قطر و«القلوب المليانة»

حجم الخط
11

«قضية عائلية» إذن هي الأزمة بين قطر ودول الخليج العربية الأخرى.. هكذا رأت واشنطن المسألة على لسان المتحدث باسم البيت الأبيض، شون سبايسر حين قال للصحافيين بالحرف الواحد قبل أيام: «نعتقد أن هذه قضية عائلية، وعلى الدول المعنية حل الأزمة بينها. إذا أرادوا منا تسهيل المحادثات بينهم سنفعل، وإلا فإنهم سيحلون الأزمة لوحدهم».
«قضية عائلية»… تعبير غريب إلى حد ما، لم تستعمله واشنطن حتى في حديثها عن قضايا خلافية داخل البلد الواحد، بل هو غير دارج أصلا في «القاموس الدبلوماسي» بين الدول حتى عند التطرق لأزمة بين سلطة و معارضة في دولة ما، أو حتى لاضطرابات بين أبناء شعب واحد. مثل هذا التعبير يفترض أن يكون الأنسب في سياق كهذا و ليس في سياق أزمة بين كتلة من أربع دول ضد دولة واحدة، بدأت بقطع العلاقات الدبلوماسية وطرد الرعايا وإغلاق المعابر البرية والبحرية والجوية وصولا إلى تقديم قائمة بـ 13 مطلبا لهذه الدولة مع مهلة ب10 أيام هي أشبه ما يكون بالإنذار النهائي.
«قضية عائلية» هنا هي أشبه ما تكون بالشتيمة مع أن لا أحد فهمها كذلك أو علق عليها من هذا المنطلق. هي أقرب ما تكون إلى القول «ضجيج شارع» أو «طيش شباب» أو «لعب عيال» ظاهرها وصفي وباطنها تعبير عن إنزعاج يصل حد التبرم أو الامتعاض. بل هو في هذه الحالة الأمريكية أقرب ما يكون إلى تعبير آخر… «ضجة بين عرب!!» على غرار القول «خصومة بين سود». صحيح أنك تصف لكنك بالتوازي تشتم بنفس قد يلامس حدود الازدراء !!
ما جرى هذه الأسابيع الأخيرة لا علاقة له في الحقيقة بما درجت عليه الدول في تعاملها الثنائي أو الإقليمي أو الدولي المتعدد الأطراف. وحتى لا تختلط الأمور، دعنا نفترض جدلا من البداية أن قطر دولة سيئة فعلا وتستحق كل ما نالها وأكثر، لكن هل هذا يعني أن الجبهة الأخرى أدارت الخلاف معها بأسلوب يليق بهذه الدول، سواء تلك التي لم تـُـضف إلى ما يعرف بالمجتمع الدولي إلا مطلع سبعينيات القرن الماضي أو تلك التي مضى عليها قرن واحد أو حتى تلك الضاربة في التاريخ بعمق آلاف السنين.
لو اتخذت هذه الدول خطوات مدروسة ومتصاعدة وفق الأعراف الدولية و«أخلاقيات» الخلاف بين الدول لما استحق الجماعة «شتيمة» القضية العائلية، وهنا للإنصاف قد يستوجب إخراج مصر من هذه القصة لأني لو كنت محل الرئيس السيسي وأجد من يعايرني ويفضحني باستمرار بأني قمت بانقلاب على الشرعية، وخنت قسمي على القرآن الكريم، وأحاصر الفلسطينيين في غزة وأتآمر عليهم، وأبطش بأبناء شعبي وأسوق العشرات منهم للإعدام، وأفرط في تراب بلدي بعد أن كنت أقول ذلك زورا عن الرئيس مرسي.. طبعا من يفعل ذلك معي ليلا نهارا فسأحقد عليه إلى يوم يبعثون…
لذا دعنا نحصر الأمر في هذه الدول الخليجية الثلاث التي استفاقت فجأة ذات فجر رمضاني لتعلن أن «قطر رجس من عمل الشيطان فاجتنبوها». كان يمكن أن يتفهم المرء مثل هذه الخطوة لو أنها هذه الدول مهدت لها بما يليق بالدول، وهيأت له الرأي العام المحلي والدولي بما يجعل ما يمكن أن تقدم عليه لاحقا أمرا مفهوما من باب « قد أعذر من أنذر». كان يمكن لهذه الدول مثلا أن تدعو إلى قمة خليجية طارئة تستعرض فيها كل ما لديها من مآخذ على قطر، سياسية وأمنية وغيرها وتجعل من سلطنة عمان ودولة الكويت شاهدتين على ذلك.
كان يمكن لها أن تخوض بالتفصيل في حجم الضرر الذي تزعم أن الدوحة ألحقته بها وأن تتفق جماعيا على خطوات تهدئة تدريجية إذا لم تتم فإن هذه الدول في حل من البحث عن تسوية بالتي هي أحسن، ومن حقها أن تفعل ما تهدد به، وليس من حق أي كان أن يلومها ولو بكلمة واحدة.
لم يتم هذا، كما لم تتم الدعوة لاجتماع للفت انتباه قطر إلى ما تعتبره هذه الدول عدم التزام الدوحة بما تم الاتفاق بشأنه عام 2014، كما أن التوصل إلى استنتاج من هذا القبيل يستلزم خطوات عقابية تصعيدية من قبيل تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي وغيرها من الخطوات التي يمكن أن تزداد حدة كل ما أظهرت الدوحة عدم اكتراث أو قلة تجاوب، أما أن تأتي فجأة وتصب جام غضبك القديم والجديد دفعة واحدة وبغـــلِّ شديد، وحقد لا متناه، قد لا يكون حتى مع ألد الأعداء، وتتقدم بمطالب مذلة وتعجيزية من الصعب على أي دولة أن تقبل بها، فدليل صارخ على أن القصة، كما يقول المثل الشعبي، «مو رمانة، القصة قصة قلوب مليانة»…

٭ كاتب وإعلامي تونسي

قطر و«القلوب المليانة»

محمد كريشان

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول المغرب:

    في الحقيقة إنتقلت من موضوع «قضية عائلية»، إلى موضوع كيفية إعلان المقاطعة لقطر. في الموضوع الأول: عندما قال ترامب: ”إن لقطر تاريخ في دعم الإرهاب” كان غير متماسك و كان مرتبكا جدا. و كان يسير بذلك في الإتجاه التصاعدي ضد قطر. بينما يسير وزير خارجيته بالإتجاه المعاكس تماما. و كان كلامه ينطوي على قدر من اللوم للدول المقاطعة لقطر، إلى درجة الإشارة إلى شهر رمضان كشهر للتراحم و الود. أظن أن الأمريكان لا يهمهم لا رمضان ولا التراحم و لا الود..هناك تبادل أدوار تمليه المصلحة. أمريكا تريد إخضاع قطر للسعودية، دون الإضرار بالمصالح الأمريكية مع قطر.
    في الوضوع الثاني: الطريق الذي كان من المفترض سلوكه لمحاسبة قطر من طرف الدول المتضررة من سياساتها، إذا إفترضنا جدلا أن قطر أضرت الدول الثلاث (والعكس هو الصحيح). فهذه الطرق لا يسلكها إلا من يحترم شعبه.
    قطر الآن هي الأقوى أخلاقيا. ما عليها إلا أن تتحمل قليلا و أن تدير أزمتها بحلم و تأن و صبر. لقد كسبت إحترام العالم و ليس فقط الشعوب العربية. ترامب و الحكومة الإسرائيلية هما الوحيدان الذان يوافقان قرار المقاطعة. فلا وزير الخارجية الأمريكي ولا الدفاع ولا قادة دول العالم. لم اسمع أحدا يوجه إنتقادا لقطر. و هذه النقطة تكفي لوحدها كدليل على أن قطر تسير في النهج الصحيح.و ما النصر إلا صبر ساعة.

  2. يقول ابراهيم الاردن:

    اخي العزيز،

    طريقة إدارة هذه الدول للأزمة، و المطالب التي قدمتها، تكشف مدى هشاشة درجات التنظيم السياسي، و طرق اختيار القرار.

    هذا يدعو الى تساؤلات خطيرة، كيف لهذه الدول، ان تدير الازمات الحقيقية في حال نشوبها، لو افترضنا جدلا ( و هذا ما لا نتمناه) حربا مع ايران ؟

  3. يقول ابن الجاحظ:

    “وهنا للإنصاف قد يستوجب إخراج مصر من هذه القصة لأني لو كنت محل الرئيس السيسي وأجد من يعايرني ويفضحني باستمرار بأني قمت بانقلاب على الشرعية، وخنت قسمي على القرآن الكريم، وأحاصر الفلسطينيين في غزة وأتآمر عليهم، وأبطش بأبناء شعبي وأسوق العشرات منهم للإعدام، وأفرط في تراب بلدي بعد أن كنت أقول ذلك زورا عن الرئيس مرسي.. طبعا من يفعل ذلك معي ليلا نهارا فسأحقد عليه إلى يوم يبعثون…”
    و لما يا أستاذنا العزيز تحريك السكين فى الجرح….?
    ببساطة يريدون رعايا لا مواطنون…و لكن هيهات هيهات..ثورة الياسمين المباركة مرة من هنا و لا مجال الى التراجع حتى و لو أغلقت ألف “جزيرة” …
    سورة التوبة ” يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ” صدق الله العظيم

  4. يقول محمد منصور:

    الخطوة التي اتخذتها دول الحصار تعبر عن طيش وعنجهية وهي غير مدروسة وتفتقد الى المنطق وعليه سوف ترتد نتائجها السلبية على هذه الدول، ومن المهم أن تتعامل قطر مع هذه الأزمة بهدوء ورباطة جأش كونها تتعرض لحملة مغرضة وهي عمليا لم تقم بعمل يخالف الأعراف والتقاليد المتعارف عليها، هذا عدى عن أنها تحظى بتعاطف الغالبية من جماهير الأمة وتقف معها دول اقليمية وازنه يمكنها ان تحسم الموقف لصالح قطر، دول الحصار مرتبكة وكمن بلع المنجل ويمكن أن تعزز ورطتها بمزيد من الخطوات التصعيدية والتي لن تمس في النهاية بجوهر سير الحياة في قطر وكما يقول المثل” رب ضارة نافعة” وستخرج قطر منتصرة من هذه الأزمة.

  5. يقول ابراهيم منسي الاردن:

    اخي العزيزي،

    ما قامت به دول الحصار يقدم صورة بائسة عن طبيعة مراكز القرار في العالم العربي، و كيف يتم حسم المواقف بشكل عشوائي و سطحي.

    ما هو خطير فعلا هو وضوح هشاشة الحالة السياسية في هذه الدول، و انكشافها على المستوى التنظيمي، فكيف لها التعامل مع ايران مثلا في حال تطورت العلاقة معها الى مواجهة عسكرية.

    أهكذا تدار الازمات، أهكذا تدار الدول ؟

  6. يقول اليمانى المملكه المتحده:

    الدول المحاصره 3 والناقصه 1 فى مازاق لا يحسد عليه ولهذا فهم فى نوم عميق من شده الصدمه لعدم نجاح الحصار الذى عولو عليه ان تخضع قطر.

  7. يقول Passer-by:

    أعتقد أنه يقصد “قضية قبلية” أي خلاف بين أعيان القبيلة الواحدة كالذي كان يحدث أيام الجاهلية الأولى (قبل الإسلام) والثانية (بعد الإسلام)!

  8. يقول نور الدين البشير- تشاد:

    الدول التي تحالفت ضد قطر محرجة في حقيقة الأمر لأنها حسب قراءتها للوضع تتوقع انهيارا في النظام القطري بالصدمة من هذه الخطوات المتسرعة وغير البررة أخلاقيا، وبعد أن تبين لها صعوبة الوضع لا تريد أن تتراجع وكأنها هزمت في هذه المعركة، ذلك أن الشاب محمد بن سلمان لم يكن لفرط غروره أن يستشير أحدا في اتخاذ قرارات خطيرة لم تدرس عواقبها رأينا ذلك في انطلاق عاصفة الحزم التي وصلت إلى طريق مسدود في اليمن، لم يعرف هذا الشاب المتهور وحليفه بن زايد أن استعمال القوة العنيفة- وإن وجدت – يجب أن تسبقه خطوات أخرى ومنها استعمال القوة الناعمة واستنفاذ كل الجهود، حتى يترك الإنسان فرصة للتراجع، لو كانت القوة العنيفة هي الحل لحسمت أمريكا خلافاتها مع كل معارضيها بها، لكنها تعلمت الدروس من فيتنام وأفغانستان والعراق، على الإخوة المختلفين مع قطر أن يراجعوا حساباتهم قبل فوات الآوان، وإلا فإن العواقب الوخيمة ستكون من نصيب الجميع وعندها لا ينفع الندم. وأقرب تجربة لهم هو اعتداء صدام على الكويت واحتلالها في سابقة خطيرة كانت نتائجها مزلزلة على المنطقة وأول ضحاياها صدام ونظامه.

  9. يقول د. اثير الشيخلي - العراق:

    استاذ محمد ، جبتها من الآخر ، كعادتك !
    .
    القلوب مليانة ، و لعب عيال و ولدنة وكما نقول بالعراقي “مزعطة” ، اي تصرفات غاية في الطفولية !
    .
    و الامر من معدنه لا يستغرب !
    انظر الى من يقودون الازمة ، اغرار في السياسية و متهورون ، و الا هل يعقل ما يجري ؟!

    احدهم ، لا يفهم في اختصاصه العسكري شئ ، و لم يقرأ كتاب في حياته ، و لا يجيد صياغة جملة مفيده ، وعلى قول الراحل يونس شلبي ، ما بيجمعش !! فكيف يمكن تخيل ان يقود دولة بحجم مصر ! اعلى مواهبهه ، هي شم فواح الرز على بعد كيلومترات !
    .
    و آخر ، لم يسمع به احد قبل وفاة عمه الملك، و برز فجأة يمارس حجامة (اقصد سياسة) برأس اليتامى كما يقول المثل !
    .
    اما ثعابين الجحور ، فهؤلاء اس الطبخة و رأسها ، و تبين كيف تحركهم احقادهم الى درجة انهم انكشفوا على حقيقتهم و سقطت الاقنعة في اول تجربة ، من خلال التسريبات التي بينت حجم سذاجتهم و حقدهم !
    .
    الباقين ، على حد قول الرائع فوزي بشرى ، تابعيهم بغير احسان !
    و انا اقول ، ان لدينا صنفان ، تابعين بغير احسان ، و الصنف الثاني ، هم تابعي التابعين بغير احسان!

  10. يقول مولاي ادريس:

    -*- مجرد وجهة نظر -*-
    01 ــ قطر اشكالية العصر
    بلد صغيرة مساحة وشعبا – كبيرة اقتصاديا واعلاميا – كيف :
    02 ــ مصر والسيسي معجزة القرن
    بلد ام الدنيا والسيسي مجدد خطاب الرؤساء بنعومة الحوار الهادي وقوة الاقناع
    03 ــ سر نجاح ابوظبي
    تجربة ابو ظبي من صحراء الى بلد عصري بامتياز يعود
    الى الحكمة والرأي السديد للشيخ زايد رحمه الله
    04 ــ السعودية بلد الرسول صلى الله عليه وسلم وتعتبر
    المحور الاساسي لوحدة المسلمين وخير مثال يوم عرفة
    -*- رأي -*-
    – مصر ليس من دول الخليج لنقول ازمة جليجية
    – الاعلام والاعلام المضاد لايتسرع في كشف المستور
    – نحتاج الى حكماء الامة للقاء مع اطرف الازمة لحلها
    -*- ملاحظة -*-
    – تفكك الجامعة العربية بالربيع العربي
    – وضعف المؤتمرالاسلامي بظهور التطرف الاسلامي
    – واليوم مجلس التعاون الجليجي بتقديم قطر كقربان
    -*- تساء ل -*-
    – نحن كيف كنا وكيف اصبحنا والى اين ومن هو المستفيد

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية