لماذا استخدم النظام كرة القدم لدق الأسافين بين السوريين؟

وكأن السوريين كانوا بحاجة لمزيد من المحرضات كي يزدادوا فرقة وتشرذماً وتشظياً وانقساماً. ألا يكفيهم أن النظام استخدم السلاح الطائفي والمناطقي منذ الأيام الأولى للثورة كي يزيد الشروخ الداخلية، ويعّمق التناقضات بين مكونات الشعب ليحكم السوريين على مبدأ: فرق تسد.
غالبية السوريين باتوا متأكدين أن شعار «المسيحي على التابوت، والعلوي على بيوت» في الأيام الأولى للثورة كان من صناعة المخابرات السورية حصراً لتحشيد الأقليات كي تلتف حول النظام، فراح يخوّفها من المسلمين السنة، ويدق الأسافين بين السوريين كي يتفرقوا ويتقاتلوا فيما بينهم بدل أن يواجهوا النظام. وكيف ننسى كيف نشرت المخابرات السورية شريطاً وزعته على نطاق واسع في ذلك الوقت لشيخ مسلم يُدعى الخليلي ادّعى فيه أنه من مدينة درعا، وراح يهاجم في الشريط أهل السويداء جيرانه الموحدين الدروز، ويشتم نساءهم كي يستفزهم ضد جيرانهم أهل درعا المسلمين. وقد عمل النظام المستحيل كي يزرع الضغينة والبغضاء في المنطقة الجنوبية بين أهل السويداء وأهل درعا، فلجأ إلى عمليات الخطف التي كان يرعاها وفيق ناصر شخصياً في السويداء ودرعا، فكان يخطف من درعا، ويخطف من السويداء، كي يشتبك أهالي المدينتين فيما بينهم وينسوا الثورة.
ومن أخطر الوسائل التي اتبعتها المخابرات السورية أنها كانت تقول لشبان مدينة السويداء كي تقنعهم بالقتال ضد الثوار في درعا المجاورة: «يجب أن تذهبوا إلى درعا لتقاتلوا الإرهابيين الإسلاميين الدرعاويين الذين يريدون أن يهاجموا السويداء ويحتلوها». وكيف ننسى تصريحات بثينة شعبان في الأيام الأولى عندما وصفت مجموعات من الشباب الثائر الأعزل في الساحل السوري بأنهم إسلاميون إرهابيون، والهدف طبعاً تأليب الطوائف على بعضها البعض هناك وتخويف الأقليات كي تقف مع النظام.
لقد كانت سياسة شيطانية بامتياز لم يلجأ إليها حتى الاستعمار الفرنسي القذر كي يفرق السوريين. لقد تفوق النظام «القومجي الوحدوي» بين قوسين طبعاً حتى المستعمر في استخدام سلاح التفرقة ضد السوريين كي يسيطر عليهم، ويلعب على تناقضاتهم من أجل التحكم بهم والتلاعب بمصيرهم.
لا عجب إذاً أن النظام استخدم كرة القدم كي يزيد من الشروخات بين السوريين ويفرقهم على أسس جديدة. إن من استغل السلاح الطائفي القذر لتمزيق سوريا وتشتيت شعبها وضربه بعضه ببعض لن يتوانى عن استغلال سلاح الرياضة كي يستمر في تعميق الأحقاد والضغائن ودق الأسافين بين الشعب السوري. لقد لاحظ الصغار قبل الكبار كيف استثمر النظام مبارة الفريق السوري مع فريق استراليا كي يفرق السوريين ويثيرهم على بعضهم البعض. بين ليلة وضحاها صار نظام القتل والإجرام الذي قتل مئات الرياضيين وسجن الآلاف منهم، صار فجأة راعياً للرياضة والرياضيين، فنسي كارثة الحرب وراح ينصب الشاشات العملاقة في الساحات والميادين، ويستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لتحشيد مؤيديه كي يشجعوا الفريق الأسدي أولاً لإلهاء السوريين عن كارثتهم الرهيبة، وثانياً كي يوهمهم بأنه بات مسيطراً، وثالثاً وهو الأهم كي يستثير ملايين السوريين المعارضين على المؤيدين الذين سيشجعون الفريق الأسدي والعكس صحيح. وقد نجح في ذلك نجاحاً باهراً، فقد تحولت مبارتا الفريق الأسدي مع إستراليا إلى حرب داحس والغبراء بين المؤيدين والمعارضين، وصارت عنواناً لسوريا الجديدة المنقسمة على ذاتها. فبينما ناصر مؤيدو الأسد الفريق الأسدي، ناصر الكثير من المعارضين الفريق الاسترالي، وتمنوا أن يفوز على فريق الأسد. وبينما فرح الكثير من المعارضين بهزيمة الفريق الأسدي، سادت حالة من الحزن الشديد في أوساط المؤيدين الذين ذرفوا دموعاً غزيرة على هزيمة الفريق الأسدي، أبكتهم خسارة فريق الأسد لكرة القدم ولم يُبكهم 1500 طفل استشهدوا على مسافة لا تبعد عنهم عشرة كيلومترات بِالسلاح الكيماوي، ولم يُبكهم ملايين المُهجرين والمُشردين ومئات الآلاف من الشُهداء والمُعتقلين والجرحى.. يا هيك اللحمة الوطنية يا بلاش.
وكي يزيد الطين بلة ضغطت المخابرات السورية على بعض اللاعبين أن يرفعوا صور الأسد ويمتدحوه على الشاشات، مما جعل الفريق يبدو في عيون بقية السوريين أنه ليس فريق سوريا الوطن بل فريق الأسد القاتل. وقد ارتكب رئيس الفريق غلطة فادحة عندما خرج على الهواء ليقول إن الفريق الذي لعب مع استراليا هو فريق ما يسمى بالسيد الرئيس، مع العلم أن هذا الرئيس لا يمثل إلا مؤيديه، بينما يعارضه أكثر من ثلثي السوريين، وخاصة الاثني عشر مليوناً الذين صاروا إما نازحين أو لاجئين. وهذا من شأنه طبعاً أن يرش الملح على جروح السوريين المكلومين بدل مداواتها. بعبارة أخرى بدل أن يستخدم النظام هذه المناسبة الوطنية لجمع السوريين على كلمة سواء استغل كرة القدم كي يزيد في أحقادهم وصراعاتهم وضغائنهم.
من المعروف أن كل فرق كرة القدم في العالم تلعب باسم أوطانها باستثناء فريق كرة القدم السوري، فقد لعب باسم بشار الاسد، مما جعل الكثير من السوريين يقول له: «أي طز فيكم وطز بفريق الاسد». لماذا من حق رئيس فريق كرة القدم السوري ولاعبيه أن يقولوا إنهم فريق السيد الرئيس بشار الاسد، وليس من حق ملايين المعارضين أن يقولوا له: «طز فيك وبالأسد وفريقه وطز تلحق بكل واحد شايف الوطن بفريق الاسد»، يصيح معلق سوري؟
ألا تعلمون أن المنتخبات الرياضية تلعب دائماً لترفع اسم أوطانها وليست مؤسسة لتلميع صورة فلان وعلان، يجادل معلق سوري: «أظن وليس كل الظن اثماً أن المنتخب السوري لعب بقلب مليء بحب الوطن، لكن نظام البعث السخيف قزّم دوره، وجعله مؤسسة كطلائع البعث أو شبيبة الثورة أو اتحاد الطلبة، وزعزع ثقة اللاعبين بين إنجازهم للوطن أو خدمة لتلميع الاشخاص…
وبين التلميع والتمييع فقدنا فرصة كان يمكن أن تُستثمر لإعادة بناء وطن منهك».
عندما يلعب فريق كرة قدم باسم الوطن سيسانده بلا شك كل أبناء الوطن، وعندما يلعب باسم شخص، حتى لو كان رئيساً، فسوف يقسّم الوطن إلى أقسام، وهذا، على ما يبدو، ما يريده بشار الاسد ونظام التفرقة الطائفية والمناطقية. لقد كانت مشاركة فريق الأسد في تصفيات التأهل لكأس العالم مناسبة كارثية زادت من الفرقة والتشظي بين السوريين تماماً كما خطط له النظام «القومي» في دمشق الذي كان يرفع دائماً شعار الوحدة العربية ظاهرياً، بينما يدق الأسافين بين أفراد العائلة السورية الواحدة. وسلامتكم.

٭ كاتب واعلامي سوري
[email protected]

لماذا استخدم النظام كرة القدم لدق الأسافين بين السوريين؟

د. فيصل القاسم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول بشير الزين / سوريا:

    السوريون ليسوا متشرذمين والصراع ليس اهلي داخلي كما يريد البعض الإيحاء به . في كل الأحوال لا يزال البعض ينفخ في حريق لإطالة عمر شعلته قدر الإمكان وهذا المقال يندرج ضمن هذا الإطار. انتهى الأمر وفشل الواهمون والامن لسورية آت لا محالة رغم الخيانة والخذلان والتواطؤ والعدوان . القافلة السورية تمشي رغم صراخ وعويل ثكلى النصرة وداعش .

    1. يقول Omruk:

      جاوب بالله عليك سيد زين اذا سمحت على سؤال فيصل القاسم،، مو احسن لو كان المنتخب الأسدي طلع و لعب باسم الوطن و ما انجابت سيرة رئيسك كلها على بعضها؟؟و مابدها عشرة يتكلمو فيها صراع السوريين بدا مع النظام قبل لا تكون في نصرة و داعش

    2. يقول أسامة كليّة سوريا/ألمانيا Ossama Kulliah:

      آه ياأخي بشير الزين/ سوريا ربما نسيت أن تذكر عواء الشبيحة وعصابة بشارون أسدوف بالإضافة إلى عواء النصر ةوداعش, وكذلك عواء بوتين وترامب وإيران وأعوانها. أليس كذلك يا أخي بشير؟

  2. يقول سوري:

    أمهر لاعب كرة في العالم هو بشار الكيماوي ابن أبيه أبو المسالخ البشرية، ومدربه المقبور ابوه حافظ دربه كيف يلعب بسورية ككرة قدم فخسر كل الاشواط ولم يحقق هدفا واحدا، وجعل فرق اخرى من المجوس والروس وميليشيات ابو شحاطة يحتلون الملعب وصار أبو علي بو طين هو الحكم بصفارة وبات فريق الامريكان وفريق الكورد وفريق داعش وفريق الشاطر حسن وفريق سليماني وفريق الخزعلي وفرق اخرى ما انزل الله بها من سلطان تلعب ضد الفريق الوطني السوري

  3. يقول تونسي ابن الجمهورية:

    مشهد تعيس لبلاد لها حضارة ضاربة فى التاريخ ….اخرجها الإسلام السياسي و القوميجة العربية و الطائفية البدائية من الحضارة و التاريخ …..تحيا تونس تحيا الجمهورية

  4. يقول محسن عوض:

    يجب الصبر الصبر علي هذا الدكتاتور الاسد فكل دكتاتور الي زوال ، دائما يعمل الدكتاتور بسياسة الكذب و فرق تسد لانه يفتقد للسند الشعبي والقبول . قليلا من الصبر والحكمه ايها السوريين وستزول المحنه انشاء الله . كذلك يجب العوده للارض والثبات والنضال السلمي ليفشل مخطط الدكتاتور وايران .

  5. يقول محمد بغدادي:

    قلت فاحسنت القول!
    احلى الشي “يصيح معارض سوري؟”

  6. يقول ابن الجاحظ:

    ما لم نفهم و نقتنع فى ربوعنا بأن أصل البلية ليست فى من يحكم ( ان لم يكن بشار فعمار ) بل فى عقلية الحكام المتوارثة منذ عقود…..عقلية لا تصلح و لا تصلح….

  7. يقول جمال قيس الأحمد سوريا:

    اخي بشير الزين من سوريا..ارجوك لا تكابر..كل ما جاء في هذا المقال حقيقي وواقعي ومعروف لكل السوريين. النظام عمل بالمبدأ الاستعماري البغيض: فرق تسد. وهو مستعد ان يلجأ لكل الحيل القذرة للإيقاع بين الشعب كي يفرقه ويقسمه كي يعيش الأسد ونظامه على تناقضات السوريين وخلافاتهم المذهبية والطائفية والقومية. طبعا نتمنى من كل قلوبنا ان يتعايش السوريين، لكن صدقني لن يسمح لهم النظام ان يصبحوا جبهة واحدة تهدده، بل يريدهم مللاً ونحلاً متصارعة. وسيبقى يستخدم السلاح الطائفي الى ما شاء الله.

  8. يقول عربي, اسبانيا:

    عندما كانت المباراة جارية, كنت جالسا مع صديق لي في مقهى اوروبي. وفجأة استلم رسالة موبايل من صديق له. وقال لي بحماس ان الفريق السوري يشق طريقه للفوز. فأجبته فورا. طز. ورأيت الانزعاج الكبيرعلى وجهه, وسألني لماذا اقول ذلك. قلت كيف لي ان افكر في لعبة كرة قدم وكنت قبل ساعات قرأت خبرأ ان 50 عائلة سورية في الامارات كانت قد فرت من القتال ابلغتهم السلطات ان عليهم الرحيل والخروج من البلد ليزدادوا تشتيتا. قل لي, هل افكر بمصير تلك العائلات المشردة ام افرح واهتم بمباراة لاتغني ولا تسمن من جوع. لم يقتنع صديقي بذلك. وقلت لنفسي ياليت هناك من يكتب عن هذا الموضوع. هاهو اليوم ينشر في جريدة القدس العربي. رائع!

  9. يقول سامح //الأردن:

    *(كرة القدم) لعبة شعبية رقم 1
    في سوريا وجميع الدول العربية.
    *معظم الشعب السوري شجع الفريق
    السوري على أساس أن نصره يعود
    (للوطن ) وليس (للنظام ).
    *الحكام والأنظمة المستبدة تذهب
    وتبقى الشعوب التواقة للحرية والعدل
    والكرامة والسلام.
    سلام

  10. يقول د.راشد المانيا:

    أحسنت الوصف يادكتور فيصل
    فالمنتخب أريد له أن يحسن صورة القاتل فقط
    والله رقص الناس فرحا لهزيمة منتخب المخابرات
    أمام الأستراليين ليس حبا بهم لكن…….
    فمن قتل السوريين وفرق شملهم لن يوحد بينهم منتخب مخابرات بشار .

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية