يتجه العالم اليوم إلى محاربة الشيخوخة بكل الوسائل المتاحة، وتعمل أعداد كبيرة من المختبرات في الطب والتجميل والعلوم على اختلافها في محاولات دائمة لاكتشاف كل ما هو ممكن لمحاربة انعكاسات التقدم في العمر على الإنسان.
وتقف البشرة في مقدمة اهتمامات الباحثين في هذا المضمار، ففي كل يوم تقدم لنا شركات ومجامع علمية وبحثية سبلا جديدة في استعادة شباب البشرة، أو ترميمها من خلال مستحضرات مختلفة، أو أدوية أو عبر مباضع الجراحين، أو التمارين الرياضية المختلفة والأجهزة التي أصبحت موجودة في متناول اليد في البيوت، ولم تعد حكرا على المستشفيات الخاصة أو العيادات المتخصصة.
لكن كم من الأبحاث تجري حول مكافحة شيخوخة الدماغ، وهل تقارن هذه الأبحاث في الكم والاهتمام، البحث المحموم في محاربة شيخوخة البشرة؟ بالطبع لا مجال للمقارنة.
على ضفة أخرى هناك اهتمام عبر تجارب بحثية من أجل إيجاد حلول جادة لشيخوخة الدماغ والعقل، ولا تقف هذه الأبحاث اليوم عند الأمراض الشائعة مثل الباركنسون أو الخرف أو ما يشابههما من أمراض تضرب العقل البشري وتدمر الذاكرة، إضافة إلى الأمراض النفسية المختلفة التي تضع حاجبا أمام الذكريات أو الألوان أو الأماكن.
ومن المفيد أن نعرف أن مجموعة كبيرة من الأبحاث أجريت على المخ من خلال استعمال الموسيقى، وقد أثبتت تجارب علمية مختلفة أجريت على فئات مختلفة من الناس أن الموسيقى تستطيع أن تحارب شيخوخة الدماغ بجدارة، وقد توصلت دراسة أمريكية حديثة إلى أن تلقي الأطفال لدروس منتظمة في الموسيقى قد يزيد سرعة الإدراك لديهم كراشدين، ويبطئ شيخوخة الدماغ لاحقا عندهم، حتى إن قرروا ترك آلاتهم الموسيقية وعدم العزف خلال فترة حياتهم لاحقا.
وأجرى الدراسة باحثون في جامعة نورث وسترن، ووجدوا أن تعلم الموسيقى في الطفولة له تأثير دائم وإيجابي على كيفية معالجة الدماغ للأصوات.
ارتباط الموسيقى بالعقل لا يأتي فقط من خلال تحفيز الذاكرة على العمل، إنما ينمي القدرات التخيلية، وكلنا يعرف أن كل إبداع في الحياة يحتاج إلى الخيال، لكن أليس العلم أيضا يحتاج إلى كم هائل من الخيال؟ ألم تقم مجمل الاكتشافات في الكون على مبدأ الخيال؟ نتخيل عالما مختلفا ومن ثم نتخيل سبل صناعة هذا العالم ومن ثم نعمل عليه محولين الخيال إلى واقع.
أغلب العلماء والباحثين ارتبطت حياتهم ارتباطا وثيقا بالموسيقى، إن لم تكن عزفا أو تلحينا فهي على الأقل سماعا واعيا ومدربا وعارفا.
وقد استوقفتني مقالة عن العالم اينشتاين درست علاقته بالموسيقى ونشرت في “Psychology today” ، للكاتبين Michele and Robert Root-Bernstein ، وهما زوجان أصدرا أكثر من كتاب حول الإبداع ومحفزاته وصناعته وكل ما يحيط به، تذكر المقالة أن «تجربة اينشتاين في الموسيقى تؤكد أن التمارين اليومية للموسيقى لا تحفز فقط القدرة الإبداعية بشكل يومي بل تقوي العبقرية».
كما تذكر المقالة ما قاله اينشتاين في مقابلة له عن الموسيقى «لو لم أكن فيزيائيًا، لأصبحت موسيقيًا. أنا أفكر عادةً بالموسيقى. أنا أعيش أحلام يقظتي في الموسيقى. أرى حياتي بواسطة مصطلحات الموسيقى. أنا أحصل على المُتعة الأكبر في حياتي من الموسيقى».
حقيقة جملة أنا أفكر عادة بالموسيقى، أثارت لديّ تساؤلات عديدة، خصوصا أنني أعمل منذ فترة على دراسة الموسيقى بوصفها محفزا كبيرا لمختلف الظواهر الإنسانية والكونية. «أفكر عادة بالموسيقى» يقولها واحد من أكبر علماء الكرة الأرضية، أي أنه يبني نظرياته بينما يفكر بالموسيقى، هل يعني ذلك أن القدرة الإبداعية للموسيقى بوسعها إيجاد الحلول العلمية عبر تحفيز مكان معين من العقل؟
هذا ما يثبته العلم حاليا، خصوصا أن التجارب أثبتت حتى الآن أن شحنة موسيقية تساوي شحنة كلامية على سبيل الكلام لا تتساويان في القدرة على إشعال الدماغ، فالموسيقى كما يبدو لها أكثر من تلافيف في متاهة الدماغ، ومقطوعة موسيقية واحدة بوسعها أن تقيم حفلا كبيرا ليس في الروح وحسب بل أيضا في العقل، الذي يستقبل المقطوعة بوصفها احتفالا ضخما يشبه احتفالات رأس السنة بإطلاق الألعاب النارية والفرح المدوي لحظة تطابق عقربي الساعة..
وقد شرح هانز ابن اينشتاين مقولة والده حول الموسيقى «كل مرة يصل فيها الى نهاية الطريق أو يواجه صعوبة في عمله يلجأ إلى الموسيقى وعادة يجد الحل مهما كان صعبا». وذكرت شقيقته ماجا أن اينشتاين كان يقف بعد أن يعزف على البيانو ويصرخ قائلا «لقد وجدتها» وأضافت ماجا هناك شيء ما في الموسيقى يجعل عقله أكثر عبقرية وإبداعا».
لم يكن إينشتاين شخصا عاديا في الحياة، وليس عالما بين علماء، فقد استطاع بنظرياته أن يتبوأ أعلى سلم العلوم، ولهذا فإن تجربته لا تعد تجربة يمر أمامها الشخص من دون أن يتوقف باهتمام، ولهذا أيضا فإنه عندما يعزو سبب عبقريته أو لنكن أكثر إنصافا، ونقول عندما يعزو إلى الموسيقى كونها محفزا على عبقريته للاشتعال، فإن هذه التجربة ستجعلنا مصرين على البحث في الطريق نفسه، من أجل إيجاد السبل الصحيحة لإنتاج إنسان عبقري وخلاق عبر الموسيقى، ومن أجل أن نقول لمختبرات التجميل والعلوم أن محاربة شيخوخة البشرة لا بد أن تأتي أولا عن طريق محاربة شيخوخة العقل..
كبسولة من الموسيقى، قادرة على إعادة الشباب.
٭ موسيقي عراقي
نصير شمه
انها الغبطه و النشوه و منهما الشعور بالحياه و الشروق و تدفق الدم في العروق ثم الطرب عنوان التلذذ الى فقدان الصواب بالمتعه ثم الإيقاع نبض الحياه و الحيويه كل هذا في الموسيقى في غربيتها الشموليه و في شرقيتها الملتصقه بالروح و الجامعه على السلام و الوئام فكيف لا يعيش أطول من له هذا الغذاء و الملجأ في النكسات و الملاذ في الأحزان و اغلب الظن ان الموسيقى تؤثر على القلب و الدماغ سويا عن طريق الانسجام في اللحن و الإيقاع فأكثر ما ينفر منه كلاهما هو النشاز و يا ليتنا نحصل على المزيد من افكار الانسان الرائع نصير شما عن الموسيقى و الانسان
الموسيقى طاقة يجب أن يكون لها طريقة وصول أو أمتصاص خاصة لأنها مصدر إلهام وسكون للروح ولهاذا يتحول ضيق الأنسان الى فسحة ولظى القلب الى شذى عند سماعه الموسيقى
أستاذ نصير ،
شكرآ على المقال. لكن عندي شخصيا بعض التحفظات على بعضا من آرائك. ..
بغض النظر عن فوائد الموسيقى و التربية الموسيقية و استخدامها في علاج بعض الأمراض النفسية كما هو الحال في تخصص العلاج بالموسيقى، إلا أنني شخصيا ضد تعليم الموسيقى لهدف آخر غير الموسيقى نفسها. لأنه في كثير من الأحيان لم يثبت شفاء المرض فقط عن طريق الموسيقى وحدها وإنما هو نتيجة عدة عوامل مشتركة معا.
و بالنسبة لعلاقة الموسيقى بالعبقرية أو بالذكاء فهذا موضوع بحث فيه كثيرا و بنتائج متضاربة و متناقضة. كون اينشتاين قد توصل لبعض الحقائق العلمية خلال أو بعد عزفه للموسيقى فهذا في الغالب نتيجة انه لبعض الوقت توقف عن التفكير بنظرية ما و شغل عقله بشيء آخر مما أعطى مجال للعقل أن يترجم أفكاره إلى فكرة إبداعية جديدة لم تكن من قبل في وعيه. هذا الشيء نختبره كموسيقيين دائما عندما نتوقف عن التدريب لبعض الوقت لنعطي مجالا للدماغ لكي يكمل و يثبت ما تعلمناه و هذا ما يعرف بالاستراحة الخلاقة.
و شكرا لك مرة أخرى