تضارب التصريحات الملتبسة وتواردها.. زحمتها، انخراط متزايد في لعبة قائمة على إتيان كل طرف بالكلام الذي يريحه. إنها لعبة التفاوض الغارقة في «تلطيف الزوايا». وحق لنا ان نسأل: هل هذا جزء من خطوة دبلوماسية؟
سمح وقف إطلاق النار في سوريا بإحياء «جماعات تجديد العهد» وقد أمكن لنا قياس منسوب حراك شعبي امتد به التحدي إلى حمص وريفها. نعم، إنه جو يكتسب دلالة خاصة، لأنه أعاد لمدنية الانتفاضة السلمية ألقها، ولا أعتقد أن اختزال الأمر في مجرد انخراط تنظيمات عسكرية وسياسية جدير بإيفاء حقها لعفوية عودة المواطن السوري إلى سابق التزامه المدني …وكم أدخلتنا عفوية المبادرة الثورية العائدة هذه، إلى الحقل الدلالي لعبارة سجلت هي الأخرى عودة بارقة إلى الواجهة: «الشعب يريد إسقاط النظام». صحيح أن عسكرة الثورة وإسناد الحراك السياسي إلى الحراك الشعبي كان لهما نكهة الاضطرارية، لكن أمل الشعب لا يزال قائما على أن يشكل هذا وذاك آلتي خيار واع.. خيار واع.. إنه، لا محالة، بيت القصيد الآن. وعلى مدى انسيابه مع وتيرة وإيقاع ومزاج ملائم ستخلق جنيف 4 الأجواء التي يفترض أن تسود.. أو لن تخلقها.
حكم ودستور جديد. توافق على تشكيل حكومة وحدة وطنية. مرحلة انتقالية تكرس صلاحيات كاملة لحكم عادل وشامل ولا طائفي: لئن تمكنا بيسر من قياس مستوى التزام المواطن السوري بعهده الحركي، وأيضا- كما لاحظ جون كيري في مؤتمره الصحافي في باريس، من «العودة إلى الجلوس في المقاهي»… فيطرح أكثر من علامة استفهام بالمقابل على مستوى التزام المجتمع الدولي بالدفع قدما بالثوابت السياسية التي ينادي بها. وهنا، تنضاف حمّى الخيارات إلى حمّى التصريحات. والسؤال مطروح: هل المجتمع الدولي قادر على لعب دور العنصر الفاعل في دفع مآل القرار 2254 إلى حيز التطبيق؟ أم أن عودة معتادة إلى مخاطر إعمال طاقة الذاكرة في سبيل المراوغة والنسيان الإرادي واقع محتمل في جو غير مؤمن حتى الآن لنعقد على تطوراته سوى التفاؤل بالخير؟ نعم، يسجل التخفيض اللافت لمستوى العنف جراء «الهدنة» «بادرة حسن النية « وفق الخطاب الدبلوماسي المعروف، فيما تتواصل عملية إدخال مواد الإغاثة إلى مناطق آهلة بأبرياء يذوقون الأمرّين. ولكننا لا نعدو في ذلك – مع قابلية الخطوة للتثمين- مستوى الخلفية التي تضع جوا ملائما لبداية تشاور يتوافق مع القواعد المبدئية لدبلوماسية، هي حاضرا، في صورة الجهاز المشغّل لا أكثر.
فهل ستكون هذه العودة الجديدة إلى جنيف الحلقة الأخيرة من مسلسل انفرط الكثير من حلقاته السابقة؟ وهنا نقتبس بعبارات أخرى من كيري الذي أدخل في خطابه الباريسي عبارة دبلوماسية وبلاغية في آن، «إن كنا لا نريد أن نعود إلى هنا في العام المقبل»- أقل ما يمكن القول عن الحلقة الحالية إنها حلقة الملفات غير المحسومة: فلا هو محسوم الفرق الشاسع بين «هيئة حكم انتقالية ذات صلاحية كاملة»، أو مجرد «حوكمة» تمخض عنها بيان مؤتمر فينا، وهو ما نسيه الكثيرون أيضا. كما ليس محسوم دوليا موضوع مشاركة الأسد من عدمها في المرحلة الانتقالية، وإن شارك فيها… فإلى متى – وهو ما يطرح أيضا على الطاولة حقه في الترشح.
كما لا هو محسوم أمر قيام دولة سورية تحفظ لآلها لحمة وطنية تضمن حقوق مكوناتها الاجتماعية تحت سقف واحد، ينظر لها القانون ودستور مجدد يؤصله الاقتراع النزيه. شيء واحد يتضح حتى الآن، وهو أن لا شيء مضمون.. أما المتضرر الأكبر، الذي بات نسيا منسيا منذ البداية، لا يتغير.. إنه الإنسان.
٭ باحث أكاديمي وإعلامي فرنسي
بيار لوي ريمون