لا عزاء للدولة المدنية التي يبدو أنها لن ترى النور أبدا في مصر… و«وثائق بنما» ثورة أم مؤامرة؟

حجم الخط
0

القاهرة ـ «القدس العربي» : سيطرت زيارة الملك سلمان لمصر على اهتمامات الأغلبية الشعبية، وكذلك على معظم صفحات الصحف المصرية الصادرة أمس الخميس 7 إبريل/نيسان، سواء في التغطيات الإخبارية أو الإعلانات.
ولم يترك الاهتمام بالزيارة مساحات كافية للاهتمام بقضايا أخرى بشكل موسع، مثل مغادرة وفد النيابة العامة إلى إيطاليا برئاسة المستشار مصطفى سليمان، مساعد النائب العام لإطلاع النائب العام الإيطالي على ما تم التوصل إليه من تحقيقات في مقتل الشاب الإيطالي. وإصدار محكمة جنايات القاهرة حكمها في القضية المرفوعة من وزير العدل السابق المستشار أحمد الزند ضد المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات السابق، وزميلنا مجدي سرحان رئيس تحرير صحيفة «الوفد» السابق، وزميلتنا الجميلة تهاني إبراهيم، حيث اتهمهم الزند بسبه، وحكمت المحكمة بغرامة عشرين ألف جنيه على كل منهم ومئة وواحد جنيه على سبيل التعويض المؤقت.
كما قامت وزارة الداخلية بسحب البلاغ الذي تقدمت به للنيابة العامة ضد زميلنا وكيل نقابة الصحافيين خالد البلشي، واتهمته فيه بسب الشرطة وإهانتها، وأشارت الصحيفة أيضا إلى استمرار عمليات الانتهاء من تشطيب عشرات الآلاف من الوحدات السكنية التي سيتم توزيعها على الشباب. وإلى بعض مما عندنا…

يوسف زيدان: لماذا أصبحت مصر بلدا طاردا لأبنائه؟

ونبدأ باستمرار ردود الأفعال على اللقاء الذي عقده الرئيس مع سبعة وعشرين من المثقفين للاستماع إلى آرائهم في مشاكل البلاد وكيفية الخروج منها، والاتفاق على أن يشكلوا في ما بينهم مجموعات، تختص كل واحدة منها بدراسة مشكلة ما، وبعد شهر يعاود الرئيس الاجتماع بهم للمناقشة. وقد أثارت دعوة هذا العدد المحدد اعتراضات شديدة من كثيرين، وخرج عدد من المشاركين في الاجتماع وكتبوا مقالات عما قالوه للرئيس، لذا توجهنا يوم الأربعاء إلى «المصري اليوم» لنطلع على مقال مطول للدكتور يوسف زيدان الذي كان بين المدعوين، كان المقال في معظمه تكرارا للعبارات، مع قدر كبير من الغرور وعصبية ظاهرة وعبارات عنيفة، وقد وصلت رسالته وهو يدعو إلى ثورة ثقافية، واتضح أنها ضد ثورة يوليو/تموز وضد القومية العربية وإعادة النظر في قضية فلسطين وقمت بتجميع المقاطع الدالة على ذلك بنصها قال: «في آخر الفصل الأخير من كتابي الصادر مؤخراً تحت عنوان «شجون مصرية» ختمت كلامي بالعبارة التالية: وعلى الرغم من كل ما سبق «أقصد المعوقات الحكومية والشعبية للثورة الثقافية» فلابد لنا من ثورة ثقافية، وإلا عادت بنا عقارب الساعة إلى الوراء ستين سنة فصرنا سنة 1952 أو بتحديد أكثر سنة 1954، يعنى تكرار التجربة الناصرية يعني تكرار الأسى. ولأن هذه العبارة كُتبت قبل عامين جرت فيهما مياه كثيرة في نهرنا المهدد بالجفاف، فالواجب إعادة صياغة تلك العبارة لتكون أكثر ملاءمة لما نعيشه اليوم فتكون: لا بد لنا من ثورة ثقافية وإلا خرجنا تماماً من التاريخ المعاصر، بلا قدرة على العودة إليه في المدى المنظور، خصوصاً أن الحالة المصرية الحالية تحتشد فيها الشواهد الدالة على التدهور العام. جربنا خلال الستين سنة الماضية طريقة «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» فكانت النتيجة أننا قمعنا كل الأصوات وأسكتناها، وخسرنا المعركة ومعها مستوى التعليم ومنظومة القيم الاجتماعية والمكانة المرموقة التي كانت لمصر في منتصف القرن العشرين، وأضاعها سعار السلطة الذي سلب ألباب مجموعة الشباب، الذين كانوا يسمون «الضباط الأحرار» جداً فجثموا متعاقبين على قلب البلاد حتى تساقطت أوراقهم الخريفية، شيوخاً في أراذل الأعمار بعدما أتوا بأراذل الأعمال، ولم يكن من الممكن محاسبة أحد منهم أو إنقاذه من هوسه الشخصي وتشبثه بالكرسي الجالب للهمّ والمسبب له. لا مناص إذن من رؤية كلية للواقع والمستقبل وإطار عام له طابع «استراتيجي» وليس تكتيكياً ومنظومة فكرية تعلو فوق التفاصيل فتدرك الصورة الإجمالية المركبة، يعني لابد من نظام إدراكي جديد يناسب الواقع المتجدد لماذا صارت مصر بلداً طارداً لأهله يحلم الواحد منهم بالهجرة الدائمة أو المؤقتة مع أنها كانت حتى منتصف القرن الماضي موطن جذب للأجانب، الذين كانوا يفدون إليها للعمل أو الاستقرار، وطالما سكنها آنذاك إيطاليون ويونانيون وإسبان وفرنسيون فإذا بها في منعطف تاريخي حاد تتحول من موطن جذب إلى جهة طرد؟ لماذا لم يحصل مصري يعمل في مصر على جائزة نوبل في العلوم، مع أن الواقع العلمي في الأربعينيات من القرن الماضي وفي بداية الخمسينيات كان يبشِّـر بذلك؟ ولماذا لم يحصل فيلم مصري على جائزة «أوسكار» واحدة مع أن صناعة السينما بدأت في مصر قبل عدة بلاد أوروبية ومع أهم البلاد الأوروبية؟ لماذا انهار التعليم في مصر؟ لماذا تم تجنيد البلاد عدة عقود من أجل تنمية قدراتها العسكرية وتحرير فلسطين ومعارضة القوى الدولية وتحقيق الوحدة العربية، ومرت السنوات الطوال العجاف على الناس وأكلت قلوب ثلاثة أجيال ولم تتحقق الوحدة العربية، ولم نثبت أمام القوى الدولية، ولم نحرر فلسطين ولم نشكل جيشاً عربياً موحداً. فإن قلنا إن علينا إعادة النظر في القضية الفلسطينية وطرحها بشكل يفهمه العالم المعاصر، بعيداً عن أوهام القداسة والحماس الديني الأهوج، واجهوا ذلك لا بالمناقشة الهادئة للأفكار المطروحة وإنما بالاتهامات المجانية بالعمالة والصهينة والسعي للكسب المادي».

كلاب الحراسة الجدد

أما الأستاذ في جامعة الإسكندرية الدكتور محمد السعدني فقال يوم الأربعاء أيضا في مقاله الأسبوعي في «الأخبار» (حكومية): «ولعل أكثر ما يسيء إلى عبدالفتاح السيسي وتجربته الوطنية الطموحة هم كلاب الحراسة الجدد، الذين يحرسون مصالحهم ومصالح طبقتهم وأولياء نعمتهم، على حساب البلد والرئيس ومصر أيضاً. ويحاولون أن يعيدوا عقارب الساعة للوراء، ويعملون بكل جد على استعادة أمجادهم حين كانوا في الصفوف الأولى حول مبارك ورجال نظامه، ومن أسف فإن هواة حول الرئيس، أو بعضا منهم يمكنون لهم ذلك، فنراهم فى رحلات الرئيس الخارجية ولقاءاته العامة، ومناسباتنا الوطنية وتتحدث فضائياتهم باعتبارهم محتكرين حصريين لإذاعة أنشطة الرئيس وتحركاته وحتى مداخلاته. مَنْ هؤلاء؟ ومن يُمَكن لهم ذلك؟ هل مؤسسة الرئاسة، أم مكتب الرئيس، أم أجهزة الدولة؟ ومن يصر على دعوتهم للقاءات الرئيس وحواراته والظهور بمعيته، وكأن مصر عقمت إلا منهم، وهو أمر يشككنا في كفاءة رجال حول الرئيس، ما لم نقل تواطؤ بعضهم بما يخصم من رصيد الرئيس الذي يراهن عليه شعبه… وهنا لابد أن نشير إلى الفارق الكبير بين من نطلق عليهم دائماً «الحرس الثوري القديم» في أدبياتنا الوطنية ممن مثلوا ضميرنا الحي للحركة الوطنية عبر مساراتها المختلفة وتاريخنا النضالي الطويل».

«وثائق بنما» تكشف الستار عن المختلسين

والقضية الثانية التي تحظى بقدر من الاهتمام هي «وثائق بنما» التي أشارت إلى مبارك وأسرته ما بين شامت فيهم ومدافع عنهم ففي يوم الأربعاء تنهد زميلنا في «المساء» رئيس تحريرها الأسبق مؤمن الهباء وقال بسعادة ما بعدها سعادة: «شاء ربك أن تأتي «وثائق بنما» واضحة جلية لتقول للناس هذا هو الرئيس الذي كان يعايرنا دائما «أجيب لكم منين»، ويتهكم علينا «خفوا رجليكم شوية»، ويتفاخر علينا «أحمل الأمانة بشرف». هذا الرئيس هو نفسه الذي غنينا له ورفعنا صوره، واليوم تكشف وثيقة شركة «بريتيش فيرجن آيلاند»، أنه اشترك مع أبنائه وأركان نظامه في نهب واختلاس الأموال من الميزانية العامة للدولة المصرية، ما عرقل مسيرة الديمقراطية وجرد الشعب المصري من فوائد التنمية. وتشمل وثيقة الناهبين اسم مبارك نفسه على رأس القائمة ثم زوجته وابنه علاء وزوجته وجمال وزوجته ورجل الأعمال أحمد عز وزوجاته الثلاث ووزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي وزوجته ووزير الإسكان أحمد المغربي وزوجته ووزير التجارة والصناعة رشيد محمد رشيد وزوجته ووزير السياحة محمد زهير جرانة وزوجته ونجله، وتحت هذه الأسماء أسماء أخرى لا حصر لها من التابعين وتابعي التابعين، ولولا ثورة 25 يناير/كانون الثاني ما انكشف الستار عنهم وظهرت جرائمهم، وربما ظلوا في مقاعدهم حتى اليوم ترفع لهم الألوية وتدبج فيهم قصائد المديح وتصنع لهم التماثيل في الميادين».

هل المقصود من «وثائق بنما» إحداث بلبلة؟

و«أهرام» يوم الأربعاء ذاته نشرت تحقيقا لزميلنا محمد القزاز جاء فيه: «المستشار بهاء الدين أبو شقة المرشح لرئاسة اللجنة التشريعية في مجلس النواب قال إنه لابد أولا من التحقق من المعلومات الواردة في الوثائق، وأن تقوم جهات التحقيق المختصة ـ سواء كانت الكسب غير المشروع أو نيابة الأموال العامة ـ بفتح باب التحقيق والتأكد من صحة المعلومات، فقد تكون غير صحيحة أو يكون القصد منها إحداث بلبلة، خاصة أننا نعلم أن مصر تتعرض في الفترة الأخيرة لكثير من الدسائس والمؤامرات، ليس هناك ما يمنع، بما للبرلمان من سلطة رقابية، أن يناقش هذه الوثائق، لكن إذا كانت هناك تحقيقات تجريها النيابة العامة فمن الأفضل أن يترك الأمر للنيابة حتى لا تحدث ازدواجية. بينما قلل الدكتور علي الغتيت أستاذ القانون الدولي من أهمية «وثائق بنما» والحل الحقيقي الجاد أن يقوم من وجه إليه الاتهام بأن يعترف اعترافا كاملا وأن يكون كاشفا عن المبلغ والمكان والكود والشيفرة، ومن غير ذلك لن نصل إلى نتيجة، حيث أن البنك أو الشركة اللذين يتعاملان مع مثل هذه الأموال يكونان بعلم الدولة، بل أن الدولة لها حصة من هذه الأموال، القانون رقم 16 لسنة 2015 الخاص بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالقانون رقم 150 لسنة 1950 بأن الموظفين العموميين المرتكبين جرائم الأموال العامة بالاختلاس أو الرشوة أو الاستيلاء عليها استيلاء غير مشروع، حيث يفتح باب التصالح أمام المتهمين في أي من مراحل التحقيق والمحاكمة، وما بعد الإدانة، ويراه الغتيت بابا خلفيا يشجع على الفساد، ورغم أن حجة تقديم هذا القانون من أجل الاستثمار فإن المستثمر الناجح لن يأتي بل سيأتي إليك المستثمر الفاسد».

تسريبات ترمي لضرب المصالح الحكومية

وفي «اليوم السابع» أحس زميلنا المؤيد لمبارك دندراوي الهواري بصدمة لذلك قال:
«أولا مقدمة لمن نسي أن الحكومة المصرية في الفترة الأخيرة اتجهت إلى إجراء مصالحات مهمة ومحورية مع نظام مبارك لاسترداد أموال الدولة والاستفادة منها في مشروعات قومية تدفع بعجلة التنمية إلى الأمام، وتكون ركيزة للاقتصاد المصري، بعدما تبين عدم استفادة الدولة من وراء هروب أو حبس هؤلاء. وبدأت بالفعل مع حسين سالم. ويتسابق رشيد محمد رشيد ويوسف بطرس غالي وغيرهما لتقديم طلبات التصالح وإعادة المليارات لإنعاش الخزينة العامة للدولة في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية. وبمجرد الإعلان عن هذه المصالحات فوجئنا بإعصار بنما الذي حمل تسريبات تدعى أنها وثائق تكشف فساد نظام مبارك. والغريب أن 11 مليون وثيقة لم تكشف إلا فساد مبارك ونظامه وبوتين وزعماء بالصين وكل أعداء أمريكا وأوروبا. والسؤال الرفيع «حبتين» ألا تلاحظون أنه وبمجرد انتعاش السياحة، تم إسقاط الطائرة الروسية وبمجرد أن أعلنت شركتا «إيني» الإيطالية الكشف عن حقل الغاز الضخم «شروق» تم قتل «ريجيني»، وبمجرد أن بدأ فتح ملف المصالحات مع نظام مبارك خرجت تسريبات بنما، ولا تريدون منا أن نجنح إلى نظرية المؤامرة لتدمير اقتصاد مصر القومي وتجويع شعبها؟.

«آسفين يا ريس»

لكن زميلنا وصديقنا الرسام جمعة فرحات أخبر أمس الخميس في جريدة «الفجر» الأسبوعية المستقلة دندراوي أنه شاهد مجموعة أصدقاء بينهم مؤيد لمبارك وصديقه يقوله له: ـ هيه وبعد ما شفت وثائق بنما وعرفت أنه حرامي وشيخ منصر هو وأولاده وحاشيته لسه برضه مصمم تقول له آسفين يا ريس؟!».

أمريكا تبث سموماً جديدة

ومن «الفجر» إلى «جمهورية» أمس أيضا وزميلنا حسن الرشيدي وقوله: «بعض وسائل الإعلام المصرية ركزت على ما نشر حول علاء مبارك، وفتحت المجال مرة أخرى للهجوم على عائلة مبارك، على ألسنة بعض المتحدثين الذين وصفوا مبارك بالفاسد والحرامي، وفي الوقت ذاته لم يلتزم المدافعون عن مبارك الصمت وحاولوا الدفاع عنه بقوة والتأكيد على دوره الوطني وتاريخه العسكري، بل امتدت المعركة الكلامية بين الطرفين إلى ثورة يناير/كانون الثاني وهل هي ثورة أم مؤامرة؟ وكأن الوثائق المسربة قد أشعلت الصراع من جديد بين بعض فئات الشعب، رغم أنه لا يستطيع أحد حتى الآن أن يثبت أن تلك الوثائق مفبركة زائفة تهدف لمؤامرات جديدة؟ أم أنها حقيقية تكشف وتفضح زعماء سياسيين وقادة ونجوم كرة وفن يجب محاكمتهم أو التحقيق معهم في قضايا فساد ورشوة وغسيل أموال وتهرب من الضرائب؟ ولكن المرء يتساءل لماذا لا تتضمن الوثائق قيادات أمريكية؟ هل هي دولة تخلو من الفساد وتتسم بالشفافية المفرطة؟ أم أن أمريكا تبث سموماً جديدة لبث الفتنة وإثارة البلبلة والوقيعة بين الشعوب والحكومات؟ وأيضاً لم تذكر الوثائق فضائح فساد كبرى في إسرائيل لماذا؟ بصراحة أمريكا تلعب بالعالم ولكن للأسف بعض المعارضين لأمريكا يستغلون ما تروجه أمريكا من أكاذيب مادامت على هواهم، وتحقق رغباتهم. عموماً المجرم يجب أن يحاكم ويعاقب إذا ثبت بالأدلة والمستندات أنه ارتكب الجريمة، لذلك لابد من التأكد أولاً من صحة وسلامة تلك الوثائق بالفحص والتحقيق حتى يمكن إعادة الأموال المهربة أو الحصول على حق الدولة وحقوق الشعب».

حق الغلابة في استرداد أموالهم المنهوبة كاملة

وفي عدد «الجمهورية» نفسه حذر زميلنا وصديقنا رياض سيف النصر من التسرع في المصالحة مع رجال أعمال مبارك وقال: «لا يوجد مبرر معقول للتسرع في إجراءات المصالحة بحجة استرداد أموال الدولة، علما بان الدولة تضع يديها بالفعل على تلك الأصول، ولا يستطيع رموز نظام مبارك أن يتصرفوا فيها. وعندما يعلن أحدهم وهو حسين سالم عن رد خمسة مليارات من الجنيهات في صورة أصول، فهو لا يمتن على المصريين لأن تلك الأصول تحت يد الدولة، وإنما المفترض أن يعيد المليارات التي تم تهريبها للخارج. وعندما يعلن زكريا عزمي رئيس ديوان رئاسة الجمهورية الأسبق عن استعداداه لرد 3 ملايين جنيه للدولة، أي ما يساوي ثمن شقة في أحد الأحياء الراقية، فهذا يعني استفزاز المصريين والسخرية من عقولهم. ومن حق الغلابة في مصر أن يستردوا أموالهم المنهوبة كاملة، وألا يتوقف الأمر عند استرداد الأموال وإنما ألا يتم إغلاق الملف باتخاذ قرار انقضاء الدعوى الجنائية ضدهم، من دون محاسبة على ما ارتكبوه من جرائم، ويجب أن تتوقف الأصوات المطالبة بالإسراع في إجراء المصالحة بحجة أن مصر تواجه موقفا اقتصاديا صعبا للغاية، وأن استعادة الأموال المنهوبة ستساعد في علاج المشكل الاقتصادي، وهي حجة واهية لن تقضي على الفساد الذي ما زلنا نشكو من أثاره المدمرة، وإنما تشجع على انتشاره طالما أن الأمر سينتهي باسترداد جزء يسير أو حتى كثير من الأموال المنهوبة ثم يتم التصالح بعد ذلك».

من يخلصنا من الأيدي المرتعشة؟

وإلى المعارك والردود المتنوعة التي لا رابط بينها أو وحدة موضوع وبدأها يوم الأربعاء رجل الأعمال وصاحب جريدة «المصري اليوم» صلاح دياب بقوله في عموده اليومي «وجدتها» الذي يوقعه باسم نيوتن: «عندما سقطت الطائرة الروسية. والضحايا روس. جاء فريق الحوادث الروسي ليتحقق. طلب نقل بعض الحطام لفحصه هناك. لم يكن هناك داع أبدا للتمسك ببقايا الحطام لدينا. أعتقد أنه موقف أثار الفريق القادم لتقصي الأمر.. بلا داع. عندما أوقف بوتين الرحلات إلى مصر، لم يقصد أن يجافي مصر، إنه يخاطب مواطنه الروسي يعرب له عن حرصه عليه. هذا ينطبق تماما على أي دولة تحذر رعاياها من أي بلد قد يتعرضون فيه للأذى. قرار احترازي. الموقف نفسه تقمصه ديفيد كاميرون في بريطانيا. هو ليس أقل حرصاً من الرئيس الروسي على رعايا بلده. موضوع ريجيني، حادث تعرض له مواطن إيطالي. الله أعلم من هو الجاني. الأمر غامض حتى الآن. غامض على المصريين والطليان كذلك. إيطاليا تقف دفاعاً عن أحد رعاياها. لم يتعرض لحادث هذه المرة، بل تعرض لجريمة بشعة. كان علينا دعوة محققهم للوقوف على كافة تفاصيل الموقف. على التحريات منذ بدئها، حتى لو كانت هناك شبهة على جهاز رسمي كما يدعون. فلا يوجد مصري يرضى بهذا التجاوز. كل مصري كان يتمنى معاقبة الجاني. بصرف النظر عن الوازع وبعيداً عن صفة الجاني. هذه أمور تستلزم الوضوح. وتحكمها الأخلاق. بعد حادث الطائرة. طلبوا وجود جهة فنية تراقب سلامة المسافرين. جهة من لديهم تؤمّن مواطنيهم. هنا نعترض. نكتب مقالات نارية. عنوانها «لا يا حبيبي كله إلا كده». الاعتراض لا علاقة له بالوطنية، اعتراض مرتبط أساساً بالغباء الفطري، زدنا به السائح بعداً عن مصر. ظاهرة الأيدى المرتعشة لكبار المسؤولين، للوزراء بالدرجة الأولى، مطلوب لهم حصانة قانونية، لحمايتهم من قراراتهم الصائبة وحتى الخاطئة. هم في الأول والآخر بشر يجتهدون. رأينا ما حدث لكل وزراء قبل الثورة. لم يكن هناك مبرر للتمثيل بمسؤولي ما بعد الثورة واستباحة سمعتهم بتصرفات عصبية أو أمنية. شيء ينافي الذوق أيضاً وضد المصلحة العامة بكل تأكيد، فمن يخلصنا من الأيدي المرتعشة بعد ذلك كله؟».

«على رأسنا بطحة»

وفي «الجمهورية» أعادنا زميلنا وصديقنا محمد أبو الحديد رئيس مجلس إدارتها الأسبق إلى قضية الشاب الإيطالي، وكان غاضبا أشد الغضب من طريقة مواجهة النظام للأزمة بحيث أساء إلى كرامة مصر قال: «أشعر بالأسف الشديد إذ اضطر لاتهام دولتي المصرية بسلطاتها الثلاث بالتخاذل وافتقاد القوة والحسم في تعاملها مع إيطاليا في قضية مقتل الباحث الإيطالي الشاب جوليو ريجيني، وأقرر أن الأسلوب الذي تدير به الدولة هذه الأزمة لا يمثلني، وأظنه لا يمثل أي مواطن مصري كريم، بل ولا ينتمي ولا أدري لماذا لهذا العهد الذي يستعيد فيه هذا المواطن إحساسه بالعزة والكرامة، ويشعر بالفخر حين يقول: أنا مصري. إن التعامل بـ«الحكمة» في هذه القضية أو في غيرها لا يجب أن يكون من طرف واحد ولا مع طرف لا يقدر هذه الحكمة أو يأخذها في الاعتبار، ثم أن الحكمة لا تعني الضعف فرق هائل بين الكلمتين .ولا تعني أيضا القبول بـ«التهديدات» الفجة المتكررة لمصر من الجانب الإيطالي الرسمي وغير الرسمي، ولا تعني أن ندير كل يوم خدنا الأيسر لمن يصفعنا على خدنا الأيمن. إيطاليا ليست قوة عالمية عظمى حتى تهددنا «بردود فعل وإجراءات صارمة وفورية»، ونحن لسنا دولة صغرى أو مجهولة حتى نقبل هذه التهديدات ونبتلعها كل يوم. إن امتناع وزارة الخارجية المصرية أمس الأول عن الرد على تهديدات الجانب الإيطالي لنا وسعيه لفرض شروطه علينا في هذه القضية هو أسوأ موقف مصري على الإطلاق، سواء على المستوى الدبلوماسي أو السياسي، لأنه بالنسبة للجانب الإيطالي لا قيمة له وغير مقدر، ولقد كان أبسط رد مصري على هذه التصريحات يحفظ الكرامة الوطنية المصرية هو قرار مصري بـ«تعليق» سفر الوفد وإصدار بيان رسمي تعلن فيه مصر أنها لا تستطيع الاستمرار في التعاون مع الجانب الإيطالي في القضية، ما لم يتوقف عن أسلوب الضغط والتهديد الذي يمارسه ولا يساعد على بناء الثقة بين البلدين. إن مقتل مواطن أجنبي في أي بلد حتى لو جرى لصاحبه تعذيب أو غيره ليس نهاية العالم، وهناك عشرات الحوادث المماثلة في كل أنحاء الأرض، متهمة فيها دول وأجهزة مخابرات وغيرها، ولا يدخل أطرافها النفق المظلم الذي نصر نحن على أن ندخله بأقدامنا مصر ليست في قفص الاتهام لا كدولة ولا سلطة من سلطاتها. أداؤنا السيئ وإدارتنا المرتبكة للأزمة وتهافتنا على الحرص على علاقتنا بطرف لا يبادلنا هذا الحرص نفسه هو الذي يجعلنا نبدو وكأن «على رأسنا بطحة» ويزيد طمع الآخرين في ضعفنا ثم تعالوا إلى قضية اختفاء المواطن المصري «عادل معوض» في إيطاليا منذ أكتوبر/نشرين الأول 2015 ماذا فعلنا بها أو لها».

«عشان خاطرك يا مصري»

أما زميلنا محمود الكردوسي رئيس التحرير التنفيذي لجريدة «الوطن» فإنه في بروازه «كرباج» قال ساخرا: «الجيش يطحن كلاب «بيت المقدس» في سيناء تفتكر ليه؟ عشان حضرتك تتفرج على ماتشات الكورة وانت مستريح. وعشان زلنطحية المجتمع المدني يكتبوا رسائل للرئيس لأن «الأداء» مش عاجبهم. وعشان الإعلاميين ما يحرموناش من طلتهم وهرتلاتهم اللي بيقبضوا عليها ملايين. وعشان كتاب المقالات يسفسطوا بكلام مجعلص عن انهيار الاقتصاد وكوميديا البرلمان وفشل الحكومة وتآكل شعبية الرئيس وعشان الثورجية وسماسرة حقوق الإنسان والناشطين يعرفوا يشتموا الداخلية ويقبضوا. وعشان العمال والموظفين يتظاهروا براحتهم. الجيش يا روح طنط بيحمى الدولة اللي مش عاجبة حضرتك وعايز تهدها وتقعد على تلها. جاتك ستين نيلة عليك وعلى اليوم اللي أتولدت فيه مصري».

دينا أنور: لا أحد يستطيع
التكهن بما سيحدث في الفترة المقبلة

ولم يكن يدري أنه في اليوم التالي الخميس لن ترد عليه طنط وتحرجه إنما زميلتنا الجميلة في «المقال» دينا أنور وهي تسخر من قرار تعيين أبو سمرة الأمين العام للحزب الإسلامي الذارع السياسي لجماعة الجهاد في منصب معاون رئيس حي العجمي في الإسكندرية، لشؤون الرصف، ثم قرار المحافظ في اليوم نفسه بإلغائه واستعرضت سجله في مهاجمة الجيش والتحريض عليه وقالت: «وتبقى علامة الاستفهام الكبرى حول موقف الأمن من إعادة دمج الإخوان والجهاديين المفرج عنهم في خضم الحياة المصرية، هل سيسمح جهاز الأمن الوطني بذلك، وهو المنوط بكشف الانتماءات الإرهابية والسياسية المعادية لنظام الحكم المصري الحالي؟ أم أن القبض على الناشطين والشباب المتحمس ومدوني الفيسبوك والمغردين على تويتر هو الأشد خطورة، والأولى بالاهتمام من قبل الحكومة والجهات الأمنية؟ لا أحد يستطيع التكهن بما سيحدث في الفترة المقبلة، ولكن ما ليس فيه مجال للشك هو أن ثمة حركة موازية لسياسة محاربة الإرهاب في مصر تسعى لإجهاض مساعي الدولة المصرية في التحرر من قبضة التطرف والمغالاة وغسيل عقول المواطنين، من خلال اللعب على وتر الإيمان، ومن ثم القبول بالكوادر المتطرفة في المناصب الحيوية والتنفيذية بالدولة، تمهيدا بإعادة كسب تعاطف الشعب كما كان في السابق ولا عزاء للدولة المدنية التي يبدو أنها لن ترى النور أبدا في مصر».

تفتت الطبقة الحاكمة في العراق

أما في يوم الخميس نفسه فقد أخبرنا زميلنا في «الأهرام» عمرو عبد السميع في عموده اليومي «حالة حوار» عن العراق والأزمة التي سببها الزعيم الشيعي مقتدى الصدر لرئيس الوزراء وغيره بأن قال: «نحن أمام طرفين شيعيين في حقيقة الأمر، ولكن أحدهما عروبي مستقل عن إيران يتمثل في التيار الصدري، والآخر تابع لإيران إلى درجة التماهي الكامل، ويتمثل في «حزب الدعوة» الحاكم الذي ينتمي إليه حيدر العبادي رئيس الوزراء، وينتمي إليه أيضا نوري المالكي رئيس الوزراء السابق، وأحد أبرز رموز الفساد المروع في العراق. وهو ـ بكل وضوح ـ عمل لمصلحة طهران بأكثر مما عمل لبلاده. إذن هناك بُعد يجب وضعه في الاعتبار عند البحث في أزمة العراق وهو «صراع من داخل الصراع» داخل الكيان الشيعي نفسه بين العروبيين والموالين لإيران. يعنى هناك تفتت في الطبقة الحاكمة، بالإضافة إلى الانقسام بين شيعة العراق والسُنة، الذين لا يعرف أحد عددهم الحقيقي وما إذا كان يمثل أغلبية أو أقلية».

خرافة الاعتماد على أطراف أجنبية

وأخيرا نختتم تقريرنا لهذا اليوم مع ما قاله زميلنا وصديقنا في «الأخبار» ورئيس المجلس الأعلى للصحافة جلال عارف «ناصري» عن زيارة العاهل السعودي إلى مصر: «يحل العاهل السعودي الملك سلمان اليوم ضيفا عزيزا على القاهرة، والمعنى الأساسي الذي ينبغي التأكيد عليه هو أن التحالف الاستراتيجي بين القاهرة والرياض هو أمر لا غنى عنه في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة، أو في أي ظروف وبدون هذا التحالف ـ الذي ينبغي أن نضع في إطاره دولا شقيقة تقف في الخط نفسه كدولة الإمارات ـ فإن الفوضى المخطط لها من الأعداء ستعم، والغياب العربي عن الفعل المؤثر في الأحداث سيكون هو سيد الموقف. أحداث السنوات القليلة الماضية أثبتت للجميع أن الاعتماد على أطراف أجنبية من الدول الكبرى لضمان الأمن هو خرافة، وأنه لا بديل عن قوة عربية تحمي بنفسها الأرض والمصالح العربية. وأحداث السنوات الماضية أثبتت أن التحالف المصري ـ السعودي أكثر من ضرورة، ليس فقط للدولتين الشقيقتين، ولكن لأمن المنطقة العربية كلها التي تواجه إرهابا غير مسبوق، كما تواجه أطماع الدول الإقليمية غير العربية في مد نفوذها وبسط سيطرتها على المنطقة، قد تختلف وجهات النظر في التفاصيل أو في ترتيب الأولويات، ولكن المهم أن يكون الاتفاق تاما بين القاهرة والرياض على الخطوط الأساسية».

حسنين كروم

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية