لعبة «الروليت» الروسية تصيب بشار الأسد؟

حجم الخط
11

يمكن القول، من دون مغالاة كبيرة، إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فاجأ العالم بقراره بدء سحب قواته العسكرية من سوريا.
تبدأ المفاجأة بالطبع من حليف بوتين المفترض، الرئيس السوري بشّار الأسد، الذي تبلّغ القرار باتصال هاتفيّ، وكانت التبريرات التي قدّمها نظام دمشق مثيرة للسخرية حول أن ما حصل «تم بالتنسيق الكامل بين الجانبين» في الوقت الذي كانت فيه مظاهرة بالسيّارات تجوب المدينة الساحلية طرطوس منددة بانسحاب الروس من المدينة، وكانت صفحات وسائل التواصل الاجتماعي للموالين تضج بمشاعر الوجوم والكرب أو بجمل التعزية الجوفاء من قبيل إنه «ما دام القائدان اتخذا القرار فلا بد أن يكون صائباً»!
والأغلب أن الأمر ينطبق أيضاً على الأمريكيين، وهم شركاء الروس في إدارة عملية المفاوضات بين النظام والمعارضة السوريين، والذين عبّروا في البداية عن شكّهم في انسحاب الروس متبعين ذلك باتصال هاتفي بين الرئيسين باراك أوباما وبوتين يطالب «بتركيز الجهد على التسوية السياسية».
والحقيقة أن انسحاب الروس، وهم من يفترض أن يكونوا خصوم الولايات المتحدة في المنطقة والعالم، لن يقع موقعاً حسناً على آذان الإدارة الأمريكية، فالاندفاعة الروسية في المنطقة أعفت واشنطن من التصرف، بدءاً من تعهد أوباما الشهير بضرب النظام إذا تجاوز «الخطّ الأحمر»، والذي تمّ طيّه من خلال الشراكة مع موسكو التي رتّبت اتفاق التخلّص من أسلحة النظام الكيميائية، وصولاً إلى سيطرة روسيا على الجوّ وهو ما برّر لواشنطن التحرّر من ضغوط تركيا والدول العربية الراغبة في إسقاط النظام بخصوص المنطقة الآمنة أو التدخّل العسكريّ والحظر الجوّي باعتبار كل ذلك نذرا لـ«حرب عالمية» لا تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية أن تخوضها بالنيابة عن «حلفائها»، او بإمكان تورطها عبر السماح لهم بالتصدّي للروس.
لكن ما الذي دفع روسيا أصلاً لاتخاذ هذا القرار المفاجئ؟
أول ما يكشف أسباب هذا القرار هو التوقيت الذي صدر فيه والذي تزامن مع بدء اجتماعات جنيف للتفاوض بين النظام والمعارضة، وسبقته تصريحات ناريّة لوزير الخارجية السوري وليد المعلم تعيد الأزمة السورية إلى مربعها الأول بالقول إن «بشار الأسد خطّ أحمر»، وأوضحت التصريحات الأمريكية والفرنسية التي تطالب الروس بإبلاغ الأسد أن رحيل الأسد بات أمرا متفقا عليه مع روسيا… وإيران، ما يحيل إلى علاقة مباشرة بين الانسحاب وتصريحات مسؤولي النظام.
وكانت قد سبقت ذلك تصريحات للأسد تحدث فيها عن رغبته بمواصلة الحرب حتى النهاية، وهو يبدو أمراً خارج السيناريو الروسيّ – الأمريكي، ولابد أن إجراءات أخرى قام بها النظام على الأرض ساهمت في نشوز النظام الكبير عن ذلك السيناريو.
هناك بالطبع أسباب أخرى يمكن الإشارة إليها، من قبيل نفقات الحرب الكبيرة، وتزايد الضغوط الجيو ـ استراتيجية على روسيا عبر الفضاء الأوراسي، وتآكل مصداقيتها في الدول الإسلامية، والعقوبات الأوروبية والأمريكية ضدها، والصراع المكتوم بين الحليفين الروسي والإيراني في مسائل اقتصادية (كعدم التزام إيران باتفاق لرفع أسعار النفط) وسياسية (في سوريا والعراق ولبنان) وعسكرية (موضوع تسليم صواريخ إس 300)، وهو ما أظهره ترحيب إيران بإعلان الانسحاب الروسي.
لكنّ ذلك كلّه لا يفسّر السرعة المفاجئة التي حصل فيها القرار والانسحاب بعد أن كانت روسيا، في مرحلة اشتداد عنفوانها، تتطلّع إلى التدخّل في العراق أيضاً، وصدرت عن مسؤوليها تصريحات إن مهمتها في سوريا مفتوحة… لينتهي كل ذلك بين يوم وليلة.
في مقابلته الأخيرة مع «ذي أتلانتيك» قدّم أوباما الصورة التالية عن بوتين قائلا إنه «مهذّب وصريح جدا» وأن لقاءاته به كانت مثل «اجتماعات البزنس»، ولكنّه عندما وصف روسيا قال إن وضعيتها في العالم «تضاءلت بشكل كبير».
الانسحاب الروسي، على ضوء هذا الوصف، هو جماع شخصيّة بوتين، مع وضعية روسيا. لعبة الروليت الروسية، هذه المرة، أصابت الأسد ولكن، «بتنسيق كامل بين الطرفين»!

رأي القدس

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ع.خ.ا.حسن:

    بسم الله الرحمن الرحيم.رأي القدس اليوم عنوانه(لعبة «الروليت» الروسية تصيب بشار الأسد؟)
    لمن لا يعرف لعبة الروليت الروسية.هي لعبة( مغامرة) خطرة قد يفقد فيها اللاعب حياته.وهذا اللاعب يصوب الى رأسه مسدسا محشوا بطلقة حية واحدة مع ان اسيعاب هذا المسدس هو عدة طلقات.ثم يضغط اللاعب على الزناد ؛فاذا كانت هذه الضغطة على الطلقة الحية فجرت رأسه وانهت حياته،والا فانه ينجو عندما تكون الضغطة على الفاضي.واعتقد ان ضربة روسيا للاسد ليست على الفاضي.
    قرار بوتن فاجأ نظام الاسد والعالم ولكنه –ربما- لم يفاجئ امريكا بدليل ان كيري يصرح بان هذا الانسحاب هو (افضل فرصة لانهاء الحرب) ومحادثات الهاتف بين بوتين واوباما تعزز ذلك.وهذه الخطوة –اعتقد – لنها ستسرع من رحيل الاسد؛ اذ انه اصبح عبئا ثقيلا وقاتلا على الضمير العالمي،كما ان تبجحات الاسد-مستندا الى الدعم الروسي- بمواصلة الحرب حتى النصر تبعتها ( تصريحات ناريّة لوزير الخارجية السوري وليد المعلم تعيد الأزمة السورية إلى مربعها الأول بالقول إن «بشار الأسد خطّ أحمر»، ) وهذا الموقف المتعنت للنظام السوري بالتزامن مع الاعداد لمحادثات النظام مع المعارضة (يبدو أمراً خارج السيناريو الروسيّ – الأمريكي، ولابد أن إجراءات أخرى قام بها النظام على الأرض ساهمت في نشوز النظام الكبير عن ذلك السيناريو.) وبذلك فان (لعبة الروليت الروسية، هذه المرة، أصابت الأسد) بعد ان اتفقت امريكا وروسيا على رحيله.
    ويجب ان لا يغيب عن بالنا بان هذا الاتفاق الروسي الامريكي لن يراد له ان يكون لسواد عيون المعارضة السورية المسلحة او لاستقرار وامن الشعب السوري ووحدة اراضيه؛ لان خروج سوريا موحدة ومنتصرة على نظام الاسد هو- بالضرورة – ضد امن واستقرار حبيب امريكا وروسيا المدلل(اسرائيل) .وما يدبرانه لسوريا ربما يكون اخطر من نظام الاسد . ولهذا لا يسعنا الا ان نقول (اللهم انا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم)

  2. يقول علي محمد علي:

    اتفاق تقسيم سوريا بين الدول العظمى العالميه والمحليه الى دويلات علويه سنيه كرديه امر نهائي .هذا هو التفسير الوحيد المقنع لهذه الخطوه .

  3. يقول حكمتusa:

    تحليل جميل وفيه الكثير من الحقيقة.
    روسيا لديها مصالح مثلها مثل باقي دول العالم الغربي والشرقي وهي امام اعين حكامهم، والانسحاب البسيط هذا هول له الاعلام لدعم المسار السياسي
    ولإعطاء العملية السياسية دفعة وامل للمعارضة بالتخلي عن التشدد ودق اسفين بين اعضاء المعارضة المختلفين حسب الدولة الداعمة لهم .
    سيحدث هذا الانسحاب المسرحي انشقاق اكبر بين المعارضة السورية وغدا يثبت صحة هذا التحليل البسيط.
    سحب ٢٠٪‏ من الطائرات وبعض الطيارين للراحة لن يغير من اصرار روسيا
    على دعم طبيب البراميل .. وهذه لعبة روسية بتصفيق وتهويل غربي وأمريكي.
    أمس لم يتوقف القصف الروسي والتقدم الحكومي نحو تدمر مستمر ؟؟
    الويل علينا نحن العرب !! لا مصالح ولا سياسات متوازنة ولا تخطيط ولا استراتيجية للمستقبل ، وانما ردود افعال ومزاجية ونرجسية فوق المعقول.
    وشكرا للقدس الجميلة

  4. يقول د. راشد - المانيا:

    لقد كان القائد على زعمهم آخر من يعلم فقد أبلغ بالانسحاب باتصال هاتفي
    أنا توقعت هنا في احد تعليقاتي أن الانسحاب الروسي قريب ومفاجىء وسيكون نكاية بأمريكا لأن الروس أحسوا أنهم يقاتلون عن أمريكا بلوكالة وهذا ما أدركه الدب الروسي الغبي
    على كل الانسحاب كان مزعجا لبشار وشبيحته وإسرائيل وأمريكا ومريحا للأردن خوفا من كارثة لجوء ومريحا ايضا لإيران التي شعرت بعد التدخل أنها لاعب صغير لذلك أعتقد أن بشار هذه أخر سنة له وهو رايح رايح رايح

  5. يقول الاردني:

    الله يلطف من القادم ، اكيد هناك نية للتقسيم مادام روسيا خرجت من سوريا

  6. يقول Hassan:

    العصابة الروسية أخذت مستحقاتها وزيادة من ’’ النظام ’’ السوري ومن عرب أغدقت على الروس والمجال الآن مفتوح لينال بشار ما نال القذافي وقد قضي الأمر الذي يستفتيان فيه المعارضة والأمريكان. ولكن الفرق لما يقبض على الأسد سوف لن يقول ” خيركم شو فيه ” كما قالها معمر.

  7. يقول مواطن سوري:

    البند السابع والذي كنا نتغنى به اصبح في عداد الاموات بعد قرار الدخول لسوريا من شخص واحد والخروج بقرار من شخص واحد

  8. يقول faraj-algerie:

    روسيا خسرت علاقات مع كل من تركيا و السعودية لصالح عصابة متحكمة في دولة لايمكنها تعويض الاستثمار التركي في روسيا و لا العلاقات الاقتصادية مع السعودية .نسبة الخسارة الروسية بعد التدخل في سوريا حوالي 45في المئة دون تعويض لا من سوريا ولا من ايران ولا من العراق الشعب الروسي يدفع ولا يقبض هذه خسرة و مغمرة لا يمكن الاستمرار فيها فهي عباء على روسيا اكثر من حرب اوكرانيا الان الشعب في تلك البلد 20 في المئة منه من اصل روسي اما في سوريا فلا يوجد مبرر في تدخل دون مقابل مع نظام خاسر وحتى لو يبق في السلطة لا يستطيع دفع الخسائر الروسية.

  9. يقول احمد مشري /الجزائر:

    كادت المعارضة ان تنتصر قبل دخول الروس ولن تبقى حينئذ امكانية للتقسيم الذي يريده الكبار فطلبوا من الروس التدخل لنصرة النظام والاكراد مقابل منحه قاعدة عسكرية في سورية وهذا حتى لايبقى هناك اي حل سوى التقسيم فلما قامت روسيا بهذه المهمة انسحبت. ويبقى على المفاوضات تحقيق هذا التقسيم رغم الجميع.

  10. يقول عبود:

    ربما إنسحاب بوتين المفاجي ….يدعم نظرية التخطيط لشرق اوسط جديد …يبدو وكأن هناك من يمنع حرب علي داعش ..بعد أن أعدمت داعش الطيار الاردني بطريقة بشعة….. توعد الاردن أن يقضي علي داعش …لكن لم يفعل ذلك ولم يحصل شئ…. السعودية قالت أنها ستدخل سورية وتحارب داعش بريئا… لكنهم منعوها أو تراجعت …هل هناك من يحمي داعش ..أو يريد أن يطول الدمار وعماليات التهجير في سوريا..حتي تبقي سوريا بدون حل فبوتين أوصل الاسد الي مرحلة قادر أن يواصل فيها الحرب بمفرده … دون أن تحسم روسيا الامر في سوريا

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية