دمشق – «القدس العربي» : يسود توتر في مدينة القامشلي الحدودية، والتي تسيطر وحدات حماية الشعب الكردية على معظمها، باستثناء مناطق وجود قوات النظام السوري، في المربع الأمني وأحياء قريبة منه، على خلفية إغلاق مدرستين سريانيتين من قبل الإدارة الذاتية، التي تشكل الوحدات الكردية عصبها الأقوى، واحتجاج المدنيين على السياسة التي تتبعها الميليشيات الكردية، في فرض مناهجها التعليمية بالقوة، بينما يؤكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن التوتر المترافق مع استياء شعبي، جاء على خلفية مظاهرات ضمت عشرات المواطنين من سكان القامشلي ممن عارضوا قيام قوات «الأسايش»، والمجلس العسكري السرياني بالسيطرة على المدارس الخاصة التابعة للكنائس السريانية في المدينة. حيث جرى تطويق المدارس وتثبيت دوريات في المنطقة، الأمر الذي أثار استياء الأهالي الذين عمدوا للتوجه إلى هذه المدارس وهي مدرسة الأمل الخاصة ومدرسة ماركبرائيل السريانية الخاصة ومدرسة مار أفرام ومدرسة مارقرياقس، ونادى المتظاهرون بشعارات مناهضة لعملية السيطرة على المدارس.
المحتجون، وفق شريط مصور، جابوا شوارع المدينة، وهم يرددون شعارات تطالب بإعادة فتح المدارس، وعدم حرمانهم من حق التعليم، بالإضافة إلى شعارات دينية، قالوا فيها: «بالروح بالدم نفديك يا صليب»، وأخرى عنوانها «الشعب السوري واحد»، كما طالبوا بإعتماد المناهج التعليمية التي يصدرها النظام السوري، كونها مناهج معترفاً بها في المناطق كافة، وفق ما تداوله ناشطون محليون.
الصليب حاضـر وتخبط «الذاتية»
كما أظهرت المقاطع المصورة، ترديد المتظاهرين المسيحيين لهتافات مؤيدة للنظام السوري، ورئيسه بشار الأسد، بالإضافة إلى رفع الأعلام الممثلة له خلال احتجاجاتهم، فيما أقدمت قوات «السوتورو» على إطلاق أعيرة نارية بالجو لتفريق المظاهرة، التي انتهت دون وقوع أي إصابات. عضو سابق في مجلس دير الزور المحلي، «معاذ طلب»، قال لـ «القدس العربي»: تظاهرات المدنيين السريان، جاءت بسبب إغلاق مدرستين سريانيتين من قبل الإدارة الذاتية، التي تشكل الوحدات الكردية عصبها الأقوى، والمدنيون احتجوا على السياسة التي تتبعها الوحدات الكردية، من محاولة فرض مناهجها التعليمية بالقوة في القامشلي.
أما بالنسبة لترديد المتظاهرين للشعارات الدينية، فعقب «طلب» بقوله، بأن الجهة المتظاهرة سعت إلى إظهار التأييد لمواقفها، عند أول مساس بالمؤسسات التي تعود للأقلية السريانية في شرق البلاد. المتظاهرون، استخدموا العبارات الدينية في الاحتجاجات المناهضة للآسايش الكردية، وحزب الاتحاد السرياني، بهدف محاولة تغيير منهجية الإدارة الذاتية في المجال التعليمي الإجباري عليهم وفق المصدر، وكذلك جاء ذكر «الصليب»، في الاحتجاجات فالمرجو منه خلق ضغط دولي هدفه التدخل لحماية الأقلية من سياسة الإدارة الذاتية الكردية. من جانبه، أكد المرصد السوري، انسحاب قوات الأسايش والمجلس العسكري السرياني بعد توجه الأهالي نحو المدارس، وقيامهم بإجبار القوات العسكرية على الانسحاب من مواقعها.
الباحث، والأكاديمي جيان عمر، قال بدوره: حسب مصادرنا الداخلية فقد قامت هذه الإدارة بتوجيه إنذار للمدارس السريانية الخاصة في المحافظة، لتقديم طلبات ترخيص للإدارة الذاتية وتبني المناهج التعليمية التابعة لها، وحين تمّ رفض هذا الإملاء من قبل هذه المدارس قامت الإدارة الذاتية عبر مسلحيها بإغلاق المدارس وطرد كادرها التدريسي ومنع التلاميذ من الذهاب إليها.
سلطة الأمر الواقع «الإدارة الذاتية»، وفق ما قاله عمر لـ «القدس العربي»: تتخبط منذ إعلانها، وذلك لأن ولادتها أصلاً لم تكن شرعية ومنذ تلك الولادة وحتى الآن لم تستطع كما لم تحاول تصويب نفسها واصبحت مع مرور الزمن وبالتمويل الإقليمي لمعارك وحداتها العسكرية ضدّ تنظيم الدولة مرتهنة للأجندات الخارجية والإقليمية وابتعدت شيئاً فشيئاً عن المجتمع الذي تحكمه بقوة السلاح، لذلك ليس من المستغرب قيامها بفرض قرارات قمعية تحاول عبرها فرض نفسها على مكونات تلك المنطقة، وحصل ذلك مع الأحزاب والحركات وجمعيات ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام الكُردية والعربية، واليوم وصل القمع إلى المكون السرياني في محافظة الحسكة. فهذا هو استمرار لتلك السياسات المتخبطة التي يعتقد من يرسمونها أنّهم قادرون بذلك على استغلال الظروف الحالية التي تمر بها سوريا عموماً من ضعف وتشرذم وتناحر لانتزاع إعتراف داخلي بطرق استبدادية بدل الوسائل الديمقراطية التي يتم فيها عادةً انتخاب السلطة من قبل الشعب عبر صناديق الإقتراع، وهذا ما لم يحصل فيما يتعلق بالإدارة الذاتية التي أعلنها حزب الاتحاد الديمقراطي.
ميليشيا «السوتورو»
أمّا فيما يتعلق بميليشيا السوتورو، فهي من وجهة نظر الباحث، أيضاً «ميليشيا مسلحة نشأت في محافظة الحسكة في ظل ظروف الحرب التي تمر بها سوريا وانضمت إلى الإدارة الذاتية، وتقوم بتنفيذ الأوامر التي تتلقاها منها.
ولفهم الغاية التي تكمن خلف هذه الهيكلية والاستراتيجية هو التالي: نظام الأسد في بداية انطلاق الثورة السورية قسم المناطق ضمن مخططه الأمني وفق تقسيمات قومية وطائفية ضمن استراتيجية مدروسة لمواجهة الحراك، فكان ضمن أهداف هذه الاستراتيجية تأسيس ميليشيات مسلحة من كل قومية وطائفة تتولى هي قمع ذلك المكون لعدم تحريك الرأي العام الدولي إلى أنّ هناك إبادة لمكون بعينه، فحينما تكون الانتهاكات المرتكبة بحق المكون من أبناء المكون نفسه سيكون الأمر أصعب وأعقد على القانون الدولي للتدخل على عكس إذا كان مكون يعتدي على مكون آخر. فتأسست الوحدات الكردية بتعليمات من النظام السوري ضمن هذه الهيكلية الأمنية للسيطرة على المناطق الكُردية في حين تأسّست «السوتورو» لتولي مهمة السيطرة على المناطق السريانية ضمن المناطق الكُردية السورية».
وأضاف المصدر، حقيقةً هذه الظروف الراهنة هي عبارة عن ظروف مرحلية مؤقتة، مهما طال الزمن، وستتبدل بالتأكيد، ولكن من المهم المحافظة على النسيج السوري من المخاطر التي تهدده وتهدد تعايش هذه المكونات المتداخلة وأي شرارة تحرض هذه المكونات ضدّ بعضها البعض سيكون فتيلاً لحروب بينية أهلية طويلة المدى، لذلك يتوجب على العقلاء من كل المكونات التحذير من الانجرار وراء هذه المخططات المشبوهة التي تستهدف تاريخ المنطقة ومستقبلها، فالمكون السرياني مكون أصيل ومن حقه تدريس ثقافته ولغته في المدارس الخاصة فجميع القوانين الدولية وحتى السورية الحالية تسمح بذلك، ويجب عدم تحميل الشعب الكُردي مسؤولية أفعال مسلحي السوتورو أو وحدات الحماية الشعبية. وفق ما قاله الباحث لـ «القدس العربي».