أقتبس هذا العنوان مما كان كتبه مدير جريدة «لوموند» الفرنسية كلومباني غداة ضربة 11 سبتمبر، في افتتاحية له بعنوان «كلنا أمريكيون» للتعبير عن التضامن مع أمريكا، عقب العمل الإرهابي الدنيء الذي ضربها. أقول الشيء ذاته، جراء ما وقع لمصر عقب تفجير مسجد الروضة في محافظة العريش، أثناء صلاة الجمعة 24 نوفمبر الحالي وإطلاق النار بعدها على المصلين والفارين من التفجير.
ضربة مسجد الروضة هي الأفظع والأبشع، منذ 11 سبتمبر. تسجل أكبر عدد للضحايا، بعد 11 سبتمبر، وهي لذلك 11 سبتمبر مصرية، ومن شأنها أن توقع خلخلة في تصورات الدولة المصرية وسُلم أولوياتها، وتوجهاتها وتحالفاتها، بل من شأنها أن تؤثر في السياسة الدولية، ذلك أنها تذكرنا أن ضحايا الإرهاب يمكن أن يكونوا مسلمين، وأن الضحية الكبرى، بالتبعية هي الإسلام.
الألم عميق بالنسبة للمصريين، كي يستمعوا لشيء آخر سوى العزاء والتضامن. ومن الضروري شجب العمل الإرهابي، ومن الضروري التنديد به، حتى لا يشعرنَّ أصحابه والآمرون به بتعاطف ما، أو تزكية ما، فبالأحرى أن يَعدوه عملا بطوليا. لا بد من التنديد، ولا بد من التعبير عن التضامن مع مصر وشعبها في هذه الفاجعة.
والجرح غائر في نفوس المصريين، ولمن يؤمن بدور مصر، كي يفكروا في أناة، ومع ذلك نسعى، انطلاقا من الإيمان بدور مصر وأهميتها الاستراتيجية، إلى التفكير خارج قوالب الغضب والثأر، لأن ما يُراد من ضربة مسجد الروضة هو صرف مصر إلى أعمال صغيرة، عوض الدور الاستراتيجي الذي يمكن أن تضطلع به، من خلال السعي لزعزعة أمنها واستقرارها.
ـ أول ما يتعين هو الدعوة إلى مؤتمر دولي حول الإرهاب، وليكنْ في مصر، للخروج من الصور النمطية التي سادت وتفشت، واعتبرت الإرهاب صناعة إسلامية، مثلما يتعين في المؤتمر ذاته، تكثيف جهود التعاون والتنسيق.
ـ وثاني ما يتعين هو أن يعقد الأزهر الشريف لقاء يضم علماء المسلمين، من سُنة وشيعة، يكون أرضية للحوار بين الفريقين والتنديد بالعنف، ومن يوظف الدين لذلك، ومحو ما أراده البعض من جعل الأزهر الشريف أرضية للصراع ما بين السنة والشيعة. وهل ينبغي أن نذهل عن التاريخ؟ فهُمُ الفاطميون من بنوها وقد أتوا من المغرب، وأطلقوا عليها الأزهر لتكون أسمى من الزهراء بالأندلس، وهي لذلك آصرة ما بين المشرق والمغرب، عنوان لتلاقي السُّنة والشيعة.
ـ ثالث المطلوب عقد لقاء بين ممثلي الأديان الثلاثة التوحيدية، من علماء مسلمين ورجال دين مسيحيين وحاخامات حتى يبروزا روح أديانهم الداعية إلى المحبة والبر، ليقطعوا على من يريد أن يوظفها في البغضاء والتناحر، وليكن في دير القديسة كاترين في سيناء لرمزية هذا المكان.
ـ رابعا عقد لقاء بين أطياف الإسلام السلفي والصوفي، لكسر الصورة النمطية القائمة على التضارب بينهما، وآية ذلك أن كثيرا من السلفيين، ليس بالمعني القدحى الذي يقرن بها اليوم، كانوا ذوي نزوع صوفي، والتصوف جزء من الحضارة الإسلامية، ولمصر باع طويل فيه، من خلال أوليائها وصالحيها وطرقها.
ـ خامسا انعقاد ندوة فكرية، ما بين الاتجاهات الفكرية الحديثة، في العالم العربي والغرب، من أجل حوار حول التحديات التي تطرحها المرحلة.
ـ سادسا عقد اجتماع حول الأمن المائي لمصر، في تنسيق مع السودان، وتجاوز الخلافات الثانوية ما بين بلدين يشكلان عمقا استراتيجيا لبعضهما بعضا، وامتدادا لهما. فأمن العالم من أمن مصر، وأمن مصر، من أمن شريان الحياة فيها وضمان صبيبه، وعدم التأثير فيه.
ـ وسابعا، التذكير بأن هناك بؤرتين للإرهاب لا تتهددان مصر وحدها، بل الأمن والاستقرار في كل من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهما سيناء وليبيا، وينبغي التنسيق مع دول الجوار في سيناء، كما ينبغي التنسيق مع إيطاليا، فيما يخص ليبيا التي لها مسؤولية تاريخية فيها، فضلا عن التداعيات الاجتماعية عليها جراء الانفلات الأمني فيها.
إن مصر، شأنها شأن كثير من بلدان العالم العربي تمر بظروف صعبة، بل عصيبة، جراء ما سمي بالربيع العربي والحراك الذي أعقبه، ويمكن لهذه الفجوة أن تتوسع وتهدد البلدان، ويمكن إن أعقبها تصور أن تنفتح على منادح وفرص. كل ذلك رهين بالتصور الذي يقدمه البررة من أبنائها، إنْ على مستوى القرار أو التصور.
إن نجاح مصر لن يكون نجاحها وحدها، وإن أي شيء يصيبها بسوء، لن يمَسَّها لوحدها، كما قال شاعر النيل حافظ إبراهيم. إن هذا الإيمان بدور مصر، وعبقرية مصر، هو الذي يملي علينا قولا، قد يؤلم ويزعج، ولكن لا مندوحة عنه، وهو ضرورة المصالحة بين مختلف أطياف مصر، ومختلف مؤسساتها. مصر ملك للمسلمين والأقباط، مصر للتنويريين والمحافظين، للسلفيين والإسلاميين. ولا يمكن لطيف أن يزرى بآخر، أو بالأحرى أن يتهدده أو يمحقه أو يثلم من مؤسسة عريقة كانت دوما صمام أمان مصر وراعية تحديثها، ألا وهي الجيش.
كاتب مغربي
حسن أوريد