ما أسوأ من بنيامين نتنياهو إلا إسحق أو يتسحاق هيرتسوغ.. وما أسوأ من هيرتسوغ إلا نتنياهو.. فهما فلسطينيا وجهان لعملة واحدة.. ويحملان الرؤية نفسها ويقــدمانها بلغتتين مختلفتين.
كلاهما لا يريد دولة فلسطينية مستقلة وكلاهما يريد الاحتفاظ بالقدس غير المجزأة عاصمة أبدية لاسرائيل. وكلاهما يكن الكراهية للشعب الفلسطيني.. ويتفقان في عنصريتهما ضد فلسطينيي الداخل. غير ان هيرتسوغ وحزبه «المعسكر الصهيوني» (يسار وسط) يتفوق على نتنياهو وحزبه «الليكود» اليميني المتطرف بأنه الأكثر خطورة على الفلسطينيين.. فبينما يعكس الثاني الوجه الحقيقي ‘البشع» لإسرائيل بسياساته الفظة المرفوضة دوليا وتدفع تدريجيا نحو عزلة إسرائيل، يقدمها الأول على غير حقيقتها ويبيض وجهها، بلغته المعسولة المقبولة التي تجد آذانا صاغية لدى صناع القرار في الدول الغربية.. وحتى عند بعض العربية التي كانت تضغط على الرئيس أبو مازن، حسبما قاله لي مسؤولون مقربون منه، من أجل تأييده ضد نتنياهو اثناء انتخابات مارس 2015 على حساب القائمة العربية المشتركة ليستروا عوراتهم بورقة التين التي يوفرها لهم بالحديث عن السلام. فخسرها هيرتسوغ لا لأنه أكثر اعتدالا من نتنياهو، بل لأنه لم يستطع إيصال الرسالة نفسها بأسلوبه الناعم لجمهور متعطش للدم والقتل والتدمير.ولهذا فهو فلسطينيا، الاكثر خطورة على الفلسطينيين وقضيتهم من نتنياهو.
تفتق ذهن هيرتسوغ فأطل علينا ببرنامج سياسي «خلاق» ينطبق عليه المثل القائل «سكت دهرا ونطق كفرا»، للخروج من المأزق الذي تعيشه «التسوية»وبدون أن يحدد زمنا، فكشف عن حقيقة دواخله وسياساته الباطنية وعواراته السياسية والتزامه بالسياسات الماكرة لزعماء حزبه الأوائل.. فقد توصل إلى القناعة التي كان قد توصل اليها من قبله نتنياهو خلال انتخابات 17 مارس الماضي، وهي أن الظروف في الوقت الحاضر غير مواتية لحل الدولتين وقيام دولة فلسطينية.. ولا نعرف ماهية هذه الظروف التي يعنيها هيرتسوغ. وهيرتسوغ بذلك انما يطبق بأمانة وصدق سياسة معلميه من قادة حزب العمل، وهو الاسم الذي كان يحمله «المعسكر الصهيوني»حتى ما قبل انتخابات 2015، وهو الحزب نفسه الذي قاد منظمة التحرير الفلسطينية إلى/ بل وأوقعها في فخ أوسلو عام 1993، وألقى لها بطُعم إعلان المبادئ، الذي عرف باتفاق «غزة وأريحا اولا»، وما تبعه من تفاهمات واتفاقات قيدت الفلسطينيين باتفاقيات أمنية واقتصادية مجحفة، قادت إلى تقسيم الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق «أ» ذات الكثافة السكانية وتمثل 18٪ من مساحة الضفة الغربية، ويفترض أن تكون خاضعة للسلطة الفلسطينية أمنيا وإداريا عندما يشاء ذلك جيش الاحتلال. و«ب» وتمثل حوالي 22٪ وهي مناطق خاضعة إداريا للسلطة وأمنيا لسلطات الاحتلال، و»ج»ذات الكثافة الســـكانية القليلة وتمثل ما تبقى اي حوالي 60٪ من الضفة وهي مناطق المستوطنات، وليس للسلطة الفلسطينية صلاحية إصدار ترخيص حتى لنصب خيمة فيها، ناهيك عن التنقيب عن نفط في قرية رنتيس غرب مدينة رام الله، كما يتمنى رئيس الوزراء رامي الحمد الله.
فحزب هيرتسوغ صاحب اتفاق اوسلو هو نفسه من أحبط تنفيذ الاتفاق المرحلي الذي كان يفترض ان ينتهي في عام 1999 بدولة فلسطينية، بمقولة زعيمه في حينها اسحق رابين ليس هناك مواعيد مقدسة. وكان صادقا إذ لم ينفذ أيا من مواعيده باستثناء تسليم التجمعات السكانية الكبيرة المتمثلة بالمدن الكبرى للسلطة لتدير شؤونها المدنية، تحت اشراف سلطات الاحتلال وإن عن بعد، تريحها من نفقاتها وصداع ادارتها للشؤون اليومية والتخفيف من أعباء جيش الاحتلال ليوفر جهوده لقضايا أمنية اخرى في المناطق «ب»و «ج».
وحزب العمل كان يطبق تطبيقا امينا وصادقا، مشروع ألون (ايغال الون وزير خارجية الكيان الصهيوني) عام 1973 الذي يدعو إلى حكم ذاتي للفلسطينيين على التجمعات السكانية، وهو ما حصل بالفعل، إذ أن الغالبية العظمى من الفلسطينيين يعيشون في مناطق «أ» وإلى حد أقل في مناطق «ب» ليبقى المستوطنون يسرحون ويمرحون في ثلثي الضفة التي تمثل مساحتها أقل من20٪ من مساحة فلسطين التاريخية. ليس هذا فحسب، بل ووفق مفهوم ايغال الون، فإن الهدف الأساس وغير المعلن من اتفاق أوسلو هو الانفتاح على العالم العربي ورفع الخطوط الحمراء عن التعامل مع اسرائيل. وهذا ما يحصل عمليا، فبمجرد التوقيع على أوسلو بدأت إسرائيل باكورة فتوحاتها باتفاق سلام عربة، الذي جاء ليضفي ختما رسميا على واقع قائم.. وافتتحت اسرائيل ممثليات في دول مغاربية وخليجية. وضاع السلام المنشود وبقيت الممثليات. وبعد 23 عاما لا يزال الاسرائيليون يطالبون بمفاوضات بدون شروط مسبقة، وكأن شيئا لم يكن، وكأن كل ما وقع من اتفاقات واعلانات وتفاهمات كان مجرد احلام يقظة. وصدق اسحق شامير رئيس الوزراء الاسرائيلي عندما أرغم في حينها أمريكا على الذهاب لمؤتمر سلام مدريد في 30 اكتوبر 1991، في مقولته المشهورة التي أطلقها من العاصمة الاسبانية، سنبقى نتفاوض لعشرات السنوات. وهذا هو الحال بعد ربع قرن على مدريد، وغياب شامير ومن قبله رابين.
فبماذا يجود علينا هيرتسوغ الصهيوني المتأصل، الذي لا يزال يخدم في جيش الاحتياط برتبة ميجور وهو ابن رئيس اسرائيل الأسبق، الجنرال حاييم هيرتسوغ الايرلندي الأصل، ووالدته أورا أمباشي المصرية المولد… ويحمل اسم جده اسحق هيرتسوغ كبير حاخامات ايرلندا من 1922 وحتى 1935.
يجود هيرتسوغ علينا ببرنامج سياسي جديد/ قديم تبناه مؤتمر الحزب بالكامل الاسبوع الماضي، إلى الفصل بين الفلسطينيين وإسرائيل، انطلاقا من غياب إمكانية دفع العملية السلمية وتحقيق حل الدولتين في الوضع الراهن، والسبب من وجهة نظره ان نتنياهو ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس غير قادرين على تحقيق انطلاقة للعملية السياسية. والحق يقال إنه يصر على تبنيه حل الدولتين.. لكن كيف لا أدري.
والفصل، بل الطلاق من الاحتلال هو بالطبع مطلب فلسطيني بامتياز. لكن ما يطرحه هيرتسوغ هو هجران وليس طلاقا بالثلاث، كما فعل ارييل شارون عام 2005، بالانسحاب الأحادي الجانب الكامل من قطاع غزة وإزالة جميع المستوطنات من قطاع غزة فيها. فهيرتسوغ يدعو في برنامجه، عمليا إلى ابقاء الاحتلال بما يلائم اسرائيل ويرسم الحدود من جانب واحد ويقرر مصير مدينة القدس.. انه يدعو إلى:
اكمال بناء جدار الفصل العنصري المقام بمعظمه على أراضي الضفة الغربية المحتلة ما يعني إطباق الحصار حولها..
ضم الكتل الاستيطانية الرئيسية لإسرائيل والابقاء على المستوطنات النائية مع وقف البناء فيها.
بقاء جيش الاحتلال في الضفة الغربية حتى إنجاز الحل الدائم مع الفلسطينيين، ولا احد يعلم متى. لأن وجوده سيعزز الأمن ويحول دون تسلل «مخربين».. يعني الإبقاء على الاحتكاك بين الفلسطينيين وهذا ينسف الأساس الذي بنى عليه مشروعه.
يتحدث عن توسيع مساحة مناطق «ب»على حساب «ج»، ولكنه لا يدعو إلى الانسحاب من «ب» ناهيك عن «ج».
تسليم الصلاحيــــات المدنية للسلطة الفلسطينية. ولا أدرى ما الجديد في ذلك فالسلطة حاليا هي صاحبة الصلاحيات المدنية في منطقتي «أ» و«ب».
اتخاذ خطوات أمنية واقتصادية من شأنها أن تحدث تهدئة في المنطقة وتعزز الشعور بالأمن. وفي موضوع القدس، سيعمل الحزب وفقا للبرنامج، على استئصال عشرات القرى الفلسطينية من الحدود البلدية للمدينة، وتقطيع أوصالها على نحو لا يسمح بوجود عاصمة للدولة الفلسطينية في القدس، للحفاظ على يهودية المدينة. ويأمل هيرتسوغ بعقد مؤتمر إقليمي مع دول عربية معتدلة.
وباختصار شديد فإن مشروع هيرتسوغ هو إعادة صياغة لمشروع ايالون تتلاءم والتطورات التي شهدتها المنطقة في العقود الاربعة والنصف الاخيرة.. ومن هذا المنطلق لا بد أن ينظر الفلسطينيون إلى أفكار هيرتسوغ «الإبداعية» على أنها مؤامرة جديدة مما يسمى باليسار الصهيوني لتكريس الاحتلال الذي بدأه عام 1948 وأكمله عام 1967… مؤامرة جديدة يسعى هيرتسوغ وحزبه إلى تسويقها في الدول الغربية، لاسيما الاوروبية التي بدأت تشهدا تحركا حقيقيا على الصعيدين الشعبي والبرلماني يهدد حقا بعزل آخر قوة احتلالية في العالم.
وأخيرا يا ليت نتعلم من عدونا، وتتحدث فتح وحماس بلغتين مختلفتين، لكان حالنا أفضل مما نحن عليه في حاضرنا.
٭ كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»
علي الصالح
هيرتسوغ و حزبه باتا لاعبين صغيرين في اسرائيل.
الغلبة اليوم لليمين و التنافس ما بين اليمن الوسط و اليمين المتطرف و هيرتزوغ يغازل اليمين لعله يجد لصوته صدى.
على كل حال، اعتقد ان التحول الى اليمين بمجمله هو خير لنا. لانه سيعيد الصراع الى ابيض و اسود. و كذلك سيعطل اليسار و العنصر الغربي في اسرائيل و هو عنصر قوتها.
اليمين يعني باغلبه اليهود الشرقيين و الروس وهم الجزء الاضعف ثقافيا و انتاجيا في المجتمع الاسرائيلي و لكنهم باتوا يشكلون اغلبية لاسيما بعد هجرة الروس.
اهم اسباب زوال القوى الغاشمة يأتي من داخلها