في زمن الصراخ الهستيري يأتي خطاب صانع القرار القطري هادئ النبرة وئيدا ومسترسلا. وفي وقت يتكالب فيه البعض على مواقع التواصل الاجتماعي والفضائيات والصحف مستخدمين كل عبرات الشتم والقدح، يدعو الرجل شعبه لمزيد من النبل، وعدم الرد على الإساءات الرذيلة.
وبينما يحج وزراء دبلوماسية الأشقاء شرقا وغربا لشيطنة شقيقهم، تنشط الدبلوماسية القطرية بكل رصانة لتُلقي المزيد من الضوء على موقف الدوحة وسياساتها. فهل أصابت قطر كبد الحقيقة فعلا صراخهم من خزي الفضيحة؟
كان خطاب صانع القرار القطري خيارا في الأيام الاولى للازمة، وحسنا فعل حين أرجأه، كي لا يُفهم بأنه ردة فعل تحت تأثير الصدمة من فعل الأشقاء، وكذلك كي يفسح المجال واسعا أمام الوساطات لإصلاح ذات البين. أما وقد بلغ عمر الأزمة أكثر من شهر ونصف الشهر، وأدلى الجميع بدلوهم فيها سلبا وإيجابا، وأخذت الوساطات مدياتها المطلوبة، فقد أصبح الخطاب ضرورة ملحة لوضع الأمور في نصابها، والتحدث بكلمات صريحة وواضحة عن قراءة قمة هرم السلطة للأزمة ولموقف الاشقاء. وبينما كان الحديث مازال مسترسلا ولم ينته بعد، عجّت مواقع التواصل الاجتماعي بالعويل والتحليلات الصبيانية والخيالات المريضة، حتى من أولئك الذين كانوا حتى وقت قريب قبل الأزمة، يُشيدون بحكمة القيادة القطرية، ويبدو أن عنجهيتهم كانت تصور لهم أنهم قادرون على إلحاق الأذى بالدوحة، وتحقيق انتصار سريع عليها، وأن الاعتراف بالذنب والاعتذار وطلب السماح سيأتي زاحفا إليهم، لكن الفشل كان من نصيبهم لمرتين.
في الأولى توقعوا أن تُلاقي مؤامرتهم الدعم والإسناد من الحليف الأمريكي ومن الدول الغربية الأخرى، إلا أن الأمور جاءت بشكل عكسي تماما، حيث مازالت هذه المنظومة الدولية ترفض رفضا مطلقا الحصار المفروض، وتوجه خطابات منتقدة بكل وضوح للسياسة التي تنتهجها هذه الدول في التعاطي مع الأزمة، بل إن الحليف الأمريكي رفع كل التهم الموجهة إلى الدوحة من تقرير وزارة الخارجية الأمريكية حول الإرهاب لعام 2016. واعتبرت واشنطن بتصريح رسمي أن الدوحة (شريك كامل وعضو فاعل في التحالف الدولي ضد الارهاب). ودعّم وزيرا الخارجية والدفاع الامريكيان الموقف القطري، إلى الحد الذي اعتبرت فيه المتحدثة باسم الدبلوماسية الامريكية الشروط والمطالب لدول الحصار، متطرفة ولا تستحق التفاوض. وبذلك تبقى المسافة بعيدة جدا بين موقف دول الحصار والموقفين الامريكي والغربي، على الرغم من الاموال الكبيرة التي دُفعت لكسب صحف وجهات وشخصيات ودول كي تقف معهم ضد الدوحة.
وهنا جاء تأكيد الخطاب واضحا حين قال «اعتقد بعض الاشقاء أنهم يعيشون وحدهم في هذا العالم، وأن المال يمكنه شراء كل شيء».
أما الفشل الثاني الذي مُنيت به دول الحصار فقد كان الخطاب موضوع بحث هذه المقالة. فقد تصوروا بأن الخرائط الجغرافية الصغيرة مصيرها الانصياع لإرادات الآخرين، وسلوك سياسات ذيلية تُسبّح بحمد الجغرافيات الكبيرة والخزائن المالية الضخمة. لقد فاتهم أن صانع القرار في قطر يعرف جيدا أنه لا يمكن الهروب من أبعاد الجغرافيا، على الرغم من أنها لم تعد لها تلك المهابة السابقة في عالم اليوم، لكن بناء سيادة حقيقية وقرار وطني مستقل ووضع الثروات الطبيعية في خدمة البناء والاستثمار، هي ما تمنح الدول قوة، لذا كان القرار كما جاء في الخطاب بأن (أي حل للازمة يجب أن يقوم على مبدأين وهما، أن يكون الحل في إطار احترام سيادة كل دولة وإرادتها، وألا يوضع في صيغة إملاءات من طرف على طرف بل كتعهدات متبادلة والتزامات مشتركة ملزمة للجميع) وبذلك تساوت الحجوم والأشكال في ذهنية صانع القرار، الذي اعتمد أيضا على القوة الاساسية، وهو الشعب الذي أشاع روح التضامن والتآلف والتحدي والدفاع العفوي والتلقائي عن سيادته واستقلاله.
كما شكّل العامل الأخلاقي وارتباطه بالعمل السياسي جانبا مهما من الخطاب. فكما أن دول الحصار ابتزّت بعض الدول الضعيفة بالمال، بغية الحصول منها على مواقف مساندة لها، واستغلت مفهوم تهمة الإرهاب للتلاعب بالغرائز في المجتمعات الغربية، وقفت دول أخرى إلى جانب الحق ورفضت وضع هذه اللافتة في خدمة الخلافات السياسية بين الدول، وتلطيخ سمعة الدول بهدف عزلها عن العالم، بغية الانقضاض على قرارها المستقل وثلم سيادتها. وتبين من هذه الأزمة أن هنالك حدودا للدعاية المضللة، وأن المال يعجز عن شراء الضمائر الحرة، وأن الخلافات السياسية يمكن حلها وفق قواعد الأخلاق والمصالح المشتركة، وهي نتيجة طبيعية تنشأ من احتكاك المصالح ولا يستدعي ذلك شيطنة أحد. وقد كان الخطاب واضحا جدا في تأكيد حقيقة أن قطر تختلف مع سياسات الاخرين كما يختلف الاخرون في سياساتها، لكنها لن تفرض رؤيتها السياسية على أحد كما تفعل دول الحصار. وهو موقف أخلاقي كبير في عدم احتكار الحق ورمي الاخرين بالباطل في الخلافات السياسية. لكنه أشار بصورة واضحة إلى الخلاف الرئيسي بينها وبين دول الحصار، والقائم على أساس (الموقف من تطلعات الشعوب العربية، والموقف من القضايا العادلة، والتمييز بين المقاومة المشروعة والإرهاب). أي أن تهمة الإرهاب والقاعدة التركية والعلاقات مع إيران وقناة الجزيرة، ليست الا غطاء زائفا لرغبة الهيمنة والتحكم بالوعي العربي، وبمستقبل الثقافة السياسية في المنطقة، وسيادة الخطاب السلطوي على حساب أي مشروع للتعددية، واحتكار المعلومة وقمع حرية الحصول عليها دون تزيف أو تحوير.
ولعل من أقدس أقداس الخطاب هي الاشارة الشجاعة إلى أنه (قد آن الأوان لوقف تحميل الشعوب ثمن الخلافات السياسية بين الحكومات). وهي معضلة كبرى عانى منها شعبنا العربي في الكثير من أقطاره. فقد عانى منها الفلسطينيون في كل مرة تختلف فيه الانظمة العربية مع القيادة الفلسطينية. وعانى منها العراقيون إلى الحد الذي تسابقت فيه الانظمة العربية في حصاره وتجويعه وأذلاله على الحدود، كي تنتقم من نظامه السياسي آنذاك. وعانى منها السوريون حين منعوا من دخول المدن العربية، وتم حجرهم على الحدود في مخيمات ذليلة.
وها نحن اليوم أمام صورة أخرى مخجلة في الاجراءات التي تمت ضد شعبنا العربي في قطر، والتي مزقت النسيج الاجتماعي الخليجي، وألقت مصير ومستقبل الاف من الطلبة ورجال الاعمال والعوائل إلى المجهول، بل حتى الابل والمواشي والخيول القطرية، التي كانت في الاراضي السعودية لم تسلم من آفة الانتقام والحقد اللعين. فهل يعي الحكام العرب أن خلافاتهم السياسية في ما بينهم لها قصير أمد، لكن زرع الخلافات في البنية النسيجية المجتمعية العربية بين الاخ وأخيه من هذا القطر أو ذاك طويلة الامد؟
يقينا ستبقى القضية الفلسطينية هي القضية المركزية في الوعي العربي وفي ضمير كل مسؤول عربي شريف، وستبقى متقدمة على ما يصيب الامة من كوارث ومرارات، وهي النقطة الجوهرية التي لم يغفلها الخطاب في الدعوة إلى تأييدها وإعلان الدعم لها، وهي تمر في أخطر مراحلها بقضية القدس الشريف بينما تحاول دول الحصار جاهدة تصفيتها.
باحث سياسي عراقي
د. مثنى عبدالله
وساطة الرئيس التركي في هذا الوقت ومع السعودية بالذات سيُقلب المجِن على الإمارات !
فكلاً من تركيا والسعودية الصد المنيع للتمدد الصفوي بالمنطقة بعد صدام حسين
ولا حول ولا قوة الا بالله
دول الخليج الثلاث إعتقدت أنها بضم مصر السيسي الى محورها تكسب مصداقية أكثر ، غير أنها لم تدرك أن حال مصر السيسي كحال عبد المعين في المثل الجميل ” جيتك يا عبد المعين تعيني لقيتك عايز تنعان !”
مع كل حبي لمصر أم الدنيا
و لكن كل ما جرى منذ الإعلان عن الأزمة لا يختلف عن ” السياسة” في إحدى مسرحيات عادل إمام
منذ بداية الأزمة المفتعلة ،وقطر تسعى الى تحكيم العقل والدين ،وقد اصابت ونجحت نجاحا باهرا بهذا الصدد، أما في ما يتعلق بالقضية العربية المركزية،فأشك أن مركزيتها بقيت على حالها في ظمائر ونفوس “القادة”في بعض دول الخليج..!
ماذا بعد “تفهم” السعودية لسياسة اسرائيل في الاقصى؟!
تحية لأستاذنا الكبير د.مثنى عبدالله …..
وتحية لأخي داود كروي …….
وتحية لقدسنا الغراء بيتنا الثاني….
حياك الله أستاذة منى المقلة جداً في المقالات وحتى التعليقات ! لعله الماجستير أو الدكتوراه ؟
ولا حول ولا قوة الا بالله
تحيه للدكتور المثنى على روائع كتاباته
فعلا الديبلوماسيه القطريه خلال الأزمه اثبتت رفعه ورقي في مستوى الأداء زاد من حسره وفشل الجهود المبذوله من دول الحصار ، وجاء الخطاب ليضع النقاط على الحروف متوجا تلكم الجهود وليضع قطر في مكانتها اللائقه بها دوله راقيه وبمستوى رفيع يفرض على الأخرين احترامها واحترام استقلال قرارها وسيادتها.{فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}
تحيات للقديره منى والاخ الكروي والدكتور شهاب وللجميع