قراءات الربيع (1): لا للسخاء بلقب «شعراء»!

حجم الخط
21

يلفتني في الأعوام الأخيرة ان من شاءت/شاء يكتب أي هراء ويطلق على نفسه لقب شاعر وتتناقل الصحف ذلك اللقب كالشائعات وفي ذلك ظلم للشعر العربي الحقيقي بجذوره المتغلغلة في تربتنا الروحية.
بل ان بعضهن/بعضهم يتهجم على شعراء القرن الماضي من جيل الستينات والسبعينات وما بعد وكأن الشعر ولد معه ولكننا حين نقرأ له نقرأ أيضاً «الفاتحة» عن روح الشعر العربي!!
والفارق شاسع بين المتشاعرة والشاعرة والمتشاعر والشاعر!!

«خليفة» الأدب الليبي: التليسي

كأن ذلك المبدع الليبي خليفة التليسي حدس ما سيكون: إطلاق لقب «شاعر» على من هبّت ودبّ، ومن يحلو له يطلق ذلك على نفسه إذا لم يجد من يفعل ذلك عنه ليتملقه لدوافع لاأدبية.. ولذا ترك لنا كتاباً جميلاً يظل جديداً هو «مختارات خليفة محمد التليسي من روائع الشعر العربي» ـ الصادر 1997 ـ الدار العربية للكتاب ـ ليبيا. وفيه نطالع قصائد مختارة لبدر شاكر السياب ونازك الملائكة ونزار قباني ومحمود عبد الرحيم وإبراهيم طوقان والشابي وإيلي أبو ماضي وسواهم كثير.. واختارهم من المحدثين والقدماء ربما ليرسم الارتباط الجميل بين الإبداع العربي في زمن مضى وزمان آت.. وهي نظرة عميقة الغور لا يدهشنا ان يتبناها الراحل خليفة التليسي..

نزوة إلغاء ما سبق

ولأنني لا أحب إغداق لقب شاعرة / شاعر على أي هراء، ولا أحب أن يتبنى البعض مقولة «يجب أن اقتلك أيها الماضي لأحيا»، أو «يجب ان ألغيك لأكون» ولأنني أعتقد ان الأدب العربي نهر إبداع يصب فيه المبدعون كلهم، وليس سداً في وجه الآخر، اخترت ان أقدم اليوم شعراً (حقيقياً) من مختارات خليفة التليسي التي أحسن اختيارها كما أبدع أصحابها في نزفها من شرايين تسبح فيها حروف أبجديتنا العربية «أمنا الكبيرة» كما كان التليسي يدعو لغتنا العربية..
وأجمل ما في مختارات التليسي انه لا يتكئ على معايير طائفية أو سياسية بل على جودة الشعر المرشح للبقاء وتجاوز الأزمنة..

قبل انتقادهم، طالعوهم!

في كل جيل أدبي يأتي متشاعر يتهم من سبقه بفقر الدم الناري (العنفواني) الزخمي، ولكنني لا أتفق مع ذلك حين أطالع قصائد كهذه: يكتب بدر شارك السياب
أصيح بالخليج: يا خليج / يا واهب اللؤلؤ والمحار والردى / فيرجع الصدى كأنه النشيج / أكاد أسمع العراق يزخر الرعود / ويخزن البروق في السهول والجبال/
أكاد أسمع النخيل يشرب المطر/ وأسمع القرى تئن، والمهاجرين يصارعون بالمجاذيف وبالقلوع،
منشدين،
مطر.. مطر.. مطر..
وكم ذرفنا ليلة الرحيل من دموع..»
بالله عليكم، أهذا شعر ينقصه الزخم والنبوءة وعنفوان القلب؟

الغضب على حالنا كعرب

بجنون، يصرخ نزار قباني:
كهوف الليل في باريس/ قد قتلت مروءاتك/
على أقدام مومسة هناك دفنت ثاراتك/
فبعت القدس… بعت رماد امواتك / كأن حراب إسرائيل لم تجهض شقيقاتك ولم تهدم منازلنا / ولم تحرق مصاحفنا…
ويصرخ أبو القاسم الشابي: إذا الشعب يوماً أراد الحياة / فلا بد أن يستجيب القدر.
وفي قصيدة أخرى نقرأ للشابي غاضباً:
أيها الشعب ليتني كنت حطاباً / فأهوي على الجذوع بفأسي / ليتني كنت كالسيول اذا سالت / تهد القبور رمساً برمسِ / ليتني كنت كالرياح، فاطوي / كل ما يخنق الزهور بنحسِ

هاجس الوطن.. والحب

نقرأ لإيليا أبو ماضي: وطن النجوم أنا هنا / حدق.. أتذكر من أنا / ألمحت في الماضي البعيد/ فتى غريراً أرعَنا / جذلان يمرح في حقولك / كالنسيم مدندنا / أنا في مياهك قطرة / فاضت جداول من سنى / أنا من ترابك ذرة / ماجت مواكب من منى..
الوطن العربي الجميل لبنان له نصيب من الشعر العربي المبدع.. يكتب خليل مطران عن قلعة بعلبك: خِربٌ صارت البرية فيها / فتنة السامعين والنظار/ معجزات من البناء كبارٌ/ ولأناس ملء الزمان كبار/ ألبستها الشموس تفويت دُرّ/ وعقيق على رداء نضار/
ويكتب «أمير الشعراء؟» أحمد شوقي: عن زحلة اللبنانية القريبة من بعلبك: ياجارة الوادي، طربت وعادني/ ما يشبه الأحلام من ذكراك / مثلتُ في الذكرى هواك وفي الكرى / والذكريات صدى السنين الحاكي / ولقد مررت على الرياض بربوة / غنّاء كنت حيالها ألقاك..

نعم للجيل الشاب شرط تواضع الكبار

«مختارات خليفة التليسي من روائع الشعر العربي» هي بحق كذلك وتقع في 550 صفحة ـ توزيع الدار العربية للكتاب ـ وتضم أيضاً قصائد تربط الماضي بالحاضر مذكرة أبناء المستقبل ان قطع الخيط مع التراث هو انقطاع لزخم الابداع عن عطائهم، ومن الشعراء القدامى الذين اختار لهم التليسي العديد من القصائد: المتنبي ـ الحمداني ـ ابن الرومي – البحتري ـ الحسين بن الضحكاك ـ أبو تمام ـ الخريمي ـ أبو العتاهية ـ العباس بن الحنف ـ أبو نواس ـ بشار بن برد ـ جرير ـ الفرزدق ـ وضاح اليمن ـ جميل بثينة ـ عمرو بن كلثوم ـ امرؤ القيس وسواهم كثير..
وسلام على روح خليفة التليسي الذي كان عاشقاً للغتنا العربية ووداعاً لعطاء كل من يتوهم ان الابداع هو قطع الصلة مع الماضي.. فالابداع طائر غريب، لا يحلق إلا إذا مشى فوق منجم عطاء الأجداد، والآباء.

قراءات الربيع (1): لا للسخاء بلقب «شعراء»!

غادة السمان

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول نجم الدراجي - العراق:

    واحة الشعر
    صباح الخير و السعادة سيدتي الايقونة
    صباح المودة والتواصل الجميل لرواد الصالون
    ويستمر مشوار التواصل الفكري من محطة الكبير توفيق صايغ الى مرافئ الاديب خليفة التليسي ، تقديم اكثر من رائع ببهاء الايثار الذي اعتدنا ان نلاحظه في مقالات السيدة الايقونة ، ومع الربيع نتنفس في واحة الشعر وكأنها غرست في هذه الواحة أجمل الورود والازهار بتعدد الوان الرائعين كالسياب في أنشودة المطر .. في كل قطرة من المطر حمراء أو صفراء من أجنة الزهر وكل دمعة من الجياع والعراة وكل قطرة تراق من دم العبيد فهي ابتسام في انتظار مبسم جديد ، وكذلك في قصيدة غريب على الخليج .. الشمس أجمل في بلادي من سواها و الظلام حتى الظلام هناك أجمل فهو يحتضن العراق ، والعملاق قباني حين يهاجم رعاة البترول ..
    كأن جميع من صلبوا..
    على الأشجار.. في يافا.. وفي حيفا وبئر السبع.. ليسوا من سلالاتك ، تغوص القدس في دمها وأنت صريع شهواتك
    تنام.. كأنما المأساة ليست بعض مأساتك متى تفهم ؟
    متى يستيقظ الإنسان في ذاتك ؟
    وكذلك ابو القاسم الشابي وايليا ابو ماضي وخليل مطران واحمد شوقي
    نعم سيدتي فأن طائر الابداع لم يصل لتلك القمة لولا منجم الاجداد وحضارة المتنبي والبحتري وابو العتاهية وابو نؤاس وكل الخالدين ، انا افهم بأن لقب شاعر او اديب او كاتب او فنان يطلقها الجمهور العام والنخبة على صاحبها وهي بذلك تقييم واضح لايحمل المجاملة او التملق الاجتماعي ، شكراً سيدتي لهذا التواصل الفكري والوفاء للمرافئ والمحطات .
    تحياتي
    نجم الدراجي . بغداد

  2. يقول زياني _ الجزائر:

    ابدعت واصبت يا ريشة الحروف المزخرفة عطر كلماتك يذكرنا بالزمن الجميل نشتاق لوجوههم بالابيض والاسود عبر جسر شعرهم المغمس بمشاعر الوطن والقضية الفلسطينيه ابداعهم صافي مجرد من الطائفيه والعصبية القومجية كلماتهم لكمات ضد المحتل العدو واحد عندهم سهامهم ثابتة الهدف ولا ترمى جزافا مثل شعراء اليوم يكتبون قصائد مدح وتبجيل مثل عدد شعرات سيدهم وابياتها دولارات مشاعرهم تهزها العملة والعمالة

  3. يقول أفانين كبة - مونتريال - كندا:

    مهمة الأديب والشاعر مهمة ثقافية وحضارية . فللشعر وظيفة اجتماعية ، و ليس فقط كلمات بتقنية لغوية جيدة ، وحشو لا نفهم منه شئ ، وماذا يريد ان يوصل الشاعر للقارئ من أفكار . وكما قيل هذه الأيام ، ما أكثر الشعر وما أقل الشعراء . ففي زمن التكنولوجيا ممكن ان يصبح الانسان شاعرا خلال دقائق وينال الاعجاب من الالاف في مواقع التواصل الاجتماعي . وتلعب دور النشر التجارية ايضا دور كبير في ولادة دواويين شعرية لشاعر ناشئ خلال ايام ولا يهمها المحتوى . لم يعد هذا الجيل يفهم لغة واسلوب الشعراء القدامى والرواد ، فكم من الشعر نقرأه بالعين ونسمعه بالأذن ، لكنه لا يدخل القلب !
    أفانين كبة
    مونتريال

  4. يقول غاندي حنا ناصر -كوريا الجنوبيه -سول:

    ست غاده صباح الخير ويوم سعيد
    أين تقف الأديبه المخضرمه غاده السمان من شعر وشعراء المقاومه الفلسطينيه وأخص بالذكر تحديدآ ايقونه وإشبين الثوره الفلسطنيه محمود درويش أراك تتجنبين درويش في مواطن كثيره لا اذكر انني مررت بمحطه لك مع درويش أو حتى سميح القاسم أو توفيق زياد أو إميل حبيبي أو جمال قعوار . أين تقف غاده السلمان كاأديبه وكمثقفه عربيه مخضرمه من أدب المقاومه عمومآ.
    لك والرواد هذا المنبر والأعزاء المعلقين جميعآ الحب والتقدير .. وإلى إبنتي العزيزه منى طالت الغيبه منى لك الحب والتقدير

    ————
    إبن النكبه العائد إلى يافا
    لاجىء فلسطيني

    1. يقول Ossama Kulliah أسامة كليَّة سوريا/المانيا:

      أعتقد أن ربيع 2 و3 … قادمة أخي غاندي

  5. يقول رياض- المانيا:

    انه صباح الشعر والجمال والادب ولغتنا العربية ( أمنا). فاسعد الله صباحك بالخير والمحبة استاذة غادة. تؤثر في قصيدتان من الشعر العربي بشكل استثنائي لانهما تعبران عن صدق الشاعرين في وصف مشاعرهما الانسانية ، صدق يصف حجم المأساة بدقة متناهية . ما ان ابدأ قراءة القصيدة العينية لابن زريق البغدادي ، حتى اتخيل نفسي قد طرت في رحلة عابرة للزمان والمكان وجلست الى جانبه وبدأت بقياس نبضه وتحسس حرارة جسده المرتفعة ، صوته الخافت اللائم لنفسه لعدم سماعه لنصح حبيبته وزوجته التي تركها في بلاد بعيدة طالبا للرزق، واذ بالموت يعاجله في غربته ووحدته. اتخيلني اجلس الى جانب ابن زريق ما ان يكمل البيت الاخير حتى تفيض روحه، فابكيه ثم ادفنه واحمل قصيدته باحثا عن زوجته التي استشعرت مصيره . هل فعلا سمعت زوجته بالقصيدة؟! أم انها وصلت الينا نحن ولم تصل اليها؟
    القصيدة الثانية هي قصيدة ابو البقاء الرندي في رثاء الاندلس. مشاعر ابي البقاء استثنائية ايضا في وصف حجم المأساة والمصيبة وقد ضاعت البلاد. فيذكرها مدينة مدينة وقرية  قرية، يخرج من بين الابيات اصوات لنحيب ابي البقاء وتسارع نبضه وانفاسه وهو لا يكاد يصدق ما يراه اذ يقول ( اختصرت ابيات القصيدة ولكنها تستحق القراءة كاملة):
    لكُلِّ شَـيءٍ إِذا مـا تَمّ نُقصانُ      فَـلا يُـغَرَّ بِـطِيبِ الْعَيْشِ إِنسانُ
    هِـيَ الأُمُـورُ كَما شاهَدْتَهَا دُوَلٌ      مَـنْ سَـرَّهُ زَمَـنٌ سَـاءَتْهُ أَزْمَانُ
    وَهَـذِهِ الـدَّارُ لَا تُبْقِي عَلَى أَحَدٍ      وَلا يَـدُومُ عَـلَى حَالٍ لَهَا شَانُ
    أَيْـنَ المُلُوكُ ذَوُو التِّيجَانِ مِنْ يَمَنٍ    وَأَيْـنَ مِـنْهُمْ أَكَـالِيلٌ وَتِـيجَانُ
    وَأَيْـنَ مَـا شَـادَهُ شَـدّادُ فِي إِرَمٍ    وَأيـنَ مَا سَاسَهُ فِي الفُرْسِ سَاسَانُ
    وَأَيْـنَ مَـا حَازَهُ قَارُونُ مِنْ ذَهَبٍ    وَأَيْـنَ عَـادٌ وَشَـدَّادٌ وَقَـحْطَانُ
    أَتَـى عَـلَى الْـكُلِّ أَمرٌ لا مَرَدَّ لَهُ    حَـتَّى قَضَوْا فَكَأنّ الْقَوْمَ مَا كَانُوا
    اما ابن زريق فيقول في قصيدته العينية عن الحب والموت والغربة:
    لا تَعذَلِيه فَإِنَّ العَذلَ يُولِعُهُ
    قَد قَلتِ حَقاً وَلَكِن لَيسَ يَسمَعُهُ
    جاوَزتِ فِي لومه حَداً أَضَرَّ بِهِ
    مِن حَيثَ قَدرتِ أَنَّ اللوم يَنفَعُهُ
    فَاستَعمِلِي الرِفق فِي تَأِنِيبِهِ بَدَلاً
    مِن عَذلِهِ فَهُوَ مُضنى القَلبِ مُوجعُهُ
    يتبع لطفا..

  6. يقول سوري:

    يقول رهين المحابس الثلاثة ابو العلاء المعري
    ومن لم ينل في القول رتبة شاعر تقنع في نظم برتبة راجز
    وقسم من يدعي الشعر الى: شاعر، وشويعر، وشعرور
    وهؤلاء الذين تحدثت عنهم يا ابنة الشام ملهمة الشعراء وقاهرة الغزاة لعمري هم من رتبة الشعرور ويرجزون ولا يشعرون بضم الياء
    فالشعر كما يقول حبيبي أبو نؤاس من عقد السحر: وكنت في مشهد الينها والشعر من عقد السحر
    والشاعر ساحر يجعل القوافي ترن في قلوبنا والعبارة تشعل نفوسنا، وقصة علي بن الجهم في مدح الخليفة المتوكل عندما جلب راعيا من الصحراء الى بغداد فقال له :
    انت كالكلب في حفاظك للود وكالتيس في قراع الخطوب
    أَنتَ كَالدَلوِ لا عَدِمناكَ دَلواً مِن كِبارِ الدِلا كَثيرَ الذَنوبِ

    كان شاعرا بكل المقاييس كالماسة التي يكفي ان نصقلها، و عرف المتوكل كيف يصقله فأمر له بالماء والخضرة والوجه الحسن فأنشد من أجمل الشعر العربي
    عيون المها بين الرصافة والجسر جلبن الهوى من حيث ادري ولا ادري
    وروي لي شاعرنا الكبير نزار قباني في احد اللقاءات ان جزائريا دخل عليه عندما كان قنصلا في الارجنتين لطلب تأشيرة فوجد اسمه مكتوبا على لوحة على طاولته: القنصل العام نزار قباني، فقال له انت الشاعر نزار قباني فقال له نعم فغضب الجزائري وقال له: هذا المكان ليس مكانك انت يجب ان تكون بين الزهور امام الشواطيء، بين الحسان لتثرينا من شعرك، ومنذ تلك اللحظة قال نزار: استقلت من وظيفتي كقنصل وعدت الى شعري،
    اشكر المتوكل وهذا الجزائري اللذين جعلا شاعرين عربيين يزيداننا شعرا جميلا وليس رجزا

  7. يقول رياض- المانيا:

    تتمة القصيدة العينية:
    قَد كانَ مُضطَلَعاً بِالخَطبِ يَحمِلُهُ
    فَضُلِّعَتْ بِخُطُوبِ الدهرِ أَضلُعُهُ
    يَكفِيهِ مِن لَوعَةِ التَشتِيتِ أَنَّ لَهُ
    مِنَ النَوى كُلَّ يَومٍ ما يُروعُهُ
    ما آبَ مِن سَفَرٍ إِلّا وَأَزعَجَهُ
    رَأيُ إِلى سَفَرٍ بِالعَزمِ يَزمَعُهُ
    كَأَنَّما هُوَ فِي حِلِّ وَمُرتحلٍ
    مُوَكَّلٍ بِفَضاءِ اللَهِ يَذرَعُهُ
    إِنَّ الزَمانَ أَراهُ في الرَحِيلِ غِنىً
    وَلَو إِلى السَدّ أَضحى وَهُوَ يُزمَعُهُ
    تأبى المطامعُ إلا أن تُجَشّمه
    للرزق كداً وكم ممن يودعُهُ
    وَما مُجاهَدَةُ الإِنسانِ واصِلَةً
    رزقَاً وَلا دَعَةُ الإِنسانِ تَقطَعُهُ
    قَد وَزَّع اللَهُ بَينَ الخَلقِ رزقَهُمُ
    لم يَخلُق اللَهُ مِن خَلقٍ يُضَيِّعُهُ
    لَكِنَّهُم كُلِّفُوا حِرصاً فلَستَ تَرى
    مُستَرزِقاً وَسِوى الغاياتِ تُقنُعُهُ
    وَالحِرصُ في الرِزقِ وَالأَرزاقِ قَد قُسِمَت
    بَغِيُ أَلّا إِنَّ بَغيَ المَرءِ يَصرَعُهُ
    وَالدهرُ يُعطِي الفَتى مِن حَيثُ يَمنَعُه
    إِرثاً وَيَمنَعُهُ مِن حَيثِ يُطمِعُهُ
    أستَودِعُ اللَهَ فِي بَغدادَ لِي قَمَراً
    بِالكَرخِ مِن فَلَكِ الأَزرارَ مَطلَعُهُ
    وَدَّعتُهُ وَبوُدّي لَو يُوَدِّعُنِي
    صَفوَ الحَياةِ وَأَنّي لا أَودعُهُ
    وكم تشفَّع فى أن لا أفارقه
    وللضرورة حالٌ لا تُشَفِّعُه
    وَكَم تَشبَّثَ بي يَومَ الرَحيلِ ضُحَىً
    وَأَدمُعِي مُستَهِلّاتٍ وَأَدمُعُهُ
    لا أَكُذبُ اللَهَ ثوبُ الصَبرِ مُنخَرقٌ
    عَنّي بِفُرقَتِهِ لَكِن أَرَقِّعُهُ
    إِنّي أَوَسِّعُ عُذري فِي جَنايَتِهِ
    بِالبينِ عِنهُ وَجُرمي لا يُوَسِّعُهُ
    رُزِقتُ مُلكاً فَلَم أَحسِن سِياسَتَهُ
    وَكُلُّ مَن لا يُسُوسُ المُلكَ يَخلَعُهُ
    وَمَن غَدا لابِساً ثَوبَ النَعِيم بِلا
    شَكرٍ عَلَيهِ فَإِنَّ اللَهَ يَنزَعُهُ
    اِعتَضتُ مِن وَجهِ خِلّي بَعدَ فُرقَتِهِ
    كأساً أَجَرَّعُ مِنها ما أَجَرَّعُهُ
    كَم قائِلٍ لِي ذُقتُ البَينَ قُلتُ لَهُ
    الذَنبُ وَاللَهِ ذَنبي لَستُ أَدفَعُهُ
    أَلا أَقمتَ فَكانَ الرُشدُ أَجمَعُهُ
    لو أَنَّنِي يَومَ بانَ الرُشدُ اتبَعُهُ
    إِنّي لَأَقطَعُ أيّامِي وَأنفقُها
    بحَسرَةٍ مِنهُ فِي قَلبِي تُقَطِّعُه
    بِمَن إِذا هَجَعَ النُوّامُ بِتُّ لَهُ
    ِلَوعَةٍ مِنهُ لَيلى لَستُ أَهجَعُهُ
    لا يَطمِئنُّ لِجَنبي مَضجَعُ وَكَذا
    لا يَطمَئِنُّ لَهُ مُذ بِنتُ مَضجَعُهُ
    ما كُنتُ أَحسَبُ أَنَّ الدهرَ يَفجَعُنِي
    بِهِ وَلا أَنَّ بِي الأَيّامَ تَفجعُهُ

  8. يقول رياض- المانيا:

    نهاية القصيدة:

    حَتّى جَرى البَينُ فِيما بَينَنا بِيَدٍ
    عَسراءَ تَمنَعُنِي حَظّي وَتَمنَعُهُ
    قَد كُنتُ مِن رَيبِ دهرِي جازِعاً فَرِقاً
    فَلَم أَوقَّ الَّذي قَد كُنتُ أَجزَعُهُ
    بِاللَهِ يا مَنزِلَ العَيشِ الَّذي دَرَست
    آثارُهُ وَعَفَت مُذ بِنتُ أَربُعُهُ
    هَل الزَمانُ مَعِيدُ فِيكَ لَذَّتُنا
    أَم اللَيالِي الَّتي أَمضَتهُ تُرجِعُهُ
    فِي ذِمَّةِ اللَهِ مِن أَصبَحَت مَنزلَهُ
    وَجادَ غَيثٌ عَلى مَغناكَ يُمرِعُهُ
    مَن عِندَهُ لِي عَهدُ لا يُضيّعُهُ
    كما لَهُ عَهدُ صِدقٍ لا أُضَيِّعُه
    وَمَن يُصَدِّعُ قَلبي ذِكرَهُ وَإِذا
    جَرى عَلى قَلبِهِ ذِكري يُصَدِّعُهُ
    لَأَصبِرَنَّ على دهر لا يُمَتِّعُنِي
    بِهِ وَلا بِيَ فِي حالٍ يُمَتِّعُهُ
    عِلماً بِأَنَّ اِصطِباري مُعقِبُ فَرَجاً
    فَأَضيَقُ الأَمرِ إِن فَكَّرتَ أَوسَعُهُ
    عَسى اللَيالي الَّتي أَضنَت بِفُرقَتَنا
    جِسمي سَتَجمَعُنِي يَوماً وَتَجمَعُهُ
    وَإِن تَغُلُّ أَحَدَاً مِنّا مَنيَّتُهُ
    فَما الَّذي بِقَضاءِ اللَهِ يَصنَعُهُ

    الف الف تحية لك استاذة غادة وللقراء والمعلقين. ما اجمل لغتنا العربية!

  9. يقول mohsen sulieman:

    لا اعرف لماذا دائما تستثنين محمود درويش من خارطة الشعر العربي لبست هذة هي الحالة الاولي
    فكانك تعتبرينه حالة عابرة لا يستحق حتى ان يذكر اسمه وهو من هو

  10. يقول ar/ malysia:

    اتفهم، وانا مثلك، انزعاجك من الرداءة اللغوية، ونقص الدوات، وجفاف الخيال، لمجموعة من مدعي الشعر، ولكن ياسيدتي ماالبديل؟ ومن يملك السطوة ليعطي ‘لولا انا ابا بصير انشدني لقلت انك اشعر من في العرب’. ارى انها دعوة لمد الدكتاتورية الى هذه الحديقة الرائعة والتي تستهوي اذواق مختلفة ، بعضه يعبر عن الانبهار ببرعم اخضر لا شكل له، والآخر لايرى سوى الورد الجوري المتناسق كامل النضج ذي الرائحة المتفق عليها. اتخيل ان جمع الشعراء المحدثين الذين ذكرتي لم يريقوا لشعراء مدرسة عمود الشعر العربي، مع انهم، وبالاخص شعراء الرافدين، احدثوا اعدة تموضع الشعر العربي في عمق التكوين للانسان العربي.

    1. يقول Ossama Kulliah أسامة كليَّة سوريا/المانيا:

      معك حق أخي ar/ malysia حيث لايمكن الحكم مسبقاً على الشعر أو الشاعر وعلينا أن نقرأ ونستمع إلى الجميع ومن ثم نستطيع أن ننتقد بهذا الاتجاه أو ذاك أيجابا أو سلباً ولكن طبعا النقد شيء طبيعي طالما هو بعيدعن مايمكن تسميته السلطوية الفكرية.

    2. يقول Ossama Kulliah أسامة كليَّة سوريا/المانيا:

      معك حق أخي ar/ malysia حيث لايمكن الحكم مسبقاً على الشعر أو الشاعر وعلينا أن نقرأ ونستمع إلى الجميع ومن ثم نستطيع أن ننتقد بهذا الاتجاه أو ذاك أيجابا أو سلباً ولكن طبعا النقد شيء طبيعي طالما هو بعيداً عن مايمكن تسميته السلطوية الفكرية.

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية