كثرة الاعتصامات والاضرابات المطلبية وقلة الإنتاج وظاهرة العزوف عن العمل تضر بالاقتصاد التونسي

حجم الخط
1

تونس – «القدس العربي»: رغم الحالة الاقتصادية المزرية، وتراجع سعر صرف العملة الوطنية ـ الدينار ـ إلى مستوى قياسي لم تعرفه البلاد عبر تاريخها، إلا أن المطلبية لم تتوقف في تونس منذ أن تمت الإطاحة بنظام بن علي. فالحالة «الثورية» مازالت طاغية على المشهد والكل يطالب بالتشغيل والزيادات في الأجور والرواتب غير عابئ بقدرات البلاد وبالمرحلة الصعبة التي تمر بها على كافة المستويات.
ويرى كثير من الخبراء أن المطالبة بتحسين الأوضاع ليست مشكلة في حد ذاتها وإنما اقترانها بالإضرابات والإعتصامات والعزوف عن العمل والإنتاج هو الذي يضر بالإقتصاد الوطني. فإذا غاب الإنتاج غابت التنمية وتراجعت الصادرات وكثرت الواردات وتراجع معها سعر صرف العملة مثلما هو حاصل الآن بعد أن تدنت قيمة الدينار التونسي إلى مستوى قياسي لم تعرفه البلاد عبر تاريخها حتى في أحلك أزماتها التي تلت الإستقلال.

قطاع الفوسفات

وتعتبر تونس من أهم منتجي الفوسفات وتحتل المراتب الأولى عالميا في إنتاج هذه المادة الإستراتيجية ولديها «حوض منجمي» شهير في الوسط الغربي يضم أهم المناجم في مدن المتلوي والرديف وأم العرائس والمظيلة منضوية جميعها تحت مسمى شركة فوسفات قفصة وهي شركة وطنية عريقة وضخمة تشغل أغلب أبناء الولاية. وقد عرف عمال هذه الشركة عبر التاريخ بنضالهم ضد المستعمر الفرنسي وضد الإستبداد لاحقا خصوصا خلال الأحداث التي شهدتها البلاد في سنة 2008 والمعروفة بـ»أحداث الحوض المنجمي» والتي تعامل معها نظام بن علي بقبضة حديدية أخمدت الإنتفاضة التي كانت أشد ضراوة من ثورة 14 كانون الثاني/يناير التي انتهى بموجبها هذا النظام.
ومنذ الإطاحة بنظام بن علي سنة 2011 وعمال هذه الشركة في إضرابات تكاد تكون متواصلة لولا قطعها ببعض أيام عمل بتدخل من جهات نقابية فاعلة أحيانا وباستجابة للمطالب من قبل الدولة في أحيان أخرى. وتكون هذه الإضرابات تارة من أجل المطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية، وطورا من أجل الضغط للقيام بإنتدابات جديدة لعمال وموظفين جدد بالشركة من أبناء وأقارب العاملين بها، وهي انتدابات لا تعجب في غالب الأحيان أبناء المنطقــــة خصوصا إذا تعـــلق الأمر بأشخاص من خارج ولاية قفصة التي تدفع ثمن التلوث البيئي الذي يحدثه استخراج هذه الثروة المنجمية.
وقد أضر توقف إنتاج الفوسفات، أو تقطع إنتاجه، أو إنتاجه بكميات قليلة لا تفي بالحاجة، كثيرا بالإقتصاد التونسي حيث أصبحت الدولة عاجزة عن الإيفاء بالتزاماتها تجاه المتعاملين معها من خارج الديار على وجه الخصوص وهو ما جعل هؤلاء الزبائن الأوفياء يلتجئون إلى أسواق أخرى مستقرة. لكن الأدهى أن دولة مغاربية منافسة لتونس في إنتاج هذه المادة اشترطت على زبائن الخضراء مقابل تزويدهم بهذه المادة الحيوية أن يُبقوا على تعاملهم معها في مقبل السنوات حتى لو عادت تونس إلى إنتاج الفوسفات وبالتالي، وحتى على فرض عودة الأمور إلى سيرتها الأولى قبل الثورة، من حيث وفرة الإنتاج واستقراره، فإن خسائر الدولة التونسية لا يمكن تعويضها، ورغم ذلك فإن الإضراب في هذه الشركة العملاقة مازال متواصلا والإنتاج يكاد يكون متوقفا.

رجال التعليم

كما أضرب أساتذة التعليم الثانوي عن العمل مطالبين بالزيادات والترقيات وتحسين الأوضاع المعيشية، وزادوا على ذلك بالمطالبة بإصلاح التعليم ليبدو الأمر وكأنه بحث عن المصلحة الوطنية لا مصالح فئة إجتماعية، ووصل الأمر بالدولة نتيجة لهذه الإضرابات إلى إلغاء إمتحانات الثلاثي الثاني والإقتصار على امتحانين اثنين خلال السنة الدراسية لتقييم التلاميذ. وانتهت الأزمة بين نقابة التعليم الثانوي والدولة بعد أن استجابت وزارة التربية للمطالب على قاعدة «مكره أخاك لا بطل» وقررت زيادة الرواتب رغم الأزمة الإقتصادية التي تمر بها البلاد وذلك لإنقاذ السنة الدراسية وليتمكن التلاميذ من مزاولة تعليمهم في ظروف طبيعية.
لكن الأزمة لم تقف عند هذا الحد فمجرد حصول الإتفاق بين الحكومة والطرف النقابي خرج معلمو الإبتدائي يطالبون أيضا بالترقيات والزيادة في الرواتب أسوة بأساتذة التعليم الثانوي. ومن المتوقع أن يدخل أيضا أساتذة التعليم العالي في إضراب للمطالبة بالزيادات بعد أن فتح الباب على مصراعيه للزيادات ووجدت الدولة نفسها عاجزة عن كبح جماح هذه الظاهرة، التي وإن كانت حقا مكتسبا ولا يمكن أن يجادل أحد في حق الإضراب إلا أن الظرف الإقتصادي الإستثنائي الصعب الذي تمر به البلاد يفرض على الجميع التحلي بروح المسؤولية والتضحية بالحقوق لتجنيب الحكومة ما يسميه التونسيون «ديبلوماسية التسول» أي الإقتراض والتداين من الدول الغنية والصناديق المالية الدولية والإقليمية من أجل الإستجابة إلى الطلبات.

تعليم عليل

وفي هذا الإطار يرى الكاتب والإعلامي التونسي زياد الهاني، عضو الهيئة التنفيذية للنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين السابق أن التعليم في تونس عليل، وأن المنظومة التعليمية بحاجة إلى ثورة تعيد تأسيسها من جديد، فالبنى التحتية في رأيه متداعية ومهترئة، والظروف المعيشية للمدرسين في مختلف مستويات التعليم من الابتدائي وصولا إلى الجامعي متدهورة وبحاجة إلى دعم كبير ومستعجل. لكن الإشكال الأساسي المطروح، في رأيه، هو مدى توفر الإمكانات للاستجابة لهذه المطالب الشرعية للمدرسين، كما أن الأسلوب المعتمد من قبلهم للضغط من أجل تحقيق مكاسبهم، يعتبر غير مقبول. فقد بلغ الأمر، بالنقابات التعليمية، حدّ أخذ التلاميذ كرهائن من أجل تحقيق مطالبها، وهو ما أدانه التونسيون ورفضوه بشكل كامل في حينه. ويختم الهاني بالقول: «لقد أصبح من المتأكد الآن الحرص، على توفير كل الإمكانات للنهوض بقطاع التعليم والاستجابة لمطالب أهله، وذلك عند النظر في قانون المالية للسنة المقبلة».
الحاجة إلى الإقتراض

ولعل ما يزيد الطين بلة ويشعر كثير من التونسيين بالإحباط وانسداد الأفق هو إعلان وزارة المالية التونسية عن حاجة البلاد لاقتراض مليار وثلاثمئة مليون دينار لمجابهة الأزمة الإقتصادية الخانقة التي تعصف بالبلاد والتي تسببت فيها بالدرجة الأولى كثرة المطلبية المقترنة بضعف الإنتاج وتراجع الصادرات مقابل زيادة الواردات.
وبتراجع التصنيف الإئتماني لتونس من قبل الوكالات المختصة، على غرار «ستاندار آند بورز» وغيرها، لا يبدو أن هناك جهة مقرضة، سواء كانت صندوقا ماليا أو دولة، تقبل بخوض هذه «المغامرة غير محسوبة العواقب» دون ضمانات من جهة أخرى تلعب دور الكفيل الذي يضمن السداد في حال عجزت الدولة التونسية عن الإيفاء بالتزامتها وسداد أقساطها في الآجال.
ورغم هذا الوضع «الكارثي» ونواقيس الخطر التي تدقها تصريحــــات كبار المسؤولين والتي تعلن باستمرار عن أرقام مفزعة، لا يبدو أن أحدا يعير هذه الأرقام أي اهتمام ويسعى لمضاعفة الجهد لتعويض ما فات وتجنب الخسائر المفترضة إذا تواصلت كثرة الإضرابات.
فغالبية القطاعات تطالب بالزيادات وهو ما طرح ويطرح تحديات بالنسبة للحكومات التي تعاقبت على الخضراء بعد الثورة ويجعل فرص نجاحها ضعيفة إلى أبعد الحدود إن لم تكن مستحيلة.

روعة قاسم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول حسن الزين - بنزرت - تونس .:

    سياسة الاضرابات و المطلبية المشطة استعملتها المعارضة لاسقاط حكومتي الترويكا بقيادة حركة النهضة و كان لها ما أرادت.و اليوم و بعد اجراء الانتخابات التشريعية و الرئاسية و اختار التونسيون ما أرادوا ما الذي يجعلهم يواصلون سياسة العزوف عن العمل و المطلبية المفرطة ؟ فعلا سؤال محير اذا علمنا أن قرابة نصف مليون عاطل عن العمل من أصحاب الشهائد العليا.لا بد من اتخاذ اجراءات جريئة تعيد للعمل مكانته و قدسيتة و التحلي بالغيرة على البلاد من الانهيار.

إشترك في قائمتنا البريدية