بيروت ـ «القدس العربي» : اللقاء المنتظر بين رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» العماد ميشال عون ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع تم هذا الاسبوع بشكل مفاجئ في دارة عون في الرابية. هو اللقاء الثنائي الاول منذ 30 سنة الذي يتم من دون وسيط أو شريك ويأتي لينهي قطيعة سياسية وشخصية بين «التيار» و»القوات» منذ سنوات حيث سبق لـ «القوات» أن رفض الجلوس مع وفد من «التيار» في سياق جولات قام بها نواب «التيار» على الكتل والاحزاب السياسية لشرح موقفهم إثر خلوة سياسية انعقدت في بيت مري.
وقد اعتبر لقاء الرابية بين عون وجعجع حدثا بحد ذاته، وكذلك تحدثهما من بين مرات نادرة بلغة مشتركة وهما اللذان اعتادا ان لا يحسنا التخاطب المتبادل منذ عام 1988، مرورا بمغادرة عون قوى «14 آذار» عام 2005، وصولا إلى سنة خلت عندما أضحيا وجها لوجه في انتخابات الرئاسة بحسب الصحافي نقولا ناصيف الذي قال «إن في تاريخ عون وجعجع من العداء والنزاع ما فيه أيضا من حظوظ العودة إلى الذات والمصالحة».
وقد توقف البعض عند توقيت حصول اللقاء في ظل تهديد العماد عون بتجميد العمل الحكومي بسبب عدم بت مسألة التعيينات الامنية والعسكرية، وخصوصا عدم تعيين صهره قائد فوج المجوقل قائدا للجيش وتأجيل الأمر إلى شهر أيلول/سبتمبر، وإشارة الرئيس سعد الحريري إلى أنه لا يمكن تعيين قائد للجيش قبل انتخاب رئيس الجمهورية.
غير أن مصادر «القوات اللبنانية» أكدت لـ «القدس العربي» أن رئيس حزب «القوات» لم يتقصد زيارة الرابية في توقيت محدد لتوجيه رسالة سياسية محددة لأحد، بل إن اللقاء كان مرتقبا في غضون أيام ، لكن العامل الأمني هو الذي فرضه، فحصل بطريقة مباغتة بدليل أنه حتى الجنرال عون لم يكن على علم مسبق بوصول الدكتور جعجع إلى منزله في الرابية حيث كان يخلد إلى الراحة».
وأضافت مصادر «القوات»: «ان الدكتور جعجع كان واضحا في تصريحه بأنه موجود في الرابية ليس لأي سبب من الأسباب المطروحة اليوم، بل إن السبب الرئيسي هو التقاء القوتين السياسيتين، القوات والتيار الوطني الحر».
وفي مقابل قوى «8 آذار» فإن هذه القوى تابعت وقائع الحوار الذي أجراه لأشهر أمين سر تكتل «التغيير والإصلاح» النائب إبراهيم كنعان ورئيس جهاز الإعلام والتواصل في القوات اللبنانية ملحم الرياشي، وكان «حزب الله» وهو الطرف الأكثر تأثيرا في «8 آذار» متفهما لحوار عون جعجع لحاجة الأول للظهور كرجل توافقي قادر على فتح الخطوط على كل المكونات في الوطن حتى على من هو على خصام طويل معهم، عل هذه الصورة التوافقية تساعد الجنرال على تبديد حجج تيار «المستقبل» الذي يشترط رئيسه سعد الحريري للقبول بعون رئيسا للجمهورية أن يكون مقبولا من مسيحيي «14 آذار». ولدى سؤال نائب «حزب الله» علي فياض عن تعليقه على لقاء عون- جعجع قال «نحن نثق بقدرة الجنرال على الاستيعاب والاحتواء والحفاظ على الثوابت».
وكانت التحليلات الصحافية ركزت على أنه في حسابات العماد عون يمكن القول إن الحد الادنى من التفاهم مع جعجع سيسمح له برفع فرص وصوله إلى الرئاسة، على قاعدة «الرئيس القوي» الذي تصدر إعلان النيات، خصوصا ان خصوم الجنرال كانوا يطرحون عليه باستمرار ما يفترضون أنه شرط تعجيزي لقبول انتخابه، وهو حصوله على دعم رئيس حزب «القوات». وكتبت «السفير» إن «ما جرى في الرابية سيعزز بشكل أو بآخر صورة «المرشح الوفاقي» التي يسعى عون إلى الترويج لها، ولن يكون هناك بحوزته دليل أبلغ من تقاربه مع الخصم اللدود سمير جعجع، حتى يثبت أنه قادر فعليا على مد اليد في كل الاتجاهات واستيعاب الجميع، وفق مفهوم «الوسطية القوية» التي تنطوي على نكهة ولون من دون أن تكون نافرة أو مستفزة. كما أن عون سيستفيد من التقارب مع جعجع لتحسين شروط معركة تحصيل الحقوق المسيحية في الدولة، تحت سقف الشراكة والتوازن المندرجين في إعلان النيات، ما يمكن أن يحشر أو يُحرج «تيار المستقبل» الذي لم يكن مسرورا، على الأرجح، بمشاهدة جعجع وهو يضع يده على كتف عون تحببا، خلال المؤتمر الصحافي المشترك بينهما».
وبالنسبة إلى جعجع ذهبت تحليلات إلى حد افتراض ان رئيس «القوات» يضمر من وراء تصالحه مع عون، وبالتالي مع القاعدة الواسعة لـ «التيار الوطني الحر»، تسهيل إمكانية وراثته لجزء من هذه القاعدة، وفرض نفسه الزعيم الأول للمسيحيين. وإعتبر البعض أن جعجع يعرف ويعترف في قرارة نفسه بأن تحالفه مع «تيار المستقبل» لم يساهم في تعزيز حضوره النيابي أو الوزاري داخل الدولة، وهو بات يشعر بأن تفاهمه مع عون سيكون أكثر إنتاجية وفائدة، وسيسمح له بتعزيز موقعه التفاوضي مع الحليف قبل الخصم.
وعلى خط بكركي، فإن البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي يبدو مرتاحا ومباركا للقاء عون ـ جعجع ويعتبره نقطة تحول ايجابية على الساحة المسيحية. وذكرت أوساط بكركي «أن البطريرك والموفد الفاتيكاني الكاردينال مومبرتي الذي يزور لبنان يشجعان على استمرار الحوار بين القطبين المسيحيين، وينتظران مزيدا مِن التقدم لحل المسائل الخلافية، والانتقال إلى الحلول العملانية، وعدم التفريط بالمواقع القيادية المسيحية في لبنان والشرق، وفي طليعتِها رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش».
إعلان النيات
وكانت ورقة «اعلان النيات» بين القوات والتيار التي لم تأت على ذكر «حزب الله» أو «تيار المستقبل» موحية بأنها غير موجهة ضد الآخرين، نصت على الآتي:
لما كان الحوار هو الوسيلة الفضلى لتبادل الآراء وتفاعلها من اجل صياغة رؤية مشتركة حول القضايا والمواضيع ذات الاهتمام المتبادل على جميع الصعد السياسية والاقتصادية والإدارية والاجتماعية، ولما كان «التيار الوطني الحر» و»القوات اللبنانية» قد عقدا أكثر من لقاء وبحثا أسس التفاهم في ما بينهما، فوجدا أن التنافس السياسي أمر مشروع وواجب لإرساء قواعد الديمقراطية وبلورتها في نظام للحكم، ولما كان حزبا «التيار الوطني الحر» و»القوات اللبنانية» قد أجريا مراجعة للعلاقة التي سادت بينهما خلال أكثر من ربع قرن، وذلك من أجل تنقية الذاكرة من مناخات الخصومة السياسية التي طبعت تلك العلاقة، والتطلع بالتالي نحو مستقبل يسوده التنافس السياسي الشريف و/أو التعاون السياسي.
التزام نهج الحوار والتخاطب السياسي البناء والسعي الدائم للتوافق على ثوابت وقواسم مشتركة. تأكيد الإيمان بلبنان كوطن نهائي سيد حر مستقل وبصيغة العيش المشترك وبضرورة التمسك بالمبادئ الواردة في مقدمة الدستور بصفتها مبادئ تأسيسية ثابتة. اعتماد المبادئ السيادية في مقاربة المواضيع التي هي على ارتباط وثيق بالقضايا الإقليمية والدولية، على أن تؤخذ في الاعتبار إمكانات الدولة اللبنانية والمعادلات الإقليمية والدولية.
الالتزام بمرتكزات وثيقة الوفاق الوطني التي أقرت في الطائف، والتعهد باحترام أحكام الدستور كافة دون انتقائية وبعيدا عن الاعتبارات السياسية والابتعاد عن كل ما من شأنه التلاعب بأحكام الدستور أو إساءة تفسيره.
التأكيد على أن وثيقة الوفاق الوطني قد طبقت منذ إقرارها وخلال عهد الوصاية وحتى اليوم بشكل مُعْتَوِر، ما يوجب تصويب المسار من خلال العودة إلى مرتكزات الميثاق الوطني وأحكام الدستور المتعلقة بالمناصفة الفعلية وصحة التمثيل النيابي الفعال والشراكة الصحيحة بين مكونات المجتمع اللبناني كافة، بما يحفظ قواعد العيش المشترك، وترجمة ذلك في قانون انتخاب يؤمن القواعد المشار إليها أعلاه، وفي انتخاب رئيس للجمهورية قوي ومقبول في بيئته وقادر على طمأنة المكونات الأخرى، والإيفاء بقسمه وبالتزامات الرئاسة بما يؤمن الشراكة الفعلية الميثاقية والمصلحة الوطنية العليا.
العمل على تعزيز مؤسسات الدولة وتشجيع ثقافة الاحتكام إلى القانون والمؤسسات الشرعية لحل أي خلاف أو إشكال طارئ وعدم اللجوء إلى السلاح والعنف مهما تكن الهواجس والاحتقانات.
دعم الجيش على الصعيدين المعنوي والمادي بصفته المؤسسة الضامنة للسيادة والأمن القومي وتكريس الجهد اللازم لتمكينه وسائر القوى الأمنية الشرعية من التعامل مع كل الحالات الأمنية على الأراضي اللبنانية كافة، بهدف بسط سلطة الدولة وحدها على كامل الأراضي اللبنانية.
ضرورة التزام سياسة خارجية مستقلة بما يضمن مصلحة لبنان ويحترم القانون الدولي وذلك بنسج علاقات تعاون وصداقة مع جميع الدول، ولا سيما العربية منها مما يحصن الوضع الداخلي اللبناني سياسيا وأمنيا ويساعد على استقرار الأوضاع وكذلك اعتبار إسرائيل دولة عدوة والتمسك بحق الفلسطينيين بالعودة إلى أرضهم ورفض التوطين واعتماد حل الدولتين ومبادرة بيروت 2002.
الحرص على ضبط الأوضاع على طول الحدود اللبنانية السورية بالاتجاهين وعدم السماح بإقامة منطقة عازلة في لبنان وباستعمال لبنان مقرا أو منطلقا لتهريب السلاح والمسلحين، ويبقى الحق في التضامن الإنساني والتعبير السياسي والإعلامي مكفولا تحت سقف الدستور والقانون والمصلحة الوطنية العليا. احترام قرارات الشرعية الدولية كافة والالتزام بمواثيق الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية.
العمل على تنفيذ القرارات السابقة التي تم الاتفاق عليها في طاولة الحوار الوطني.
إيجاد حل لمشكلة النزوح السوري والمتعاظمة التي أصبحت بمثابة قنبلة موقوتة أمنيا واقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، ولا سيما مع تفاقمها مع مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، وذلك من طريق تأمين عودة النازحين إلى المناطق الآمنة داخل الأراضي السورية.
ضرورة إقرار قانون جديد للانتخابات يراعي المناصفة الفعلية وصحة التمثيل بما يحفظ قواعد العيش المشترك ويشكل المدخل الأساسي لإعادة التوازن إلى مؤسسات الدولة. الالتزام بوثيقة الوفاق الوطني لجهة اعتماد اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة ونقل قسم كبير من صلاحيات الإدارة المركزية، ولا سيما الإنمائية منها إلى سلطات لامركزية منتخبة، وفقا للأصول وتأمين الإيرادات الذاتية اللازمة لذلك.
الالتزام بأحكام الدستور المتعلقة بالمالية العامة وبأحكام قانون المحاسبة العمومية التي تحدد موازنة الدولة وشموليتها وأصول ومهل إعدادها وتقديمها إلى المجلس النيابي، وكذلك إعداد الحسابات المالية وتدقيقها وتصديقها وفقا للأصول وكذلك الالتزام بضرورة تحديد سقف للاقتراض لا يمكن تجاوزه إلا بإجازة جديدة من المجلس النيابي وبضرورة ترشيد الإنفاق والحد من الهدر والإنفاق غير المجدي ومحاربة الفساد المستشري وإعمال قانون الإثراء غير المشروع، وإنشاء المحكمة الخاصة بالجرائم المالية.
التأكيد على التمسك بالمبادئ الكيانية المؤسسة للوطن اللبناني والتي هي سبب وجوده وجوهر رسالته في التسامح والتنوع والتعايش الفريد القائم على المشاركة الكاملة في الحكم والعمل المشترك من اجل إقرار القوانين المحققة لذلك وفي طليعتها قانون استعادة الجنسية وقانون تملك الأجانب كما العمل من أجل الحؤول دون القيام بأي إجراءات تخالف المبادئ المنبثقة من الصيغة اللبنانية ومن الميثاق الوطني.
وإذ يعتبر الطرفان أن إعلان النيات هذا، يهدف إلى وضع المبادئ الديمقراطية ومعاييرها كأساس لتنظيم علاقتهما، يؤكدان إبقاء المبادئ الدستورية والميثاقية فوق سقف التنافس السياسي، كما يؤكدان إرادتهما ورغبتهما في العمل المشترك والتواصل في جميع المجالات والمواقع الممكنة لتنفيذ التزاماتهما المنوه عنها أعلاه، ويعتزمان العمل على تفعيل إنتاجية اتفاقاتهما حيث يتفقان، والتنافس من دون خصام حيث يختلفان، كما يتعهدان بالتواصل الدائم والتباحث المستمر للتفاهم على كافة المواضيع ذات الشأن العام والوطني.
qal
سعد الياس