في الأسبوع الماضي، أصدرت دار النشر الإنكليزية، روتليدج المتخصصة في الموسوعات والكتب الأكاديمية، غالبا، بجانب إصدارات أخرى في الآداب والفنون، كتابا بعنوان: «القراءات الأدبية للمتقدمين في العربية»، يضم مختارات من الأدب العربي الكلاسيكي، إضافة إلى الأدب الذي في واجهة المشهد الآن، مترجمة إلى اللغة الإنكليزية، وقام بتحريره اثنان من الأكاديميين.
الكتاب الذي يقع في أربعمئة صفحة، روعي في اختياراته كما يقول الخبر، أنه يضم أدباء من كل البلاد العربية، ينتمون إلى تيارات متنوعة، ولهم تجارب مختلفة، وسيجد القارئ الدارس للكتاب ما يمكن أن يكون خلاصة للأدب العربي، تشجعه على البحث عن نتاج هؤلاء، والاستفادة منه.
أولا كل كتاب يضم مثل هذا الحشد من المبدعين، الذي بلغ ستين كاتبا بقيادة العظيم نجيب محفوظ، والعبقري الطيب صالح، مرورا بعظماء آخرين مهمين أيضا، مثل جبرا إبراهيم جبرا، وعبد الرحمن منيف، وحنا مينة، وصولا إلى جيلنا والأجيال التي أتت بعدنا، يعد مكسبا كبيرا للأدب العربي، ولطالما ناديت في مواقف عدة، بضرورة، تأجيل ترجمة الآخر إلى لغتنا، التي ظللنا نمارسها سنوات طويلة، ولدرجة أن بعض المؤلفات لكتاب غربيين معروفين، ترجمت إلى اللغة العربية مرات عدة،، بلغت أحيانا خمس وست مرات، وكل مترجم جديد، لا يقدم أكثر مما قدمه سابقه.
نحن في حالة تخمة من آداب الآخر، إذن، بينما آدابنا راكدة لا يطالعها الآخر، ليفهم ماذا نكتب، وماذا نقول ونود أن نقول، وأين موقع آدابنا في العالم من آداب الشعوب الأخرى؟ وتلك الآلاف من الدولارات، التي تنفقها المؤسسات الكبرى، المعنية بالشأن الثقافي، أولى أن تنفق بطريقة عكسية، وللآسف لم يتحقق شيء من ذلك، وما تزال الترجمة من العربية إلى أي لغة أخرى، في غالبها، تخضع للمعرفة بمن يترجم، والتذوق الخاص، ورغبة بعض المستشرقين في إبراز فكرة أحبوها، وغالبا هي من الأفكار التي يحبها الغرب. ومتأكد أن كتاب المختارات هذا تم بمبادرة شخصية من الأستاذين الجامعيين اللذين، قاما بالإعداد والترجمة، ولم يكن مبادرة من مؤسسة أو هيئة ترعاه.
الفكرة كما قلت ممتازة، جدا، فقط يكمن الضعف في مثل هذه الكتب محدودة عدد الصفحات، التي تحرر بمجهود ذاتي، هو أنها لا تضم كل الكتاب العرب المهمين، ولا نصفهم ولا حتى عشرة بالمئة منهم، ذلك ببساطة أن الأمر يعد مستحيلا، وبالتالي سنجد عددا كبيرا من الكتاب الكبار والعظماء، غير موجودين فيها. هؤلاء لم يتم إغفالهم عن عمد، بكل تأكيد، ولم يسقطوا سهوا بكل تأكيد أيضا، فقط كان الكتاب المحرر يسعى لتنوع الأساليب، ويسعى لضم نتاج كل الدول العربية، بطريقة تبدو عادلة، وكأن الاختيارات اكتفت بأول أسماء خطرت بالبال، ولم يعد ثمة مجال لضم غيرها، وقد يستغرب كثيرون من أن روائيين مخضرمين، مثل صنع الله ومستجاب، وصبري موسى والغيطاني، وعبد الحكيم قاسم، وعزت القمحاوي، ويوسف المحيميد، وغيرهم، غير مدونين، وأن أسماء أخرى لم يسمع بها كثيرون منا، موجودة وتحتل مساحة شبيهة بالمساحة التي يحتلها نجيب محفوظ والطيب صالح، وأقول إن الأمر ليس مدهشا كما ذكرت، فمعظم الكتاب المكرسين، في الأصل موجودون في الجامعات والمعاهد الغربية، موجودون بسمعة طيبة، ويتم تناولهم في المقررات العامة، وتحضر في أعمالهم رسائل ما بعد التخرج، هكذا.
لو نظرنا حتى لتلك الملفات التي تصدرها بعض المجلات الثقافية، أحيانا احتفاء بأدب دولة ما، نجد أسماء مهمة غير موجودة، أسماء لا يمكن تجاوزها، وتم تجاوزها وأسماء أخرى قد تكون لكتاب ناشئين أو مبتدئين، موجوة بنصوصها. وحضرت مرة في الخرطوم، مناقشة حادة بين كتاب لم يدرجوا في ملف طلبته جهة ما، وبين من كلف بإعداد الملف. كان الرجل وهو أكاديمي وناقد متمرس، يتحدث عن نماذج لا عن أدب شامل، وما تم اختياره ونشره ليس هو الأدب السوداني، فقط جزء منه لفتح أعين الباحثين من أجل أبحاث أكثر، ودراسات أطول، وفي الحقيقة، من أراد الوصول إلى أدب ما، يصل إليه رغم كل شيء، فلم تعد ثمة صعوبات تذكر في عصر الباحثات الإلكترونية التي قد تأتي بكتب يكون الكاتب نفسه قد نسي أنه كتبها ذات يوم.
الشيء الذي أفرحني بصفة شخصية، في كتاب الاختيارات هذا، هو أنني عثرت على اسم الكاتب العظيم إبراهيم إسحق إبراهيم، الكاتب السوداني، الذي ابتكر في المحلية عالما يندر أن يبتكره أحد لكنه لم يسوق عربيا ولا عالميا، وكون أن محرري الكتاب يعرفانه فهذا دليل على أن الكاتب الجيد، يصل، وربما لا يعرف أنه وصل.
رأيي الشخصي، وما دامت الجهود الفردية، تنتج كتبا جيدة، ومضيئة ويمكن أن يستفيد منها الكتاب العرب، والدارسون الأجانب، على حد سواء، هو أن يستمر الأكاديميون الحريصون، في مجهودهم لتقصي الأدب العربي وإخراج كتب مماثلة لهذا الكتاب، تتيح فرصا أكثر لأسماء أخرى أن تدخل، ولو وجدت المسألة دعما من جهات قادرة على التمويل، وتتذوق الآداب والفنون، لأصبح لأدبنا العربي صوت واضح، ربما تسمعه الآذان التي تنفتح لتسمع أصوات آداب عدة، وتظل صماء حين ينطلق صوت الأدب العربي.
العرب هناك باستثناء أصوات قليلة، يعرفها الغرب في مجالات الفنون والآداب والطب وعلم الفلك وغير ذلك، رعاة إرهاب، ما لم تحدث هزة كبيرة، تخترع ممحاة جيدة لمحو تلك الوصمة.
كاتب سوداني
أمير تاج السر
شكراً دكتورأميرتاج السرعلى أخلاقك في الكتابة والوصف ؛ هكذا :
( بقيادة العظيم نجيب محفوظ، والعبقري الطيب صالح، مرورا بعظماء آخرين مهمين…).هكذا الكاتب المجيد المتواضع صاحب الخلق العظيم يصف أساتذته…
( العظيم نجيب محفوظ والعبقري…).نعم العظيم نجيب محفوظ.ففي أول وصولي
إلى القاهرة…وكنت لا أعرف أماكنها ؛ سألت عن مقهى قصرالنيل ؛ حيث كان
العظيم نجيب محفوظ يجلس فيها…وحينما وصلتها اجتاحني تيارمن هيولي التاريخ.
وطلبت من صاحب القهوة أنْ يدلني على المقعد الذي كان يجلس عليه العظيم نجيب
محفوظ ؛ فجلست عليه بهيلمان الملوك.وأنا أنظرإلى مياه نهرالنيل الرائع الشخصية.
إنها لحظة الانتقال من عالم الجسد إلى عالم الروح.ثمّ عرفت أنّ العظيم نجيب محفوظ كانت له جلسة ثقافية حوارية في مساء كلّ يوم أحد في فندق شبرد ( الراعي)
يحضرها المرحوم جمال الغيطاني والسيد يوسف القعيد وآخرين.فكنت أذهب إلى
الفندق وأجلس على مسافة غيرقريبة ؛ والسبب أنّ الروائي العظيم نجيب محفوظ
أصبح سمعه ضعيفاً ؛ فينادى بصوت مرتفع ؛ أسمعه دون الحاجة إلى ملازمته عن
قرب.وكانت تقام في هذا الفندق الأعراس ؛ يسيرموكبها من أمام الجلسة دون أنْ
يعترض عليها معترض من جلسة نجيب محفوظ.العظيم ليس فقط في النصّ بل في
الأخلاق والشخص.
كتب نجيب محفوظ المترجمة هي التي أوصلته بالفوز بجائزة نوبل . بالطبع أن ترجمة الأعمال الأدبية العربية تتطلب الكثير من الجهد ويحتاج الى المترجمين المؤهلين لأنجازه بالمستوى المطلوب .لكنها في النهاية قد تتداول فقط بين أيدي الطلبة والباحثين في هذا المجال ولا نراها تغزوا الأسواق .هذا العمل يحتاج الى دعم وتشجيع مادي من مؤسسات عربية لخدمة ولمصلحة الأدب العربي في أنتشاره عالميا .