تفقد السلطوية الجديدة في مصر الكثير من حلفائها الداخليين. تتورط إدارة الجنرالات في المزيد من القمع، والمزيد من الهزل أيضا. يوجه المواطن المكلوم إليهما معا «خليهم يتسلوا» مريرة أو محبطة أو منصرفة إلى تدبير شؤون معيشته الصعبة. يتضح لكل عاقل استحالة استمرارية الأوضاع البائسة الراهنة، وقرب التغيير.
ينفض الناس بأعداد مؤثرة من حول السلطوية الجديدة التي اكتشفوا عجزها إلا عن تعميق الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بالبلاد، وعن الإيغال في تمكين الأجهزة الأمنية والاستخباراتية من إدارة الشأن العام ومن استتباع المؤسسات العامة إن المعينة أو المنتخبة اسميا مثل «البرلمان» القادم ومن ارتكاب مظالم وانتهاكات مروعة دون رقيب أو حسيب. ينصرف الناس بأعداد مؤثرة عن الخطاب الرسمي الذي اكتشفوا تهافته، واعتماده على الترويج للحاكم الفرد، وعجزه عن تبني اختيارات واضحة في السياسات العامة، واقتصار جوانب الوضوح على المنظومة المتكاملة من الممارسات والإجراءات القمعية التي تطبق ضد المواطن الفرد، وضد المجتمع المدني، وضد مجموعات الطلاب والشباب والعمال والمدافعين عن الحقوق والحريات التي ترفض الامتثال للسلطة التنفيذية.
يعزف الناس بأعداد مؤثرة عن الاستجابة «لاستدعاء» رأس السلطة التنفيذية لهم للمشاركة في مشهد انتخابي بائس أفرغ قبل إخراجه من المعنى والمضمون، ويخرجون بذلك جماعيا وللمرة الأولى عن سلوك «الحشود المؤيدة» الذي تكرر بانتظام منذ ما سمي في صيف 2013 بالتفويض الشعبي لمواجهة الإرهاب. يعزف الناس بأعداد مؤثرة عن المشاركة في الملهاة الانتخابية، فيحولون بين رأس السلطة التنفيذية وبين صياغة قابلة للتصديق لادعاء «لدينا انتخابات حقيقية»، ويكشفون للأجهزة الأمنية والاستخباراتية ولجهات التوجيه المعنوي عن انقضاء فاعلية أدوات الحشد المعتادة كالترهيب بفزاعات الإخوان وفزاعات الخونة والعملاء وأيضا الترغيب بتوظيف ما تبين أنه وهم تأثير كاسح للحاكم الفرد على الجماهير.
وكلما يحكم مجتمعنا حصاره للسلطوية الجديدة، انصرافا عن السلطة التنفيذية وعزوفا عن خطابها الرسمي ورفضا للمشاركة في صنوف إلهاء الناس عن واقع الظلم والفقر والفساد وتفنيدا لوهم القبول الشعبي للحاكم الفرد المروج له إما من خلال «الأذرع الإعلامية» أو عبر تصنيع مشاهد تأييد زائفة لم تعد لها ذات الفاعلية التي كانت لها في صيف 2013 وفي 2014، كلما تمعن السلطوية في الاعتماد الأحادي على الأجهزة الأمنية والاستخباراتية لكي تقمع المواطن وتقيد حركة منظمات المجتمع المدني، ظنا منه أن ذلك هو السبيل الوحيد للقضاء على مطالب التغيير والديمقراطية في مهدها من ثم لبقائه هو وأعوانه في مواقعهم.
ويرتبط بطغيان المكون الأمني هذا تراكم مؤلم للممارسات القمعية ولانتهاكات حقوق الانسان، من سلب للحرية وحبس احتياطي لأعداد كبيرة من المصريات والمصريين دون سقف زمني نهائي إلى جرائم التعذيب في أماكن الاحتجاز والقتل في أماكن الاحتجاز والقتل خارج القانون. ويرتبط به ايضا تعاظم نفوذ الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في كافة قطاعات المجتمع بحيث تختزل السلطة التنفيذية عملا في مكونها الأمني ـ الاستخباراتي، وتحل «إدارة الجنرالات» ـ جنرالات الأمن الوطني والمخابرات العامة والعسكرية ـ محل السياسة التي أميتت ومحل من يسمون أنفسهم قوى سياسية وأحزابا سياسية وقبلوا الاقتصار على تقديم فروض الولاء والطاعة للحاكم الفرد و»تلقي التعليمات» من الجنرالات نظير الحماية وتجنب القمع وشيء من الحضور في المجال العام.
وبينما يحدث كل ذلك، يتواصل انشغال الكثير من الباحثين عن استعادة مسار تحول ديمقراطي ومحاسبة المتورطين في المظالم والانتهاكات بتصفية حسابات الماضي القريب وبقضايا فرعية على نحو لن يرتب سوى أن يطلق المواطن باتجاههم أيضا «خليهم يتسلوا» لا تقل مرارة.
تخطئ القوى الديمقراطية في مصر حين تظن أن قطاعات شعبية مؤثرة تهتم بالاتهامات المتبادلة بين اليمين الديني غير المستتبع من قبل إدارة الجنرالات، وبين المدافعين عن الحقوق والحريات من ليبراليين ويساريين لم ينجرفوا إلى موالاة السلطوية.
ويمكن بإخلاص تجاوز هذا العبث، أولا، بالاعتراف العلني بحقيقة أن اليمين الديني يتحمل العبء الأكبر للمظالم والانتهاكات منذ صيف 2013، وأن عدم الرضاء العام عن أفعال وممارسات جماعة الإخوان بين 2011 و2013 والتي حملت في المجمل عصفا منظما بقيم الديمقراطية وبمقتضيات التوافق الوطني الضروري لإنجاز تحول ديمقراطي عسير ما كان ينبغي له أن يتحول إلى تواطؤ كارثي من قبل كثيرين من المحسوبين على الليبراليين واليسار في استدعاء الجيش للتدخل في الحكم ولإماتة السياسة والقضاء المبرم على التعددية التي انتزعها الناس في ثورة يناير/كانون الثاني 2011.
ويمكن بإخلاص تجاوز هذا العبث، ثانيا، بالاعتراف العلني بحقيقة أن تورط الكثيرين من المحسوبين على الليبرالية واليسار في الامتناع عن التمييز بين 30 يونيو/حزيران 2013 الذي كان له مطلبا ديمقراطيا هو الانتخابات الرئاسية المبكرة وبين 3 يوليو/تموز 2013 الذي ألغى المطلب الديمقراطي وعاد بإدارة الجنرالات إلى الواجهة، وتورطهم في الصمت على القمع وفي المشاركة في حكومات السلطوية المتعاقبة، لا ينفي حضور طلاب وشباب وعمال رفضوا الاستسلام للخروج على الديمقراطية وتحملوا كلفة المقاومة السلمية انتهاكا لحقوقهم وسلبا لحريتهم ولا يزالون، ولا ينفي أيضا حضور نفر قليل من الأصوات الليبرالية واليسارية التي
لم تصمت على المظالم والانتهاكات التي ألحقت باليمين الديني ورفضت التوظيف غير الأخلاقي والمتناقض مع القيم الإنسانية لمعايير مزدوجة جعلت من جنون تأييد القتل في فض اعتصامات الإخوان واجبا وطنيا ومن هيستيريا العقاب الجماعي واستباحة الدماء وتعميم الاتهامات المسبقة بالعنف أسلوبا وحيدا للتعامل مع الإخوان ومع المتعاطفين معهم.
تخطئ القوى الديمقراطية في مصر كذلك حين تظن أن قطاعات شعبية مؤثرة تتوقف طويلا أمام نزوع بعض المحسوبين على اليمين الديني غير المستتبع وبعض ممثلي الأفكار الليبرالية واليسارية ذات الإسناد الديمقراطي إلى الإسراف في تدبيج مقالات تقريع السلطوية الجديدة، والسخرية من هزل إدارة الجنرالات وسوء أدائها، والاكتفاء بالتقريع والسخرية دون تقديم بدائل واقعية للإسراع بإخراج البلاد من أزمتها وللتفاعل الإيجابي مع التغيير القادم لا محالة والتأثير في وجهته لكي لا تنتقل مصر من سلطوية إلى سلطوية تالية، أو تنفجر في وجوهنا جميعا التداعيات الكارثية للمظالم والانتهاكات والتناقضات والصراعات المجتمعية المتراكمة ويقوض المتبقي من السلم الأهلي.
لا يجدي أبدا توظيف طاقات رفض السلطوية الجديدة في تقريعها وحسب، ولا ينبغي أن تقتصر مقاومة إدارة الجنرالات على السخرية من هزلها. فانصراف المواطن عن السلطوية لا يعني انفتاحه التلقائي على مطالب استعادة مسار تحول ديمقراطي، ولا يضمن استعادته هو لثقته في المدافعين عن حقوق الإنسان والحريات الذين اختزن وعيه بشأن الكثير منهم التجاهل المنظم لأوضاعه الاقتصادية والاجتماعية وظروفه المعيشية. وهزل إدارة الجنرالات له وجه آخر هو الاستعداد الدائم للتورط في المزيد من القمع وتوريط مؤسسات وأجهزة الدولة في المزيد من المظالم والانتهاكات، وتستخف السخرية التي يسرف بها البعض هنا بالكلفة المروعة التي يتحملها ضحايا القمع وبالآثار السلبية العديدة وطويلة المدى لتوريط الدولة في جرائم كالتعذيب والاختفاء القسري والقتل في أماكن الاحتجاز والقتل خارج القانون.
الأجدر بالباحثين عن استعادة مسار تحول ديمقراطي وبالراغبين في تجنيب مصر ويلات التقلب بين السلطويات وبين إدارات جنرالات لا تتغير بها إلا الأسماء، الأجدر بهم هو التفكير الجماعي والمنظم في 1) سبل فعالة لتحفيز المواطن الذي أطلق «خليهم يتسلوا» باتجاه السلطوية على الانتقال إلى طلب التغيير السلمي، 2) شروط صياغة رؤية متكاملة تربط من جهة بين التغيير السلمي المنشود وبين البناء الديمقراطي وتصل من جهة أخرى بينه وبين تطبيق سياسات تنموية واضحة المعالم تنتصر للعدالة الاجتماعية وللتوزيع المتوازن للثروة ولمنظومة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي بها أيضا تصان كرامة الإنسان، 3) سياقات الانفتاح على حوارات متجردة من تصفية حسابات الماضي القريب ومتحررة من الضغوط الإيديولوجية هدفها هو صناعة توافق قيمي وإجرائي حول هوية الدولة الوطنية ومرتكزات النظام المجتمعي وتفاصيل حقوق وحريات المواطن التي يفترض في البناء الديمقراطي كما في السياسات التنموية دفعنا مستقبليا باتجاهها والتي ننشد التغيير السلمي من أجلها تماما كما ننشده للانعتاق من السلطوية بظلمها وهزلها.
وقناعتي أن الشروع في التفكير الجماعي والمنظم في مثل هذه القضايا الكبرى سيباعد بيننا وبين الإسراف في التقريع والسخرية، وسيساعدنا على تجاوز النهج المريض لتصفية الحسابات، ويمكن القوى الديمقراطية من الاصطفاف بوعي وتسامح وقبول للرأي والرأي الآخر في مواجهة السلطوية وإدارة الجنرالات.
٭ كاتب من مصر
عمرو حمزاوي
وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم
لقد اتضح للشعب المصري تآمر أحزاب العسكر على الشرعية
وهذه الأحزاب خرجت الآن من المولد وتركت الحمص للفلول
أين الخير اذا :
يجمع المراقبون على أن الاخوان سيحصلون على 70% من الأصوات بالانتخابات القادمة بعد ازاحة الانقلاب الأسود عن السلطة !
ولا حول ولا قوة الا بالله
النظام العسكري الذي قام على دماء المستضعفين المسالمين لن يتركوا مراكزهم إلا على جثة مصر نفسها وبعد إفلاسها … فهم ملوك والشعب عبيد وليس لهم مصلحة في مشاركة أحد في حكم مصر فكلمة مصر وحدها تعد لهم كنز يتسولون به على الخليجيين وأمريكا والغرب ودوّل العالم الغنية ثم الغنائم توزع عليهم بالملايين وتركوا الشعب يتسلى بالفقر والضياع والمرض والبطالة حتى يأتيهم اليقين من رب العالمين!
لن يحصل الاخوان على 70% و الدليل ان مرسي حصل على 48%، وخصوصا بعدما تبين ضعف الأداء والتجمد والتردد عند اتخاذ القرارت وان العسكر ضحك عليهم اولا وعلى غيرهم ثانيا بسهولة.
البلد تحتاج الى قيادة متنورة من جميع الأطياف وخصوصا من حزب الوسط الاسلامي ومن كل المخلصين الوطنيين، ولا تحتاج الى الشيوخ الحالمين مع كتب التاريخ و الذين لا يتقبلون النزول عن مناصبهم في الجماعة و الذين حولوا المشروع الاسلامي من مشروع قائم على فكرة يدعمها الجميع الى مشروع ولاء للأشخاص المتنفذين و الذين يمسكون بتلابيب الجماعة و هذا يعتبر أهم اسباب السقوط و لاتنسوا حديث النبي عليه الصلاة و السلام: من كانت هجرته الى الله ورسوله…… الخ.
لعل هذه التجارب المريرة تزيد الوعي عند الجميع
الوطنية الحقيقية هي عملة وجهها الأول الانتماء القومي والوجه الثاني هو الالتزام الديني، لكننا ركبنا القومية لمحاربة الدين وسخرنا الدين لمحاربة القومية
لا ينفع البكاء بعد اللبن المسكوب