زعيمٌ هنا وزعيمٌ هناك، عظيمٌ هنا وعظيمٌ هناك، وبين كل زعيمٍ وزعيم هنالك زعيم آخر يرى في نفسه إماماً على الزعماء، وبين كل عظيمٍ وعظيم هنالك عظيمٌ آخر يرى في نفسه وجيهاً على العظماء، لا رعية بيننا لا مرؤوس بيننا لا محكوم بيننا فكلنا زعماء بالفطرة، كلنا عظماء بالصدفة، منذ أن مهد الأب النطفة في وعاء الرحم تصدق عليها بفكره الظاهر ولاوعيه الباطن، تصدق عليها بكل ما يملك من تخلفه فهيأ جنيناً سيقذفه الرحم زعيماً بعد الصرخة الأولى، نعم أورثه الزعامة.
زعيمٌ كُرديّ هنا وهناك وزعيمٌ عربيّ هنا وهناك، كلنا زعماء بالوراثة، شعوب ترى في نفسها أنها لا ينقصها شيء من الحكمة والصواب فهي لا تقبل المشورة والنُصح، لا مجلس للشورى بينهم لا دار للتوجيه بينهم، وكيف لزعيمٍ أن يتنازل لزعيمٍ آخر ندّ له ويتلقى منه اليقين ؟ كيف للصواب أن يرى في غير نفسه صواباً ؟ أليس من الحماقة أن يتنازل الرشد والبلوغ لجاهلٍ غافل لا يدرك الحقيقة، كل واحد منهم يعزف اللحن منفرداً بعيداً عن الإيقاع العام فتتداخل الأصوات مجتمعةً في ما بينها لتنسج لحناً عاماً ضالاً غريب الأطوار لا ينقصه الشواذ فترقص الأمة عرجاءَ إلى أبد الآبدين، عزف منفرد وسط تيهٍ عام وسط ازدحام الزعماء، نعم شعوب مزدحمة بالزعماء، زعماء على الأسطح، زعماء على الأرصفة، زعماء يهرولون في الأزقة والشوارع وزعماء في الأبنية، أينما التفت فهنالك زعيمٌ يراقب خطواتك، زعيمٌ حداد وزعيمٌ نجار وزعيم خياط وزعيمٌ بَناء وزعيمٌ خباز وزعيمٌ يبيع التوابل على الأرصفة وزعيمٌ نادل يملأ الفودكا في الحانات وزعيمٌ وزعيمٌ وزعيمٌ…. نعم كلنا زعماء، كلنا عظماء، كلنا لاشيء.
و لكن تبقى صورة أنصاف الآلهة الزعيم الأوحد الذي يقود البلاد والعباد هي الأكثر فتنة من نوعها، صوره تظلّل السماء والتراب والماء والهواء، شعوب لا تضربها الشمس أبداً فصور الزعيم تقيهم من حر الشمس وحرقتها، كل صورة تظلّل فرسخاً بأكمله ليبقى الشعب مريضاً لا يهنأ برائحة الشمس الدافئة وكيف لشعبٍ أن يتعافى وأنامل الشمس لا تدخل حجره.. !
فإذا كان الله سيظلّل سبعة في ظلّه يوم لا ظل إلا ظله في اليوم الموعود فإن الزعيم الواحد بصوره يظلّل شعباً بأكمله، أنصاف آلهة تخطت الإله بظله، لكل فرد من أفراده هنالك صورة تظلّله وتراقبه أيضاً فهي صورة رقيبة مظللة، صورة للزعيم هنا تتقمّص شخصية الفلاح بمعوله وهو يحرث الأرض ليملأ بطون العباد بالقمح وصورة للزعيم هناك تحاكي شخصية المقاتل وهو يرمي آخر رصاصة من بندقيته على أعداء الوطن لتبقى حدود الوطن سالمة وصورة للزعيم بينهما تحاكي شخصية الطبيب وهو يطبب أوجاع وآلام العباد كي تنعم رئاتهم بالعافية، هناك أيضاً صورة للزعيم تحاكي مجمل الحرف والمهن الفكرية الحرة، صوره لم تبخل على شيء إنها حفلة تنكرية بطلها الزعيم وجمهورها الشعب المُصفق.
كاتب سوري
آزاد عنز
تعبراتك رائعة وواقعية بامتياز ولكن من يسمع من ويمن يؤيد من!!!؟؟؟ والكل مشغول بالمصالح والعلاقات وكل منهم زعيم كما ذكرت. لا تنسى اننا عرب البداوة والشعر الحديث وكان لنا تاريخ ودين ورجال نتغننى بانهم أبطالنا.وااسفاه…لم اصدق بانن سوريا ستكون هكذا…
كانت امي رحمها الله في مثواها تقول كل واحد يشعر باننه أمير فمن الذي يسوق البعير.