لندن – «القدس العربي»: وصف الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند الهجمات المنسقة التي نفذها «تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا» على عاصمة بلاده ليلة الجمعة بأنها «إعلان حرب» بعد قتل أكثر من 125 شخصا في أماكن متعددة من باريس. وأعلن أولاند حالة الطوارئ وأغلق حدود بلاده. فيما أعلن «تنظيم الدولة» الإسلامية مسؤوليته عن الهجمات وقال في بيان له إنها «أول الغيث». مشيرا إلى أنها غزوة ضد عاصمة «العهر والدعارة» وبسبب مشاركة فرنسا في الهجمات على تنظيم الدولة. أما أولاند فقد قال إن هذه الهجمات موجهة «ضد فرنسا وضد قيمها التي ندافع عنها في كل مكان في العالم وهي ضدنا نحن: دولة حرة تعني شيئا لبقية العالم». ووصفت صحيفة «نيويورك تايمز» الهجمات بأنها كانت «ليلة من البربرية الشاملة مارسها إرهابيون مسلحون ضد مجتمع حر ومتحضر». وتأتي الموجة الجديدة من الرعب بعد أقل من عام على هجوم نفذه ثلاثة مهاجمين على الصحيفة الساخرة «شارلي إيبدو» ومتجر يهودي.
وقالت الصحيفة إن هجمات كانون الثاني/يناير أدت «لحالة من البحث عن الذات وتشريعات واسعة لمكافحة الإرهاب سمحت للسلطات لملاحقة الإرهابيين المحتملين» واتسمت أيضا بأنها كانت موجهة ضد أهداف بعينها، أما هجمات يوم الجمعة فكانت ذات طبيعة مختلفة «فقد صممت لزرع الخوف في قلب كل مواطن يقوم بنشاطاته العادية ولإشعار الفرنسيين أنهم ليسوا في مأمن أينما كانوا». وتقول الصحيفة إن المهاجمين الثمانية الذين هاجموا أهدافا متسلحين بالأسلحة والقنابل اليدوية والأحزمة الناسفة المحشوة بالمتفجرات أصبحوا في عداد الأموات، ولكن في الوقت الذي استيقظ فيه الباريسيون صباح اليوم التالي على الحقيقة القاتمة لا تزال الكثير من الأسئلة لم يجب عليها من مثل إن كان هناك متواطئون لما زالوا هاربين، أو فيما إن كانت أجهزة مكافحة الإرهاب قادرة على إحباط العمليات قبل وقوعها. وهناك سؤال عن المدة التي ستبقى فيها حالة الطوارئ التي ترى أنه يجب إنهاؤها في وقت قريب.
الشر في باريس
وركزت صحيفة «واشنطن بوست» على أهمية مواجهة «شرور هجمات باريس وما خلفها». وقالت إن الهجمات الإجرامية على باريس ليلة الجمعة «لم تكن موجهة ضد ضباط الأمن ولا السياح أو المكاتب والمصانع ولا المتاحف أو المباني الكبيرة. لكن الانتحاريين والمسلحين اقتحموا قلعة المتعة والترفيه اللذين لا يعكسان الفرحة في باريس، ولكن في العالم أجمع». وتعلق الصحيفة أن ما جرى في باريس «كان محزنا ويكشف بألم عن أن هذه الجماعة وعقليتها البغيضة وسلوكها الوحشي قد قفزت من كونها دويلة في العراق وسوريا لتنفيذ هجمات في سيناء وبيروت وباريس. وهذه الهجمات موجهة ضد كل شخص يحلم بالحداثة ويتعلق بالمجتمع الحر والمفتوح».
ودعت الفرنسيين إلى التعلم من دروس ما بعد 9/11 وأن لا يكرروا الأخطاء نفسها التي ارتكبها الأمريكيون في المرحلة الأولى من الحرب ضد تنظيم «القاعدة» وهي أن «الغرب لن يكسب شيئا عندما يتخلى عن حكم القانون. فهذه حرب يمكن الانتصار فيها، كما قال أولاند يوم السبت، ويجب الانتصار فيها من دون التضحية بمجموعة القيم التي تميزنا عن عدونا المتوحش».
الحرب في وسط العاصمة
وقدمت صحيفة «أوبزيرفر» وصفا مهما للحرب التي نقلها تنظيم «الدولة» إلى شوارع العاصمة باريس. وقالت «في المعركة يقاتل الجنود ويموتون، وهذا هو الواقع، ولكن عندما يحضر العنف العسكري المتحرر من القيود إلى شوارع مدينة صاخبة، في ليلة يوم الجمعة، وعندما كان الناس يستمتعون بالشراب وبقضمة من الطعام، يحضرون حفلة موسيقية لفرقة روك، يتابعون مباراة كرة قدم أو يرتاحون في بيوتهم بعد أسبوع عمل شاق لا نتوقع منهم شيئا، فلا أحد يقاتل ولا أحد منهم في حالة حرب». وأضافت «حتى بدأ إطلاق النار بطريقة مفاجئة وسط انهمار الرصاص الذي لا يرحم من الكلاشينكوفات ومع دوي الرصاص ولدت لحظة صادمة من الشك. وقال الناجون إن هذا قد يحدث هنا والآن. وبعد أن طغى الصراخ والذعر وصوت البنادق الآلية وبدأ الناس يموتون».
وأضافت أن مسلحي تنظيم «الدولة» حولوا «في ليلة الجمعة مركز باريس إلى ساحة حرب دموية وفتحوا محور حرب من دون تحذير أو رحمة ولا ذرة من التبرير الأخلاقي. وقتلوا والانتقام في قلوبهم وعلى شفاهم كلمات «سوريا» و «العراق» وجلبوا معهم حربا تدور بلا هوادة في منطقة بعيدة إلى أبواب وحانات مدينة حالمة ظلت ورغم هجمات سابقة غير معنية». وعند هذه النقطة أصبحت باريس جزءا من الحرب في سوريا والعراق «فقد انتهى حس الانفصال يوم الجمعة، ولو كانت هناك حالة من الرضى عن النفس فقد انتهت بالكامل، لقد جلب تنظيم «الدولة» حربه لعدوه. وكما قال فرانسوا أولاند يوم السبت أصبحت هدفا لعملية حربية».
وترى الصحيفة ان هذا ليس هو شعور الفرنسيين وحدهم بل وكل مواطن في دولة عربية وأوروبية وأمريكية تشارك في الحرب ضد تنظيم «الدولة». وقالت إن الهجمات ستطرح أسئلة حول قصور الأمن في إحباط العمليات و «من أين جاء المهاجمون الثمانية؟ وهل ولدوا في فرنسا أم نشأوا فيها؟ وكيف وصلوا بأسلحتهم وتدريبهم العسكري؟ حيث كانوا مدربين ومنضبطين، وهل تواطأ معهم أحد من الأقلية المسلمة في فرنسا؟ وهل كانوا يتصرفون بمبادرة منهم أم أنهم جزء من خلية فرنسية غير معروفة أم كانوا ينفذون أوامر من الرقة أو أي معقل من معاقل تنظيم الدولة؟». وحتى لو تمت الإجابة على هذه الأسئلة فلن «يتبدد هذا الشعور بالخطر الذي جلبته ليلة الجمعة. وفي التحليل النهائي، فلا يمكن حماية مدن مثل باريس ولندن وبروكسل أو روما من أي انتحاري غاز مسلح بهذا النوع من السلاح. ولفعل هذا فربما تم تدمير الحريات وأساليب الحياة والثقافة المفتوحة والمتسامحة التي يمقتها الإرهابيون وعقيدة الكراهية والانحراف التي يحملونها.
وفي النهاية فأنت قد تقوم بعمل ما يريده القتلة». وتحذر من تداعيات عنصرية ومحاولة «البحث عن طرف يلقون اللوم عليه» بعد أن يتبدد الحزن. وهنا حذرت من تحول «أعضاء الأقلية المسلمة الكبيرة إلى هدف، خاصة بعد فشل الاندماج وتعرضهم للتمييز والحرمان وعدم المساواة. وقد يستفيد اليمين المتطرف من الهجمات، خاصة الجبهة الوطنية التي تتزعمها ماريان لوبان، وذلك في الانتخابات المحلية التي ستعقد في الشهر المقبل. وحثت «أوبزيرفر» والحالة هذه الساسة من حزب أولاند الاشتراكي إلى يمين الوسط بزعامة نيكولاي ساركوزي التأكد من استمرار تيار الوسط المعتدل». وقالت إن «فرنسا لا تتحمل التدهور نحو التحيز وثقافة النبذ والعنصرية ولا أوروبا كذلك. في ألمانيا وبولندا وبريطانيا وغيرها تقوم أحزاب اليمين باستهداف وتحويل المسلمين لكبش فداء، خاصة اللاجئين المسلمين من سوريا فلا تريد شيئا أفضل من رؤية فرنسا السقوط في دوامة الاستقطاب والاتهامات والانقسامات العميقة، وهو ما سيخدم أهداف القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية». وعادت وأكدت أن «سرطان تنظيم الدولة» لا يمكن لدولة واحدة التصدي له، خاصة أن الهجمات التي نظمها تظهر تحوله إلى خطر دولي.
التصدي للجذور
وصفت الجهود الدولية ضد الجهاديين بالفوضوية وغير المتماسكة ولن تحقق نجاحا حتى لو ضمت قوات يمكن الوثوق بها. وأكدت على مدخل جديد يقوم على تنسيق أوسع واستراتيجية واحدة بأهداف مشتركة من أجل نجاعة الغارات الجوية ضد تنظيم الدولة. وتقترح الصحيفة دمجا في القيادة والعمليات مع الروس.
وتعتقد أن الرد على الهجمات لن يكون من خلال افتعال حروب جديدة ولكن مواجهة المشكلة السورية «ولو أرادت مدن أوروبا والشرق الأوسط تجنب الألم الذي عانته باريس فعلى المجتمع الدولي مواجهة المشكلة التي تقع في قلب الأزمة الإرهابية المتوسعة في سوريا» التي أصبحت مشكلة تهدد استقرار أوروبا نفسها. وتؤكد أن الوقت قد حان لإنهاء هذا المأزق وبناء على ما حققته الأمم المتحدة. فالجميع له مصلحة في وقف هذا الخطر.
مشاكل في الاستراتيجية
لكن قدرة التنظيم على تدبير عمليات بهذه القوة والتنسيق أثار تساؤلات حول استراتيجية باراك أوباما، وقالت صحيفة «واشنطن بوست» إن الهجمات الأخيرة في سيناء وبيروت وباريس «يجب أن تؤدي للدفع بجهود أكثر تصميما لتدمير الجماعة». وكتب في الصحيفة نفسها كل من غريك جاف وميسي رايان حول تأثير هجمات باريس على التقدم البطيء لاستراتيجية واشنطن. وقالا إن الهجمات الأخيرة في سيناء وبيروت وباريس تشير لمخاطر استراتيجية تعتمد بشكل كبير على قوات محلية لهزيمة تنظيم «الدولة» وبدعم أمريكي. ويرى الكاتبان أن استراتيجية الغارات الجوية والاعتماد على الجماعات المحلية لنقل المعركة ضد التنظيم يشيران لتردد الرئيس في الانجرار لحرب جديدة في الشرق الأوسط.
ومن هنا تكشف هجمات باريس أن التنظيم وداعميه لديهم استراتيجية واسعة ويشكلون خطرا قاتلا على الغرب أكبر مما كان يعتقد ضباط الاستخبارات في السابق. وفي رد أولي من الرئيس أوباما على هجمات باريس قال لشبكة «إي بي سي» إن الحملة ضد تنظيم الدولة هي «مشروع متعدد السنوات» ونجح في مرحلته الأولى في إحتواء التنظيم. ولكن الهجمات الأخيرة قد تجبر الرئيس للتركيز على قدرة التنظيم في التوسع أبعد من سوريا والعراق. ويناقش مسؤولون في الإدارة الأمريكية أنه يجب توسيع الحملة ضد التنظيم في سوريا والعراق والتركيز على مناطق مثل اليمن وليبيا وشبه جزيرة سيناء. ويطالبون باتخاذ خطوات لوقف تدفق المقاتلين والمال عبر الحدود وفهم طبيعة البنية القيادية له في العراق وسوريا، وكيف يقوم بالتواصل مع قادته الميدانيين.
وتقول الصحيفة إن إجراءات كهذه حاضرة في أجندة الإدارة منذ أشهر، لكنها في آخر اهتمامات المسؤولين الذين يركزون على وقف تنظيم «الدولة» في العراق وسوريا.
وبحسب مسؤول أمريكي بارز «سبب خبث تنظيم الدولة هو قدرة المركز على التواصل ودعم الفروع». ولاحظ المسؤولون تقدما في المدخل الأمريكي حيث تم تنظيف مناطق في شمال العراق وتدعم واشنطن الأكراد والعرب في شمال – شرقي سوريا بالسلاح والغطاء الجوي للتقدم نحو عاصمة «الدولة» في الرقة.
يتمدد
ورغم ذلك فلم تتخذ الولايات المتحدة سوى خطوات محدودة لمواجهة تمدد التنظيم خارج حدود هذين البلدين في الوقت الذي تربط جماعات متشددة في نيجيريا والباكستان نفسها به. ولكن المسؤولين الأمريكيين شككوا في ولاء هذه الجماعات لتنظيم «الدولة» مع أنهم يعتقدون بوجود فرع له في ليبيا. وأعلنت واشنطن يوم الجمعة عن مقتل قائده وسام الزبيدي بغارة جوية. ويعبر مقتله عن استراتيجية تقوم على مواجهة المخاطر أينما تظهر وتستخدم وسائل مكافحة الإرهاب. ويقول مسؤول بارز إن الهجوم على درنة، معقل الجهاديين «يظهر أننا قادرون على استهداف قيادتهم في المناطق التي يريدون الظهور فيها وعمل المزيد». ويرى بريان كاتوليس من مركز التقدم الأمريكي أن هجمات باريس تظهر محدودية هذا المدخل «يمكننا قتل قادتهم، ولكن هذا لا يخلق جوا من الأمن الدائم حيث يتم دفع التهديدات الأخرى للهامش، فهي وصفة لحرب طويلة».
ويقول المسؤولون إنه من السابق لأوانه الحديث عن تغيير في المدخل الأمريكي بعد هجمات باريس.
صحيح أن فرنسا شنت أكبر عدد من الغارات، لكن مشاركتها تظل صغيرة مقارنة مع الجهد الأمريكي. واعترف مسؤول أمريكي بصعوبة محاربة أيديولوجية من خلال أساليب عسكرية «فمع القاعدة تعلمنا وتعلموا أن وجود قيادة مركزية هو أمر يمكن ملاحقتها وتصبح أصعب عندما تكون أيديولوجية». ويقول بروس ريدل المسؤول السابق في «سي آي إيه» والبيت الأبيض «أي شخص في هذا المجال يعرف أنه من المستحيل تحقيق علامة 100% « وعليه فنحن أمام حرب طويلة.
تغير في الأسلوب
وفي السياق طرح بيتر بيكر وإريك شميدت في صحيفة «نيويورك تايمز» نفس السؤال حول مستقبل الاستراتيجية الأمريكية. ولاحظ الكاتبان تغيرا في تكتيك تنظيم «الدولة» من التركيز على تعزيز سيطرته على مناطق في سوريا والعراق إلى الدفع بما يطلق عليهم «جند الخلافة» لتوجيه ضربات في الخارج. فقد حولت الهجمات المنسقة باريس إلى ساحة حرب وجاءت بعد عملية الضاحية الجنوبية في بيروت والطائرة الروسية في مصر. وتبين الهجمات الناجحة هذه انتقال الحرب من بعدها الإقليمي إلى حرب عالمية. وتتوقع الصحيفة أن تجبر الهجمات هذه إدارة الرئيس أوباما وحلفائه على إعادة النظر في الاستراتيجية ضد التنظيم.
والتقى الرئيس أوباما مع قادة الأمن القومي يوم السبت قبل مغادرته للمشاركة في قمة العشرين التي بدأت أعمالها في منتجع أنطاليا التركي والتي ستتسيد جلساتها هجمات باريس. واعترفت فرانسيس فراغوس تاونسند، المستشارة البارزة لمكافحة الإرهاب في البيت الأبيض، أثناء إدارة جورج دبليو بوش أن تنظيم «الدولة» أصبح تهديدا أبعد من منطقة الشرق الأوسط. ودعت للتعامل معه كجماعة لديها «طموحات دولية أبعد من الكيان الذي أطلق عليه اسم الخلافة». وتضيف الطموحات الدولية للتنظيم تعقيدا للحرب المعقدة أصلا وتشارك فيها شبكة من اللاعبين كل يلاحق مصالحه الخاصة. فإيران مثلا تقاتل تنظيم «الدولة» ولكنها ليست حليفا لأمريكا فيما تخوض روسيا حربها الخاصة تحت مبرر قتال الجهاديين، ولكنها تضرب أعداء بشار الأسد. ويقول مايكل إي لينتر مدير مركز مكافحة الإرهاب في عهد بوش وأوباما «حقيقة لا أتخيل كيف لن تغير رؤيتهم» أي هجمات باريس. وقال مدير سابق للمركز وهو ماثيو أولسين إن سلسلة الهجمات الكبيرة ستجبر البيت الأبيض على اتخاذ خطوات إضافية « كل هذا سيزيد من سقف المخاطر ويزيد الضغوط على الولايات المتحدة والغرب للقيام برد أكثر شدة».
إلا أن زيادة الهجمات تحمل معها مخاطر، فضرب الطائرة الروسية جاء انتقاما لتدخل موسكو العسكري في سوريا. ويعلق أولسين «نزيد من هجماتنا عليهم في العراق وسوريا وهم يزيدون من هجماتهم علينا». وتقول تاونسند إن إدارة أوباما ظلت تتردد بالاعتراف بالحقيقة المزعجة وهي أن خطر التنظيم يمتد خارج الشرق الأوسط.
القتال على جبهتين
ويرى باتريك كوكبيرن المحلل في صحيفة «إندبندنت أون صندي» أن هجمات باريس تمثل نوعا جديدا من الحرب. وتظهر قوة تنظيم «الدولة الإسلامية» وقدرته على إثارة الخوف في نفوس أعدائه وقال «الناس في الغرب يشعرون بالمذابح عندما تقع في شوارعهم مع أن الانتحاريين التابعين للتنظيم قتلوا 43 شخصا في بيروت و26 آخرين في بغداد ولا يمكن وقف هذه الهجمات لأنها موجهة ضد المدنيين الذين لا يتمكنون من الدفاع عن أنفسهم ولأن المفجرين يرغبون بالموت من أجل تدمير أهدافهم». ويرى أن الهجمات خدمت استراتيجيته وهي تسيد الأجندة الإعلامية.
وتظهر في الوقت نفسه تطورا في التخطيط «فالتجنيد والتسليح والتنسيق وإخفاء قتلة باريس حتى اللحظة الأخيرة، يعني قدرة على التخطيط الجيد ونفس الأمر يصدق على تهريب القنبلة إلى الطائرة الروسية قبل إقلاعها من مطار شرم الشيخ في 30 تشرين الأول/أكتوبر». ويربط الكاتب بين تصعيد التنظيم لعملياته في الخارج بالضغوط التي يتعرض لها في الداخل وأنه قادر على الضرب في أي مكان. فلأول مرة منذ عامين يواجه التنظيم الذي عزز سيطرته على غرب العراق وشرق سوريا يواجه ضغوطا على أكثر من جبهة. وفي الماضي كان التنظيم يواجه أعداء منقسمين واحدا بعد الآخر، ولكنه الآن يواجه هجمات على أكثر من جبهة وفي وقت واحد.
ويشير للتراجعات الأخيرة في كويريس وسنجار والحسكة. ومع ذلك يظل تنظيم «الدولة» آلة قتالية ناجعة بسبب مهاراته العسكرية التي تطورت خلال السنين والتي تجمع بين حرب المدن وأساليب حرب العصابات والحروب التقليدية. فقبل تقدمه السريع العام الماضي أرسل انتحارييه بالسيارات المحشوة بالمتفجرات إلى أحياء الشيعة في بغداد، وذلك ليروع عدوه ويفقده التوازن ويظهر تفوقه. ولم يلتفت أحد لعدد القتلى المدنين في العراق الذين ماتوا حيث ارتفع العدد من 4.623 في عام 2012 إلى 9.473 عام 2013 و17.045 عام 2014 حسب مركز إحصاء الجثث في العراق. وقد تم تكرار هذه الوحشية في باريس وقبلها في أنقرة حيث قتل 102 شخصا في 10 تشرين الأول/أكتوبر.
ويقول «يقضي دليل تعليمات تنظيم «الدولة» بالانتقام واستخدام أي وسيلة بهدف إظهار التحدي بطريقة باهرة تضمن له تسيد الإعلام الدولي». فقد رد على الغارات الأمريكية بنشر شرائط فيديو لذبح الصحافيين الأمريكيين وحرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة. ورد على تدخل روسيا بتفجير الطائرة من شرم الشيخ «يريد تنظيم الدولة التوضيح أنه سيرد على أي دولة تقوم باستهدافه من الجو». و»كذلك يرد بأي وسيلة متوفرة له على الأرض. وأفعال إرهابية كهذه تحتاج إلى مصادر ولكن بمستوى قليل من التدريب، خاصة أن الأهداف التي تم تحديدها تظل لينة ولا يمكن الدفاع عنها، مثل السياح البريطانيين المتمددين تحت الشمس في تونس والناس الذين قتلوا في باريس أثناء حضورهم حفلا موسيقيا» و»لدى داعش عدد كبير من المقاتلين الأجانب الذين مروا عبر صفوفه ويمكن ان يعثر على داعمين ملتزمين له في الدول التي يريد استهدافها». ويعلق كوكبيرن أن تنظيم «الدولة» يتعرض لضغوط غير مسبوقة في العراق وسوريا، لكن لا يعني أنه سينفجر، فهو قادر على القتال دفاعيا وهجوميا. ولن يقاتل في معارك تلقى قوات دعما جويا من أمريكا أو روسيا. ويرى قادة التنظيم أنهم ارتكبوا خطأ عندما قاتلوا في عين العرب/كوباني حيث خسروا 2.000 مقاتل بسبب الغارات الجوية. وعوضا عن ذلك فسيواصلون حرب العصابات وتوسيع الحملات خارج العراق وسوريا كالتي رأيناها في باريس.
إبراهيم درويش