قراءة موجزة لأعمال التشكيلي المغربي محمد الهواري: مشاعرُ الأمُومَةِ في بُورْتريهاتٍ ناطقةٍ

في أعمال التشكيلي المغربي محمد الهواري نجد هذا التنوع الفريد في بورتريهاته، وكأنه على غرار الكثيرين من المبدعين يرى أن التجريب المتواصل كفيل بصقل التجربة وبإبداع الجديد، الذي لا يكرر نفسه. وفي أعماله الأخيرة اختار أن يكرس الكثير من أعماله في البورتريه للمرأة تحمل طفلها على ظهرها كي ينعم بالراحة، أو تحتضنه وتسنده إلى صدرها مستمتعا بإيقاع نبضها الحامل لأنبل وأرقى المشاعر. يقدم الأم بقسماتها الموحية بالكثير مما يسكن صدرها إزاء الكائن والمصير المنتظر من كل ما يتعلق بعيش طفلها باعتباره مسؤوليتها الكبرى. يقدمها بصيغ فنية متقاربة، لكن نظرة عميقة إلى كل منها يجعلك تكتشف المختلف والمؤتلف وما يتجدد في كل نظرة.
في كل لوحة تطل عليك المرأة بملامح تعمق الإحساس بنظرتها التي تبدو وكأنها تتجدد كي تحيل إلى أكثر من شعور وإحساس بالكامن في صدرها إزاء وليدها الذي يتخذ ظهرها عشا يحميه من لفحات الحر ولسعات البرد ، هكذا نجد هذا التعدد الملمحي ونحن نتجول وسط أعماله المتوحدة من حيث المفردة «الأم تحمل طفلها على ظهرها» والمختلفة من حيث الدلالات الإحساسية التي ترمي إليها.
إن اهتمام الفنان محمد الهواري بثيمة الأم الحاملة لطفلها لصيقا بها يحتمل أن يكون لغرضين اثنين:
ـ الأول كامن في كون الأم في البادية المغربية ـ حاليا ـ بدأت تنحو نحو العصرنة محاولة التخلي عن بعض من عاداتها العريقة، فصار بعضهن يخصص للطفل عربة تساق، مما يخلق مسافة بين الأم وجسد الطفل الصغير المحتاج إلى الحنان.
ـ الثاني حنانه وهو في سنه الحالي إلى أيام كانت الأم تصاحب ابنها راكبا على ظهرها كي يشاركها رحلتها في السوق وفي المطبخ وفي شتى أعمالها.. وبهذا تتحول بورتريهات محمد الهواري إلى أيقونات تغوص في الذاكرة كي تستحضر بعض ما كنا عليه ولتنبه إلى بعض ما نحن سائرون إليه.
إنها وجوه للأمومة بما تحمله من وشائج العناية المستلهمة من خالقها سبحانه وتعالى، كسائر مخلوقاته التي تحنو على صغارها وإن كانت من الضواري. ولذا نجده حريصا على إكساب رسوماته العمق الإنساني عبر الظل والضوء والاختيارات اللونية المتنوعة. وبعيدا عن الرمزية والتجريد والغموض ينجز أعماله لتعكس المرأة، وهي تعيش حياتها النابضة مع وليدها المحتاج إلى الرعاية والعناية والضم العميق إلى أجل مسمى، معمقا لروح الأمومة والبنوة لتصير اللوحة حاملة لأبعاد إنسانية نابعة من الوجدان الفردي وهي تخاطب الوجدان الجمعي في كل بقاع العالم، ما دام الجانب الإنساني العاطفي والروحي موحدا لكل الناس بعيدا عن الملل والنحل والحدود. وكأن أعماله وأمثالها تعلمنا كيف نقرأ نبض الملامح، فهي المرآة التي تطل من خلالها خلجات المشاعر المتباينة إزاء الذات وإزاء الموضوع. وتشير أعماله إلى حرصه على إنجاز أعماله متوخيا إخراجها بشكل جميل للتبوأ مكانة تجعلها الأعمق والأفضل، واختياره لثيمة الأم في علاقتها بطفلها اختيار إبداعي يحمل الكثير من الإمتاع ويثير الكثير من التساؤلات.
من هذه الحيثيات، ومن هذا المنطلق يعتبر ما ينجزه الفنان محمد الهواري مجديا إزاء الأمومة وإزاء العلاقات الإنسانية التي صارت تضمحل رويدا رويدا أمام سيادة قيم الاستهلاك المهيمنة على النفوس فأفقدتها نبل الحنان والتعاطف الإنساني في المسرات والأحزان.

٭ ناقد تشكيلي مغربي

هامش

الفنان محمد الهواري في سطور
محمد الهواري من مواليد تيغسالين ضواحي خنيفرة في المغرب.
فنان تشكيلي أمازيغي شارك في عدة معارض داخل وخارج الوطن، الجديدة، قلعة مكونة، فرنسا، القنيطرة، سطات، أكادير
حصل على جوائز تقديرية لعطاءاته الفنية في البورتريه والقصبة وغيرها من الفنون التشكيلية
حاصل على الإجازة في الدراسات الأمازيغية في فاس سايس
له اهتمامات خاصة بالصورة السينمائية واللوحة التشكيلية
له فيلمان تربويان قصيران «شعاع» و»تميمة لدجيكة» وقد حازا جوائز تقديرية وتشجيعية في مهرجانات وطنية.
والمعروف عنه اهتمامه الكبير بتجسيد الطابع الحضاري والثقافي للبيئة الأمازيغية بناسها ودواجنها وقصباتها، لذا تجد لوحاته رغم تنويعاتها الثيماتية تنحو إلى اقتناص الجميل في التراث الأمازيغي العريق.

لحسن ملواني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية