلامة فارقة في تاريخ الصهيونيّة والدولة اليهودية، زاعما «أن معارضي القانون المرفوض، وهم كثر، من اليسار، والمركز واليمين العاقل، والدروز، والمسلمين والمسيحيين، يستخدمون حقّهم في التعبير وبشكل ديمقراطيّ واسعٍ عن معارضتهم لنهج التشريعات الخطيرة، التي يعمل على سنّها اليمين القومي اليهودي في إسرائيل».
ورغم رفض رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو تعديل نص قانون القومية العنصري رغم كل الضغوط الإسرائيلية والأجنبية ضاربا بذلك عرض الحائط بالمطالبات والمناشدات التي وجهتها أوساط واسعة من المواطنين الدروز ممن يعتبرون القانون طعنة في الظهر وخيانة لهم، لأنه يعتبرهم مواطنين من الدرجة الثانية رغم كونهم يخدمون في جيش الاحتلال. وخلال لقاء مع الزعيم الروحي للدروز الشيخ موفق طريف يوم الجمعة وعد بتشريع قانون آخر يكفل حقوق الدروز.
11HAD
قانون القومية اليهودية ابن العنصرية الصهيونية أم وليد حسابات شعبوية؟