كين وجيرمي كـ«القابضين على الجمر»

حجم الخط
1

ليست هذه هي المرة الأولى، ولا أظن أنها ستكون الأخيرة، التي يدخل فيه كين ليفنغستون في صراع مع أنصار إسرائيل والصهيونية في بريطانيا، اليهود منهم وغير اليهود.
فأكثر تصريحات النائب العمالي الأسبق وعمدة لندن لثماني سنوات، تثيرهم وتثير الجدل، خصوصا طبعا تلك المتعلقة باسرائيل والحركة الصهيونية ومواقفه المؤيدة للقضية الفلسطينية والمناهضة لإسرائيل وليس اليهود. والتهمة الجاهزة طبعا هي معاداة السامية. فكل ما ينطق به ليفنغستون ضد اسرائيل او الصهيونية، أو حتى ضد صحافي يتبين أنه يهودي، هو معاد للسامية أو اليهود عامة.
طبعا هذه الأسطوانة المشروخة كانت دوما السيف الذي يلوح به الصهاينة في وجه كل من تسول له نفسه انتقاد إسرائيل في الماضي ليس البعيد، فما بالك بمن يتهم الحركة الصهيونية بالتعاون مع النازية. ولم تعد كذلك من كثرة سوء استخدامها واستغـــلالها، بعدما أصبح المستهدف من هذه الحملة ليس ليفنغســـتون فحسب، بل قيادة حزب العمال اليسارية الجديدة، ممثلة برفيق دربه جيرمي كوربين. وفتحت تصريحات ليفنغستون الباب على مصراعيه لتصبح «معاداة السامية» مادة للنقاش في برامج تلفزيونية وإذاعية، بعدما كانت من المحرمات وخطا أحمر لا يسمح بتجاوزه.
فماذا قال ليفنغستون في هذا الفخ الذي نصب إليه، حتى تقوم الدنيا ولم تقعد، على نحو مصطنع. ما قاله لم يكن تصريحا مباشرا، بل في سياق حديث اذاعي، دفاعا عن زميلة له في الحزب وهي نسيم ناز شاه النائبة عن الدائرة الانتخابية لغرب مدينة برادفورد، شمال شرق بريطانيا ذات الأغلبية المسلمة. والسؤال هو ما إذا كان ليفنغستون يشتم رائحة معاداة للسامية في ما قالته شاه، في تغريدة تعود إلى أيام العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة عام2014 ، أي قبل فوزها بمقعد في مجلس العموم على حساب جورج غلاوي، وهو الذي لوحق أيضا وأخرج من حزب العمال عام2003 ، بسبب مواقفه من العدوان الامريكي البريطاني على العراق، فشكل حزبا جديدا باسم «ريسبكيت/ الاحترام». وقالت شاه في تغريدتها فلتذهب إسرائيل إلى الولايات المتحدة.
أقول إنه فخ لأنه حقا فخ لعدة أسباب، لأن التغريدة هي لناشطة في حزب العمال قبل انتخابها، وجدوا فيه مادة يمكن أن توقع بليفنغستون وطبعا زعيم الحزب. ثانيا الغرض من ذلك هو التغطية على اتهام مرشح المحافظين لمنصب عمدة لندن زاك غولدسميث وهو يهودي، بمعاداة الإسلام، فطلعوا بنائبة مسلمة في حزب العمال تعادي اسرائيل/ السامية. ثالثا اختيار لفينغستون للتعليق وهم يعرفون مسبقا مواقفه، في محاولة لتعزيز فرص غولد سميث بالفوز أمام صادق خان مرشح حزب العمال. وباءت المحاولة بالفشل بفوز خان فوزا ساحقا.
فجاء رد ليفنغستون صريحا وواضحا وكما كان متوقعا، وهو أن ما قالته لا يعتبر معاداة للسامية، وهو حقا كذلك، مضيفا أنه قد يكون خارجا عن الحدود قليلا ولكن يجب أن يؤخذ في إطار ما كان يجري في قطاع غزة، وفي ظل الظروف والمعطيات، ويقصد أعمال القتل والتدمير والمجازر والغارات الجوية على المدنيين العزل التي كانت تنقل مباشرة.
وفي سياق الحديث كشف أن الزعيم النازي أدولف هتلر دعم الحركة الصهيونية، وأن «تعاونا قام بين الحركة وهتلر في عام 1933».. قبل أن يفقد عقله، أي هتلر، ويحرق 6 ملايين يهودي». وهو ما اعترفت به صحيفة «هآرتس» في الاول من مايو 2016 في مقال تحت عنوان «سخافة ليفنغستون حول هتلر.. تصيب عصبا صهيونيا حساسا». ويؤكد المقال أنه كان هناك تلاق في المصالح بين ألمانيا النازية والحركة الصهيونية، (التي لم تمثل جموع اليهود في العالم يوما لا في الماضي ولا في الوقت الحاضر). فقد كانت الحركة الصهيونية تسعى وتنشط لتهجير يهود العالم إلى فلسطين، والنازية تريد الخلاص منهم، وتوصلت قيادة الحركة الصهيونية في ألمانيا إلى اتفاق مع هتلر، وأدى ذلك في حينها إلى خلاف وانشقاق في قيادة الحركة الصهيونية. وقالت الصحيفة إن هتلر لم يكن صهيونيا، ولكنه احيانا دعم بشكل سلبي ومرات بشكل ايجابي تعاونا محدودا بين الحركة الصهيونية والنظام النازي في أعوام الثلاثينيات». باختصار فإن ليفنغستون زاد على ما كانوا يتوقعون، فسلط الأضواء على فصل في التاريخ يريد معظم الصهاينة إبقاءه مغلقا، إنها كما تقول الصحيفة «المصالح المشتركة المحدودة والتعاون اللاحق مع النظام النازي ما بين 1933 وحتى 1940. وهذا جزء من تاريخها تتمنى الحركة الصهيونية لو لم يكن. وهو ما يحاولون تدفيع ليفنغستون وكوربين ثمنه لمواقفهما المؤيدة والمتعاطفة مع الشعب الفلسطيني وقضيته.
قُذف ليفنغستون بأقذع الاوصاف هو وحزب العمال، الذي اتهم من شخصيات قيادية داخله تنتمي إلى خط رئيس الوزراء والحزب الاسبق توني بلير، بالتراخي في معالجة تنامي معاداة السامية في صفوفه… وكانت مدخلا انضم عبره رئيس الوزراء المحافظ ديفيد كاميرون وأركان حزبه لتعزيز فرص الحزب في الانتخابات البلدية، لاسيما انتخابات عمدة لندن طبعا، التي يفترض أن يكون قد فاز بها خان ليصبح أول عمدة مسلم لعاصمة غربية. وكانت مدخلا أيضا للسفير الإسرائيلي في لندن ليدس أنفه ويدلو بدلوه، وكذلك حزب العمل الصهيوني بقيادة اسحق هيرتسوغ الذي هدد بقطع العلاقة مع حزب العمال بسبب المواقف المفترضة المعادية للسامية، للضغط على حزب العمال وأنصار ومؤيدي القضية الفلسطينية في المملكة المتحدة، وتلقينهم درسا في محاولة للحد من انتقاداتهم لاسرائيل وجرائمها وعنصريتها، وأي محاولة للفصل بينها وبين الصهيونية من جهة وبين يهود العالم من جهة أخرى.
وكما في الماضي رفض ليفنغستون الاتهامات الجديدة جملة وتفصيلا واعتبرها محاولة للإطاحة بقيادة الحزب يقف وراءها اليمين والصهاينة من يهود وغير يهود. كان بإمكانه أن يخرج من هذه الأزمة المفتعلة كالشعرة من العجين، بتقديم الاعتذار، غير أنه أصر على رفض الاعتذار بأي شكل من الاشكال، عن حقيقة تاريخية يؤكدها مؤرخون يهود وغير يهود. وتساءل ليفنغستون « كيف يمكن ان تكون الحقيقة جريمة.. لو انني كذبت لكانت جريمة حقا. إن كل شيء نطقت به هو الحقيقة.. وقد جاء في أكثر من مرجع اكاديمي وسوف أقدم هذا المرجع، )كتاب للمؤرخ الماركسي الامريكي ليني برينر «الصهيونية في عصر الديكتاتوريين») لحزب العمال أي عندما يخضع للاستجواب، في سياق رده على قرار تعليق عضويته في انتظار التحقيق في ما قال. وقال مهاجما الأصوات التي علت تتهمه بمعاداة السامية وأغلبيتهم نواب من حزبه محسوبين على اليمين وأنصار بلير «إن التاريخ الذي أتحدث عنه غير معروف لدى هؤلاء النواب لانه لا يدرس في المدارس الاسرائيلية».
كين ليفنغستون سياسي بريطاني يساري ذو شخصية هادئة ومتزنة ومبدئية ويتصرف وفق قناعته.. مناصر كبير لقضايا عالمية كثيرة لاسيما القضية الفلسطينية لا لمصلحة شخصية او منفعة ذاتية، فمن ذا الذي يمكن ان يستفيد من القضية الفلسطينية امام «جبروت» الدعاية والنفوذ الصهيوني. إن تأييده نابع من قناعته الراسخة بعدالتها. وهو مذ بدأ نشاطه السياسي عضوا في حزب العمال قبل 47 عاما، لا يخاف لومة لائم في قول الحق والتعبير عن رأيه، لاسيما في هذه القضية الأكثر حساسية بسبب هذا النفوذ الصهيوني الشديد، وعلى وجه الخصوص في حزب العمال الذي كان الأشد تأييدا لإسرائيل من حزب المحافظين والأكثر تلقيا للدعم من اللوبي الصهيوني في الماضي. واقصى ليفنغستون من حزب العمال في عام 2000 ، عندما أصر على خوض انتخابات عمدة لندن، متحديا مرشح الحزب الرسمي وتوني بلير، والفوز بالمنصب باغلبية ساحقة. واضطرت زعامة الحزب للتصالح معه وإعادته إلى صفوفه. ولم تهزه من قبل كما لن تهزه في الوقت الحاضر الحملة الشرسة غير المسبوقة التي يتعرض اليها ولن تغير من قناعاته… وسيخرج منها منتصرا، بعد ان ترتد السكين إلى نحور اصحابها بفوز خان، وعدم خسارة حزب العمال بالحجم الذي كانوا يتوقعونه له في الانتخابات المحلية.
وليفنغستون كما جيرمي كوربين وغيرهما الكثير، وبناء على قناعات لا مصالح، مؤيدان ومناصران للقضية الفلسطينية ومناهضان للاحتلال الاسرائيلي والحروب الامريكية والغربية في منطقة الشرق الاوسط، بدءا من افغانستان مرورا في العراق فليبيا وسوريا الخ.. وهذه المواقف تجعلهما دوما هدف الصهيونية واسرائيل وانصارهما في المؤسسة البريطانية الحاكمة، وأقول المؤسسة الحاكمة لأن اسرائيل تتراجع على الصعيد الشعبي وبسرعة غير مسبوقة وهذا ما يقلقها، بفضل شخصيات مثل كوربين وليفنغستون وطبعا نشاطات حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على اسرائيل «BDS». أفلا يستحقان منا، نحن المقيمين في بريطانيا والغرب، هما وامثالهما في الدول الاوروبية وكل القابضين على «جمر القضية الفلسطينية» مزيدا من الدعم والتأييد والتقدير والأهم أصواتنا الانتخابية؟

٭ كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»

كين وجيرمي كـ«القابضين على الجمر»

علي الصالح

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Hadib:

    تأميناً علي صحة ما ذهب اليه الكاتب علي الصالح، واعترفت به صحيفة هآرتس من تحالف الصهيونية مع هتلر، اليكم فيديو، من عام 1984 عندما كانت لا تزال هنالك نسمة من الحرية في الصحافة الغربية، بعنوان 1933_ Zionists sign a deal with Hitler – The Transfer Agreement الذي يؤكد هذه الحقيقة:
    https://www.youtube.com/watch?v=q5AEWx_CA3o

    أيضاً في الفيديو التالي يوضح المؤرخ الأمريكي الشهير Eustace Mullins أن كلمة نازي هي اختصار لتحالف حزب هتلر من الحركة الصهيونية (راجع الفيديو بدءاً من الدقيقة 48). أيضاً يتحدث هذا الرجل الشجاع، الذي قتل غيلة عقابا علي آراءه الجريئة، عن معارضة اليهود العاديين للصهيونية.
    https://www.youtube.com/watch?v=Ul3Iyq1i_30

إشترك في قائمتنا البريدية