يفتح كتاب «دروب دمشق» الصادر عن» شركة المطبوعات للتوزيع والنشر» للصحافيين كريستيان شينو وجورج مالبورنو النوافذ للإضاءة على الملف الأسود للعلاقات الفرنسية السورية، وبتوطئة بدأت بقلم الجنرال فيلب روندو، الذي لم يكن جاهلا ببلدان المشرق. إذ «لقنه والده أسرار المكائد المشرقية التي لم تكن خافية عليه»، معتبرا أن الرئيس حافظ الأسد بقي لغزا، لأن سلوكه يحير الذين يجهلون ماكينة الأسد تاركا لتحليلاته النقاط السردية المهمة.
«إذ يشتهر من حول الأسد بالحذر في الكشف عما في النفس، لانتزاع الاعتراف بدور سوريا في الشرق الأوسط قبل أن تسقط رهانات فرنسا على قدرات الرئيس بشار منذ تسلمه السلطة»، ومع ذلك يقول الجنرال فيليب روندو «لكن لم يتم قول كل شيء، ولا يمكن بعد قول كل شيء، ويتضح مع ذلك أن ما تم الإفصاح عنه يوضح بعض الأفكار السائدة، ويسمح بإعادة النظر فيها والتأمل في مستقبل لا نعرف كثيرا ما يخبئه لنا». متسائلا بعد التوطئة التي حددت نقاط هذا الملف «هل من شأن هذه النظرة القاتمة أن تشجع على إعادة العلاقة الأمنية مع هذا النظام الذي تم فعليا الطعن به؟ إن الارتقاء الاجتماعي الذي بلغ ذروته بوصول حافظ الأسد إلى السلطة لا يعني أن فرنسا لم تصنع سوريا المعاصرة، بعدما انتدبتها عصبة الأمم حيث لم ينهر النظام السوري ، بعكس التوقعات التي تم التسرع في إطلاقها، وأفضت الفوضى إلى سقوط آلاف القتلى، وعمت سوريا لتمتد اليوم إلى العراق وربما غدا إلى لبنان».
موضحا عنصر الإخلاص الذي تميز به الجيش السوري، مستشهداً بقصف الجيش الفرنسي لدمشق ثلاث مرات لقمع الثورة الدرزية وسحق القوميين، بعد أن اقتطعت الجمهورية الثالثة ولاية الإسكندرون. لنحصل على ملف يذكر الكثير من الحقائق التي يبرزها كريستيان شينو ضمن نقاط يوزعها كما يشاء. ليظهر ماضي فرنسا في سوريا ومدى فهمها للواقع الذي يجري على الأراضي السورية، كونها تتمتع بإمكانية وصول فريدة كما كشفت ويكليكس. فهل يحاول تذكير القارئ بأن فرنسا هي التي صنعت سوريا المعاصرة؟
إن فك ألغاز سوء الفهم لا يعني ابداً تمرير العديد من المفاهيم المحيرة، أو بالأحرى الواضحة بما يكفي، خاصة أن كلود غيان أطلق صفة الوحش البارد، وإن تم تجميلها لتبرز في ما بعد الاستدلالات بتلقائية تنساب في جثث العلاقة، أو ما خسرته فرنسا في سبيل لبنان وحبها لشعبه الذي برز في قول لوي دولامار قبل اغتياله «إذا تعرضت يوما للاغتيال فلن يحدث ذلك أبدا على يد لبناني». لتعرف فرنسا في ما بعد من اغتال سفيرها في لبنان، وندخل فعلا في جثث العلاقات التي نتجت عن تغيرات عديدة، أو لعبة شد الحبل التي مارستها سوريا وفرنسا، كاللقاء الذي جمع رفعت الأسد مع الأميرال بيار لاكوست الذي تميز عن سلفه بكيفية تمرير الرسائل القوية «فواضع القنابل هو دوما طارح للأسئلة». وما بين فهم التعقيدات وتجنب ارتكاب الأخطاء سيناريو يميل فيه الكاتب إلى تصوير بعض المشاعر العاطفية التي تغلفت بتكتيكات استخبارتية استعرضها بتقارب ذي طبيعة تمنع حدوث أي عمل عدواني كبير ضد فرنسا، فهل تبرئة المحاور تحتاج لحوارات فنية في ملف أسود لعلاقات فرنسية سورية ضمن كتاب دروب دمشق؟
إن روابط فرنسا التاريخية مع المشرق من فرنسوا الأول وحتى سليمان القانوني، والخلاف على المحمية السورية، لم يضف أي ميزة على تلميحات خفية لرجل من اتباع السياسة الواقعية، بيد أن دمشق تعمد بشكل عام إلى توجيه الإشارات قبل أن توجه ضربتها، لنشهد من الوقائع المذكورة تحت عنوان جثث العلاقة إبراز قوة ضاربة، أو علاقة لم تنتج إلا توجيه الإشارات واللقاءات والتصفيات المؤكدة على تعقيدات العلاقات الفرنسية السورية، وإن لم يتصف الطرح بالموضوعية، رغم استعراض مختلف التفاصيل التاريخية ضمن فترة حددها الكتاب أكثر من أربعين سنة مضت، وعلى ما يبدو أن اللوحة التي رآها السفير في مكتب الرئيس حافظ الأسد التي تصور معركة حطين التي خاضها صلاح الدين ضد الصليبيين ليفتح أمامه باب القدس» ما هي إلا العودة إلى جذور التاريخ السوري في كل الميادين، فهل يمكن نسج كل أنواع التحالفات للنجاح في إبقاء فئة تصارع الوجود عبر وجود آخر؟
ضوء أخضر باريسي ساهم في توسيع القطاع الكيميائي السوري الذي اصطدم بالكثير من التطلعات والتحديات، لندخل في تفصيلات الفيزياء الذرية قبل الدخول في قضية عون وصعوبات الأحداث التي فرضت تدخل الطيران السوري غير المتوقع في في لبنان، أقله بدون موافقة الإسرائيليين الذين يسيطرون على السماء اللبنانية وجدلية الاتفاق الضمني، الذي باتت معه البلدان أشبه بالمتواطئين منه بالخصمين في عدد من النقاط، لتزداد حدة المواجهات وتتضح أحداث ارتبطت مع بعضها بعضا، وكأنها الطلاسم التي مازالت حتى الآن تحتاج لإعادة سرد وتوضيح، كي نرى التاريخ من عدة جوانب، وفي أكثر من ملف أسود، فالكتاب يحتاج للوقوف على كل مرحلة أو عنوان، أو حتى معنى ما مبطن حاول كريستيان شينو إظهاره بأسلوب واقعي. ينتمي على ما يبدو لسياسة الواقع ومسألة الشرف والإملاءات التي اعترض عليها البعض، لتقف كل الأحداث في وجه العناوين التي تشبه عملية الكوماندوس التي تدعى أورتانسيا ، متابعا المؤلف طريقه نحو الأهداف الساخنة من الكتاب والسرد المستمد من الوقائع والمحاضر، والمفاجآت السياسية والتسريبات التي تؤدي الغرض في الوصول إلى مبتغاه، وهو القراءات الخاطئة والازدواجية السياسية المبطنة. ليصل القارئ إلى نقطة يتساءل بعدها أين البقية؟ وما الذي سيحدث في الشرق الأوسط؟ وما هي الأهداف الخفية للغرب في سياسته مع الشرق. فالكتاب رصد الكثير من الحقائق وفتح ملف الشرق الأوسط كما تراه فرنسا، كما أنه ابتعد عن ذكر الحقيقة الكاملة، لأن الحقائق في الملفات الساخنة تحتاج دائما إلى الغوص بشكل أكبر في التساؤلات وعلامات التعجب التي ترتسم بين التفاصيل المثيرة التي تشبه العمل الوثائقي المشدود إلى ملف لا يمكنه فتحه كاملا في دروب دمشق بسهولة..
كاتبة لبنانية
ضحى عبدالرؤوف المل
الأستاذة الفاضلة ضحى: كل التحية والتقدير على التنويه والتعليق على هذا الكتاب القيم، وإن رغبت في المزيد عن فرنسا ودروها في سوريا أحيلك إلى كتاب بعنوان: ( عشائر أو قبائل بلاد الشام في العصر الحديث ) صادر عن دار الوثائق الفلسطينية (بدون مؤلف)
لا أذكر إلا أن هناك مركزين للمنشورات الفلسطينية (لبنان والكويت) فقدت الكتاب بعد إعارته ولا زلت أبحث عن نسخة جديدة
(… دخلت فرنسا إلى سوريا وهي تعرف بالعشائر والبطون أكثر من السكان الأصليين….) قد يمكنك الحصول على نسخة من هذه الوثيقة وستعطيك المزيد عن الدور الفرنسي في سوريا… مع فائق التقدير