لندن ـ «القدس العربي»: أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) عن كلفة الحرب التي تشنها الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) والتي وصلت حتى الآن إلى 424 مليون دولار أمريكي أي بمعدل 7.6 مليون دولار في اليوم.
وجاءت كلفة الحملة العسكرية وسط انتقادات لدى المشرعين الأمريكيين من أن الحرب ضد «داعش» التي ستدخل شهرها الرابع قريبا تتطور لمهمة زاحفة وتغير أولويات الإستراتيجية الأمريكية من إضعاف مقدرات «داعش» وبالتالي تدمير مقدراته في العراق للتركيز على حماية وانقاذ بلدة عين العرب (كوباني) الكردية في شمال سوريا التي يتركز فيها القتال بين قوات «داعش» والمقاتلين الأكراد التابعين لقوات الحماية الشعبية، الجناح العسكري لحزب الإتحاد الديمقراطي الكردستاني في سوريا.
وكدليل على تغير الأولويات في البلدة من محاولة وقف زخم «داعش» حولها إلى مهمة استراتيجية، الغارات المكثفة التي شنها الطيران على البلدة بزيادة نسبية عن الغارات التي شنت في العراق وسوريا إضافة لعملية إنزال المساعدات العسكرية للمقاتلين داخلها في محاولة لحسم المعركة في البلدة التي طالما قللت الولايات المتحدة من أهميتها الإستراتيجية. وظلت تركيا حليفة الولايات المتحدة وعضو الناتو رافضة لتقديم الدعم للمقاتلين حتى يقبلوا بمطالبها الإنضمام للمعارضة السورية.
وما جرى في الأيلم الأخيرة من تكثيف للغارات على عين العرب/ كوباني يقدم صورة عن التعاون الذي جرى بين المقاتلين الأكراد على الأرض والقادة العسكريين الأمريكيين في مركز العمليات المشتركة في منطقة كردستان العراق. فقد كان قيادي عسكري من قوات الحماية الشعبية على اتصال دائم مع المخططين العسكريين الأمريكيين وتم تنسيق الغارات الجوية بناء على التقارير الإستخباراتية عن مواقع قوات داعش في داخل البلدة التي قدمها العسكري الكردي، وهو ما اوردته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية.
فقد كشفت عن التعاون السري الذي جرى ويتناقض مع المواقف المعلنة حول «استراتيجية العراق أولا» التي تمسكت بها إدارة أوباما. وبررت واشنطن التعاون مع منظمة لها علاقة بجماعة إرهابية أي حزب العمال الكردستاني ـ بي كي كي- أن بلدة عين العرب/كوباني أصبحت مهمة وذات قيمة رمزية يعتبر سقوطها بيد داعش خسارة معنوية ولهذا سارعت لمساعدتها.
ووصفت الصحيفة الطريقة التي تعاونت فيها القيادات الأمريكية مع المقاتلين الأكراد الذين بدأوا بالعمل معا وبطريقة وثيقة لتنسيق العمليات العسكرية، وأكثر مما كشف عنه في السابق. ولاحظت الصحيفة الطريقة التي تصرف فيها المستشارون القانونيون للإدارة حيث برروا عمليات إنزال المواد الغذائية والطبية والعسكرية للمقاتلين بسرعة مقارنة مع النقاشات الطويلة والمملة حول تقديم دعم للمعارضة السورية مما يؤشر لأهمية المقاتلين الأكراد للإدارة الأمريكية.
وترى الصحيفة أن تغير الموقف الأمريكي من أكراد سوريا يؤشر للطريقة التي تتطور فيها أهداف الحرب وتتغير. فالتدخل الأمريكي في عين العرب/كوباني ذهب أبعد من أهداف الإستراتيجية الأمريكية وهي محاولة وقف زخم داعش إلى التدخل العسكري المباشر.
اجتياز نهر الروبيكون
وترى أن الحكومة بتعاونها مع الأكراد في سوريا حرقت كل الجسور ـ اجتازت نهر الروبيكون- حيث تشير الخطوة لمسار جديد في الإستراتيجية وهو استنتساخ تجربة البلدة الكردية في عمليات مقبلة من لاستعادة بقية المدن والقرى التي يسيطر عليها تنظيم داعش. ونقلت الصحيفة عن مسؤول أمريكي بارز قوله إن المعركة الدائرة في سوريا والعراق هي عن «الأعلام» وعين العرب/كوباني هي البلدة التي كان داعش يخطط لزرع أعلامه فيها مما حولها لمنطقة استراتيجية.
ويكشف التعاون بين الأمريكيين والأكراد عن تحول هؤلاء لحلفاء واشنطن الجدد على الأرض في سوريا بالطريقة نفسها التي تتعاون فيها مع أكراد العراق كحلفاء لمواجهة داعش في شمال العراق. مما يضع العلاقات الأمريكية ـ التركية على المحك. فتعاون واشنطن مع حزب الإتحاد الديمقراطي يعطيه «شرعية».
وترى الصحيفة أن قرار الإدارة إرسال مساعدات عسكرية لقوات الحماية الشعبية في داخل البلدة جاء بعد تقييم للوضع، وإمكانية نفاذ الذخيرة لدى المقاتلين في مدى ثلاثة أيام.
وكان القادة الأكراد قد اخبروا الأمريكيين عن نيتهم إرسال قوات خاصة لعين العرب/كوباني إلا أن الامريكيين اعتبروا الخطة انتحارية لأنها ستمر عبر الأراضي السورية، ومن هنا طلبت الولايات المتحدة من تركيا السماح بمرور البشمركة عبر أراضيها. ولكن تطور الأحداث على الأرض اجبرت واشنطن على التدخل سريعا وإرسال مساعدات عسكرية. وقرر الجنرال لويد أوستن الذي يدير المعركة الجوية ضد داعش إرسال مساعدات بالجو مستخدما طائرة شحن عسكرية من نوع سي-130.
ويقول المسؤولون إن الجنرال أوستن قدم الخطة للبيت الأبيض يوم الجمعة وصادق عليها أوباما فورا.
خطوة يرحب بها
وفي افتتاحيتها علقت الصحيفة على القرار الأمريكي التعاون مع أكراد سوريا بأنه نابع من الوضع الشائك الذي مثلته عين العرب/ كوباني التي أصبحت «صورة مصغرة عن الخيارات التي تواجه الولايات المتحدة في حربه مع الجيش الإرهابي».
وتقول إن المواد العسكرية التي نقلتها الطائرات الأمريكية تحت جنح الظلام لم تأت من القوات الأمريكية ولكن من أكراد العراق، وهي أسلحة خفيفة وذخائر وهي غير ما طلبه المقاتلون الأكراد في البلدة حيث طالبوا بأسلحة تساعدهم على مواجهة السلاح الثقيل لدى داعش ولم يحصلوا عليها.
وترى «وول ستريت جورنال» أن الطبيعة المحدودة للمساعدات الجوية كانت محاولة لتقديم مصداقية للرئيس أوباما الذي تحدث باستمرار من أنه لن يجر لحرب جديدة في الشرق الأوسط. لكن قد تقود استراتيجية الولايات المتحدة الحالية القائمة على مواصلة الغارات الجوية وشحنات أسلحة قليلة لتغير الوضع مع مرور الوقت لصالح داعش.
وترى ان السياسة المحيطة بمعركة عين العرب/ كوباني معقدة، فمن ناحية لا تريد تركيا مساعدة الأكراد السوريين التي تقول إنهم يدعمون أعداءها من مقاتلي بي كي كي. كما أن الاكراد السوريين أنفسهم منقسمون على أنفسهم، فهناك من يدعم أو يعارض نظام الأسد، إضافة للمصالح الكردية العراقية، فمن أرسل السلاح من كردستان العراق لديه مصالحه التي يريد تحقيقها في عين العرب.
ورغم كل هذا فالمساعدات العسكرية البسيطة تعتبر خطوة مهمة لأنها رفعت من معنويات المدافعين عن البلدة.
ولكنها قد تنضم سريعا للمدن العراقية التي سقطت في يد داعش إن لم تقدم الولايات المتحدة للمقاتلين السلاح الثقيل وأسلحة مضادة للدبابات.
ولعمل هذا فيجب على واشنطن التوصل لنوع من التفاهم فيما يتعلق بتحالفات قصيرة الأمد في المنطقة وهي مهمة غير سهلة.
ما بعد عين العرب/كوباني
وينظر للتعاون الأمريكي- الكردي على أنه محاولة لوقف زخم داعش الذي صعد سريعا واجتاح مناطق واسعة في سوريا والعراق بسرعة الضوء ولكنه على ما يقول جاكوب سيغيل في موقع «دايلي بيست» عالق الآن في مدينة حدودية تتراجع فيه قوته العسكرية وأسلحته الثقيلة.
ويقول الكاتب إن داعش واجه مقاومة كردية مدعومة من سلاح الجو الغربي منعته من السيطرة على عين العرب/كوباني التي أحاط بها وحاصرها لمدة شهر. كل هذا لا يعني أن داعش انتهى في البلدة أو تخلى عن خططه للسيطرة عليها.
ويرى سيغيل أن وجه داعش قد يتغير من قوة تسيطر على مناطق إلى قوة إرهابية قادرة على توجيه ضربات بدون ان يكون له قاعدة.
ويضيف أن خطأ قادة داعش كان في مقامرتهم لإنشاء دولة وهو ما وضعهم في حرب مفتوحة مع كل العالم. وكان بإمكان التنظيم الإستمرار كحركة تمرد إرهابية كما فعلت في الماضي لكنه راهن على «الخلافة».
وفي الوقت الذي فتح قرار أبو بكر البغدادي الباب أمام وصول متطوعين ودعم من الجهاديين في العالم لخلافته لكنه حول التهديد الذي تمثله دولته من مشكلة إقليمية إلى دولية.
ومنذ قراره تصرف داعش كدولة وكحركة تمرد على غرار طالبان في أفغانستان وكتنظيم القاعدة أي كحركة إرهابية. وترى لورين سكوايرز من «معهد دراسات الحرب» أن نجاحات داعش نتجت عن قدرته شن حرب هجينة- جزء منها حرب تقليدية وآخر حملة إرهابية.
وقد تهزم الحرب الجوية داعش كما تقول سكوايرز لكن التنظيم وعلى المدى البعيد سيتكيف ويتحول لحرب العصابات.
وحتى لو لم يكن التنظيم قادرا على كسر الجمود وتحقيق انتصار في عين العرب/كوباني فلديه القدرة على شن حرب عصابات في أي وقت. فمع وصول الإمدادات لمقاتلي الحماية الشعبية في البلدة قام مقاتلو داعش بشن سلسلة من الهجمات على البيشمركة في شمال العراق، فيما لم تتوقف التفجيرات والسيارات المفخخة التي تنفجر بشكل يومي في العاصمة بغداد.
إعلان كيان
ويبدو أن التطورات الجارية في مناطق الأكراد السوريين شجعت قادتهم للعمل قدما لتأمين ما يمكنهم تحقيقه حالة انجلى غبار المعركة في عين العرب/كوباني.
فقد نقلت صحيفة «التايمز» البريطانية عن محاولات الأكراد «إعادة تشكيل خريطة الشرق الأوسط» حسب وصفها، وذلك من خلال الإعلان عن منطقة للحكم الذاتي في ثلاث «كانتونات» وهي أورفة وشيزر وكوباني. وتجري القيادة الكردية السورية مناقشات لليوم التاسع في بلدة دهوك القريبة من الحدود السورية والتركية، وتأمل بتوحيد الصف الكردي وتوحيد المناطق الثلاثة في كيان حكم ذاتية تحت اسم «رجوفا». وقال المسؤولون في حزب الإتحاد الكردستاني إن الإعلان ستعقبه انتخابات برلمانية وتشكيل قوات مسلحة.
وأضافت الصحيفة إن التحرك تعارضه الحكومة التركية وحكومة إقليم كردستان العراقية التي يتزعمها مسعود بارزاني والذي يرتبط بعلاقات جيدة مع أنقرة. ويدعم البارزاني فصيلا كرديا آخر في المناطق السورية هو المجلس الوطني الكردي.
ويتزامن الإعلان مع حالة تمر فيها المناطق الكردية من فوضى بعد سيطرة داعش على عدد كبير من البلدات والقرى الكردية. لكن قادة الأكراد في سوريا يقولون إن الإعلان عن منطقة حكم ذاتي هو في تثبيت للواقع القائم.
وترى المعارضة السورية في الخطط الكردية تفتيتا لوحدة سوريا الطبيعية حيث تتهم فصائل المعارضة الأكراد بالتحالف مع النظام الإجرامي في دمشق. وقال متحدث باسم جيش الإسلام «إنهم يعملون يدا بيد مع نظام الأسد، فهم مثل ميليشيات الأسد».
وتتهم المعارضة السورية الولايات المتحدة بالتركيز على عين العرب/كوباني وتجاهل ما يرتكبه النظام السوري من جرائم. فقد نقلت صحيفة «فايننشال تايمز» عن معارضين قولهم إن النظام السوري وسع من هجمات بالأسلحة الكيميائية على المدنيين، واستهدف حي جوبر القريب من دمشق بقنابل غازية والتي انفجرت بدون إحداث أصوات ولكنها سببت غثيانا وضيق تنفس للمدنيين.
ويقول الناشط عباس «لم يكن هناك لون خاص ولكن السكان بدأوا يعانون من ضيق تنفس وصداع».
وقتل جراء الهجمات بالغازات السامة شخصان وأصيب ستة أخرون حيث يستغل النظام السوري الحرب على داعش لتوسيع هجماته ضد المعارضة.
ويقول معارض سوري «يستغل النظام الهجمات الجوية على داعش للتقدم وتوسيع مناطق سيطرته».
ولاحظت «منظمة الحد من الأسلحة الكيميائية» التي تتخذ مقرها في هيغ، وجود أدلة دامقعة عن استخدام الأسلحة الكيميائية وبشكل متكرر في سوريا في هذا العام. وسجل معهد دراسات الحرب في واشنطن 6 هجمات بالسلاح الكيميائي على المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة في شرق دمشق وكذلك شمال وجنوب وشرق البلاد.
ويقول رامي السيد، الناشط المعارض من دمشق «قصة تدمير النظام لسلاحه الكيميائي ليست إلا شريان حياة قدمه الروس لنظام الأسد»، مضيفا «من الواضح أن نظام الأسد لم يدمر كل السلاح الذي بحوزته».
إبراهيم درويش
بكل بساطة. عالم اليوم و القوى المسيطرة فيه بلا ضمير و بلا إنسانية و بلا عقل.