لو أننا نعيش في أمن وسلام مثل شعوب أخرى لما التفت أحد بشكل خاص لقصص الزواج المختلط بين عرب ويهود.
الدليل أنه يوجد بين ظهرانينا عدد كبير من الزيجات بين عرب وأجنبيات من أوروبا الشرقية والأمر عادي جدا، تجده تقريبا في كل بلدة في فلسطين، بسبب السفر للتعليم خلال الحقبة الاشتراكية في تلك البلدان.
هنالك زيجات بين عرب ويهوديات، ولكنها قليلة جدا، معظمها باتت قديمة، في الثلاثة عقود الأخيرة أصبحت نادرة جدا.
قبل أكثر من نصف قرن تزوجت إحداهن مسلمًا، من قريتي، أحبته من خلال عمله بالتجارة مع والدها، كان متدينًا في حقبة كان المصلون فيها قلة نادرة، أسلمتْ وبنيا عائلة جميلة، وخدمت والديه العجوزين، لا تستطيع أن تميزها عن ابنة القرية المحافظة، وكانت علاقتها مع ذويها اليهود جيدة، وهم من حيفا، من فلسطينيي البلاد.
واحدة أخرى اقترن بها شاب كان يعيش في أسرة فقيرة جدا وشخصيته ضعيفة، وكما يبدو أنه رأى بالتحاقه للطرف الأقوى في المعادلة الحالية بين العرب واليهود مصدر قوة وخلاصا من الفقر، فتهوّد، وكي يكون يهوديًا على الأصول، غير اسمه من محمود إلى آفنير، حافظ على السبت ووضع قبعة صغيرة على رأسه، ولم يتحدث مع أبناء بلده إذا التقاهم مصادفة إلا بالعبرية، عندما مات قبل ثلاث سنوات، دفن في مقبرة يهودية في نهاريا، وسيبعث مع اليهود في يوم الحساب إن شاء الله.
هناك سيدة أخرى من أصل أوروبي، في بداية علاقتهما أخفى مصطفى سائق سيارة الأجرة أنه عربي، بل غيّر اسمه الشخصي في البطاقة الشخصية إلى دوبي، ولكنه لم يستطع تغيير اسم والده، عندما كان يلتقيه بعض الشبان من بلده في المدينة مصادفة مع زوجته ينادونه باسمه الأصلي عمدا «ولك مصطفى الرّباح.. إلك سلام من أخوك محمد». بحثت وعرفت من هو بالضبط، كانت تحبه فبقيت زوجته ولكنها بقيت على دينها وبقي هو على دينه، ولكن أولادهما الثلاثة حسب الدين اليهودي هم يهود، إلا أن أصغرهم انجذب لأعمامه الذين كان يزورهم بمعية والده وأسلم، بينما اختار أخته وأخوه أن يتبعا والدتهما. رحل الوالدان وبقيت العلاقة بين الشاب المسلم جيدة مع أخويه اليهوديين، يتزاورون في المناسبات، ولكن، لكم دينكم ولي دين.
هناك جمعية يهودية من المستوطنين تطلق على نفسها اسم اللهيب (لهافاه)، مهمتها البحث عن يهوديات تزوجن أو تصادقن مع عرب والاتصال معهن وأبنائهن لإقناعهم بالعودة إلى اليهودية، كذلك يدعون إلى عدم تشغيل العرب في مصانع يهودية، لأن هذا يؤدي برأيهم إلى الاختلاط الذي يؤدي لعلاقات بين يهوديات وعرب. اتصلوا في حالة معيّنة في إحدى قرانا، وبعد عدة اتصالات مع الابن البكر أقنعوه بلقائهم وزيارتهم، ومرة بعد مرة اعتنق اليهودية وصار متدينا واستبدل اسمه العربي إلى اسم يهودي، عاش بضع سنوات في إحدى المستوطنات في الضفة الغربية وعرف عنه أنه متطرف، له سالفان طويلان ومظهر رجل دين يهودي، ونادرا ما يتصل مع أسرته.
له شقيق متدين وله لحية كثة ولكنه مسلم، لا يقطع فرضا من صلوات الفجر في المسجد، يشارك في تنظيم حافلات تسيّر لزيارة القدس والصلاة في المسجد الأقصى.
لي صديقة على الفيسبوك منذ ثلاث سنوات تكتب نصوصا تربوية جميلة، وليس نادرا أن أجد في نصوصها أخطاء، نسخت نصا عن صفحتها وأعدته إليها مصحّحا.
بعد بضع محادثات على الخاص، عرفت أنها تعد للقب الثاني في التربية الخاصة، جرت بيننا حوارات كثيرة في السياسة والاجتماع وغيرها.
في يوم ما نشرت صورة شخصية لها لتغيير صورة البروفايل، فكتبت لها: تشبهين قطة فارسية، فردت ببساطة: لقد أصبت فأخوالي من الفرس..
– كيف يعني فرس؟
– والدتي إيرانية…
– مسلمة..
-لا يهودية، من عائلة شيرازي
– ولكنك عربية؟
– نعم والدي عربي مسلم ولكن أمي يهودية..
– كيف تعرف إليها والدك؟
– في يافا، اشتغل طباخا في أحد المطاعم في شبابه تعرف إليها وتزوجا.
-إذا فأنا أتكاتب مع يهودية منذ ثلاث سنوات من دون أن أعرف.
حاولتُ أن أتذكر بعض الكتابات والنقاشات السياسية بيننا، لم أعبّر ولا مرة عن كراهيتي لليهود كيهود أو لغيرهم من شعوب أو ديانات، إنما أتحدث برأيي السياسي الظاهر كما هو الباطن، أكره سياسات وسياسيين، ولكن لا أكره شعوبا أو ديانات.
– أنا مؤمن بأن الله خلق اليهودي والمسيحي والمسلم والبوذي والهندوسي وأتعامل مع البشر حسب تعاملهم، وكل من على دينه الله يعينه.
– أنا مؤمنة، أحب صلاة الفجر وأصوم في رمضان، وكثيرا ما أقرأ القرآن..
– وهل لك أخوال يهود!
– لي أخوال وخالات في نتانيا وفي زخرون يعقوب وواحدة هنا جنبنا في كرمئيل…
– وهل توجد علاقات بينكم..
– في البداية لم تكن علاقات،الجميع قاطعوا والدتي سوى خالة واحدة، كنت أزورها كل أسبوعين في زخرون يعقوب، وأقضي السبت في بيتها، ولكن تغيّرالوضع وصاروا يتبادلون الزيارات.
– أنت تكتبين العربية بصورة جيدة جدا..
– طبعا فأنا حين أتيت إلى القرية مع والديّ كان عمري ست سنوات..
– وبصراحة من أقرب إليك أكثر، العرب أم اليهود؟ فالخالات حنونات مثل الأمهات!
– أنا أحب خالاتي مثل أي إنسان ولكنني عربية، عند اليهود تشعر بالخصوصية أكثر، لا أحد يتدخل بشأنك، عندنا في القرية يتدخلون كثيرا في شؤونك الخاصة وتصرفاتك وتحركاتك، من ناحية أخرى، إذا مرضت أو احتجتهم ستجد العشرات يتطوعون لمساعدتك، وهذا لا تجده هناك.
– هذا هو الفرق بين المدينة حيث تُحترم الخصوصية فيها أكثر والقرية، وليس لأنهم عرب أو يهود.
– معقول..
– أفهم أنه في إمكانك أنت وأخوتك الحصول على قسائم بناء مثلا بعُشر الثمن الذي يدفعه العرب لأن أمكم يهودية…
-لأ…
– ليش لأ..
– لأننا مسلمون والدتنا أسلمت…
– يعني أبناء خالاتك وأخوالك يتمتعون بحقوق أكثر منك ومن أخوتك لأنهم يهود وأنتم مسلمون…
– صحيح، لا تنس أنهم يخدمون في الجيش ونحن لا نخدم، خلص نحن عرب ومسلمون…
في صفحتها صورة لرجل عربي بالكوفية البيضاء والعقال وله شاربان خفيفان ولحية، قرأت التعقيبات على الصورة وفهمت أنه والدها الحاج أبو عاطف ووالدتها الشيرازية أم عاطف، غطت رأسها بمنديل مطرّز بالخرز الأزرق والأحمر، ذكرني بمناديل والدتي رحمها الله.
صورة ترامب وقبة الصخرة تملأ الفيسبوك، جميل أن يحيا الناس بقناعاتهم، ولكن هناك من يدفع الجميع إلى الهاوية…
سهيل كيوان
يجب الانتباه جدا الى التمييز بين المشروع الصهيوني الاستعماري العنصري الاستيطاني و الذي هدفه اخلاء فلسطين من سكانها و احلال اليهود مكانهم و الدينه اليهوديه و هو اصلا مشروع يهودي اوروبي اشكنازي مجسم في كتاب هرتسل ” الدوله اليهوديه ” و ليس سفاردي من اليهود الذين خرجوا ١٤٩٢ مع العرب من اسبانيا و سكنوا البلاد العربيه و اختلطوا بمجتمعاتها بفضل التسامح العربي الاسلامي. و هدف الصهونيه منذ بدئها و اختراق وايزمان للحكومه البريطانيه هو اقناعهم بان الصهيونيه و اليهوديه التوراتيه سواء بإرجاع عرش ” داوود ” الى القدس و بهذا اصبح وعد بلفور المشؤوم سياسه رسميه لحكومة الانتداب بررت فيها الهجره العارمه ليهود بولندا و روسيا بالدرجه الاولى الى الحبيبه الخالده فلسطين. الصهيوني هو عدونا يهوديا كان او لم يكن و الحذار ان نقع في الفخ الصهيوني و نخلط بين الاثنين لكي يتهمونا باللاساميه و يعرقلون في العقليه الغربيه الدفاع عن فلسطين. و لهذا ايضا فكل مفاوضات مع الصهاينه عقيمه و كل حديث عن سلام معهم او التعايش في دولتين او المعيشه في دوله سراب واضغاث احلام و مضيعه للوقت و اذا سألونا ما هو الحل أقول ليس عندي و ليس مني لاني لست انا المعتدي بل تفضل اسمعني حلك و اذا كان هذا البقاء في فلسطين و احتلال القدس و ابتلاع الاقصى فالجواب ما تراه ما لا تسمعه مني و من اولاد اولادي.
امتي… هي الامه العربيه، هي امه كل من نشاء فيها و انشئها عبر تاريخها… بغض النظر عن عرق او دين…
وطني… هو فلسطين… لا محل فيه الا لابناء امتي… بغض النظر عن عرق او دين…
فيما عدا ذلك… لكم دينكم و لي دين!
مقاله ادبيه سياسية عميقة الافكار تعرض موضوعا منطقيا في غاية الاهمية وهو موضوع القناعات.
فالقناعة ركن أساسي من أركان السعادة، وهي صفة خلقية وسمة تربوية توجد بنسب مختلفة وبمقاييس متعددة عند جميع الناس، لكن السعيد من أكثر من نسبتها في قلبه، وامتلأت بها نفسه، وتشرّبتها جوارحه.
فرسولنا الحبيب يقول:” الغنى غنى النفس”
وبيانها أنه إذا استغنت النفس كفت عن المطامع، فعزت وعظمت، وحصل لها من الحظوة والنزاهة والشرف والمدح أكثر من الطمع الذي يورط في رذائل الأمور وخسائس الأفعال. احد الشعراء يقول:
هي القناعة فالزمها تعش ملكًا
لو لم يكن لك إلا راحـة البدن
فأين من ملك الدنيا بأجمعهـا
هل راح منها بغير القطن والكفن
كاتبنا صدقت يطمع الطامعون بسيادتهم على العالم وعلى خلقه ويبيعون ويشترون في ضمائرهم ودينهم من أجل مطامع لا حدود لها ويتناسون ان الكفن بلا جيوب ، بورك قلمك النابض دائما بكل فكر جديد.
شكرا جزيلا اخ سهيل على الرد الوافي. لقد وضعت يدك على لب القضية و هو عودة اللاجئين الذين يريدون العودة إلى أراضي 48 التي هجروا منها و هذا حتما مستحيل تطبيقه من خلال حل الدولتين. من وجهة نظري المتواضعة الآن هي اللحظة المواتية لتبني حل الدولة الواحدة رسميا من قبل منظمة التحرير الفلسطينية. هذا قد يبدو رومانسيا حاليا و لكن كما قلت انت قد يأخذ عقود من الزمن لتطبيقه و لنا في تجربة جنوب افريقيا خير مثال.
مقال رائع بكل ما يحمله من قصص مؤثرة للواقع الانساني الذي بات يشوِّهٓهُ الواقع السياسي ..استوقفني كثيرا عنوانه لكم دينكم ولي دين الذي يكمن في العبادة او الشرك فجميع الديانات السماوية تؤمن بالله ولولا ان الله كان قد الّٓفَ بين قلبيهما ما تحابا ولا تزوجا واظنها علاقة انسانية طبيعية لكن السياسة حالت بين المفهوم والادراك في المعنى لذالك اصبح هذا الرباط الانساني يعتبر من المصاعب المزمنة في زمن اصبحت فيه الديانات مقتلاً للعلاقات والقناعات الأنسانية بين البشر وهي من يدفع الجميع إلى الهاوية…
الاخوه سهيل و ابو عمر:
اعتقد ان هناك اختلاف في مفهومكما لحل الدوله الواحده (او سوء فهم مني). اذا كان المقصود بحل الدوله الواحده:
– عودة عرب ال48 الي اراضي ال 48 فهذا يعني ضمنيا خروج المحتل منه. مما يعني تحرير فلسطين. هذا ما نطمح له. ولكن لما يقبل الكيان الصهيوني بهذا الحل و نحن اضعف من ان نفرضه؟ اعتقد هذا مفهوم الكاتب.
– عوده عرب ال 48 الي اراضيهم و بقاء المحتل الصهيوني فيها. لا يمكن عمليا وان كنت اعتقد ان هذا تصور ابو عمر.
اما المقارنه مع جنوب افريقيا فهي في غير محلها. الاخيره كان بها نظام عنصري يقاوم من ابنائها و هم علي ارضها.
اما في حاله فلسطيننا فقد اقتلع شعبها العربي منها و “زرع” بدلا منه شعبا متعدد القوميات لا ينتمي لها او الي المنطقه المحيطه بها تاريخيا او جغرافيا. انها حاله فريده في تاريخ تكوين الامم و الشعوب.
و اخيرا، منظمه التحرير؟ اعتقد بعد مهزله اوسلو و ربع قرن من “المفاوضات (؟)” والتنازلات، و مع صفعه Trump لها، فعليها ان تعلن تنحيها من الساحه للمقاومه التي تتبني تحرير كل فلسطين و عوده شعبها.
اخي سهيل :
ليسمع كل من له اذنٌ للسمع , ان من لا يقبلني بسكنى بيتي لا يرضيني الا طرده من حكر ارضي والسلام
أن هذه الآية الكريمة {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}، بل وسورة “الكافرون” كلها أنزلها الله تعالى للبراءة من الشرك وأهله وليس الكتابيين من الاديان السماوية الاخرى كما جاء في المقال.