كائن متأثر

حجم الخط
14

لا شيء يمر بسهولة على بني آدم، لا شيء يلامسه إلا ويترك آثارا عليه، يمضي في عمق الزمن مسافرا بحمولته التي تكبر يوما بعد يوم، يتغير ويتوحش ويهدأ ويضحك ويبكي، ويقاتل ويقتل، ويتناسل وينجب، ويكره ويحب ويغار وينهار، ويؤمن ويكْفُر ويُكَفِّر ويتجبَّر و»يتفرعن»، ويبالغ في الإساءة لبني جلدته عكس كل مخلوقات الله، ثم حين يتعب يتوقف، يسقط مثل ورقة خريفية تلهو بها رياح الشتاء، قبل أن تتحلل وتصبح لا شيء.
هذا هو الإنسان، كائن متلون، أثبتت ملايين السنين أنه لا عاقل ولا متعقل، هو كائن متأثِّر، يسهل تشكيله مثل العجينة الطرية، وكأنه شريحة كومبيوتر يُبرمج فينطلق في هذه الحياة مثل أي «ربوت»، مثل تلك الربوتات التي نراها في الأفلام. لا شيء في أفق الإنسان يبشر بعصر تخيم فيه الحكمة والسلام على هذه البسيطة، أو على جزء منها، هناك دوما تحت البحيرات الهادئة كائنات تفترس بعضها بعضا لتعيش، وفي الظلال المعتمة خيالات لوحوش نائمة تنتظر لحظة الغفلة للانقضاض على فرائسها.
هذا الكائن المتأثر بالقديم والجديد، بالأموات والأحياء، هذا الذي يأكل لحمه إن لم يجد ما يأكله، كيف يمكننا تصنيفه بين كائنات الله كلها، هذا الذي لا تعجبه الطبيعة على طبيعتها، ولا البهائم على فطرتها، ولا حتى نفسه على ما خلقت عليه، لماذا لا يتوقف عن مسخ جماليات هذا العالم؟ لماذا لا يتوقف عن أخذ الأدوار الأبشع في الحياة وتقمصها؟
لماذا يتأثّر ويؤثر؟ مثل إسفنجة تمص ما يسكب عليها حتّى التشبع، باستسلام لا تفسير له في الغالب، شريحة اجتماعية واسعة تبتلع ما يقدم لها من وجبات قد تغذي وقد تؤذي . هذا العقل المعطّل كيف نفهمه؟ وكيف نجعله بعملية التأثير نفسها يشتغل بالشكل الإيجابي الصحيح، فيفكر ويقرر ويسيطر على نفسه لا أن يُسَيطر عليه.
نعم من المضحكات أننا ندعي أننا أحرار، وأن قراراتنا في أيدينا، وأن هناك نخبة ونخبة النخبة تضيء الطريق للأمم، وأن هناك مؤسسات ضخمة بأموال تفوق ما ذكر عن أموال قارون، تسخر لإدارة حياة هذا الكائن، لكن في الحقيقة إن كل شيء ينهار أمام موجة معينة تناقض العقل فتمشي خلفها الأغلبية بدون أدنى تريث. أليس هذا قمة الاستسلام ونحن نمضي وراء توجه الأغلبية؟ حتى حين نبقي دواخلنا مليئة بقناعاتنا الخاصة، ونحميها بذلك الغطاء الخارجي البراق الذي يرضي الأغلبية بشكل مؤقت، فإننا في الحقيقة نستسلم، ونعدّل سلوكنا بما يتناسب مع الموجة الغالبة، بدون أي ضغوطات تذكر، إنه انقياد عفوي، ولو على خطأ مع الجماعة.
بإمكاننا أن نتلّون، ونتغيّر حسب المتطلبات التي تفرضها الساعة. بإمكاننا أن نتهم الضحية أنه مجرم، ونعاقبه على جريمة لم يقم بها وتكون ضمائرنا مرتاحة، ذلك أننا انصهرنا في المفهوم الجمعي للقضية المطروحة، في بلدان معينة. على سبيل المثال لا تزال المرأة تعاقب على نوعية لباسها، يعتدى عليها في الشارع، أو تحاكم وتسجن، وربما تجلد حتى الموت لأنها لا تضع غطاء الرأس، ومع أن الأمر مستثنى لدى بنات العائلات الثرية أو السياسية الشهيرة مثلا، إلاّ أن القاعدة الشعبية تعتقد أن قوانينها الصارمة، التي تصاب بها مثل الوباء، يجب أن تطبق على الفئات الفقيرة المسحوقة، يحدث ذلك في كل مكان من العالم، إلى أن تستعيد المؤسسة الحقوقية عافيتها، وتخرج من متاهة التأثيرات الاجتماعية الغبية، التي تتحكم فيها الأهواء البشرية الهشة السريعة الانتشار بسبب سهولة التأثر بها.
وفي المقابل تبقى الأفكار الصعبة، العصية نوعا ما على الفهم، أو التطبيق خارج سياق التأثير، وبالتالي أبعد ما يكون لغرسها في الجماعات الطاغية بسلوكها غير المتحكم فيه بالعقل. هذا يسمى بالخوف من «الرّفض الاجتماعي» نذعن لخيارات الأغلبية، حتى لا يغضب منا الأقارب والأصدقاء، حتى لا نغضب رؤساءنا في العمل، حتى لا نخسر «لقمة العيش»، أو تفاديا للأذى الذي يمكن أن يلحق بنا، أو بعائلاتنا، نقف أمام متتالية رياضية معقدة وعجيبة مناقضة للعقل، ومع هذا لها سلطة تفوق أي سلطة أخرى.
في اختبارات سهلة وبسيطة يطرح سؤال لمجموعة عن نقطة ضوئية على لوح أسود، النقطة لا تتحرّك، لكن بمجرد زرع ثلاثة أفراد يصرون أن النقطة تتحرّك حتى ينجرّ أغلب أفراد المجموعة لتكذيب ما يرونه والتأكيد في إجاباتهم على أن النقطة تتحرّك. أما الدهشة الحقيقية فتأتي في ما بعد، حين يعرف الجميع الحقيقة، فتأتي التبريرات كلها مبنية على الخوف من تلك الأغلبية، فكل حياد عنها قد تكون عواقبه وخيمة، وأخفها ضررا الاحتماء بقاعدة «إن عمّت خفّت». بالمقابل ألا توجد تأثيرات للأقليات؟ ألا ينجر مئات البشر خلف رأي فردي لشخص معين، أو لفئة قليلة تتسع حتى تغطي أفق الرؤية لدى الأغلبية؟ ألم يبرز هذا الطرح منذ مطلع الستينيات بحثا عن أجوبة مقنعة لظواهر بشرية غريبة تبدأ بحالة وتنتهي بانتشار لا يمكن حصره ولا رسم حدود نهايته؟ تلك التأثيرات «النّاعمة» التي تقوم على طريقة اللباس، و»اللوك» المقدم عبر الإعلام بأنواعه، ومواقع التواصل الاجتماعية اليوم. خلطة سحرية لا علاقة لها لا بالفكر، ولا بعصارة القراءات الصعبة، ولا بفلسفة المفكرين ولا بأطروحات العباقرة، إنها مجرّد «خلطة» نجحت إلى ابعد حد بصناعة «مؤثرين» يقودون الشعوب في الاتجاهات التي تخدم مصالح أباطرة المال بالدرجة الأولى.
طبعا على هذا المبدأ بنيت إمبراطوريات المال، لتسويق أي منتج – حتى إن كان مضرا بالصحة – باختيار شخص واحد مؤثر يقود الجموع إلى حيث يريد بثلاث كلمات لا غير، وربما بدون كلام، وهو يتعاطى المنتج بشهية وتلذذ، تسقط مباشرة بعده كل المعطيات العلمية والأرقام المخيفة لضحايا ذلك المنتج.
لا شيء يقف أمام تقنيات التأثير التي يلجأ إليها أصحابها، وهم سادة فتح الأسواق، بكل الطرق الممكنة، بدءا بالإغراء الناعم إلى تفجير الحروب. هذه التقنيات ليست حكرا على شركات عظمى، أو مؤسسات على مستوىً عالٍ في سلم الحكومات، إنّها منتشرة حتى على مستويات بسيطة جدا، على نسق المشعوذ الذي يتحكم في مصير جماعة بأكملها، مدعيا أن الجان والشياطين مسخّرة له، فنجد المتعلم والجاهل يلجأ إليه لفهم نكسات الحظ الملاحقة به، في ميلودراما غريبة لا يقبلها العقل، ولكنها مستمرة في الحدوث.
هذه المعطيات كلها، قد تكون المفتاح السحري لأي شخص، سواء كان مثقفا أو غير ذلك لرسم خطة للتأثير على الآخرين، والتربع على عرش قيادة مجموعة كبيرة، تفتح له بتبعيتها آفاق الشهرة والمال والنجاح. نعم بقدر سهولة الموضوع، بقدر صعوبته في آن، لكنه ممكن والنماذج لا تعد ولا تحصى، وكلها انطلقت من معطى واحد رئيسي وهو أن الإنسان كائن متأثر.

٭ شاعرة وإعلامية من البحرين

كائن متأثر

بروين حبيب

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول محمد المليص - كندا:

    للأسف الشديد إن الخوف من رأي الغالبية واعتباره مصدر خوف واستبداد و..و ..و هو الذي رسخ فراعين البشرية عبر التاريخ. كل فرعون كان ولا يزال يدعي أن الناس غير أكفاء وغير واعين ومنافقين وخونة لذا لا بد من قيادتهم رغماً عن أنفهم ويجب عد أنفاسهم حفاظاً على أمنهم وعلى مصالحهم. الأحرى بالكاتبة أن تؤكد على أهمية رأي الغالبية الفائز عبر صناديق إنتخابات نزيهة. لأن رأي الغالبية هو مفتاح التطور والإستقرار وتعقيم العقول المتعفنة التي لا تقبل المنطق وإنما تتصرف وفقاً لأهوائها ومصالحها.

    صحيح أن الديمقراطية لا تعني العدالة, وإنما تعني الأسلوب الأقل وحشية وأقل ظلماً والأكثر تنويراً للعقول الصدئة. عجباً من بعض النخبة التي تتصرف بحقد على مجتمعها ومعتقداته, بينما الأولى بهذه النخبة أن تساعد مجتمعها وتخلصه من أي معتقدات وعادات متخلفة من خلال دعوته للإحتكام لصناديق الإنتخابات وإلى حرية الرأي بعيداً عن احتقار وازدراء الآخر, حتى لو نجح بالإنتخابات هندوسي, فإن هذا الهندوسي سيتعرض إلى حملات نقد في كل وسائل الإعلام إذا ما تصرف بعيداً عن المنطق, فيتطور رغماً عن أنفه ويصبح أكثر منطقاً وإحتراماً للآخر وإلا ترميه صناديق الإنتخابات على هامش المجتمع. هكذا تتطور البشرية وهكذا تتقدم العدالة.

  2. يقول سيف كرار ،السودان:

    فعلاً ،كهذا هي البشرية وحياة الدنيا ،ابشع من ما يتصورة العقل ،وأرق من النسيم العليل،يعطيك من طرف اللسان حلاوة ويقتلك إما بفلوسة اوبلسانة او بمؤآمراتة السخيفة التي يعتبرها مقدسة لدية ،وبدلاً من التقديس التدنيس …وا اسفااااااي علي هذا الانسان ،يقول الرسول (ص) وطنوا انفسكم ،ان احسن الناس ان تحسنوا ،وإن اساؤوا ان تجتنبوا إسائتهم…..هذة الدنيا كتاب ضخم الصفحات .لاحولة ولا قوة الا باللة..

  3. يقول سامح //الأردن:

    *حياك الله أخت بروين والجميع.
    كلامك سليم وصحيح وسوف اكتفي بمثل واحد على بشاعة الإنسان وخاصة من بيدهم
    (الحل والربط) والتحكم برقاب خلق الله.
    *(حصار قطر) من قبل دور الحصار الظالمة
    منافي للعقل والتعقل والحكمة ومستحيل
    يوافق عليه إنسان عاقل شريف ذو خلق
    ودين وضمير ومع ذلك سوقته دول الحصار
    واجبرت شعوبها المنكوبة بتبنيه ظلما وعدوانا.
    * أيها الإنسان الظالم الحقود..ما ابشعك.
    سلام

  4. يقول اشرف:

    أحمد المليص من كندا : أي ديمقراطية وهمية تتحدث عنها ؟ هذه هي نتائج ديمقراطية أمريكا في الشرق الأوسط : القتل والذبح والحرب ليل نهار.لعن الله الديمقراطية التي تقولون بها.لا نريدها ولا نريد حتى ذكر اسمها.ولتحتفظوا بها لديكم بالعافية والهنا عليكم.

  5. يقول الدكتورجمال البدري:

    سيكون تعليقي ذي وجهة نظرمن زاوية أخرى لكنها مكملة.فمن المعلوم أنّ عناصرالحدث ؛ من وجهة النظرالغربية الأدبية ثلاثة : الزمان / المكان / الإنسان.ولا يمكن للحدث أنْ يتكوّن بوجود الزمان والمكان فقط.بل لابدّ من وجود عنصرالإنسان. وبنيت على هذه الرؤية الثلاثية الكثيرمن قوانين الفنّ والأدب الكلاسيكيّ.ولنأخذ واحدة من تلك الثلاثية.إنّ عناصـر الزمان ؛ هي الماضي والحاضروالمستقبل.وكانت هذه العناصرسيدة الموقف قبل ظهورعصرالمعلوماتية والتواصل الاجتماعيّ بكلّ مسمياتها القائمة والحاكمة الآن.فأين موقع ( التاريخ ) من عناصرالزمان؟ التاريخ مكوّن أساس في شخصية الإنسان ؛ وعمود التاريخ الماضي.لكن أي ماضٍ هو؟ الماضي لا يقال له تاريخ إلا إذا تفاعل مع الحاضروالمستقبل ؛ وإلا بقيّ ماضيًا خارج قانون الحياة.فإنّ تفاعل مع الحاضروالمستقبل تحوّل إلى تاريخ.فإذا كان : محليًا أصبح تراثًا ؛ وإذا كان عامًا إنسانيًا أصبح : تاريخًا.حين ذاك سيواجه الإنسان ثلاثة أزمنة ثقيلة في آن واحد : التاريخ والحاضروالمستقبل.من هنا يصبح الإنسان متأثرًا ؛ سلبًا أوإيجابًا.والذي أدّى إلى الانقلاب في حياة الإنسان وسلوكه الغداة ؛ أنه بعدما تخلّص من الماضي ؛ تخلّص من التاريخ والحاضركذلك ؛ وانطلق نحو زمن المستقبل فقط.لهذا نجد التسارع إلى درجة اللهاث ؛ المسيطرعلى ( فلسفة الإنسان اليوم).نعم التعامل مع المستقبل هوأفضل الخيارات للحضارة.أنما له سلبياته مثلما له إيجابياته.أكبرالإيجابيات هذا التطوّرالتقنيّ المذهل المعادل في سنة واحدة لما يفوق قرون سابقة لمرّة واحدة.لذلك الشعوب التي لا تمتلك رصيدًا كافيا من عناصرالزمان الجديد ظلت تراوح مكانها…وخطواتها وئيدة كالسلحفاة.إنما أخطرسلبيات التعامل مع المستقبل الصراع الملغي لمزاج الآخرين بدل جعلهم متساوقين معًا في عربة قطارالإنسانية السريع.لهذا الازدحام في المحطات يفوق التكدّس في قطارات الهند… إذن : هوالإنسان ليس مجرد كائن متأثر؛ بل يحمل في طيات دماغــه ثـورة المستقبل. فهل يمكننا وضع تعريف جديد للإنسان ؛ لنقول إنه كائن زمن المستقبل قبل التاريخ ؟ يتبع سيدتي وسادتي الكرام :

  6. يقول الدكتورجمال البدري:

    أما عبارتك الختامية : (هذه المعطيات كلها، قد تكون المفتاح السحري لأي شخص، سواء كان مثقفا أو غير ذلك لرسم خطة للتأثير على الآخرين، والتربع على عرش قيادة مجموعة كبيرة، تفتح له بتبعيتها آفاق الشهرة والمال والنجاح. نعم بقدر سهولة الموضوع، بقدر صعوبته في آن، لكنه ممكن والنماذج لا تعد ولا تحصى، وكلها انطلقت من معطى واحد رئيسي وهو أن الإنسان كائن متأثر).بالنسبة للمثقف لديه ضوابط ذاتية وموضوعية (كما مفترض لقيمة الثقافة المجردة وسموالإنسان فيه) وفرق كبيربين ( مثقف ) يكون طبيب معالج بالشهادة والعلم والعرفان وبين ( مثقف ) مقاهي متسكع مفلس ؛ يتحوّل إلى نصّاب وقاريء بخت للنسوان ؛ بالفهلـوة والفنجان. هوكالفرق بين اليقين والظنّ : { وما لهم به من علم ؛ إلا الظنّ وإنّ الظنّ لا يغني من الحقّ شيئًا }( النجم 28).والعجيب أنّ سورة النجم بدأت بالتحذيرمن الشاعرالغاوي : { والنجم إذا هوى }.وكان الشاعريومذاك رمزالثقافة.والنجم : الشاعروصاحب السلطان الساحرالمخادع اللسن وليس ثريا السّماء.والواو للتحذيروليست للقسم ؛ كما ظنّ الظنانون.مع المودة للجميع.

  7. يقول ليلى : جدة:

    استاذي الكريم الدكتور جمال البدري : معجبة جدا بقلمك وافكارك الجريئة ارجوك تعريفي معنى واو التحذير.وياليت تبعث لي بعنوان بريدك الالكتروني ؟

  8. يقول الدكتورجمال البدري:

    سيدتي من جدة عروس البحرالأحمر: بإيجازكثيف أقول لحضرتك بشأن الـــواوفقط ؛ لأنّ بين يديّ رواية بول أوستر( ثلاثية نيويورك ) أريد قراءتها ؛ ورغم ذلك أقول إنّ واوالتحذير؛ نوع من أنواع الواوفي اللغة العربية ؛ تفيد تحذير( السامع ) من أمرمحذورفيه خطر؛ فهي بمعنى ( إيّاك إيّاك ).وظاهرها مثل واو القسم ؛ الاسم بعدها مجرور؛ لكن الفرق أنّ واوالتحذيرلا جواب قسم لها.ومثل واو التحذيرواو الإغراء ؛ ولها القانون النحويّ نفسه ؛ إنما معناها الإغراء بالشيء الحسن والمفيد ؛ وهي بمعنى ( عليك ).وتأتي واوالتحذير( ومثلها واوالإغراء ) على أول الجملة كما تأتي في منتصف الجملة.يعني يجوزبها : ( والنجم إذا هوى ) كما يجوزبها :( الخيانة والكذب ).لهذا يخطأ بعضهم عدّها واوالعطف.والعطف يقتضي المشاركة في المعنى.وهنا لا توجد مثل هذه المشاركة كما هو واضح.وبعضهم قال معناها : ( مع ) لأنّ الاسم الذي من بعدها منصوب في موقع مفعول معه.ونشيرإلى أنّ عامة الواووهي حرف يكون عاملًا وغيرعامل ؛ تقسم إلى أنواع عديدة ؛ لسنا بصددها هنا. إنّ غالب ما تمّ تفسيره على أنه واوالقسم في آيات القرآن إنما هي واو التحذيرأو الإغراء.وهذا يساعد كثيرًا على تحديد المعنى الدقيق للنصّ القرآنيّ.وهناك فرق مهم من النصوص وهوأنّ القسم يحتاج لأداة قسم ومقسم به ومقسم عليه ( وهوجواب القسم ).فالعلاقة بين المقسم به وجوابه ؛ كالسبب المفضي إلى النتيجة المرتبطة به.أما واوالتحذيرفليست لها جواب قسم.لأنّ جواب القسم جزء أصيل ومكمل من جملة القسم (الاسمية والفعلية ). فإنْ كان مستقل العبارة بنفسه فلا يعدّ جواب قسم.مثل قوله : { والعصرإنّ الإنسان لفي خسرإلا الذين آمنوا }.فيجوزالقول ومن دون جواب قسم ومن دون خلل لغوي أيضّا : { إنّ الإنسان لفي خسرإلا الذين آمنوا }.فهي جملة كاملة ومستقلة وسليمة اللفظ والعبارة ومفهومة المعنى والدلالة.والسبب أنّ واو: { والعصر}للتحذيروليست للقسم.والعصركناية التحذيرمن (عصر) الناس بالضرائب وإلا هي الثورة…لا وقت العصرمن اليوم.لهذا جاءت من بعدها سورة الهُمزة بالويل بشأن المال لمنْ ؟{ الذي جمع مالًا وعدّده }.وكي يبرروا وجود جواب القسم ( للواوهم المفترضة للقسم ) قالوا بتقديرالجواب.وجواب القسم لا يجوزتقديره.أي لابدّ أنْ يكون حاضرًا مع المقسم به…كالجارللجار.يتبع :

  9. يقول الدكتورجمال البدري:

    وأما واوالإغراء فقد جاءت بقوله الله سبحانه وتعالى :{ والتين والزيتون}.أي عليكم ياشباب الأمة الزواج بفتيات الأمة المتزينات كناية للعرائس.لأنّ التين معناها الفتاة الصغيرة الرقيقة البكر؛ مأخوذة من التين : قوقعة اللؤلؤة الرطبة المغلقة في قعرالبحر؛ لم يسمّها مساس وغواص من قبل.والزيتون من التزيين وليست من التزيت لأنّ النون زائدة…{ وطورسنين }.أي ومثلهنّ شباب مثل أعمارهنّ لا عجائز.من الطور: مجاورة الشيء للشيء بمثله في السنّ والمكان ؛ وليس هوجبل الطورفي سيناء.لهذا كان سيدنا عمريحذّرأولياء الأمورمن تزويج بناتهم الصغيرات من كبارالسنّ العجائزكيلا يكون الطلاق.{ وهذا البلد الأمين } ليست مكة المكرمة كما قالوا ؛ أكرمها الله أبدًا بل بمعنى ادفعوا للعرائس حقوقهنّ من الذهب غيرالمغشوش الأمين المأمون العثار.ومن البلد : نفائس الذهب والفضّة.ولا يجوزالمهربذهب شبه كما يقال اليوم الذهب الصينيّ والذهب البرازيليّ ؛ الرخيص الثمن.بل يجب المهرأنْ يكون من الذهب الخالص للعروس أوما يعادله من مال ( فلوس ).
    وعليه جاء قوله :{ لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم }أي بالزواج فهوأحسن تقويم للذكروالأنثى ؛ وهما الإنسان ؛ جملة قائمة بذاتها.ما دلّ على انتفاء جواب القسم عنها.لقد جاءت من بعد سورة التين سورة العلق ؛ والعلق كناية للأم والأب ؛ لأنّ العروس والعريس سينتقلان إلى ( وظيفة ) الأمومة والأبوة بعد الاقتران.هذا هوالقرآن لا يغش أحدًا إذا فهم بشكل صحيح وفق لغة العرب الأقحاح ؛ لا وفق أهـواء وسطحية الفلاح والملاح وأهل البطاح ؛ لارضاء ترامب الداشرونتنياهوالسفاح. نكتفي بهذا القدروله مزيد مزيد ؛ لمنْ رغب فنحن أهل ( حي لقاح ) مثمرإن شاء الله.ومرحبًا بأيّة ملاحظة تصويب وتصحيح ؛ ويبقى شعارنا : { وفوق كلّ ذي علم عليم }( يوسف 76).لقد أصبح التعليق كبيرًا كالمقال ؛ شكرًا لكرم الكاتبة فكلماتها عندي بالذهب المثقال؛ وشكرًا لكرم جريدة القدس صاحبة الأفضال.والسّلام.

  10. يقول سيف كرار ،السودان:

    يا دكتور جمال البدري لا اعتقد ان عامة المسلمين يعلمون ان ….البلد الامين هو ليس مكة المكرمة ، بل انة الدهب الغير مغشوش ….

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية