لماذا تنتصر إيران وتنهزم السعودية؟

لا هم للسعودية إلا التصدي لإيران، فهي العدو الأول للمملكة حسبما يتبادر للذهن عندما نرى التجييش الإعلامي السعودي ضد الجمهورية الإسلامية. لكن سياسات السعودية على أرض الواقع تكاد كلها تصب في مصلحة المشروع الإيراني، بحيث بات البعض يشبّه العداء السعودي لإيران بالعداء الإيراني لأمريكا وإسرائيل، خصوم في العلن، وحلفاء في السر، مع الإشارة طبعاً إلى أن إيران تستفيد كثيراً من خلال تفاهماتها مع إسرائيل وأمريكا، بينما تخسر السعودية كثيراً في علاقتها مع إيران.
لو نظرنا إلى السياسات السعودية لوجدنا أنها لا تخدم أحداً بقدر ما تخدم إيران، حتى لو كان الهدف السعودي غير ذلك. لكن العبرة دائماً بالنتائج على الأرض، بدءا من لبنان مروراً باليمن وسوريا والعراق. لماذا خسرت السعودية وربحت إيران في تلك البلدان؟
من المعروف للقاصي والداني أن السعودية لعبت دوراً محورياً في إسقاط النظام العراقي السابق، وتكفلت بدفع قسم كبير من التمويل، لكن بدل أن ترّسخ أقدامها في العراق الجديد، خسرت كل أوراقها هناك، فأصبح العراق مجالاً حيوياً إيرانياً بامتياز، إن لم يكن مستعمرة إيرانية. لقد أصبحت إيران الآمر الناهي في بلاد الرافدين مع الأمريكيين، لا بل إنها تفوقت على الأمريكيين أحياناً في نفوذها في العراق، مع العلم أنها لم تساعد الأمريكيين في غزوهم للعراق كما ساعدتهم السعودية. لكنها قطفت ثمار الغزو الأمريكي، بينما صار النظام العراق الجديد عدواً للسعودية، لا بل إن بعض القيادات العراقية المرتبطة بإيران هددت بغزو السعودية مرات ومرات. أين التفكير الاستراتيجي السعودي من بلد عربي جار ومهم جداً للأمن القومي السعودي؟ وقد قال الدبلوماسي الإيراني المعروف أمير الموسوي قبل فترة إن السعودية تزرع ونحن الإيرانيين نحصد كما حصل في العراق.
حتى في حديقتها الخلفية اليمن، يبدو أن السعودية تخسر معاركها، فماذا أنجزت بعد أكثر من ثلاث سنوات في حربها ضد الحوثيين حلفاء إيران في اليمن؟ خسرت المليارات وربحت حقد الشعب اليمني، بينما يتعزز النفوذ الإيراني في اليمن عبر الحوثيين.
وها هي السعودية بعد سبع سنوات من التدخل في سوريا تخسر المعركة بشكل بشع أمام الإيرانيين، فلم يبق من جماعاتها أحد على الأرض، ففي غوطة دمشق خسرت حليفها جيش الإسلام الذي اضطره القصف الروسي والزحف الإيراني للانتقال إلى شمال البلاد. لا شك أن السعودية دفعت الكثير على معاركها في سوريا، لكنها خسرتها جميعاً. والغريب أن دولة الإمارات الحليف الأول للسعودية في الخليج يتحالف بطريقة غير مباشرة مع الإيرانيين في سوريا لصالح النظام، بدليل أن بشار الأسد لم يتهم الإمارات في مقابلته الأخيرة بالتآمر على سوريا، وكأنه يقول إن الإماراتيين والإيرانيين يد واحدة معي في سوريا. ولا ننسى أنه بينما كان الثوار على مقربة من القصر الجمهوري في دمشق تراجعوا بشكل فظيع بعد أن استلمت السعودية الملف السوري، وكأنها جاءت لدعم النظام والميليشيات الإيرانية في سوريا. فعلاً عجيب، ألم تصب كل الخطط السعودية في سوريا أخيراً في صالح إيران؟ ألا تصول الميليشيات الشيعية في طول سوريا وعرضها بينما انفرط عقد الجماعات المدعومة سعودياً؟ لماذا انقلبت المملكة على جماعاتها وسلمتهم لروسيا وإيران على طبق من ذهب بحجة أنها باتت تدعم الحل السياسي في سوريا؟ هل هذا تفكير استراتيجي أم تفكير بطيخي؟
وحدث ولا حرج عن لبنان، فقد فقدت السعودية في الانتخابات الأخيرة آخر أوراقها، وتعرضت جماعتها لهزيمة، بينما ربح مؤيدو النظام السوري وإيران مزيداً من المقاعد في البرلمان الجديد، بحيث بات سعد الحريري وحلفه في لبنان كالأيتام على مائدة اللئام. لماذا؟ لأن السعودية لم تعرف حتى كيف تتعامل مع حلفائها في لبنان، وقد كان لاعتقال الحريري في السعودية قبل فترة وإجباره على تقديم استقالته بطريقة مهينة أثر عكسي حتى على حلفاء المملكة في لبنان. وقد خسرت السعودية الكثير جراء تلك الخطوة الغشيمة. وبدل تعزيز التحالف السني في لبنان راحت المملكة تصنع جماعات جديدة لها في لبنان وكأنها كانت تريد تمزيق الصف السني وتفتيته، وهذا ما ظهر جلياً في نتائج الانتخابات الأخيرة، بحيث فاز مؤيدو النظام السوري وإيران حتى في المناطق السنية المحسوبة على السعودية.
الفرق بسيط جداً بين السعودية وإيران، فالسعودية لا تتقن جمع الحلفاء حولها، بل شاطرة جداً في دق الأسافين بين حلفائها، لا بل تعمل أحياناً على استعدائهم وتنفيرهم بسياساتها التي لا يمكن أن نصفها إلا بالغبية. كيف تتوقعون من السعودية أن تناصر السنة في العالم العربي إذا كانت قد تآمرت على الحركة الوهابية التي أبقت النظام السعودي في الحكم لحوالي قرن من الزمان؟ لاحظوا بينما تجمع إيران تحت جناحها كل الفصائل الشيعية في المنطقة وتستخدمها لمصالحها، نرى السعودية تستعدي كل من يمكن أن يقف إلى جانبها، فقد ضربت كل الحركات الإسلامية في اليمن ومصر وسوريا ولبنان والمنطقة عموماً، فكانت النتيحة أنها أصبحت بلا معين ولا حليف، لا بل وصل بها الأمر إلى حصار أشقائها ودفعهم قسراً إلى التقارب مع الآخرين رغماً عنهم. لاحظوا كيف تآمرت على تركيا ودفعتها إلى التقارب مع إيران. لا أعتقد أن أحداً يمكن أن ينافس السعودية في سياسة إطلاق النار على قدميها، مع أنها تتمتع بمزايا معنوية ومالية لا ينافسها فيها أحد في المنطقة، فالتاتج الإجمالي المحلي السعودي يكاد يكون ضعف الناتج الإيراني، ناهيك عن أن السعودية قبلة المسلمين جميعاً، لكنها لا تعرف كيف تستثمر أوراقها، أو أنها مجرد وكيل لقوى خارجية لا يهمها حتى السعودية ذاتها؟
ألم يحن الوقت لأن تراجع السعودية سياساتها إذا كانت جادة فعلاً في التصدي للمشروع الإيراني؟ ولو استمرت على هذا النهج، فستجد الكثيرين يتساءلون: هل فعلاً السعودية خصم لإيران أم أنها باتت رافعة للمشروع الإيراني في المنطقة؟ وكما يقولون في السياسة: لا تنظر إلى كلام الساسة، بل إلى أفعالهم على الأرض. ألا تصب كل الأفعال السعودية في المنطقة لصالح إيران بشكل مباشر أو غير مباشر؟

٭ كاتب واعلامي سوري
[email protected]

لماذا تنتصر إيران وتنهزم السعودية؟

د. فيصل القاسم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول محمد جبرؤوتي - ألمانيا:

    حياك الله ..ذكاء حاد وعبقرية وشجاعة.

  2. يقول الكروي داود:

    نعم جيش الإسلام ممول من آل سعود لكنه مكون من سوريين! ولا حول ولا قوة الا بالله

  3. يقول مصطفى:

    للأسف ال سعود حاربوا كل نا هو سني..حصار حماس..الانقلاب على الاخوان..محاربة حزب الإصلاح في اليمن الانقلاب على الثورات..الانقلاب على صدام
    و لا ادري لمادا يتكلمون باسم العالم السني و هم من هدموا المشروع السني في كل مكان حتى علماء الوهابية ادخلوهم السجن..و ها هم يتحالفون مع إسرائيل ضد المسلمين الشيعة. ..و هل أن تكون مسلما لابد أن تتحالف مع من هو من عقيدة الإسلام..باختزال الديكتاتورية تكلفتها أغلى من الديمقراطية و خاصة بدون رؤية استراتيجية و لكن امريكا تستنزف السعودية و تستنزف إيران و تبتلعهم للحصول و استنزاف الطاقة في المنطقة بأقل تكلفة

  4. يقول رامي المطيري:

    صدقت يادكتور فيصل في كل كلمة قلتها.. فهل تعيها السعوديه ام تصم اذانها كالعادة..
    يقول المثل صديقك من صدقك لا من صدقك.. ويقول الاخر عدوك من ضحكك وضحك العالم عليك وصديقك من بكاك وبكى عليك.

  5. يقول حي يقظان:

    الأخ فيصل،
    ألم تدرك بعد ما القصد من وراء تلك السياسة «البطيخية» التي يتبعها آل سعود في المنطقة، كما تسميها؟
    على النقيض تمامًا من سياسة إيران «اللم-شملية» التي تجمع في كنفها كل الفصائل الإسلامية الشيعية في المنطقة لمآربها ومصالحها الخاصة، فإن سياسة السعودية «البطيخية» هذه تم ارتسامها نيابة عن سياسات غربية (وعلى رأسها السياسة الأمريكية، بالطبع)، وذلك من أجل تفتيت كافة الحركات الإسلامية السنية في اليمن ومصر وسوريا ولبنان، إلى آخره، من جهة، ومن أجل تنفيذ السياسة «الأكثر بطيخية» التي لا تخدم إلا الوجود الإسرائيلي في المنطقة، ليس غير، من جهة أخرى. فكلما ضعفت شوكة هذه الحركات الإسلامية السنية (من جراء ما يقوم به آل سعود بأوامر غربية) كلما قويت شوكة كيان الاحتلال الصهيوني على أنقاض ما فعلته ذات الحركات الإسلامية السنية قبل أن ينتهي دورها. وإن جميع التصريحات التي صرح بها «ولي العهد بن سلمان» خلال الأشهر القلائل الفائتة، على أقل تقدير، وخاصة فيما يتعلق بالاعتراف الصريح بحق إسرائيل في الوجود والدفاع عن نفسها وما شابه، ليس لها سوى أن تعكس تلك السياسة «الأكثر بطيخية» على نحو مباشر أو غير مباشر. افهمها بقى يا صديقي!

  6. يقول Khaled Elshami:

    ال سعود يتامرون فى السر والعلن على اهل السنة في العالم العربي والاسلامى منذ حوالى ١٠٠ سنة……. القصة بدات من من أيام الملك عبد العزيز وعبد الوهاب مؤسس الوهابية …..

  7. يقول تيسير خرما:

    قبل ولاية بن سلمان كانت حجج محور أعداء العرب أن السعودية منهوبة من آلاف أمراء ومتنفذين وتضطهد نساء وأديان وأرامكو ملك آل سعود والسعودية والإمارات تشتري أسلحة بمليارات لتصدأ، والآن يبكي محور أعداء العرب لملاحقة السعودية أمراء ومتنفذين ورفع اضطهاد نساء وأديان وتحويل أرامكو لمساهمة عامة بقيمة سوقية 2 تريليون ويستغرب المحور استعمال السعودية والإمارات أسلحتها لصد عدوان ولاية فقيه على العرب والجزيرة العربية بقوة هائلة غير قابلة للاستنزاف بل واستنزاف موارد ولاية فقيه وأذنابه حتى انتفضت شعوب إيران عليها

  8. يقول الصوفي الجزائر:

    متى لعبت السعودية ومن ورائها مؤسستها الدينية دورا ايجابيا لصالح الامة
    الم تاسس السعودية الم يقف هذا النظام. السعودي على قدميه بعد التامر واسقاط الخلافة الاسلامية
    نعم انها تحسن بل شاطرة جداً في دق الأسافين بين حلفائها، لا بل تعمل أحياناً على استعدائهم وتنفيرهم بسياساتها التي لا يمكن أن نصفها إلا بالغباء

  9. يقول محمد السوري:

    فيصل القاسم يتحدث عن السعودية ويعتبرها دولة مستقلة وهي في الحقيقة ليست كذالك السعودية وكما صرح ترامب بانه هناك دول خليجية لن تصمد أسبوعا واحدا بدون الحماية الامريكية وهذا يكفي لمعرفة انه ليس هناك سياسة سعودية بل ان كل ما يقوم به حكام السعودية هو تنفيذ أوامر حامي مملكة آلِ سعود وهم في هذه الحالة الأمريكان في الدرجة الاولى والبريطانيين والفرنسيين في الدرجة الثانية وهؤلاء يشنون حرب صليبية على اهل السنة في المنطقة ويستخدمون السعودية والإمارات والبحرين

  10. يقول ماء مبلول:

    الجواب على سؤالك: لماذا تنتصر إيران و تنهزم السعودية؟ بسيط جدا ألا و هو:
    انظر إلى هدف أو أهداف السعودية و إلى هدف أو أهداف إيران ؟

1 2 3

إشترك في قائمتنا البريدية