لا تراهنوا على صراع إيراني إسرائيلي!

ظن البعض مؤخراً أن الحرب ين إيران وإسرائيل قد تندلع بين لحظة وأخرى بعد أن ادعت إسرائيل أنها أسقطت طائرة استطلاع إيرانية داخل الأجواء الإسرائيلية كانت قادمة من قاعدة إيرانية في سوريا. ومما زاد في تأزم الوضع بين طهران وتل أبيب أن النظام السوري أسقط طائرة إسرائيلية في اليوم نفسه لأول مرة منذ واحد وثلاثين عاماً. هذه الأجواء المحمومة جعلت الكثيرين يتوقعون أن تشتعل الحرب بين إيران من جهة وأمريكا وإسرائيل من جهة أخرى. لكن السياسة علمتنا أن لا نأخذ أبداً بظاهر الأمور مهما كانت مشتعلة إعلامياً، فالحقيقة لا تجدها في وسائل الإعلام ولا في التصريحات السياسية النارية، بل تجدها على أرض الواقع. وقد أخبرنا الفلاسفة الإغريق أن لا نركز على ما يقوله الساسة، بل على ما يفعلونه على الأرض. ولو نظرنا إلى ما فعلته إسرائيل وإيران على الأرض نجد أن الطرفين حلف واحد يتقاسم العالم العربي بالمسطرة والقلم.
قالها لي باحث سوري كبير يعيش في أمريكا منذ الأيام الأولى للثورة السورية. وهو مؤيد للنظام بطريقة ذكية قال: «لا تتفاجأوا بالتغلغل الإيراني المتزايد في المنطقة عموماً وسوريا خصوصاً: فهناك اتفاق بين إيران من جهة وأمريكا وإسرائيل من جهة أخرى يسمح لإيران بالتمدد واستعداء العرب للتخفيف من العداء العربي لاسرائيل. بعبارة أخرى هناك اتفاق بين اسرائيل وإيران على تقاسم العداء مع العرب، فبدلاً من أن تظل إسرائيل البعبع والعدو الوحيد للعرب في المنطقة تتقاسم العداء مع إيران بحيث يخف الضغط على إسرائيل. ولو نظرنا الآن لوجدنا ثمرات هذا الاتفاق على الارض. ألم يصبح غالبية العرب ينظرون إلى إيران على أنها أخطر عليهم من اسرائيل؟ وبالتالي، فإن كل العداء هذا الظاهر بين الصفيوني والصهيوني مجرد ضحك على الذقون. أما الخوف الإسرائيلي من الوجود الإيراني في سوريا ولبنان فقد أصبح نكتة سمجة لم تعد تنطلي على تلاميذ المدارس.
تعالوا نشاهد كيف سهّلت أمريكا وإسرائيل لإيران الخمينية أن تتمدد حتى تصل إلى حدود إسرائيل. ألم يرفع الإمام الخميني عند وصوله إلى السلطة في إيران في نهاية سبعينيات القرن الماضي قادماً من بلاد الغرب «اللعين»، شعار محاربة الشيطان الأكبر، ألا وهي أمريكا وكل الجهات المتحالفة معها في الشرق الأوسط؟ ألم تكن إسرائيل على رأس قائمة الجهات التي استهدفتها القيادة الإيرانية الجديدة التي استلمت مقاليد الحكم بعد الثورة؟ ألم نسمع وقتها كيف بدأ الإيرانيون الجدد يرفعون شعار تحرير القدس وإغراق الصهاينة بالماء؟
ألم تنتبه إسرائيل وأمريكا لكل تلك التهديدات الإيرانية الصارخة؟ لماذا لم تتخذ واشنطن وتل أبيب كل الاحتياطات، وترصد كل التحركات الإيرانية الجديدة لحظة بلحظة خوفاً من حملة الثأر الإيرانية الرهيبة التي أطلقها الخميني ضد الشيطان الأكبر وربيبته إسرائيل؟ على العكس من ذلك نجد أن التغلغل الإيراني في المنطقة بعد سنوات قلائل على الثورة الإيرانية، فقد وصلت إيران فوراً إلى الحدود الإسرائيلية بلمح البصر بعد تهديداتها النارية للإمبريالية والصهيونية. وفي بداية الثمانينيات، وبعد ثلاث سنوات أو أقل، ظهر فجأة إلى الوجود «حزب الله اللبناني» كأول طليعة وذراع عسكري لإيران في المنطقة. ولو ظهر ذلك الحزب مثلاً في بلد عربي بعيد عن إسرائيل، لبلعنا القصة. لكن الذي حصل أن إيران أسست حزب الله على الحدود مباشرة مع ما تسميه وسائل الإعلام الإيرانية «الكيان الصهيوني» بعد أن قضت بالتعاون مع النظام السوري على كل الفصائل اللبنانية والفلسطينية والوطنية واليسارية والإسلامية وغيرها في لبنان التي كانت تخوض حرب العصابات ضد إسرائيل.
فجأة ظهر حزب الله ليرفع شعار تحرير القدس من على الحدود مع إسرائيل مباشرة، وليس من طهران.
والسؤال هنا بعد تولي الخميني مقاليد الحكم في إيران ورفعه شعارات تقطر عداء لإسرائيل وأمريكا: كيف سمحت إسرائيل وأمريكا لذراع عسكري إيراني ضارب أن ينشأ على حدود إسرائيل مباشرة مع لبنان بعد فترة قصيرة جداً من وصول الخميني إلى السلطة، وبالتالي أن يهدد «الصهاينة» من على مرمى حجر؟
بعض الساخرين يتهكم قائلاً: يبدو أن أمريكا وإسرائيل اللتين تراقب أقمارهما الاصطناعية دبيب النمل في المنطقة، كانتا نائمتين في تلك اللحظات التي ظهر فيها حزب الله على الحدود مع إسرائيل أو كانت الكهرباء مقطوعة في إسرائيل، فنشأ الحزب ونما، ودجج نفسه بالسلاح الإيراني والسوري بلمح البصر، وعندما استفاقت أمريكا وإسرائيل وجدتا أن هناك قوة عسكرية إيرانية ضاربة على الحدود الإسرائيلية، فأسقط في أيديهما، وندمتا على الساعة التي أخذتا فيها غفوة، فاستغلتها إيران في إنضاج حزب الله، وجعله سيفاً مسلطاً على رقبة إسرائيل بين ليلة وضحاها.
وبما أن النظام الإيراني الجديد رفع منذ بداية الثورة شعار القضاء على الصهيونية، فكيف سمحت له إسرائيل وأمريكا أن يتغلغل في سوريا جارة «الصهيونية» المباشرة بهذا الشكل الرهيب، بحيث أصبحت سوريا على مدى عقود بعد الثورة الإيرانية (عدوة الامبريالية والصهيونية)، أصبحت مربط خيل إيران في المنطقة؟ يبدو أيضاً أن الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية أثناء التغلغل الإيراني في سوريا والهيمنة عليها كانت نائمة، ربما بسبب التعب، أو بعد تناول وجبة ثقيلة من الأسماك، فاستغلت إيران الغفوة أيضاً، ووصلت إلى حدود «الكيان الصهيوني» لتهدده مباشرة. وها هو الحرس الثوري الإيراني الذي يريد أن يدمر الصهاينة يصول ويجول الآن في سوريا حتى وصل إلى تخوم الجولان، وإسرائيل «المسكينة» غافلة عنه. يا سلام! يا حرام!
لو كانت اسرائيل تخشى من إيران وميليشياتها الطائفية في سوريا، لما سمحت هي وأمريكا لتلك الميليشيات بدخول سوريا أصلاً، ومن سلم العراق لإيران على طبق من ذهب، لا يمكن أن يعرقل التغلغل الفارسي في سوريا، ومن يخشى من حزب الله في لبنان، لا يمكن أن يسمح لإيران بإنشاء ألف حزب الله في سوريا.

٭ كاتب واعلامي سوري
[email protected]

لا تراهنوا على صراع إيراني إسرائيلي!

د. فيصل القاسم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عمر + العراق:

    بوركت يادكتور
    لكن ما تفضلت به
    ليس بشي جديد
    الكل يعرف فصول هذة المسرحية
    السؤال هنا ؟ ما الحل ؟

  2. يقول الكروي داود:

    هناك دليل لا يقبل التأويل بالعلاقة المتينة بين الصهاينة والصفويين وهو :
    الصهاينة قصفوا مفاعل صدام الذري سنة 1982 قبل أن يعمل!
    أما مفاعلات الولي الفقيه فهي تزداد وتتطور وتتمدد !!
    ولا حول ولا قوة الا بالله

    1. يقول خليل ابورزق:

      اخي الكروي
      مع احترامي: 1- فرنسا عرضت على صدام اعادة بناء المفاعل و رفض..و للعلم و لا يمكن ان تكون مصادفة ان المفاعل لما ضرب لم يكن فيه خبراء فرنسيين و ان الطائرات الاسرائيلية اخترقت اجواء عربية..و ان اسرائيل لاحقت و اغتالت العلماء العرب الذين اشتغلوا فيه.
      2- ان اسرائيل لاحقت و اغتالت عدد من العلماء الايرانيين اما عن عدم ضربها للمفاعل الايراني فمعناه الاغلب عجزها عن ذلك او لعدم موافقة حلفائها او خشية رد الفعل.
      3- ان سياسة ايران في العراق و سوريا و اليمن اجرامية توسعية و ليس في مصلحتنا و لكن انظمتنا هي السبب

    2. يقول Ziad:

      السلام عليكم يا اخ الكروي داود اخي العزيز مشكلتنا مع طهران نحن العرب ستبقى سياسية لا طائفية نعم اجرامها بحق سوريا والعراق وايضا اليمن لا يدعونا لجعل القضية طائفيه سياتي يوم تعرف طهران اجرامها في بلادنا سينتهي عندما نجد حكام يحترمون أنفسهم ويقدمون مصالح شعوبهم على عروشهم

  3. يقول Dinars:

    المُفلس لا يُراهن إلا تمنيا وهو حال عُربِِ في شتى مناحي الحياة تخلف إلا في النهب والسلب للمقدرات المادية والبشرية بالتعاون مع من أسسوا إسرائيل التي تشترك مع إيران في تشريح العالم العرب الفاقد للحياة ثم الإستيلاء على روحه ليكتمل الإجهاز على كل بارقة أمل .

  4. يقول ASMAR SAMOOR USA:

    عزيزي الدكتور فيصل. والله احوال ان اقنع نفسي ان حزب الله كما تقول ولكن قلبي بقول عكس ذلك. الم يدفع الاف انصار حزب اثمان باهضه. الم يستشهد من ابنائها المئات ويجرح الالاف وتدمر بيوتهم وقراهم. ما دام حكام السعوديه ضددهم فهذا يعني انهم شرفاء.

  5. يقول الصوفي الجزائر:

    الخميني صنع في مخابر المخابرات الفرنسية
    لو كان نظام ولاية الفقيه يشكل خطرا على اسرائيل لتم تدمير ترسانته الحربية فضلا عن برنامجه النووي
    شخصيا اعتبر النظام الايراني اشد خطرا على الامة من اسرائيل
    الدليل القاطع على خطر الاسلامين على اسرائيل
    هو ما نتج عن ثورة الخميني من شعارات كما تفضل به الدكتور فيصل ولم تحرك الدول الغربية ساكنا
    وما وقع في مصر. من انقلاب على مرسي رغم انه لم يسوق شعارات ايران الخميني حول الغرب واسرائيل وهنا نستنتج من هو الخطر الاخضر الحقيقي على الغرب واسرائيل
    بوركت دكتور فيصل وبوركت جريدتنا الغراء القدس العربي

  6. يقول جمال كردستاني:

    لا ادخل في تفاصيل الامور باختصار اقول
    ساذج من ينتظر حرباً بين اسراىيل وايران
    وكذلك من ينتظر من اردوكان قيادة
    الجيوش لتحرير القدس، كفاكم ياعرب
    الستم بمىات الملايين واصحاب جيوش
    ودبابات وطاىرات اما تقولون القرش
    الابيض ينفع في اليوم الاسود متى
    يستخدم هذا القرش اتنتظرون يوماً
    اكثر سواداً من اليوم ام تنتظرون
    صلاح الدين ؟؟!!!!

  7. يقول عابر سبيل:

    مقال ممتاز ويصور الواقع تماما . لكن لمعرفة كيفية نشوء حزب الله بين ليلة وضحاها وسبب سماح إسرائيل بذلك لا بد من العودة إلى الثمانينات عندما دخلت القوات القوات السورية إلى لبنان والذي تم باتفاق سري بين المقبور حافظ الأسد وبين امريكا واسرائيل وذلك ثمن خروج الفصائل الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية من لبنان والتي كانت تقوم بعمليات فدائية من الأرض اللبنانية. كذلك نشوء حزب الله بين عشية وضحاها كان بموافقة إسرائيل وأمريكا شخصيا وذلك ثمنا لخروج الجيش السوري في نهاية التسعينيات وبداية هذا القرن من لبنان والذي أصبح وجوده ذلك الوقت لا يطاق من قبل الشعب اللبناني. وفي كلا الحالتين سواء أثناء وجود الجيش السوري آنذاك أو حزب الله في جنوب لبنان حاليا فقد شهدت الجبهة مع إسرائيل هدوءا لم تكن إسرائيل تحلم به لولا ذلك فلا عمليات فدائية ولا هي محتاجة لوضع جيش كامل لحماية حدودها اذا كان هناك من يقوم بذلك على أكمل وجه (النظام السوري منذ الثمانينيات وحزب الله منذ بداية هذا القرن ). طبعا إطلاق التصريحات النارية والمعادية لأمريكا وإسرائيل (من قبل إيران وسوريا وحزب الله ) لا بد منه وذلك للضحك على الذقون ولايهام الشعوب العربية والسذج بالممانعة المزيفة التي ما هي في الواقع إلا حماية بالوكالة لدولة الاحتلال الإسرائيلي (باسم الممانعة والمقاومة) !!!

    1. يقول أسامة كليّة سوريا/ألمانيا Ossama Kulliah:

      تماماًً يا أخي عابر سبيل

  8. يقول عابر سبيل:

    سبق أن قال أحد قادة إسرائيل بان إسرائيل لا تخشى من امتلاك إيران للسلاح النووي لانها لن تستخدم ضد إسرائيل ابدا ولكنها تمانع ذلك لانها لا تريد امتلاكه من قبل أي دولة أخرى غيرهافي منطقة الشرق الأوسط ….

  9. يقول محمد حاج:

    وهل يوجد عداء عربي لإسرائيل حاليا حتى يتم التحالف بين ايران وإسرائيل ؟ العرب اكثر صداقة وشراكة مع الصهاينة وليست ايران وحدها ، بل يوجد من العرب من يتحالف مع ايران والصهاينة ضد أبناء العرب .

  10. يقول سامح الخليجي:

    اذا كان هناك اتفاق او تحالف بين امريكا واسرائيل من جهة وايران من جهة اخرى فلماذا يبقون هذا الاتفاق سريا هل خوفا من جبهة النصرة مثلا ؟؟؟؟ لا يوجد ما يمنع او ما يرعب ايران واسرائيل من اعلان التوافق والحقيقة هى ان اسقاط المقاتلة الاسرائيلية نزل كالصاعقة على مؤيدي المجموعات المتصارعة المهزومة في سورية

1 2 3

إشترك في قائمتنا البريدية