كاميرون يدعو «الأغلبية الصامتة» المسلمة للمشاركة في حرب الأجيال ويتعهد بدعم المعتدلين ماليا وأمنيا

حجم الخط
0

لندن – «القدس العربي»: ستطلب بريطانيا من الجهاديين البريطانيين العائدين من سوريا العودة من جديد إلى مقاعد الدراسة. وستعطي الحكومة العائلات صلاحية التقدم بطلب إلى وزارة الداخلية لسحب جوازات سفر أبنائهم ممن هم دون الثامنة عشرة.
جاء هذا في استراتيجية معدلة لمكافحة التطرف داخل بريطانيا والذي يرى رئيس الوزراء ديفيد كاميرون أن مواجهته هي جزء من صراع الأجيال في القرن الحادي والعشرين. وبحسب المعايير الجديدة فسيتم وضع الأشخاص الذين يتهمون بالإرهاب ضمن سجل يشبه السجل الذي يستخدم لمراقبة المتحرشين بالأطفال «بيدوفايل» وهو ما يعني منعهم أتوماتيكيا من العمل مع الأطفال.

على كل المستويات

ودعا كاميرون في مقال نشرته صحيفة «التايمز» إلى ضرورة محاربة التطرف من «على طاولة الطعام في المطبخ إلى حرم الجامعة والإنترنت ومن خلال الإذاعة والتلفزيون. وقال إن «من تورط في التطرف يجب أن يدخل مساقات مكثفة تعمل على إبعاده عن التشدد. ويتحدث كاميرون عن خطة إجبارية» وهو ما يعني أن حضور البرامج سيكون مشروطا لمن أفرج عنه من السجن بعد اتهامه بأعمال إرهابية أو بناء على قرار من المحكمة ضد من يشتبه بتورطه بالإرهاب».
وتعهدت الاستراتيجية بمكافحة ثقافة الغيتو والعزلة في البيوت والتي تسمح بانتشار فكر التطرف ومنع الأئمة الداعين للكراهية وضع مواد على الإنترنت. وفي الوقت نفسه سيتم التعاون مع شركات خدمات الإنترنت والطلب منها المساعدة في مواجهة الفكر المتطرف. وسيمنح رئيس الوزراء صلاحيات جديدة لوكالات المخابرات تقوم من خلالها بمنع الاتصالات الرقمية للأشخاص المشتبه بتورطهم في الإرهاب. وتأتي الاستراتيجية الجديدة في الوقت الذي أكد فيه وزير الدفاع مايكل فالون عزم الحكومة توسيع مشاركة بريطانيا لمكافحة تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا.
وهناك ما يقدر عدده 700 جهادي بريطاني سافروا إلى العراق وسوريا وانضموا لتنظيم الدولة وجماعات جهادية أخرى. وزاد عدد الأشخاص الذين اعتقلوا بشبهة الإرهاب حيث اعتقلت الشرطة 338 شخصا في الفترة ما بين 2014- 2015. وفي مقاله دعا كاميرون القيادات المسلمة المعتدلة التقدم والمساعدة في مكافحة التطرف. ووعدت الحكومة بتقديم 5 ملايين جنيه استرليني إضافية لتوزيعها على الجماعات المنخرطة في مكافحة التطرف.
ووصف كاميرون التطرف بأنه فكر تخريبي ومنظم ولديه قدرات عالية و»لا يهدد أمننا فقط ولكنه يعرض للخطر كل شيء بنيناه معا: ديمقراطيتنا متعددة الأعراق والأديان. ويجب أن نواجههم أينما وجدناهم».

حرب الأفكار

وقال كاميرون إن استراتيجية حكومته تتعامل مع هذا السم على كل المستويات، فهي تواجه الأيديولوجية التي يستند عليها التطرف. وتتعامل مع الجزء الداعي للعنف واللاعنفي من عقيدة التطرف. كما وتقوم الإستراتيجية بتعزيز قوة الأصوات الممثلة للتيار الرئيسي في المجتمع والتي عادة ما يتم تغييبها.
وتدعو الإستراتيجية لمواجه التهميش وحالة العزلة التي تسمح للتطرف بالنشوء والازدهار. وأكد كاميرون أن ملامح استراتيجيته الجديدة مهمة لأنها تتعامل مع معركة جيلية تعتبر الأهم في هذا القرن «فهزيمة أعدائنا تحتاج لوقت وصبر واستعداد للتكيف»، واعترف كاميرون أن المعركة ليست بالضرورة عسكرية ولكنها في جوهرها معركة أفكار. فعلى جانب يقف المتطرفون الذين يريدون تقسيم المجتمع ونشر رؤيتهم المنغلقة عن العالم. وعلى الجانب الآخر يقف كل واحد. وليس فقط الحكومة والشرطة والأمن ولكن مؤسسات المجتمع والمجتمع بأسره. ودعا كاميرون لمواجهة رواية التطرف كل يوم في البيت والجامعة والإنترنت، وما إلى ذلك.
ويرى رئيس الوزراء أن المعركة ضد التطرف لن يتم الإنتصار بها إلا من خلال النقاش والإقناع. كما وسيتم حسمها من خلال وقوف الناس وتأكيد القيم الديمقراطية والليبرالية والكشف عن فراغ رؤية المتطرفين. وأكد كاميرون على أن رواية التطرف وإن كانت لا تمثل روح الإسلام إلا أنه علينا أن لا ننسى أنهم يحاولون تبرير أفعالهم من خلال النص والعقيدة وهو ما يمثل تحد لكل المسلمين حيث سمح لهذه الرؤية المنحرفة وغير الليبرالية بالنمو. وهي مشكلة عندما يرى الكثيرون ان الغرب هو المضطهد للمسلمين ويشترون فكرة المظلومية والعنف التي يسوقها المتطرفين.
ويرى كاميرون أن جزءا من انتشار هذا الفكر هي شعور الكثيرين أن الولاء للدين أقوى من ولائهم للمواطنين الذين يعيشون معهم في الدولة – الأمة.

الوقوف مع المعتدلين

ودعا كاميرون لدعم المسلمين الذين يواجهون الفكر المتطرف ويروجون لفكر بديل «وهناك الكثيرون، ففي الأسبوع الماضي عقدت أول جلسات من لقاءات التواصل مع المجتمع وحضره عدد من المسلمين الغاضبين على اختطاف المتطرفين لدينهم والمستعدون لاتخاذ موقف. وأعرف أنه يجب دعم هؤلاء بكل ما لدينا. وعليه سنقدم لهم الحماية والتمويل والمساعدة العملية وكل ما يمكننا عمله». وهو إن أعلن عن ميزانية جديدة لمساعدة الجماعات العاملة في مجال مواجهة التطرف إلا أن هناك حاجة لأصوات أخرى لكي تتقدم وتشارك في معركة التصدي. وقال «أعرف اننا يجب علينا تولي أمر المشكلة ولكن على المجتمعات المسلمة توليها أيضا.
وكل له دور مهم يلعبه ولكنني أشعر أن الغالبية الصامتة بإمكانها أن تغير الوضع، فهي مركزية لمكافحة التفسير المنحرف وهي مركزية في تقديم رؤية ليبرالية متسامحة عن الإسلام الجامع للكل. ويمكنها العمل بانسجام مع الديمقراطية والحرية والمساواة. ويمكنها أن تظهر للصبي في شرق لندن والبنت في برمنغهام كيفية الجمع بين أن تكون مسلما وبريطانيا ومن دون تصادم او تناقض».

تثقيف

وتعتقد «التايمز» في افتتاحيتها أن التحدي الأكبر للتعامل مع العائدين البريطانيين من سوريا ليس في السجن. فالسجون البريطانية تحولت لمحاضن تفرخ التطرف والمتطرفين. وترى والحالة هذه في مقترح عقد مساقات تثقيفية طريقا لمواجهة التطرف.
وتدعو الصحيفة المتشككين من خطة رئيس الوزراء للنظر في الدورات التي تعقدها المجالس المحلية لتدريب السائقين الذين يسرعون على الطرقات ويجتازون إشارات المرور كمقابل لاستعادة رخص السياقة. ولو حصل الأمر نفسه مع الجهاديين وتمت مواجهتهم في قاعة الدرس بواقع الأيديولوجية التي أعمتهم فالنتيجة ستكون جيدة. وتعتقد أن التعليم هو جزء من جهود أخرى تستدعي النظر في العوامل التي تدفع الشاب لتبني أيديولوجية متطرفة بعد أن فشل في الحصول على وظيفة محترمة.
وعليه فهناك حاجة لتواصل مكثف مع المدارس وضم المساجد والأئمة الذين تلقوا تدريبا جيدا وإشراكهم في البرامج التعليمية والروحية ونشر التسامح والمساواة والحرية والوطنية بشكل لا ينتاقض مع الولاء الروحية للمجتمع بشكل عام. وترى أن الكلية الإسلامية في كامبريدج يمكنها المساهمة في تأهيل الأئمة كي يعملوا في الوعظ العام. وعلى مجالس المساجد والكليات عمل الأمر نفسه لأن مستقبل بريطانيا المتعددة ثقافيا مهدد.

وجه النصرة

وتمثل الاستراتيجية جزءا من محاولة الحكومة منع الشبان من التدفق إلى سوريا، خاصة بعد الكشف عن الشخص الذي قام بقتل الرهائن الغربيين لدى تنظيم الدولة المعروف بجهادي جون والذي يحمل الجنسية البريطانية. ويشغل عدد منهم مناصب في إدارة الدولة سواء في الشرطة والدعاية والإعلام.
واستفاد التنظيم من قدرات الرهينة البريطاني الصحافي جون كانتلي لتقديم سلسلة من التقارير عن الوضع في عين العرب/كوباني أثناء حصاره لها العام الماضي. ولم يستفد «تنظيم الدولة» وحده من الوجوه الغربية بل جندت «القاعدة» من قبل عددا منهم وتعلم تنظيم «جبهة النصرة» في سوريا اللعبة. ففي هذا السياق ذكرت صحيفة «دايلي ميل» أن نجل مخرج بريطاني اعتنق الإسلام وسافر إلى سوريا حيث أصبح «ولد الملصق» لـ «جبهة النصرة» وظهر في أكثر من فيلم دعائي. وتقول الصحيفة إن لوكاس كيني (26 عاما) ظهر في عدد من الأفلام الدعائية لتشجيع الشبان على الانضمام للتنظيم. وتضيف أن كيني درس في مدرسة كاثوليكية وشارك في قداسات دينية وتحدث عن طموحه لأن يصبح قسيسا. وعمل والده باتريك (59عاما) مع المخرج الأمريكي المعروف ستيفن سيبليبرغ في سلسلة أفلام «انديانا جونز» ومخرجا مساعدا في عدد من الأفلام المعروفة.
وتحدثت الصحيفة مع والدة لوكاس، ديبورا فيليبس والتي انفصلت عن والده عندما كان في المدرسة الابتدائية. وعبرت عن مخاوفها من أن يصبح ابنها هدفا لسلاح الجو البريطاني عندما يوافق البرلمان على توسيع الهجمات إلى سوريا. وتتلقى والدته رسائل إلكترونية من ابنها وبشكل منتظم ولكنها لا تعرف كيف تشرح تحول ابنها الذكي إلى متشدد إسلامي. فبعد انتهائه من المدرسة الثانوية سجل في جامعة ليدز حيث درس لمدة عام قبل أن يتركها ليعمل في عدد من الفرق الموسيقية.
ومن بعد سافر إلى فيينا للعيش مع والده وهناك أصبح متشددا. وأصبح اليوم شخصية دعائية مهمة في آلة «جبهة النصرة» الإعلامية ويعرف بأبو بصير البريطاني. وتقول والدته التي تعيش مع زوجها الثاني إن ابنها يواجه مخاطر كثيرة. فمن تنظيم الدولة الذي قد يختطفه كرهينة بريطاني للجيش السوري إلى الطيران الروسي والآن الطيران البريطاني الذي استهدف عددا من البريطانيين في الرقة هذا الصيف. وتضيف «يعتبر لوكاس هدفا وأنا سعيدة لارتباطه مع القاعدة وليس تنظيم الدولة».
وكان لوكاس قد تعرض للإصابة نتيجة إصابته بقذيفة هاون وأجريت له عملية جراحية، حيث قيل له إنه لن يستطيع القتال لمدة 18 شهرا. وتقول إنها لم تتحدث مع ابنها لمدة طويلة وبعدها وصلت رسالة منه عبر البريد الإلكتروني. وتعلق «على الأقل لا يزال حيا». وتزوج لوكاس هناك «ولا أعرف عنها أي شيء ولم ينجب أطفالا حسب علمي» كما تعلق والدته. وتريد والدته منه العودة لبريطانيا «وإن فعل شيئا خطأ فأريده مواجهة نتائج فعله ولا يزال شابا وعلى الأقل حيا يرزق».
ورغم أن معظم الجهاديين البريطانيين في سوريا هم أبناء عائلات مهاجرة إلا أن عدد البريطانيين الأصليين في «تنظيم الدولة» و»جبهة النصرة» يظل قليلا. وظهر لوكاس قبل أشهر في فيلمين دعائيين وتحدث عن الجرائم التي يرتكبها تنظيم «الدولة الإسلامية». وتقول الصحيفة إن طبيعة الفيلمين كانت صحافية على خلاف أفلام «تنظيم الدولة» المليئة بالعنف. وكان عنوان أحد الفيلمين «ستظهر طريقة المجرمين». ويزور مسجدا دمره «تنظيم الدولة» في سوريا ويعلق على الأشخاص الذين قتلوا في الهجوم «ما يدعو للراحة» هو «أن الله اختار اخذهم في الوقت المناسب ومنحهم موتا جميلا».
ويعلق لوكاس إن «تنظيم الدولة الإسلامية» لا يستحق. وكان يهدف لدفع الشبان البريطانيين الانضمام إليه في سوريا وهو ما يعتبر جريمة في بريطانيا. وسخر البعض من فيلمي لوكاس وعلقوا «لا تنس فرشاة أسنانك»حيث لاحظوا إلى جانب البندقية التي يحملها على كتفه فرشاة أسنان.

سيرة حياة

ولد لوكاس في منطقة هامرسميث في لندن عام 1989 لأم بريطانية وأب أمريكي. وبدأ والده باتريك وهو نجل دبلوماسي أمريكي عمل في الأمم المتحدة مسيرته في الفيلم كمساعد مخرج فيلم وعمل في أفلام «رامبو» و «خارج أفريقيا» و «صرخة الحرية» ومن ثم عمل مع سبيلبيرغ في «إمبراطورية الشمس» و»‘إنديانا جونز». وفي طفولته لازم لوكاس والده في ذهابه للكنيسة. وبعد انفصالهما سافر الأب إلى فلوريدا أما والدته فظلت تعمل مديرة لمكتب طيران. وعندما حصل زوج أمه على عمل في السعودية انتقلت كل العائلة معه. ووصلت العائلة مع هجمات إيلول (سبتمبر) حيث خشيت من العودة بسبب الهجوم إلا أنها استقرت بعد أن هدأت الأوضاع ودرس لوكاس في مدرسة خاصة هناك. وعندما انتقلت العائلة إلى مصر سجل في مدرسة خاصة في القاهرة ومثل في عدد من المسرحيات المدرسية. وحصل على الشهادة الثانوية بتميز في ثلاثة موضوعات بما فيها الفن والموسيقى.
وعاش لوكاس لمدة سنة مع والده في فيينا قبل أن يسجل في قسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة ليدز عام 2009. وبعد عام ترك الدراسة وعاد للعيش مع والده حيث اعتنق الإسلام في النمسا. وتقول والدته «باتريك والده كاثوليكي ولوكاس كاثوليكي وتحدث وهو في عمر الـ12 أو 13 عن حلمه بأن يصبح قسيسا». وتضيف أن ابنها في القاهرة كان اجتماعيا وله زملاء كثيرون وكان عضوا في فرقة موسيقية و»لم أكن قلقة عليه» و»لم يكن مسلما بعد وكان يحب موسيقى البوب ويعزف الغيتار».
وتعتقد أن ابنها تأثر بالإسلام عندما كان في فيينا. وقال والده «إن دينه مهم له». فقد ظهرت عليه ملامح التغير وأطلق لحيته ولبس الثوب وانتقل للعيش مع أصدقائه. ولم تتحدث معه لمدة طويلة واكتشفت في عيد الأم أن ابنها أصبح مجاهدا في سوريا. وتقول والدته «عندما اكتشفت أنه في سوريا، قلت لو كان عندي طائرة لذهبت وأحضرته من هناك» ولكنه «قال لا، لا أريد هذا». وتتذكر أن ابنها تحدث إليها قبل مدة طويلة «إنهم يقتلون المسلمين» في إشارة للأسد وقواته «إنهم يغتصبون النساء ويقتلون الأطفال». وتقول إن ابنها لم يتحدث مرة واحدة عن مهاجمة الغرب ولكنه استخدم في كل رسائله الآيات القرآنية وكان يريد من الجميع اعتناق الإسلام».

إبراهيم درويش

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية