اعتدت منذ ما يقرب من عام، وحين أفتح بريدي الإليكتروني في أول الصباح، أن أعثر على رسالة من كاتب لا أعرفه شخصيا، ولا حتى عبر الكتابة، ولم أسمع به إلا من خلال تلك الرسائل الصباحية اليومية، التي تحوي مجموعة مما يسمى القصة القصيرة جدا، أو القصة الومضة، وهي كما يبدو فعل كتابي يومي له، بدليل أن الرسائل وما تحويه، لم تنقطع منذ وردت إلي أول مرة، قط.
حقيقة كان لا بد أن أستغرب من ذلك الشرف الذي اختصصت به، وهي أن تصلني تلك الومضات بهذه الطريقة، لكن ما حيرني أكثر، إن الكاتب لم يعرف بنفسه، كما هي العادة في مثل تلك الرسائل، لم يترك لي تحية أبدا، ولم يخاطبني بأي لقب، أو يطلب رأيا في قصة، أو مقدمة لمجموعة قصصية ستصدر، خاصة أن عدد تلك الومضات، الآن قد بلغ الآلاف ولا بد يحتاج لستره بين أغلفة كتب.
في البداية كنت أقرأ مدفوعا بالفضول، أقرأ شيئا مثل: قالت البعوضة لزوجها: هل تحبني؟ فأهداها باقة من الدم. أقرأ: حين أراد التاريخ أن يدون قصة حبي لك، أرسلني لشراء الورق والأقلام. ثم قل فضولي كثيرا، وتحول استقبالي لتلك الومضات إلى عبء ثقيل، وددت لو توقف.
حقيقة لم أعثر على أي جدوى في تلك الكتابة الغريبة، ولا أعتقد أن القصة القصيرة، أصبحت من المسكنة بحيث يمكن لمها هكذا، وكسوتها بتلك الملابس الضيقة، والسعي إلى طردها نهائيا من سكة الإبداع، ولا أستطيع أن أفهم إن كانت قصة، مثل حب ذكر البعوض لأنثاه، أو مسألة التاريخ الذي يشتري الأقلام والورق، يمكن أن تجد قارئا متفاعلا، يستمتع بها، وتعلق في ذهنه طويلا، والقراءة الآن كما نعرف متجهة بكل عدتها وعتادها نحو الرواية، وبالتالي أي صنف من الإبداع، لكي يحافظ على ما تبقى له من قراء، عليه أن يخترع أدوات أكثر متانة، تبقيه واقفا على قدميه.
أنا لست ضد التطور الإبداعي، واستحداث أنماط جديدة من الكتابة، أو الفن كلما صدئت الأنماط القديمة، أو غفت واحتاجت إلى صدمات لإيقاظها، لكني ضد الولادة المبكرة للأنماط المستحدثة، أو أن تولد الأشياء ميتة. ولعل هناك من يكتب مثل هذه الومضات ولكن بحرفية، وبعدد أسطر تصنع حكاية ببدايتها ونهايتها، وما تريد إيصاله للقارئ، مثل ما يقدمه صديقنا صلاح سر الختم، في قصصه القصيرة جدا، وهو في الأصل قاص وروائي متمكن، وأيضا آخرون كتبوا القصة بنمطها المعروف، وجربوا في هذا النمط الجديد.
كتبت لصاحب الرسائل مرة: رجاء أن تعفيني من تلك الكوابيس، فلم أجد فيها ما يشجعني على الاستمرار في تلقيها، وومضتك عن البرتقالة التي أرادت أن تصبح تفاحة وأصيبت بجلطة، أزعجتني كثيرا. كان الرد مجموعة جديدة، تبعتها أخريات، وهكذا يستمر بريدي في التلقي ولا يبدو أن ثمة حل ممكن.
لكن دائما توجد أشياء مشرقة، أعني أن كل موضوع في الدنيا مثلما يملك سلبيات كثيرة، يمكن أن يملك إيجابيات أيضا، وهكذا وأنا أكتب رواية جديدة، جاءتني راكضة شخصية كاتب قصة قصيرة جدا، لتحتل مساحة لا بأس بها من النص، وفي اعتقادي أنها من الشخصيات التي كتبتها بمتعة. وطبعا لم تأت تلك الشخصية من المجهول، ولكن من البريد الإلكتروني الذي يتلقى نتاجها الكابوسي يوميا منذ ما يقرب من عام.
أمير تاج السر
لم أكن مرتاحا للقصيرة جدا. فهي أحيانا تفريغ لرسالة الفن و الحكاية. التجديد يتميز بالجدية أيضا. و حياتنا معقدة و لا يمكن تبسيطها بسطر أو نصف جملة.
على أية حال هناك مقتطفات من أعمال أساسية تدخل في بند القصيرة جدا أو محطات استراحة تمد لنا ظلا نجلس تحته لدقائق فنلتقط أنفاسنا.
هذه قصص قصيرة جدا.