لا لممارسات وانتهاكات الأنظمة العربية

حجم الخط
16

لو دققتم النظر وأصغيتم جيدا لرأيتم وسمعتم أن شريحة واسعة من أبناء أمتنا مصابة بأعراض مرض اسمه «لا للبسطار الإسرائيلي نعم للبسطار العروبي»، في هذه المقالة تستطيع أخي القارئ أن تعرف إذا كنت مصابا، وإليك أعراض هذا المرض.
هل تشتم الاحتلال الإسرائيلي في الليل والنهار وتطالب بحرية الأسرى في فلسطين وتقف دقيقة حداد لذكرى شهدائها، وتنشد بخشوع موطني موطني في افتتاح أي مناسبة، وتدعو لوحدة إسلامية مسيحية ضد الاحتلال، وضد قرار ترامب بالنسبة للقدس، وتدعو لتظاهرات وتشترك فيها، وتطالب أردوغان بتنفيذ تهديده بقطع العلاقة مع إسرائيل؟ ولكن أنت نفسك لم ترفع ولا مرة شعارا مطالبا بحرية الأسرى في سجون سوريا، ولا تظاهرات ضد دوس حقوق الإنسان في الوطن العربي، ولا ضد أحكام الإعدام بالجملة في مصر، ولا اشتركت في مظاهرة ضد استمرار العلاقات بين إسرائيل والأردن ومصر وإسرائيل، وكأن الأمر لا علاقة له بكل ما يجري في المنطقة، مع أنك ذكي وتعرف، ولكنك تنوي أن تسافر إلى عمّان وتعبر الحدود بلا عقبات كي تلتقي هناك بقوميين عرب، ومن هناك لتحيوا صمود النظام السوري في وجه المؤامرة الكونية، وتريد أن تزور القاهرة أو أن تصيّف مع العائلة في شرم الشيخ من دون أن تستجوب أو أن تتبهدل في المعبر، أو لأنك ارتحت لاستضافتك على فضائية أسهل ما فيها شتم الاحتلال الإسرائيلي بإنشاء رائع، ثم تمتدح محور المقاومة من دون التطرق لما يعانيه الشعب السوري، مثلا، بسبب سياسة النظام، ثم تقول نحن مع سوريا شعبا ونظاما، ولا تلتفت إلى ما يعانيه شعب إيران حيث تُسجّل في هذا البلد المسلم واحدة من أعلى نسب تنفيذ الإعدام في العالم، ثم تصمت على ما يتعرض له الفلسطينيون في لبنان، الذين يعيشون في ظروف لا يمكن قبولها لأعتى الأعداء، وتقول للاجئين السوريين إنهم «مستاهلين اللي بيصير فيهم». إذا كنت واحدا من هؤلاء فهذه أعراض قوية للمرض المذكور أعلاه!
تغيّر صورة بروفايلك في الفيسبوك إلى صورة الفتاة البطلة عهد التميمي، أو الشهيد إبراهيم أبو ثريا المقعد في كرسيه، وتطالب بإطلاق سراح الطفلة البريئة التي صفعت جندي الاحتلال، ولكنك تمتدح نظاما يحتجز مئات الفتيات والفتية، وتغض الطرف عن آلاف السجينات السوريات خصوصا، والعربيات عموما، أسألك بالله، ألا تعرف في نُص خاطرك ماذا كان سيكون مصير ابنتك أو زوجتك أو اختك إذا صفعت جنديا من جنود النظام في مواجهة ما، في حلب أو في أي مدينة عربية من المحيط إلى الخليج، حلّفتك بشرف ابنتك وأمك ألا تعرف ما هو مصير فتاة كهذه وأسرتها لو صفعت جنديا من جنود فيلق القدس الإيراني أو من ناشطي الحشد الشعبي.
هل أنت ممن يتحدثون كثيرا عن سوء معاملة الأسرى في سجون الاحتلال، وعدم تقديم العلاج لهم، ولكنك لم تكلف خاطرك في البحث عن وضع السجينات والسجناء السياسيين في الوطن العربي، وعن أسباب سجنهم وما رأي المنظمات الدولية في ظروف سجنهم. إذا كنت من هؤلاء فهذه من أعراض المرض، أما إذا كنت فلسطينيا فهذا يعني أنك تطالب العرب بأن يشعروا بآلام شعبك ولكنك تدير ظهرك لآلامهم وهذه وقاحة من حضرتك.
هل تشتم أمريكا وإسرائيل وتصفها بأنها قوى التكبر العالمي وتمتدح آيات الله وبرامجهم الصاروخية وتحيي بيونغ يانغ، ولا تتذكر أنه في كل عام يعدم المئات من البشر في إيران على رافعات وبنسبة هي الأعلى في العالم، ومعظمهم لأسباب سياسية، كذلك تنسى أن من يتثاءب أمام كيم جونغ لي قد يلقى حتفه من حيث لا يحتسب! إذا كنت من هؤلاء فأنت تقول نعم للبسطار الإيراني ولو من تصنيع كوري وبحب كبير.
هل تطالب بحرية صحافي فلسطيني وتتناقل في الفيسبوك صورة اعتداء عليه أو استشهاده في الضفة الغربية أو قطاع غزة، ثم تكتب محيّيا صمود أنظمة تحتل منذ عقود ذيل قائمة العالم في حرية الصحافة، والأولى في الاعتداءات على الصحافيين واختفائهم القسري، ولا تكلف خاطرك ولو بنظرة واحدة لفحص وضع الصحافة هناك! إذا كنت من هؤلاء فحالتك خطيرة.
هل أنت معجب بفضيلة شيخ أو سيادة مطران وتتغنى بموافقه الوطنية ضد ترامب، وهو نفسه تستضيفه فضائية ما فيمتدح نظام الأسد، ويصمت على نظام مصر الانقلابي، وبعد أيام تستضيفه فضائية إماراتية أو سعودية فيحيي المكرمات الملكية والأميرية ووقوفها إلى جانب القضية الفلسطينية أبا عن جد، إذا كنت من هؤلاء فوضعك مقلق جدا.
هل أنت معجب بمن يقف في الكنيست الإسرائيلي من القائمة العربية المشتركة أو بمسؤول كبير في لجنة المتابعة لشؤون عرب 48 ويصرخ بأعلى صوته ضد النائب الليكودي العنصري حازان الذي اعترض حافلة لذوي الأسرى وتوجه إليهم بكلام بذيء عن أبنائهم، ويسرع ليكون الأول لالتقاط صورة مع أسير محرر، ولكن هذا المسؤول نفسه يبلع لسانه ويغدو كفيفا وأبكم أمام قتل الأبناء وسحلهم أمام ذويهم في نظام عربي سفاح وقاتل، ولا يفك عقدة لسانه إلا لمدح النظام المعادي للاستعمار والامبريالية. هل تعتمد في مواقفك على التقسيم الثنائي الذي يعود للألفية الرابعة قبل الميلاد، إما معنا أو مع «داعش»، إما مع إسرائيل أو مع إيران وحزب الله وكوريا الشمالية! إما مع السيسي أو مع الإرهاب، إما مع تحطيم وحرق التراث الإنساني وتخريبه أو مع الحشد الشعبي! إما مع الحوثي أو مع محمد بن سلمان! إما مع يزيد بن معاوية أو مع حسن نصر الله! إذا كنت تتنبى هذه المواقف فأنت يا عزيزي مصاب بهذا المرض الخبيث، وعليك أن تراجع ضميرك ومواقفك، لعن الله غسيل الأدمغة. وأخيرا وكي لا يستغل أحدٌ من أولئك الذين يشددون على إبراز قذارات الأنظمة العربية كي يقولوا في النهاية نار إسرائيل ولا جنة العرب، أقول لهم، هذا المقال ليس موجها لمن يقولون نعم لكل أنواع البساطير.

كاتب فلسطيني

لا لممارسات وانتهاكات الأنظمة العربية

سهيل كيوان

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول أسامة كليّة سوريا/ألمانيا Ossama Kulliah:

    أخي ابن الوليد طبعاً هناك نقاط مشتركة بيننا وخاصة عندما يدور الموضوع حولالمجتمع أو السياسة ونحتاج إلى الكثير من النقد الذاتي فعلاَ لكي نكون على مستوى أخلاقي عالي. وبالإضافة إلى ذلك لدي تعقيب بسيط وهو أننا لسنا الوحيدين في ذلك فازدواجية الأخلاق في أوربا وأمربكا أو مايسمى الغرب عامة معروفة بل ومفضوحة تماما وهي الطريق الذي يؤدي إلى العنصرية والمتطرفين كما نعلم. وحكاية “لا تقل لهما اف” تماما صحيحة في مجتمعنا لكن أن تعلم أيضاً أن الألمان هم كذلك من أكثر الشعوب تمسكا بهذه المقولة حيث أن الطاعة للسلطة (عموماً) هي مبدأ تربوي لديهم والأمر تغير بعد الحرب العالمية الثانية لكن مازال الوضع يحتاج إلى تغيير. أما الصهيونية فالعنصرية هي أساس الصهيونية أصلاَ!

  2. يقول خليل ابورزق:

    وجود اسرائيل هو اصل البلاء. اما الاوضاع العربية المنحطة فهي مفروضة و لازمة لوجود اسرائيل.
    هل تقسيم العالم العربي الى هذه الكيانات الهشة كان قرارا شعبيا؟؟
    الم يفرضوا علينا التقسيم في كيانات لا تستقيم بمفردها تحولت تلقائيا الى انظمة تسلطية امنية متناقضة من داخلها ومع جيرانها؟؟
    هل تعتقد ان وجود اسرائيل كان سيستمر لولا الخلل المفروض في هذه الانظمة؟.
    و تستمر الحلقة الشيطانية فلولا هذه ما كانت تلك و اسرائيل و الانظمة المنحطة كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا فاذا سقط احدهما سقط الآخر
    اسرائيل هي اصل البلاء

  3. يقول قارئ فلسطيني:

    شكرا استاذ سهيل على شرح مايمكن ان يطلق عليه ازدواجية المعايير البسطاريه و حالة الانكار البسطاري العربي.
    دائما مقالاتك معبره وفي الصميم.

  4. يقول رسيله:

    مقاله سياسيه أكثر من رائعه فكرتها واضحة وتحتوي على البراهين المقنعة التي تعبر من خلالها كاتبناعن المواقف السياسية السائدة وما الت إليه أوضاع البلاد من حال لا يسر عدوا ولا حبيبا بعد انتشار هذا المرض الخبيث الفتاك الا وهو مرض التملق والذي يعد مرضًا أخلاقيًّا مُزمنًا، يصيب النفس البشرية، ويَنخَر في عَضُدِ أمتِنا، فيه تُخرقُ المبادئ لمجرد اللهث وراء المنفعة الذاتية، بل الأدهى والأمرُّ أن بعض الناس أصبح التملقُ عندهم مبدأً، ويعتبرون ما يتحقق من هذا الفعل المذموم إنجازًا ونجاحًا! ولو خالف في ذلك كلامه وسلوكه وقناعته وأخلاقه ودينه فجلُّ تعاملاته تَتَّصفُ بالبرغماتية.
    وكما أشرت كاتبنا فإن هذا المرض يسُود ويتفشَّى في المجتمع بشكل مهول من منطلق: تمسكَنْ حتى تتمكَّن، فإذا سلطنا عدسة مكبرة لننظر إلى حقيقة هذا الداء، سنجد أن من مسبباته: ضعف الإيمان بالله، وعدم الخوف منه والإحساس بمراقبته في السر والعلن، وكذلك قلة الوازع الديني ، فيدوس الناس على كرامتهم وعزة نفسهم لتقبيل بسطار فلان وعلان ، بورك يراع قلمك الذي يثرينا بكل جديد.

  5. يقول رسيله:

    مقاله سياسيه أكثر من رائعه فكرتها واضحة وتحتوي على البراهين المقنعة التي تعبر من خلالها كاتبنا عن المواقف السياسية السائدة وما الت إليه أوضاع البلاد من حال لا يسر عدوا ولا حبيبا بعد انتشار هذا المرض الخبيث الفتاك الا وهو مرض التملق والذي يعد مرضًا أخلاقيًّا مُزمنًا، يصيب النفس البشرية، ويَنخَر في عَضُدِ أمتِنا، فيه تُخرقُ المبادئ لمجرد اللهث وراء المنفعة الذاتية، بل الأدهى والأمرُّ أن بعض الناس أصبح التملقُ عندهم مبدأً، ويعتبرون ما يتحقق من هذا الفعل المذموم إنجازًا ونجاحًا! ولو خالف في ذلك كلامه وسلوكه وقناعته وأخلاقه ودينه فجلُّ تعاملاته تَتَّصفُ بالبرغماتية.وكما أشرت كاتبنا فإن هذا المرض يسُود ويتفشَّى في المجتمع بشكل مهول من منطلق: تمسكَنْ حتى تتمكَّن، فإذا سلطنا عدسة مكبرة لننظر إلى حقيقة هذا الداء، سنجد أن من مسبباته: ضعف الإيمان بالله، وعدم الخوف منه والإحساس بمراقبته في السر والعلن، وكذلك قلة الوازع الديني ، فيدوس الناس على كرامتهم وعزة نفسهم لتقبيل بسطار فلان وعلان ، بورك يراع قلمك الذي يثرينا بكل جديد.

  6. يقول سهيل كيوان:

    إلى الأخ ابن الوليد والمعقبين الكرام
    تحياتي الأخ ابن الوليد على مداخلتك القيمة حول تربيتنا ورؤية الحاكم بمثابة الأب الذي علينا طاعته، هذا صحيح ولكن الأمة العربية بلغت سن الرشد منذ قرون وصار عليها أن تتحرر من هذا الشعور تجاه المسؤول، نريد أناسا يتحملون المسؤولية في الإدارة من خلال دساتير وأجهزة رقابية وقضائية تحاسب الكبير مثل الصغير، حينئذ لا بأس أن نحترم المسؤول الذي يقوم بواجبه وعمله كما يجب وأن نزيح جانبا من يتجاوز بقوة القانون والقضاء والرقابة، لا شيء ممكن أن يسير بشكل صحيح بلا رقابة وجهاز قضائي مستقل حتى في شركة صغيرة فما بالك بدول وشعوب. هذا يجب أن ينطبق حتى على أكثر المسؤولين نزاهة فهو ليس ملاكا، قد يكون في بداية استلامه للمسؤولية ممتازا ولكن المكوث الطويل في السلطة بلا رقابة يفسد. بالنسبة للنمل آمل أن أعمل منها عملا ما للأطفال ولكن في الأشهر القريبة عندي مشاريع أخرى ان شاء الله.
    الأخ خليل أبو رزق تحية واحترام اتفق معك تماما بأن إسرائيل والأنظمة العربية مثل بنيان يشد بعضه بعضا كلهم يقتات من بعض ويساندون بعضهم البعض في السر والعلن والضحية هي الشعوب.
    الأخ أسامة كليّة شكرا على مداخلتك ومتابعتك، أتفق معك تماما عن تعدد الوجوه ولكن البسطار واحد. بالنسبة للألمان بأنهم مطيعون للسلطة، أعرف أنهم منضطبون صحيح ولكن أعرف أن لديهم قوانين وشفافية وقد يستقيل وزير أو يقال على أي تجاوز صغير في صلاحياته، ثم أن أمام الشعب فرصة كل بضع سنوات لاختيار الأحزاب التي تدير شؤون البلاد، نعم يجب أن نكون صادقين اولا مع أنفسنا.
    تحية لك أخت رسيلة على مرورك ومتابعتك، وعلى مداخلاتك القيمة دائما، بلا شك أن رأس الحكمة مخافة الله.
    الأخ سامح من الأردن كان الله بعوننا جميعا تحياتي واحترامي.
    السيدة سماهر أشكرك على متابعتك الدائمة وعلى مداخلاتك القيمة التي تتحفينا بها، في نهاية الأمر ستنتصر بساطير الأحرار ليس عندي شك.
    تحياتي للأخ سوري على المتابعة.
    الأخ أيمن بالضبط هو ما أقوله فالأمور ليست يا اسود يا ابيض بل هي أشد تعقيدا وتركيبا، فإلى جانب مواجهتنا الطويلة مع الاحتلال ومقارعته يجب أن نواجه أنفسنا فهناك حقوق لشعوبنا بأن تعيش بحرية كرامة وإلا خسرنا كل شيء.
    الأخ الكروي أتمنى من الله أن يعيننا على المضي في قول كلمة الحق وشكرا لك على المتابعة. باحترام سهيل كيوان

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية