قصة سقوط الرقة بيد الجهاديين… خيانات وإعدامات ثم ممارسات قاسية…

حجم الخط
0

لندن ـ «القدس العربي»: يمثل سقوط بلدة تل أبيض بيد قوات الحماية الشعبية ضربة قوية لتنظيم «الدولة الإسلامية» حيث تعتبر منطقة إستراتيجية في طريق الإمدادات بين عاصمة الدولة السورية وهي الرقة والحدود التركية التي تعبر منها البضائع والمواد الغذائية ويهرب عبرها النفط والأهم يدخل منها المقاتلون الأجانب الذين يمثلون عصب «التنظيم» وقوته القتالية.
ويظل الوضع مرتبطا بقدرة الأكراد على مواصلة الزحم ومحاصرة الرقة وخنقها تمهيدا للهجوم عليها. إلا أن المهمة هذه صعبة وتحتاج إلى وقت خاصة في ظل اتهامات فصائل للمعارضة السورية وسكان هربوا من تل أبيض الجماعات الكردية بممارسة التطهير العرقي ضد السكان العرب.
ومثلما حدث في بلدة عين العرب/كوباني العام الماضي لم يكن باستطاعة أكراد سوريا السيطرة على تل أبيض بدون مساعدة من قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم «الدولة» وهو ما عبر عنه صحافي كردي سوري قال إن قوات «الحماية الشعبية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي» كانت تحتاج لعامين كي تستعيد تل أبيض ولكن التحالف المعادي لداعش سرع من عملية تقدمها وبالتالي السيطرة على البلدة.
ومن هنا فيمكن أن تتحول مناطق الأكراد في شمال ـ شرقي سوريا التي خرجت قوات تنظيم «الدولة» من معظمها إلى نقطة إنطلاق نحو الرقة مما يعني أن ما كان مستحيلا تحقيقه قبل أسابيع بات في مدى النظر.

كيف سيطر «داعش» على الرقة؟
ويأتي التقدم الكردي في سوريا بعد تعليقات تحدثت في الذكرى الأولى لسقوط الموصل العام الماضي والرمادي قبل شهر بعض المعلقين للقول إن «داعش» وجد ليبقي لكن الدينامية على الأقل في الجانب الكردي تتغير.
واللافت للنظر أن مكاسب الأكراد ستقربهم أكثر من الولايات المتحدة رغم مظاهر القلق التركي الذي يرى في الحماية الشعبية فرعا لـ»حزب العمال الكردستاني (بي كي كي)» المصنف إرهابيا في كل من تركيا وأمريكا. كما ويثير مخاوف العرب السوريين الذين يتعاملون بخوف مع المشروع الكردي الانفصالي الراغب بالاستقلال مما سيؤثر على وحدة سوريا الطبيعية.
وفي الظرف الحالي أصبحت الرقة عرضة للخطر وهي المدينة التي تعيش حالة من الخوف والرهاب.
ففي تقرير أعدته روث شيرلوك لصحيفة «دايلي تلغراف» نقلت فيه عن مقاتل سابق في الرقة وصف الحياة في المدينة بعد سيطرة مقاتلي تنظيم «الدولة» عليها.
وتقول شيرلوك إن قصة حسن وآثار التعذيب على جسده والصور التي يحملها معه للأصدقاء الذين قتلوا تصلح لأن تكون حبكة لفيلم من أفلام جيمس بوند.
ووصف الطالب البالغ من العمر 20 عاما والذي تحول إلى عامل إسعاف بعد صعود تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» وتحدث بتفصيل عن الإرهاب الذي تعيشه مدينة الرقة والتي تحكم عبر الاضطهاد والخوف.
فقد قطع «داعش» خطوط الإنترنت والهواتف ويعاقب من يضبط وهو يلتقط أفلام فيديو أو صور بالموت.
وبعد عام من إعلان أبو بكر البغدادي عن «الخلافة» تمثل شهادة حسن عما يجري داخل المدينة صورة عما فعله «التنظيم» فيها وما استخدمه من أساليب وخيانات عزلت مدينة الرقة عن العالم الخارجي.
وفي المقابلة التي أجرتها الصحيفة البريطانية معه في مدينة غازي عينتاب جنوب تركيا وصف حسن الظروف التي دخل فيها «التنظيم» الرقة.

سيارة مفخخة
ففي آب/أغسطس 2103 كان حسن يعمل سائق سيارة إسعاف في قاعدة تابعة لفصيل معتدل عندما وصل سمير مطيران وهو أمير من أمراء «داعش» في سوريا وزعم أنه يريد «التفاوض لإنهاء القتال» بين تنظيمه والتنظيمات المعتدلة. وفي ذلك الوقت كان «داعش» عبارة عن مجموعة صغيرة انشقت عن «جبهة النصرة» وكان في حرب مع مجموعة مسلحة «أحفاد الرسول» حول أسلحة غنمها المقاتلون من نظام بشار الأسد.
وعندما سمح «فهد» أحد حراس القاعدة لمطيران بالدخول حيث تحدث مع القادة ليعود كي يركب سيارته التي لم تشتغل تركها وقال إنه سيبحث عن ميكانيكي ويعود.
غادرحسن القاعدة كما يقول للعودة إليها في اليوم الثاني لكنه لم يعد في الوقت المناسب عندما انفجرت سيارة أمير «داعش» «صحوت من النوم على رنين الهاتف، وكان على الجانب الآخر شخص من القاعدة وأخبرني أن سيارة الأمير انفجرت ورجاني الحضور للمساعدة في نقل الجرحى».
كان التفجير مقدمة لسلسة من السيارات المفخخة في خطة تنظيم «الدولة» السيطرة على الرقة بشكل كامل.عندما وصل حسن القاعدة وجد مقاتلي تنظيم «الدولة» وقد أغلقوا المدخل إليها ولكنه و 100 من المحتجين استطاعوا الدخول إليها ليجدوا الكثير من الضحايا «كانت جثث الكثير من أصدقائي الذين درست معهم في الجامعة ملقاة على الأرض».
ونقل حسن بمساعدة رفيق له جثث القتلى إلى مشرحة المستشفى أما الجرحى والذين كان فهد واحدا منهم فنقل عدد منهم إلى بيوت آمنة.
ويضيف حسن «عندما عدت إلى المستشفى لاحقا وجدت فهد ميتا على سريره بعد إطلاق النار عليه»، «ربما قام أحد مقاتلي أحفاد الرسول بقتله، لاتهامه بالتعاون مع أمير داعش وتسهيل دخوله، ولكني أعرف أنه رجل طيب».
ولم يكن الشك فقط في صفوف المعارضة بل وفي داخل تنظيم «الدولة». فقد طلب من صديق له اسمه عقيل كيكون علاج أحد مقاتلي «داعش» الذي مات بعد أيام.
واتهم تنظيم «الدولة» عقيل بالتسبب بوفاته «وهذا ليس صحيحا لأن عقيل كان جهاديا يدعم قيام دولة إسلامية. وكان يعمل لـ»داعش» أحسن من البغدادي نفسه».
ويضيف «كان من أفضل أصدقائي داخل تنظيم «الدولة». لكن هذا الولاء لم ينقذ عقيل من الإعدام في الساحة العامة.
ولم يسيطر الجهاديون على الرقة بشكل كامل إلا بعد وصول تعزيزات من المقاتلين الأجانب حيث أكملوا احتلال مدينة الرقة في كانون الثاني/يناير. ويقول حسن «أصدروا إنذارا لـ»جبهة النصرة» وما تبقى من فصائل: انضموا إلينا أو غادروا المدينة».
ويضيف حسن أن ما تبع ذلك كان أكثر الأيام دموية. ويقول إنه نقل في سيارة الإسعاف التي كان يقودها «100 جثة».
وخوفا من الانتقام جاءت عائلات الجرحى للمستشفى ونقلتهم إلى بيوت آمنة. ويقول حسن «وصلت إلى المستشفى بعد يوم طويل في الميدان ووجدته فارغا إلا من جنين في حاضنة» و»في تلك اللحظة شعرت بالخوف وعرفت أن داعش سيطر على الرقة». ومع فرار بقية الفصائل من المدينة حضرت مجموعة من مقاتلي «داعش» إلى مركز الهلال الاحمر وصادروا سيارات الإسعاف وأجبروا 10 من العاملين على خلع زيهم ولبسوه. واستخدموها للدخول إلى المركز حيث كانت «جبهة النصرة» تقيم.
وعندما دخلوه بدأوا بإطلاق النار «وكانت نهاية جبهة النصرة في الرقة». ويشير حسن ان إعلان أبو بكر البغدادي عن الخلافة في حزيران/يونيو 2014 كان مناسبة احتفال حيث وزع الجهاديون النفط مجانا على السكان وأفرجوا عن المعتقلين في السجون.

مدينة مغلقة
وبسرعة تحولت مدينة الرقة المعروفة بانفتاحها إلى أكثر المدن انغلاقا وأجبرت النساء على وضع النقاب لا يسمح لهن بمغادرة البيوت.
وجمع الرجال والأولاد حيث نقلوا إلى معسكرات الشريعة التي تلقوا فيها دروسا دينية وتدريبات عسكرية. ومن ثم بدأ المقاتلون الأجانب بالتدفق على الرقة وتمتعوا بمعاملة تمييزية وغنائم الحرب بما في ذلك الرقيق.
ويقول إنه شاهد الطيار الأردني معاذ الكساسبة حيث استعرضوه داخل المدينة قبل وضعه في قفص حرقوه فيه.
ورواية حسن عن القمع داخل أراضي تنظيم الدولة وإن تتوافق مع عدد من الشهادات القليلة التي خرجت من مناطق التنظيم، خاصة الموصل، حيث يتصل الصحافيون الأجانب مع سكان داخل أراضي «الدولة» وترسم شهاداتهم صورة قاتمة عن الحياة في ظل الدولة الجهادية. ومع ذلك فقد أقام تنظيم «الدولة» شكلا من أشكال الإدارة.

نظام يتجذر
وكما يشير تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» ففي شمال سوريا أصلح الجهاديون خطوط الكهرباء وأصلحوا أنظمة المجاري وقاموا بطلاء أرصفة الشوارع. وفي الرقة قاموا بتفتيش الأسواق والمسالخ بحثا عن أطعمة فاسدة وحيوانات مريضة.
وفي الجنوب من الرقة بمدينة دير الزور فرضوا ضرائب على المزارعين وأصحاب المحال وغرموا أصحاب اللحى القصيرة. ويضيف التقرير أن تنظيم «الدولة» يسير رحلات منتظمة بالحافلات عبر الحدود إلى مدينة الموصل في العراق حيث يقتل أسرى الحرب هناك ويتلقى الأولاد تدريبات على حرب العصابات. وفي الشهر الماضي افتتح التنظيم فندقا باذخا في الموصل وقدم تنزيلات للمتزوجين حديثا، ثلاث ليال مع الوجبات.
وتعلق الصحيفة أنه «بعد عام من السيطرة على الموصل و 10 أشهر على بدء الولايات المتحدة وحلفائها حملة غارات جوية ضد تنظيم «الدولة» لا يزال هذا يؤكد جذوره في المناطق التي تقع تحت سيطرته.
وتضيف الصحيفة ان الجهاديين قاموا بملء الفراغ الذي تركته الحكومتين السورية والعراقية في المناطق الشاسعة التي خرجت عن سيطرتها. وبحسب مقابلات أجرتها الصحيفة مع سكان يعيشون في مناطق تنظيم «الدولة» كشف في مجملها عن أن «داعش» يقوم بتوفير قدر من الأمن والوظائف في وضع اقتصادي منهار. ويعطي حسا من النظام في منطقة تغمرها النزاعات الكبيرة.
وفي غياب حل سياسي يوقف الحرب التي أعطت التنظيم الفرصة للازدهار فلا شيء على ما يبدو يمنعه من تعزيز وجوده وهو ما سيعقد لاحقا الجهود للإطاحة به.
وتنقل عن عامل من مدينة الرقة يتكسب من تنظيف وطلاء مكاتب قادة وكوادر التنظيم قوله « تعود الناس على أسلوب الحياة»، مضيفا أن من يلتزم بالقواعد يتركه الجهاديون لشأنه مع أن الحياة كانت أفضل في الماضي.
ويقول «هذه ليست حياتنا، العنف والقتال والموت»، و»لكنهم خلصونا من الطغيان والحكام العرب».

بيروقراطية
وتقول الصحيفة إن الجانب الإداري توسع لدى تنظيم «الدولة» مما أدى به حسب وثيقة أعدها أيمن جواد التميمي، من منبر الشرق الأوسط لإصدر تعميمات وبيانات يمنع فيها استخدام الديناميت لصيد الأسماك وانتاج التفاح وضغط على المدرسين للعمل في مدارسه وقدم جوائز لقتل الطيار الأردني معاذ الكساسبة ونصح الجرحى بعدم السفر إلى تركيا لتركيب أطراف صناعية لأن «الدولة الإسلامية» تقوم بتصنيعها الآن. وفي الوقت الذي تمتد حدود التنظيم على مناطق شاسعة معظمها ذات كثافة سكانية قليلة إلا أن هناك ملايين من السكان خاضعين لسلطة الجهاديين حيث تمتد مناطقهم من حلب في سوريا إلى وسط العراق وقريبا من بغداد وشمالا إلى الموصل.
ويرى حسن أبو هنية الباحث الأردني في شؤون الجماعات الجهادية أن طريقة تنظيم «الدولة» في السيطرة على الأراضي تقوم على «التطهير الجغرافي» ويتم من خلالها طرد الموظفين التابعين للحكومة، الجنود والشرطة والأقليات وأي عنصر لا يناسب الدولة فإما أن يهرب أو يقتل.
ويضيف إن تنظيم «الدولة» يعمل من خلال «إدارة الفوضى» ويقدم خدمات ليست موجودة في وقت الحرب «فهناك البعض ممن لا يدعمون أيديولوجية التنظيم لكنه قدم لهم استقرارا من خلال عقاب اللصوص وأقام نظاما قضائيا» وهو ما يريده الناس العاديون.
ويقول التميمي إن الكثير من السكان باتوا يعتمدون على الخدمات التي يقدمها تنظيم «الدولة» وهو «ما يجعل التنظيم يتخندق في مناطقه ويعقد من مهمة التخلص منه».
وفي محاولة من الجهاديين لتعزيز وجودهم في مناطقهم ركزوا على الأولاد وعدلوا المناهج الدراسية التي أدخلوا فيها رؤيتهم ومبادئهم.
وتنقل الصحيفة عن مسؤول كردي قوله إن التهديد الأكبر هو المقرر الدراسي للأطفال الذي يتسم بالتطرف «وهو قنبلة موقوتة للمستقبل». ويقول وكيل عقارات في الرقة إنه وإن كره تنظيم «الدولة الإسلامية» إلا أنه استطاع النجاة والمضي في عمله. وكسر جهاز الستريو في سيارته حتى لا يتهم بالاستماع للموسيقى المحرمة مع أنه يسمعها في بيته.
ويشتري السجائر من المهربين ويدخن بعيدا عن أعين الشرطة الدينية. ويقول إن السجائر هي مثل الهروين بالنسبة لـ»تنظيم الدولة» جريمة.
ولا يقوم بانتقاد الجهاديين في البيت حتى لا يكرر ابنه البالغ من العمر 8 أعوام ما يقوله في المدرسة. ولكن ابنه يستمع أشياء أخرى «وأسمعه أحيانا يدافع عن داعش».
ويقول إن الجهاديين غيروا أفكاره «لو سألتني قبل الثورة ماذا تريد؟ لقلت لك أريد أن أكون أثرى شخص، لكن بعدما جلسنا مع مشايخهم غيروا تفكيرنا».
وتقول الصحيفة إن دينامية حكم «داعش» تختلف من مكان لآخر. ففي الموصل يتوفر الطعام بكثرة لكن الجهاديين يقيدون حركة من يريدون مغادرتها.
وبالمقارنة مع الموصل فالحياة في الرقة أسهل حيث يتنقل الناس بانتظام بينها وبين تركيا، هذا قبل سقوط تل أبيض بيد الأكراد. في دير الزور يعاني السكان كثيرا خاصة أن تنظيم «الدولة» قاتل القبائل فيها وقتل في المعركة أكثر من 1.000 شخص. ولا تزال العلاقات سيئة بين السكان والجهاديين الذين تنصب لهم كمائن بين الفترة والأخرى مما يستدعي ردا قاسيا من التنظيم إما بالإعدامات العامة أو فرض الضرائب.
وفي المجمل لم يصف سكان تنظيم «الدولة الإسلامية» حياة سهلة يعيشونها ولكن البعض يريد بقاء الجهاديين مما يعكس حالة الفشل السياسي التي تعاني منها سوريا والعراق.

qal

إبراهيم درويش

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية