المستديرة دائماً تحمل اسراراً، ان كان في عالم كرة القدم او في عالم الكرة الارضية، فكلاهما غريب، ففي حين نسير كل يوم على أرض مسطحة ونعبد شوارعنا على أرض ممهدة، الا اننا ندرك انه اذا استمرينا في السير والالتفاف فاننا سنعود إلى نقطة البداية بعد دورة كاملة، وهكذا تسير كرة القدم وترفض التخلي عن وتيرة معهودة، فكأس العالم ان لم تكن للبرازيل او الارجنتين فانها ستكون من نصيب ايطاليا او المانيا، رغم استثناءات هنا او هناك، وهكذا القاعدة في غالبية البطولات المحلية في كل بلدان العالم، حيث لن تشذ القاعدة الا في حالات قليلة.
ربما السر يكمن في ان النجاح يولد النجاح ويديم استمراريته، لكن هناك عوامل لا تتعلق بتوفير التسهيلات او الامكانات المادية، بل تتعلق بالجينات المتوارثة والمنتقلة من جيل إلى آخر، وأيضاً بالعامل الجغرافي الذي يعكس نجاعة بيئة محددة في انتاج مواهب محددة، تصبح وتيرة تترعرع عليها الاجيال المتلاحقة، فلماذا يشتهر اللاتينيون، وتحديداً البرازيليون والارجنتينيون بمواهبهم الفذة، فيما يبرع الطليان والالمان بالصرامة والجدية والصلابة، فيما نجد مخترعو اللعبة الانكليز يبذلون جهداً كبيراً لكنهم يظلون يحومون حول الالقاب ولا يحصلون عليها، رغم ذياع سيط لاعبيهم وبطولاتهم.
شب البرازيليون على ممارسة اللعبة في الحواري، منها الفقيرة جداً، ومع ذلك خرج منها أبرز مواهب العالم، فهل الامر يتعلق ببيئة خصبة لانتاج هذه المواهب؟
لماذا تنقسم القارة الافريقية إلى قسمين في عالم الرياضة؟ حيث نجد أبناء شرق القارة من أبرز أبطال العالم في العدو، خصوصاً المسافات الطويلة، فيما ابناء غرب القارة الابرز في المسافات القصيرة، كما نجد المنتخبات الكينية والاثيوبية والاريتيرية مغمورة في عالم كرة القدم، فيما أبرز النجوم يأتون من الكاميرون ونيجيريا والسنغال وكوت ديفوار، طبعاً اذا استثنينا الشمال الافريقي العربي، فالأمر لا يتعلق بالصدفة، وانما بتركيبات جينية تستند إلى التمركز الجغرافي.
طبعاً التربية والانشاء يلعبان دوراً في صقل المواهب المستقبلية، ففي بريطانيا يعد أبرز المدربين في تاريخ الكرة الانكليزية، الاسكتلنديون والشماليون الذين ترعرعوا ضمن أجواء حازمة وقوانين أسرية صارمة، على غرار أليكس فيرغسون وكيني دالغليش وبل شانكلي وجوك ستين، فيما يعتبر اللندني تيري فينابلز استثناء على قاعدة نجاح المدرب الشمالي، في حين نجد أيضاً أن أبرز المواهب التي شهدتها الملاعب الانكليزية جاءت من غرب الجرز البريطانية، وتحديداً من ويلز، الذي برز منه على مدار سنوات طويلة نجوم من الأفضل في العالم، أمثال جون تشارلز وايان راش ومارك هيوز ونيفل ساوثهول وراين غيغز، الذين لم يروا أضواء البطولات الدولية الكبرى، الا أن جاء الدور على غاريث بيل.
في عالمنا العربي، وفر الخليجيون كل انواع التسهيلات الممكنة لمنتخباتهم الوطنية، لكن المردود ظل متواضعاً، في حين حاول العراقيون مراراً وتكراراً الحظي بكأس آسيا لكنهم فشلوا في ظل استقرار سياسي واقتصادي معقول، لكنهم نجحوا في الفوز بالكأس في 2007 في قمة العنف والاهوال والدمار الذي شهده بلدهم.
عندما سئل أليكس فيرغسون عن العوامل التي ينظر اليها في اللاعبين صغار السن، والذين يتوقع منهم البروز في السنوات التالية، قال ببساطة: «ان يتمتع الناشئ بسرعة عالية وان تكون له القدرة على تحمل أجواء بيئية جديدة»، والموهبة؟ «لا يهم»… قد تكون هذه هي العقلية التي أنتجت بيكهام وسكولز ونيفل، لكنها ايضاً العقلية التي حققت اكثر من 25 لقباً في اقل من 27 سنة مع ناد واحد.
twitter: @khaldounElcheik
خلدون الشيخ
مقالك سيدي خلدون الشيخ مثيرللمتعة…لكنه مضغوط ومكثف وبه حاجة لتوسعة ( شوية ). قراءته وأعادني إلى سنوات الدراسات العليا ؛ حينما درست ( دبلوم علم النفس ) إلى جانب تخصصات…وتعلّقت بعلم النفس حيناً من الدهروما أزال.نعم الموهبة والبيئة تلعب دوراً في خلق الشخصية الناجحة على أغلب المهن والاختصاصات…وأفيدك أنّ أهمّ عوامل النجاح المتمييزفي تقديري (العملي / المعرفي) يكمن في الحفاظ على قوّة الدافع من أنْ يصاب بالثرميدور.وأعني بالثرميدور: التباطيء المؤدي إلى الاسترخاء ثمّ التوّقف كالنهرالجاري الذي يتحوّل إلى مجرى طيني ثقيل.والدافع يتنامى مع الإنتاج الناجح الذي يحصل على فرص الاستثمارالمناسب لذلك ( المنُتج ) : مهارة / خدمة / كتابة / رياضة / وظيفة / تخصص في مجال عمل علمي تطبيقي ألخ.أما إذا تهافتت قوّة الدافع نتيجة حرمانها الدائم عن المثول والحضور
والتجسيد والرواج في بيئة الواقع والناس ؛ ستموت الموهبة بالتباطيء.وأظنّ أنّ بعض القوى الدولية تدرك ذلك..فسعت إلى ( قتل قوّة الدافع ) بالحرمان المانع للإنتاج المحلي بطرق غيرمرئية أوبوسائل تخريبية لكنها محسوبة لهم بالمجمل.إنّ الاستمرارية بالعطاء أساس الموهبة بل إنّ 70% من الموهبة القائمة على الرؤية تأتي من استمرارية قوّة الدافع الذاتي للفرد ؛ والموهبة والبيئة والثقافة لها 30%.رغم أنّ شبه الثابت للعيان أنّ البيئة الجبلية والباردة أقدرعلى خلق المواهب من بيئات ذات مروج…وعلى كلّ قاعدة خروج بين التحدي والاستجابة. ويرتبط بقوّة الدافع ( نوع المنتج ).فهناك العديد من المؤسسات تتظاهربدعم المواهب لكنها تدعمها باتجاه ( هامشي الإغراء ) لأغراض سياسية أمنية مستقبلية.فهي ( تمتصّ الموهبة ) وبالتالي تروّض قوّة الدافع ؛ كي لا تمارس قدرات خلاقة ونوعية في مجالات لا تريدها تلك المؤسسات ومنْ يقف معها من الداعمين غيرالمرئيين.فهودعم تكتيكي نعم ؛ لكنه يتضمن الهدم الاستراتيجي الملّغم…حبذا لو أردفت مقالك بآخرنافع ؛ لكي نحافظ على قوّة الدافع.مع تقديري لقلمك المبدع…وهنا أتوّقف عن التمادي الكتابي ؛ كي لا يبلغ تعليقـي حجماً المقال الرائـع.