لقاء مع القراء: متى يتعلم السياسيون الحوار منهم؟

حجم الخط
18

أحببت الحوار بين القراء تعليقاً على مقالتي في «القدس العربي» «يا أمير الياسمين الدمشقي»، حول نزار قباني في ذكرى رحيله، إذ لم يتهم أحد صاحب الرأي الآخر بأنه عميل لإسرائيل وهي التهمة الجاهزة لدى معظم السياسيين العرب ضد من يخالفهم الرأي، وكل منهم يشتهي طعن الآخر في عنقه بقلمه!
لقد سارع الكروي داود ـ النرويج إلى القول: نريد شعراء حماسيين وثوريين كالشابي ومفدي زكريا ومحمود درويش. بلادنا محتلة الآن من قتلة طغاة لا يخافون الله.
أحمد اسماعيل ـ هولندا رد عليه بعدما دعاه بخفة ظل «الشيخ داود من النرويج» مذكراً بقصيدة «أصبح عندي بندقية» التي يحيي فيها نزار الكفاح الفلسطيني.

الإبداع باللإلهام لا بالإرغام

حي يقظان كتب مذكراً بأن «الدكتور جوزيف ستالين» أمر الشاعر «فلاديمير ماياكوفسكي» بصرامة: «نريد منك شعراً حماسياً ثورياً يتحدث عن «ثورة أكتوبر». فذهب ماياكوفسكي وانتحر! ويخاطب حي يقظان الكردي بخفة ظل أيضاً قائلاً «أنت فين والشعر فين يا سناتور كروي داود».
أما القارئ «مغربي» فكتب قائلاً إلى السيد كروي.. ما كتبه نزار عن القضية العربية لم تصله إبداعات من ذكرت.. عد إلى أعماله الكاملة قبل أن تقول هذا الكلام». وجاء الرد تحت عنوان «تعليق على تعليق» قائلاً: بالعكس أعتقد وبشدة بصحة ما كتبه الكروي حين ذكر أسماء شعراء مبدعين مثل أبي القاسم الشابي ومفدي زكريا ومحمود درويش.
ويكتب د. أثير الشيخلي ـ العراق متفقاً مع غادة الشاويش، من أن أبجدية أمير الياسمين الدمشقي، في المقال السياسي والقصيدة الوطنية أعظم وأرقى من قصائد الغزل التي اشتهر بها وطبعت أسلوبه وصار علماً لها وعليها».
ومن الجميل رد الكروي على منتقديه موجهاً تحيته واحترامه ومحبته لمن اعترض على تعليقه حول نزار ولمن أيده. وتحسرت على الحوار بين بعض السياسيين اللبنانيين وتلخصه عبارة: «من ليس معي فهو عميل إسرائيلي»!
وثمة حقيقة تجسدت في حكاية ستالين مع ماياكوفسكي وهي أنه لا يمكن جر الأديب إلى «الجندية الأبجدية الإجبارية» ومن حقه أن يكتب بحرية كما يشاء ومن حق الكروي داود وسواه انتقاده أو الإعجاب به.
وحق حرية الانتقاد للقارئ يساوي حق حرية الكاتب مع أبجديته. ولكن لا يمكننا برمجة الفنان كما «الانسان الآلي» لكتابة ما يحلو لنا، بالمقابل: للقارئ حق الرأي والحوار حوله.

جمالية الحوار الراقي

أجل! أحببت في كل ما تقدم الحوار الراقي بين القراء.. وهو ما يفتقر إليه الكثير من سياسيي العالم العربي وحكامه. فهم لا يحاورون بعضهم بعضاً كما لا يحاورون رعاياهم ولا ينصت أحدهم إلا لصوته وللبطانة المتملقة الفاسدة حوله. بل نجد بينهم من يقمع صاحب الرأي الآخر ويسجنه طويلاً بدلاً من الإنصات لما يقوله فقد يكون على حق.
طاهر العربي كتب حول ذلك يقول: نحن أهل المغرب خاصة لا نزال ندفع ثمن هزيمتنا الحضارية: «سقوط غرناطة» كنتيجة لحرق كتب ابن رشد من طرف المتطــــرفين الذين رفضوا أفكار شيخ الفلسفة رحمه الله إذ قال عنهم «أكبر عدو للإسلام جاهل يُكفّر الناس». وهــــذا صحيح ونعيشه اليوم أكثر من أي يوم مضى مع الدواعش أيضاً والقتلة الذين يؤذون سمعة الإسلام والمسلمين.

العروبة في عهدة الذئاب!

القارئ «جبل النار ـ U.S.A.» يقول: نزار قباني من أفضل شعراء القرن العشرين الذين كتبوا للحب والوطن، إلا أن كتاباته في المرأة والحب طغت على قصائده الوطنية رغم أنها كتابات هامة وجميلة.
ويأتيه «تعليق على تعليق» جاء فيه: أعتقد أنه من أفضل شعراء القرن العشرين.
أما رياض ـ ألمانيا فكتب: «نزار قباني شاعر كبير يؤخذ عليه غزله الصريح جداً جداً في المرأة إلا أن له قصائد رائعة تتحدث عن حال العرب والاوطان». وأختار قصيدة استثنائية عميقة مختلفة حقاً سأنشرها نقلاً عنه حين أكتب ثانية عن نزار ودمشق، دمشق التي يجدها نزار صنعت بسيوفها «القومية العربية».
حي يقظان لم ينس التعليق بقوله: «للأسف الشديد لم يأتنا من القومية العربية التي صنعتها السيوف الدمشقية سوى القتل والدمار والخراب»، وهو رأي قابل للحوار والتساؤل: هل القومية العربية سبب الخراب أم إساءة ممارستها واقترانها في بعض دولنا العربية بالقمع؟ ألم يضيّع العرب البوصلة في سفينتهم حين نسي بعضهم أن فلسطين هي القضية المحورية وتفرغوا لقتل بعضهم بعضاً ونهش المغانم؟
يتساءل نزار قباني: ما الذي يحدث في تاريخنا؟../نحن لم نُقتل بسيف أجنبي/بل قَتَلنا كذئاب بعضنا!

أرواح الأماكن وأفانين وعمرو

يكتب أسامة كليّه ـ سوريا/ألمانيا: «أحب نزار وشعره لكنني لا أعرف سبب هوس الشباب بقصائده الغزلية… أما قصيدته «أصبح الآن عندي بندقية» فكانت رائعة.. ويؤكد عثمان سعدي ـ الجزائر «نزار كان رائعاً، وطنياً وقومياً».. ولم ينس الكتابة حول الاستقبال الكبير لنزار في إحدى ندواته في الجزائر حيث لم تتسع له القاعة وأن نزار وجد في ذلك الدليل النافي للكذبة الكبرى وهي أن اللغة العربية «مواطنة من الدرجة الثانية» في الجزائر.
أما «للأسف الشديد، عربي» فيلفتنا إلى الازدواجية لدينا.. فالطبيعة تستهوينا لكننا أعداء لها. لدينا مبدعون ومفكرون ولكنهم هاجروا. لدينا تراث وحضارة لكننا فرّطنا بهما. لدينا قواسم مشتركة مع الآخرين ولكننا ننغلق على أنفسنا وكل حزب فرح بما لديه!.. وأختم بعبارة: ولله في حلقه شؤون على طريقة بولنوار قويدر – الجزائر.
وإلى اللقاء في الأسبوع المقــــبل مع رسائل أفانين كبــــة وعمرو وسواهما وأرواح الأمكــــنة التي يخلف فيها المبدع قبساً من روحه.

لقاء مع القراء: متى يتعلم السياسيون الحوار منهم؟

غادة السمان

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    ” وحق حرية الانتقاد للقارئ يساوي حق حرية الكاتب مع أبجديته. ولكن لا يمكننا برمجة الفنان كما «الانسان الآلي» لكتابة ما يحلو لنا، بالمقابل: للقارئ حق الرأي والحوار حوله. ” أهـ
    أعذريني يا أستاذة غادة على تطفلى عليكم أنتم الأدباء والشعراء فقلبي موجع من أحوال بلادنا
    لكني متأكد أن وراء كل محنة “منحة”، ووراء كل ضيق “فرج”، ووراء كل ابتلاء “سعادة” ، فكل أمر المؤمن خير
    فلقد ذكرت كتب السيرة أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كان يشجع المقاتلين المقتدرين على إجادة فن الشعر ونظمه، ليحرك فيهم الهمم نحو الثقة بالنفس
    لقد كان الشعر السلاح الأقوى في تحطيم معنويات العدو وفي إحراز النصر في ميادين المعركة.
    نحن بحاجة لشعر ثوري يثير فينا الحماسة كما أثارها على سبيل المثال الشاعر الثوري الجزائري مفدي زكريا رحمه الله
    حفظكم الله ورعاكم وسلمكم من كل مكروه
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول صوت من مراكش:

    لكم هو جميل هذا التقليد الذي بدا في بعض كتابنا والمتمثل في تجاوبهم مع القراء

    بالامس فقط استمتعت بمقال في منبر عربي آخر للدكتور عبد الحي زلوم كان موضوعه

    مستلهم من فكرة قارئ من المغرب ، وقبل شهور ختم السيد مالك العثامنة احد جمل مقالاته

    مستأذنا السيد داوود الكروي في لازمته وحولقته. خيام ظلال القارئ في ساحة خيال المبدع

    يعطي الانطباع بترسيخ فعل جديد في المشهد الثقافي قد يكون لاصحاب الشأن الحق قي توصيفه

    الوصف النقدي المناسب .

    اما في ما يخص اطراء الأخت غاذة على مستوى الحوار لدى قراء القدس العربي استطيع ان اقول

    ان القدس العربي شبيهة بالنادي الراقي الذي لا يزوره الا الراقون

    وتحياتي للجميع

    1. يقول د. اثير الشيخلي- العراق:

      أخي أو اختي صوت من مراكش.
      نعم اتفق تماماً مع ما ذهبت إليه.
      فقط ، أظن أن من ختم مقاله مستأذنا بطريقة جميلة من أخينا العزيز داود ، هو الكاتب الرائع ، سهيل كيوان وليس العثامنة ، أليس كذلك؟!

  3. يقول للأسف الشديد ، عربي:

    ترى ماهي ماهية المشاكل والحلول في كل الاقطار العربية
    كيف يكون الحوار المتمدن إرسال واسترسال مع الآخر ..
    ونحن ذلك الشيء الوحيد الذي يرى نفسه خلق الله الأوحد المنزل
    النزيه الصادق الأمين الخلوق الوديع المستقيم الحكيم
    وماعداه في ضلال مبين .. ناقصو أهلية وعقل ودين
    فعلا لله في خلقه شؤون .
    نزار قباني كان منفيا من وطنه وعندما توفي كرمه النظام وسمى شارعا بإسمه كذلك بعض الدول العربية كانت تصف قصائده
    بأنها خارجه عن المألوف لوصفه اجزاء الجسم في المراة بدقة
    ووصفه الأنظمة العربية بأنها ديوك وأبو لهب وتمنيه
    متى يعلنون وفاة العرب .. فعظماء العرب لايكرموت إلا بعد وفاتهم
    العرب لهم خصوصيتهم في هذا التميز !

  4. يقول الكروي داود النرويج:

    كَفْكِف دموعَكَ وانسحِبْ يا عنترة فعـيـونُ عبلــةَ أصبحَـتْ مُستعمَــرَه
    لا تـرجُ بسمـةَ ثغرِها يومـاً، فقــدْ سقـطَت مـن العِقدِ الثمـينِ الجوهـرة
    قبِّلْ سيوفَ الغاصبينَ.. ليصفَحوا واخفِضْ جَنَاحَ الخِزْيِ وارجُ المعذرة
    ولْتبتلــع أبيــاتَ فخــرِكَ صامتــاً فالشعـرُ فـي عـصرِ القنـابلِ.. ثـرثرة
    والسيفُ في وجهِ البنـادقِ عاجـزٌ فقـدَ الهُـــويّـةَ والقُــوى والسـيـطـرة
    فاجمـعْ مَفاخِــرَكَ القديمــةَ كلَّهــا واجعـلْ لهـا مِن قــاعِ صدرِكَ مقبـرة
    وابعثْ لعبلــةَ فـي العـراقِ تأسُّفاً وابعـثْ لها فـي القدسِ قبلَ الغرغرة
    اكتبْ لهـا مـا كنــتَ تكتبُــــه لهــا تحتَ الظـلالِ، وفـي الليالي المقمـرة
    يـا دارَ عبلــةَ بـالعـــراقِ تكلّمــي هــل أصبحَـتْ جنّــاتُ بابــلَ مقفـــرة؟
    هـل نَهْـــرُ عبلةَ تُستبـاحُ مِياهُـهُ وكــلابُ أمــريكـــا تُدنِّــس كــوثــرَه؟
    يـا فـارسَ البيداءِ صِرتَ فريسةً عــبــداً ذلـيــلاً أســــوداً مـــــا أحقــرَه
    متــطـرِّفــاً متخـلِّـفـاً ومخـالِفـاً نَسَبوا لـكَ الإرهـابَ.. صِـرتَ مُعسكَـرَه
    عَبْسٌ تخلّـت عنـكَ هــذا دأبُهـم حُمُــرٌ – لَعمــرُكَ – كلُّــــهـــا مستنفِـــرَه
    فـي الجـاهليةِ..كنتَ وحـدكَ قـادراً أن تهــزِمَ الجيــشَ العـــظيــمَ وتأسِـــرَه
    لـن تستطيـعَ الآنَ وحــدكَ قهــرَهُ فالزحـفُ مـوجٌ.. والقنـــابــلُ ممـــطـــرة
    وحصانُكَ العَرَبـيُّ ضـاعَ صـهيلُـهُ بيـنَ الــدويِّ.. وبيـنَ صـرخــةِ مُجـبـــَرَه
    هــلاّ سألـتِ الخيـلَ يا ابنةَ مـالـِـكٍ كيـفَ الصـمــودُ ؟ وأيـنَ أيـنَ المـقــدرة!
    هـذا الحصانُ يرى المَدافعَ حولَهُ مـتــأهِّــبـــاتٍ والــقـــذائفَ مُشـــهَــــرَه
    لو كانَ يدري ما المحاورةُ اشتكى ولَـصـــاحَ فـــي وجــــهِ القـطـيــعِ وحذَّرَه
    يا ويحَ عبسٍ .. أسلَمُوا أعداءَهم مفـتــاحَ خيـمـتِهــم، ومَـــدُّوا القنــطــــرة
    فأتــى العــدوُّ مُسلَّحـــاً، بشقاقِهم ونـفاقِـهـم، وأقــام فيــهــم مـنـبـرَه
    ذاقـوا وَبَالَ ركوعِهـم وخُنوعِهـم فالعيــشُ مُـــرٌّ .. والهـــزائـــمُ مُنــكَــرَه
    هـــذِي يـدُ الأوطــانِ تجزي أهلَها مَــن يقتــرفْ فــي حقّهــا شـــرّاً يَــــرَه
    ضاعت عُبَيلةُ.. والنياقُ.. ودارُها لــم يبــقَ شــيءٌ بَعدَهــا كـــي نـخـســرَه
    فدَعــوا ضميرَ العُــربِ يرقدُ ساكناً فــي قبــرِهِ وادْعـــوا لهُ بالمغفره

  5. يقول أفانين كبة . مونتريال ، كندا:

    وماذا عن ثقافة الأعتراف بالخطأ وثقافة الأعتذار للأخرين … معظم السياسيين العرب يحتاجون الى دروس ودورات تهذيبية لتعلم اصول الأستماع والأخذ والعطاء بالكلام والحوار الحضاري . وكيفية السيطرة على أنفسهم في حالة الغضب وأن لا يقضوا على حياة كل من يخالفهم الرأي والفكر . وليدركوا بأنهم أُناس عاديين لهم أخطاءهم وعيوبهم وزلاتهم مثل باقي عباد الله ، وأن ليس هنالك من بينهم من سيكون هو منقذ البشرية وأصلاحها لوحده ، بل سيحتاج الى فريق عمل معه .

    سأنتظر مقال الأسبوع القادم عن أرواح الامكنة ، بكل صبر وشوق . هنالك من الأماكن ما نتآلف معها من أول خطوة فيها ، وهنالك بعض الأماكن التي ننفر منها بلا سبب واضح .. كم من الألغاز والطلاسم من حولنا والتي لا نفهمها ، لكنها قد تعني شيئا !
    أفانين كبة
    كندا

  6. يقول جبل النار - الولايات المتحدة الامريكية:

    مقال جميل وفكرته رائعة تشرفت وسعدت بقراءتك لتعليقي المتواضع تحياتي لك سيدتي .

  7. يقول محمد-سؤال للسيد الكروي داوود النرويج:

    سلام الله عليكم اخي الكريم..وددت الاستفسار منك عن كاتب القصيدة الرائعة التي كتبتها اعلاه، والتي يقول مطلعها: ” كفف دموعك وانسحب يا عنترة”.
    أرجو أن نذكر الأسماء ليعط كل ذي حق حقه..
    وشكرا..

  8. يقول حي يقظان:

    شكرًا للسيدة غادة على هذه البادرة اللطيفة،

    كما تلاحظين، ما أثرتُهُ حول المسألة القومية قد جاء بمثابة ردٍّ مباشرٍ على استشهادكِ بأبيات غازي القصيبي في رثاء نزار قباني الذي كان لديه تطلُّع مخالفٌ تمامًا لما جاء في هذه الأبيات، حين كان يتقاسم مع الناس لغةً شعرية لا تختلف في بساطتها عن حديثهم اليومي.

    ورغم أن هذا المكانَ ليس مناسبًا للحديث عن مسألة عويصة وشائكة كهذه المسألة، سأكتفي بالإشارة إليها من خلال تساؤلَيْكِ اللذين طرحتِهما في مقالكِ هذا، سواءً أردتِ الدفاعَ عن القومية العربية كنظرية لا كممارسة أم لم تريدي:

    أولاً، هل القومية العربية سبب الخراب أم إساءة ممارستها واقترانها في بعض دولنا العربية بالقمع؟

    ثانيًا، ألم يضيّع العرب البوصلة في سفينتهم حين نسي بعضهم أن فلسطين هي القضية المحورية وتفرغوا لقتل بعضهم بعضًا ونهش المغانم؟

    فيما يتعلق بالتساؤل الأول، فإن القومية العربية (الكبيرة) في أحسن أحوالها شكلٌ من أشكال العنصرية: أيُّ تمييزٍ فوقي تضعه هذه القومية (الكبيرة) بين العرب وغير العرب، وحتى فيما له مِساسٌ بخصوصية الثقافة المحلية التي تحدث عنها إدوارد سعيد، إنما يندرج في إطار هذا النوع من العنصرية، شئنا أم أبينا. وكلنا يعلم كيف أن الكثير من المثقفين الأكراد والأمازيغيين (وغيرهم من غير العرب) ينظرون حتى إلى الشعراء العرب ذوي هذا التطلُّع «القومي» على أنهم عنصريُّون بامتياز – ومن بينهم أدونيس ومحمود درويش بالذات، على سبيل المثال لا الحصر.

    وفيما يتعلق بالتساؤل الثاني – وهو لم يأتِ في الواقع إلا للتأكيد على ما قلتُه: «للأسف الشديد، لم يأْتِنا من القومية العربية التي صنَّعَتْها السيوف الدمشقية سوى القتل والدمار والخراب» –، فإن العرب الذين ضيَّعوا البوصلة في سفينتهم لم يتفرُّغوا لقتل بعضهم بعضًا إلا لأن تلك القومية العربية (الكبيرة) في أحسن أحوالها قد أثارت فيما بينهم عددًا مروِّعًا من القوميات العربية (الصغيرة): فصار العراقي يفخر بـ«عراقيَّته»، وصار السوري يفخر بـ«سوريَّته»، وصار الفلسطيني يفخر بـ«فلسطينيَّته»، إلى آخره، وكلٌّ يعبِّرُ عن «فخره» أكثر من أي وقتٍ مضى، وكلٌّ يفخر بقوميته (الصغيرة) على حساب القوميات الأخرى. وهذا، تمامًا، ما دعا نزار قباني إلى التساؤل الذي استشهدتِ به في نهاية تعليقكِ على تعليقي: «نحن لم نُقتلْ بسيفٍ أجنبيٍّ / بل قَتَلنا كذئابٍ بعضَنا»!

    1. يقول حي يقظان:

      أردتُ أن أقول في نهاية تعقيبي، كذلك،

      على الرغم من جانب الرُّقي والظرافةِ للحوار بين القراء الذي أشادت به السيدة غادة مشكورةً، إلا أن لهذا الحوار، في بعض الأحايين، جانبًا مُنَغِّصًا ومُكَدِّرًا، والحقُّ يُقال – هذا إن أردنا أن ننظرَ إلى المسألة من كل الزوايا الممكنة.

      فالحراس اللغويون التقليديون، كما تفضَّلَ كاتبٌ من الكتَّاب منتحلاً اسمَ قارئةٍ من القارئات «غَيورةٍ» أو «مؤنِّبةٍ» أو حتى «غاضبةٍ»، إنما هم السلفيون الحقيقيون الذين حاولوا أن يدفعوا بالدين الإسلامي إلى الموت الحقيقي بعد أن حاولوا أن يدفعوا باللغة العربية إلى هذا الموت. وهؤلاء السلفيون هم الأعداء الحقيقيون للشعوب العربية المقهورة، من بعد أزلام السلطة بالطبع، والذين لم أتوقفْ عن انتقادهم الشديد قولاً وفعلاً منذ أيام الصبا، في واقع الأمر. حتى بعض أولئك «المثقفين» الذين يعتبرون أنفسَهم متملِّكين لناصية اللغة العربية أيَّما تملُّك، والذين يعتبرون أنفسَهم كذلك غيرَ صامتين إزاء الحرب على الجمود المصنَّع لهذه اللُّغَة، قد تكشَّفت تعليقاتهم على بعض المقالات المنشورة في هذه الصحيفة عن خلل معرفيٍّ يندى له الجبينُ في نَحْوِ هذه اللغة الجميلة، ومع ذلك ترينهم يتَّهمون من هو على صوابٍ بالجهل الذي يتَّصفون به هم أنفسُهم – وهنا، أحيلكِ إلى مقال خيري منصور «مُضادات فردية للقطعنة»، تحديدًا، وإلى كافة التعقيبات التي أُبْدِيَتْ عليه، من هذا الخصوص.

  9. يقول الكروي داود النرويج:

    حياك الله عزيزي محمد وحيا الله الجميع – أعتذر عن ما حصل من إهمال غير مقصود – الكروي داود سياسي وليس بشاعر!
    كتبت إسم الشاعر بأسفل القصيدة ولكن بسبب طولها (أكثر من 2000 حرف) فقد نقصت بعض الأبيات وإسم الشاعر والحوقلة
    الشاعر هو مصطفى الجزار من مصر وقد رفضت لجنة التحكيم في مسابقة أمير الشعراء في أبو ظبي قصيدته لأسباب واهيه
    ولا حول ولا قوة الا بالله

    1. يقول حي يقظان:

      الأخ كروي،
      عدَّاد التعليقات، هنا، لا يحسب النص بالأحرف، بل بوحدات النقر (2000 وحدة).
      والوحدة، في حال اللغة العربية، هي: إما الحرف أو الحركة (كالفتحة والكسرة، إلخ) أو حتى الفراغ بين الكلمتين.
      فحبذا لو تجعل أسرة تحرير القدس الحد الأعلى من 2500 إلى 3000 وحدة من أجل «حرية التعليق»!

  10. يقول د. اثير الشيخلي- العراق:

    سبحان الله ، في عدد الأمس فقط ، في تعليق لي على أحد المقالات ، ذكرت عن الفارق بين الكتاب و المفكرين اللذين يجلسون في إبراجهم العاجية و ينظرون إلى المجتمع الذي يفترض انهم يخاطبوه كحبات الرمل ، و من المفارقة أنني استشهدت بشعر نزار رحمه الله ، حين قال على لسان السياف العربي في سيرته ، تعودت أن أرى الشعب من الشرفة ..رملا !! في تشبيه لأولئك بهذا السياف العربي ، هؤلاء الذين ينطبق عليهم قول الشاعر :
    و إني لأفتح عيني حين أفتحها,,,,, على كثير ولكن لا لأرى أحدا !!

    و بين أدباء و مفكرين آخرين ، يتفاعلون مع القراء …جمهورهم و مجتمعهم بكل الأريحية و الاحترام ، و ينزلون إلى ساحتهم ، و كيف هو الفارق بين أولئك و هؤلاء ، كالفارق بين التكبر والتواضع ، و بين الاحتقار و الاحترام.

    جاء اليوم مقال أميرة الياسمين الدمشقي و ملكة الأبجدية العربية و أيقونة الأدب العربي ، ليثبت ما قلت ، مع كم التواضع هذا و التفاعل مع القراء هنا ، بل و أسباغ ألقاب غاية في الجمال و الرقة عليهم ، و تمني أن يكون قادة المجتمعات خصوصاً العربية يحذون حذوهم في أسلوب الحوار الذي وصفته السيدة غادة بالجميل الراقي !
    اي تواضع ، و أي دور تقوم به السيدة غادة ، مع كل الثقل الذي تمثله في تشجيع قراءها و بث تلك الثقة المهمة جداً خاصة في نفوس قراء و معلقين من الشباب و النشئ الجديد ، هؤلاء سيتسابقون في المشاركة في الحوار و تعلم أصوله و الاستفادة من تجارب الآخرين ، ربما من أجل أن تذكرهم السيدة غادة في أحد مقالاتها و تحاورهم و توجههم ، ليعتبروها شهادة سيدونوها لاحقاً في سيرتهم الذاتية.
    البعض للأسف ، ربما الف كتاب أو كتابين ، و بعض المقالات هنا وهناك ، وتمت استضافته في لقاء أو أكثر ، فصار يرى نفسه العقاد و طه حسين و ابن خلدون اجتمعوا في ذاته العلية و صار يتطلع إلى الآخرين بمنظار مكبر و يعطي شهادات حسن سلوك و يمنعها عن آخرين ، وصار يرى نفسه أكبر من أن يهديه أحد كتاب يطلب فيه رأيه.

    شكراً جزيلاً سيدتي على تواضعك الجم ، و على تفاعلك المحمود ، و قبل ذلك على كل ما اضفتيه إلى لغة الضاد يا أميرة الياسمين الدمشقي.

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية