الناصرة ـ «القدس العربي»: لم تنجل بعد صورة الانتخابات الإسرائيلية بالكامل، لكن نتائجها تظهر بوضوح في رغبة الإسرائيليين باختيار من يرمز لتشددهم القومي والديني، لكراهيتهم وخوفهم حيال العرب وعدم تقاسم البلاد مع الفلسطينيين حتى وإن احتفظوا بثلاثة أرباعها.
كما تفيد مؤشرات كثيرة أن الإسرائيليين لم يكترثوا بالأفكار والمواقف من قضايا حارقة تهم حاضرهم ومستقبلهم كالقضايا الداخلية وتصرف هؤلاء خاصة الشرقيين منهم كالقطيع مدفوعين بالكراهية للفلسطينيين على طرفي الخط الأخضر وللنخب الغربية فنسوا غلاء المعيشة والفقر والفوارق الطبقية ومنحوا صوتهم لمن دغدغ عواطفهم دون السؤال عن الجهة التي يقودهم نحوها وربما ساعده بذلك ضعف مرشح « المعسكر الصهيوني « صاحب الإطلالة الجميلة الناعمة نعومة النساء.
ويبحث موقع «والا» الإخباري اليوم عن تفسيرات إضافية تتعلق بشخصية نتنياهو نفسه ويقول إنه في طريقه لتشكيل حكومته الرابعة بعد فوز حزبه بفارق كبير عن «المعسكر الصهيوني». ورغم تجند وسائل الإعلام ومئات الجنرالات بالاحتياط ضده نجح نتنياهو بفضل فكه رموز شيفرا الجينات الوراثية الإسرائيلية.
مع ذلك ينقسم الإسرائيليون حوله بين مؤيد متحمس وبين مناهض بقوة له.. فلماذا الاختلاف عليه بهذه الحدة ؟. بعض معارفه والعاملين معه يقدمّون لـ «والا» تفسيرات متنوعة في محاولة لفك لغز نتنياهو وفوزه بالانتخابات بعدما كاد الإعلام العبري ينعاه سياسيا ويتوج منافسة يتسحاق رتسوغ رئيسا لحكومة جديدة. وحسب المستشار الإستراتيجي السابق لنتنياهو يوسي ليفي فإن الأخير يدرك ما أدركه سابقه رئيس الحكومة الراحل مناحم بيغن (ليكود) بأنه يملك ورقة رابحة تتمثل بصورة الجانب المستضعف وصورة الضحية الملاحقة وفي كل ظهور له في الأيام العشرة الأخيرة كرر زعمه أن طبقات النخب الإعلامية والثقافية والقضائية تلاحقه وزملائه. ويشير ليفي أن هذه الاتهامات تقع على آذان صاغية لدى اليهود الشرقيين الذين ما زالوا يكابدون تمييزا عنصريا ويعتبرون مواطنين من الدرجة الثالثة في إسرائيل حتى اليوم.
زوار المقامات
ولذا فإن نتنياهو مدين بالشكر للفنان والكاتب يئير غاربوز بشكر كبير، فيبدو أن تصريحاته في مظاهرة شهدتها تل أبيب عشية الانتخابات، ألحقت ضررا فادحا بالمعسكر الصهيوني المعدود عليه بهجومه على «زوار القبور والمقامات وعبدة الأولياء الصالحين» في تلميح للشرقيين واليهود التقليديين وهم أغلبية في إسرائيل اليوم. بأقواله هذه أخرج غاربوز مارد الطائفية من القمقم وعرف نتنياهو كيف يعزف على أوتارها. ويتفق ليفي مع مراقبين آخرين بأن غاربوز زرع العاصفة الطائفية وسارع نتنياهو لحصدها في صناديق الاقتراع بعدما نجح بالتماثل مع جمهور واسع مسكون بالمرارة والتحامل على نخب غربية يسارية مؤيدة للمعسكر الصهيوني.
وحقق نتنياهو نصرا كبيرا على خصومه بفعل أجندته الأمنية وتلويحه بفزاعة طهران النووية وفزاعة «الطابور الخامس» وفيها هيّج اليهود خاصة الشرقيين منهم ضد العرب ودفعهم للصناديق بقوة.
الربيع العربي
ولا شك أن الأحداث الدرامية في المحيط العربي صبّت الماء على طاحونة نتنياهو ومنحته ذخائر في بناء استراتيجية ترهيب الإسرائيليين وصرف أنظارهم عن مظالمهم الاقتصادية – الاجتماعية وتغليب الأمن على كل ما هو سواه. ويرى سكرتير الحكومة السابقة المحامي تسفي هاوزر بذلك ويؤكد أن «المعسكر الصهيوني» لم يتنبه لخطورة استغلال نتنياهو عنصرية الإسرائيليين المتفاقمة ومخاوفهم من مدّ التنظيمات الإسلامية في دول عربية.
واصل «المعسكر الصهيوني» الحديث عن آمال ومعتقدات في ما بدا «الليكود» ملتصقا بالواقع معتمدا على الترهيب ومخاطبة غريزة الخوف وهي غريزة مهمة ومؤثرة على السلوك. ويخلص هاوزر للقول إن نتنياهو ظهر بنظر الإسرائيليين محقا أكثر.
كاريزماتي يشع ثقة
أما ميتشيل باراك مساعد نتنياهو في فترة عمله نائبا لوزير الخارجية (1991- 1993) فيشير لكونه صاحب شخصية كاريزماتية تشع ثقة لافتا إلى أن عامة الشعب والطبقات الدنيا طالما كانت تبحث عن قائد قوي يرون فيه القدرة على حراسة حدودهم وحمايتهم. ويصدق باراك في إشارة لعدم ظهور قائد كاريزماتي في العقدين الأخيرين في إسرائيل التي يتفق كثيرون على وجود أزمة قيادة فيها مقارنة مع جيل المؤسسين.
ويشير باراك أن تصميم نتنياهو على زيارة الكونغرس دليلا على قوة شخصيته بصرف النظر عن النتائج السياسية المترتبة على ذلك بالنسبة لإسرائيل ويتابع «يبدو نتنياهو بنظر الإسرائيليين قادرا على مواجهة حماس وحزب الله» وجمهوره يرى بالأمن الأمر الأهم وفي 1996 نجح بإقناع الإسرائيليين بأن منافسه شيمون بيريز سيقسم القدس ويبيع الدولة للعرب وفاز.
وتؤكد مديرة مكتب نتنياهو سابقا أوديليا كارمون على أهمية صورة القائد في الذهنية العامة، مشيرة إلى وجود فارق كبير بينها وبين الحقيقة على أرض الواقع. وتشير إلى دور إطلالته وقدرته على تمثيل دور القوي الواثق، موضحة وجود غلاف لممثل سينمائي في شخصية نتنياهو «الساحر».
خطوات محسوبة
الأمر الأهم بالنسبة ليوعاز هيندل مدير الدائرة الدعائية في مكتب رئيس الحكومة بولاية نتنياهو الثالثة هو كون الأخير «عقلاني وخطواته محسوبة». ويوضح أن نتنياهو يبتعد عن المغامرات ويعمل وفق خطة أمض مع الوقت ولا تفعل شيئا، معتبرا ذلك أحد أسباب استمرار شعبيته رغم أن عدم اتخاذ قرارات حاسمة ليس بصالح الإسرائيليين
«نبي الغضب»
أما جيل سامسونوف مدير حملة نتنياهو الانتخابية في الماضي فيقول إن النخب لا تحب «أنبياء الغضب» وإن نتنياهو بخلاف صورته العامة لا يعد بوعود كاذبة وهو منشغل بمواضيع صعبة ورؤيته للعالم متشائمة. ويرى أن نتنياهو استمرار لرؤساء حكومات أمثال شارون وبيغن ممن أثاروا الكثير من التأييد والكراهية معا. ويقول إن نتنياهو كوالده لا يقبل المسلمات بها في الحركة الصهيونية ولا يبحث عن رضا النخب.
فوق الشعب
ويشير رئيس مجلس المستوطنات سابقا داني دانون (الليكود) إلى أن نتنياهو يتعإلى في الحديث مع المتلقين ولا يخاطبهم بمستوى عيونهم. موضحا أن أوساطا من الإسرائيليين ممن يبحثون عن قائد قوي ينظرون إلى ذلك بإيجابية بينما يؤدي ذلك لرد فعل معاكس لدى أقلية. وتابع «ذات مرة أغلق إيهود براك زرا في قميصي وفي مرة ثانية اقترحت علي تسيبي ليفني أن تثبت لبيب إبرة وخيطا زرا متذبذبا في قميصي. مثل هذه الأمور لا تحدث لدى نتنياهو».
قوته في لسانه
في المقابل يشهد صديقه ومستشاره السابق شاعيا سيغل أن قوة نتنياهو بلسانه وبقدرته على الإصغاء للمتحدثين معه وإشعارهم بأن ما يقولونه مهم ويعرف كيف يعانق ويبدي معاملة دافئة».
مادة قيادية
وتعتبر رئيسة بلدية مدينة نتنياهو مريم فايربرغ المقربة من نتنياهو أنه فاشل في العلاقات الإنسانية مع من يحيطه من جهة، لكنه ساحر حقيقي مصنوع من مادة قيادية يتمتع بكاريزما وحضوره قوي صوته جهوري وخطيب يعرف كيف يسحر سامعيه.
وديع عواودة