تناولت تصريحات الساسة الكرد في الآونة الأخيرة موضوع استقلال كردستان بشكل لافت، هذا التناول كان مرفقا ولأول مرة بإشارة إلى الاتفاق مع حكومة بغداد، والكل يعرف أن تصريحات استقلال كردستان أمر بات مألوفا وغير خاف عن الشركاء والفرقاء، إقليميا ودوليا، لكن اللافت الآن تصريح رئيس حكومة الإقليم نيجرفان بارزاني الذي حدد موعدا للاستفتاء على الاستقلال بعد تحرير الموصل، رابطا أمر الاستقلال بالانتهاء من تهديد «داعش» عازيا الأمر إلى احتمالية حصول اتفاق مع حكومة بغداد حول الأمر.
وردا على تصريح رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني الذي أعلن عقب زيارته إلى بغداد عن وجود تقبل من رئيس الحكومة حيدر العبادي لفكرة استقلال الإقليم، جاء تصريح رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في منتصف شهر نوفمبر الماضي في مؤتمر صحافي في كربلاء (إن الإقليم شبه مستقل منذ 1991 وبعد 2003 بقي الأمر سائرا بالمنحى نفسه، والان نريد بناء شيء مشترك وبناء هذا الوضع ضمن الدولة العراقية الموحدة والواحدة، وهذا يحتاج إلى أقصى درجات التعاون، وهو أمر ليس سهلا ولكن لدينا مصلحة مشتركة). وأوضح العبادي (لا نريد خلق دولة مركزية ديكتاتورية تقمع المواطنين، وإنما نريد خلق دولة اتحادية تخدمهم وتتعاون مع المحافظات، مشيرا إلى أن الحكومة ملتزمة ببرنامجها في منح المزيد من الصلاحيات للمحافظات ومصرة على العمل بهذا الاتجاه، حيث يكون للحكومة الاتحادية صلاحياتها وللمحافظات والإقليم صلاحياته).
ولكن هل أوضاع الاقليم السياسية والاقتصادية والامنية في حالة تؤهله للاستقلال؟ وماذا سيكون رد الفعل الاقليمي تجاه هذه الخطوة؟ وما هو موقف القوى الكبرى (الولايات المتحدة وروسيا ) من استقلال كردستان بعد الانتهاء من حرب «داعش»؟ وللإجابة على هذه الاسئلة، ولمعرفة أوضاع الإقليم اعتمدنا على الصحافة الكردية المستقلة، لأنها في اعتقادنا تقدم صورة أكثر موضوعية عن الحقائق على الأرض مقارنة بالصحافة الحزبية المسيطر عليها من مراكز قوى عائلية وحزبية في الإقليم، لذلك تجدها غارقة في حملات الإعلان والترويج الحزبي.
خلاصة المشهد الكردستاني شتاء 2016 بحسب الصحافي الكردي المستقل سامان نوح هو؛ ست ساعات تجهيز بالكهرباء الحكومية كل 24 ساعة، آلاف البيوت تفتقد النفط الأبيض، وتتجه لأخشاب الغابات وسيلة للتدفئة، مع عجز الحكومة عن توزيع المحروقات، استمرار سياسة أرباع وأنصاف الرواتب، التي تصرف بدورها بمواعيد متأخرة، موظفون بدرجات مرموقة يعملون حراسا ليليين، أو عمال خدمة وبناء، وطبعا سائقو تاكسي لتأمين متطلبات عوائلهم، عام وثلاثة أشهر من تعطل البرلمان الكردستاني، شلل في معظم أعمال الحكومة، الغائبة عن مشهد أزمات الإقليم وأحزان المواطن، استمرار أزمات رئاسة الإقليم، وطبيعة النظام السياسي، وكتابة الدستور، مع دخولها عامها الثاني، استمرار الصراعات السياسية والتجارية بين الأحزاب النافذة، تسعة أشهر، كل ما بقي على انتخابات برلمان الإقليم، لا استعدادات ولا مؤشرات على إمكانية إجرائها، حديث متقطع عن مفاوضات مع بغداد واستعدادات للحل والتفاهم، لكن لا تحرك على الأرض.
من جانب آخر أثار موضوع إقرار موازنة العراق لعام 2017 في البرلمان الاتحادي عاصفة أخرى في الإقليم بعد أن تم تقسيم الكرد إلى جناحين، وقد عمق هذا الإجراء الصراع بين الكتل الكردية بين من يريد العودة إلى بغداد لحل الأزمة الاقتصادية، ومن يرى ذلك خطاً أحمر كونه يمثل تنازلا وإعلان فشل لسياسة بيع النفط والتحكم بالواردات. أما بخصوص الواقع السياسي فقد بات واقع الادارتين شبه المنفصلتين يترسخ، واليوم هنالك فكرة تطرح بقوة وتجد صدى واسعا، وهي تقسيم الاقليم إلى إقليمين، شرق كردستان العراق وغربها، فالإقليم الشرقي سيضم (كركوك – السليمانية- حلبجة)، بينما يضم الاقليم الغربي (اربيل – دهوك- سهل نينوى) وبذلك نجد إشارة واضحة إلى أن الاراضي التي سيطرت عليها قوات بيشمركة الاتحاد الوطني في كركوك وبعض مدن ديالى أو الاراضي التي سيطرت عليها بيشمركة الديمقراطي الكردستاني في سهل نينوى لن يتم الانسحاب منها أو إعادة التفاوض حولها مع حكومة بغداد، وبات اللعب الآن مع بغداد يتم وفقا لسياسة الامر الواقع، الذي فرضته عمليات القتال ضد تنظيم ما يعرف بـ»الدولة الاسلامية « الإرهابي. وعلى الصعيد الإداري، بات أمر انقسام إدارة الإقليم إلى حكومتين امرا مفروغا منه، ولكن حتى هذا الانقسام يحمل في داخله الكثير من بؤر الصراع، فحزب الاتحاد الوطني الكردستاني في السليمانية يشهد صراعا حادا بين جناحين يكاد يقسم الحزب إلى حزبين، الاول هو جناح هيرو إبراهيم زوجة جلال طالباني الذي بات يعرف بالأغلبية، وجناح كوسرت رسول وبرهم صالح نائبي طالباني، الذي يعرف بمركز القرار، بينما نجد الحزب الديمقراطي الكردستاني في اربيل ودهوك يترنح من ثقل العبء التاريخي للعائلة البارزانية التي حولت الحزب إلى قبيلة والقبيلة إلى عائلة تتحكم بمقدرات الاقليم، ما ادى إلى مشكلة رئاسة الاقليم التي احتفظ بها مسعود بارزاني لدورتين ونصف الدورة لحد الان، دون وجود مخرج توافقي مع بقية الاحزاب السياسية، فبينما يحاول الحزب الديمقراطي تغيير دستور الاقليم ليصبح نظامه رئاسيا وليس برلمانيا، نجد رفضا حادا من حركة تغيير وحزب الاتحاد الوطني، وموقفا خجولا من الاتحاد الاسلامي الكردستاني تجاه موضوع الرئاسة، هذا الامر بالاضافة إلى طرد رئيس برلمان الاقليم يوسف محمد (من حركة تغيير) ومنعه من دخول مدينة اربيل من قبل بيشمركة الحزب الديمقراطي الكردستاني، ادى إلى شلل الحياة السياسية في الاقليم، منذ ما يزيد على خمسة عشر شهرا.
أما على الصعيد الاقتصادي فإن الازمة الخانقة تزداد بشكل متواتر في الاقليم، الذي بات يرزح تحت وطأة ديون داخلية وخارجية قدرت بـ 20 مليار دولار، ما اعجز حكومة الاقليم عن سداد مرتبات موظفي الاقليم الذين تضخم عددهم بشكل غير منطقي حتى وصل حجم العمالة الحكومية في الاقليم إلى 1.5 مليون موظف من اصل سكان الاقليم البالغ عددهم 5.5 مليون ما يعني أن حوالي ربع السكان عاملون في القطاع الحكومي، لكن يبقى سبب الازمة الاقتصادية، حسب الساسة الكرد هو هبوط اسعار النفط الحاد، وموقف حكومة بغداد من مستحقات الاقليم من الموازنة الاتحادية، حيث أقر الدستور العراقي حصة الاقليم بـ 17% من الموازنة الاتحادية، إلا أن الامر مرتبط بملف تسويق النفط المنتج من أراضي الاقليم الذي تصر بغداد على وجوب عائديته للحكومة المركزية، وإلا فإنها لن تستطيع أن تفي بالتزاماتها المالية تجاه الاقليم. وفي سياق متصل وفي إشارة إلى مستويات الفساد غير المسبوقة المنتشرة في الاقليم التي تتهم بها الاحزاب الكبرى، خرجت تظاهرات حاشدة في في مدينة كلار جنوب السليمانية، يوم 22 نوفمبر الماضي، وهي تدحرج براميل ملونة تعبيرا عن اتهام الأحزاب الكردستانية الرئيسية بـ»سرقة» النفط وتعبيرا عن سخطهم من الأوضاع في إقليم كردستان، حيث استخدم المتظاهرون براميل ملونة بألوان الأصفر والأخضر والأزرق والبرتقالي والبني التي تعبر عن الأحزاب الكردية الرئيسية الخمسة.
أما على الصعيد الاقليمي، فإن ارتباط السليمانية بالقرار الايراني واربيل بالقرار التركي قد يؤدي إلى ازدياد التوتر بين جناحي الاقليم، ومع التوتر القائم بين ايران وتركيا في اطار الحرب القائمة في سوريا، يرى بعض المراقبين الغربيين احتمالية ااستعمال الكرد كأدوات لحرب اقليمية مقبلة سيخوضونها بالوكالة عن القوى الاقليمية المتحكمة بالمشهد في الشرق الاوسط، ورغم رهان اربيل على الدعم الذي سيحظى به الاقليم من ادارة الرئيس الامريكي المنتخب ترامب، الا أن تصريحات مضادة تطلقها بغداد تؤكد على دعم الادارة الامريكية لعراق موحد فدرالي يضم الكرد كجزء من مكوناته، ومن جانبها القوى ممثلة بإيران وتركيا ما تزال تنظر بعين الريبة إلى قيام دولة كردية في كردستان العراق، ما سيشكل عامل عدم استقرار في اقليم كردستان في كل من البلدين، لذلك يرى المحللون المعنيون بالشأن العراقي وبالشأن الكردي تحديدا، أن هذه الايام لا تعد بإمكانية انفصال الاقليم عن الحكومة المركزية بشكل سلمي وبالاتفاق مع بغداد، لان التحديات القائمة ما تزال اصعب من أن تحل، فهل سيستمع الساسة الكرد إلى نصائح الغرب ويغيرون بوصلتهم باتجاه التقارب مع بغداد، ام سيستمرون في تسويق الامل بالاستقلال للشعب الكردي المنهك؟
٭ كاتب عراقي
صادق الطائي
نظام الحكم الكونفدرالى افضل حل وعلاج وضمان لبقاء العراق موحدا خيرات وثروات العراق لو احسن استغلالها وتوفر للعراقيين قيادة حكيمة يكفى لجعل العراق ارقى دولة في المنطقة بالتفاهم والحوار بين المكونات بمكن حل كل المشاكل والعوائق والأزمات وتجاوز سفك الدماء والحروب العبثية التي لا يستفاد منها الا الأعداء تحية للكاتب على مقاله الرزين وتحليله الدقيق
الإخلاص يا كوردي مخلص أمريكا يتعارض مع واقع تصاعد المطالب الابتزازية
من حکم ذاتي الى فيدرالية والآن المطالبة مؤقتا بالكنفدرالية. وغدا؟ الواقع هو ان
قادة الاكراد يرغبون بالإنفصال التام سياسيا ويمارسون الإبتزاز الدائم اقتصاديا ..
لذا فان دولة كردية لابد لها ان تكون توسعية وبؤرة توتر حاد مرفوضة في المنطقة.
شكراً للأستاذ الطائي على المقال المهم…
لقد كتبت أكثر من تعليق في أكثر من مقال نشرت في القدس العربي حول ” أستقلال ” كردستان (البرزاني و الطالباني) وأقول في جميعها أن كردستان العراق لن يستقلّوا عن العراق مهما عملوا… وذلك للسبب الرئيس و الأساس ألا وهو معارضة تركيا وأيران للموضوع جملة وتفصيلاً…لماذا ؟؟؟ لأن عدد نفوس الأكراد في هاتين الدولتين الأقليميتين يربو ما بين 10-30 مليون… فهل يعقل أن توافق تلك الدولتان بهذا المطلب ” الكردي العراقي ” ليفتحوا الباب على مصراعيها لأكراد تركيا وأكراد أيران للمطالبة بنفس ” الأستقلال ” !!!!