نخاف، لهذا نصرخ من الأعماق. نعم نخاف من كل ما يدور من حولنا. كل حروبنا واحتجاجاتنا موسمية حتى كدنا أن نتعود عليها، ونعرف بدقة مآلاتها الفاشلة.
ذاكرتنا في هذا السياق معطلة، انتقائية، موشومة بالبارود وبالهزائم والخسارات التي لن تُعَوّض، تنتفض كلما مسها حريق، لكنها سرعان ما تتعود على اللسعة فتخبو كل ردود فعلها. لم نعد لا كما كنا، ولا كما كان يُفترض أن نكون، بحسب خطابات التنمية المفترضة التي آمنّا بها على مدار عشرات السنين، والتي لم تؤد في النهاية، إلى أي شيء ذي بال، على الرغم من مقابر الشهداء المعترف لهم بالشهادة، والذين ظلت شهادتهم شبهة، شهداء الثورات الاجتماعية الذين لم تكتمل شهاداتهم، فوقفت على الحافة بين الخيانة والجرأة. من يذكرهم اليوم، لا أحد.
ليست عدمية التي أصبحت حقيقة عربية مشابهة لليأس، ولكنها الحقيقة المرة. أصبحنا اليوم كما اشتهونا أن نكون. الذل نبت في بيوتنا منذ قرون حتى أصبح ذلك هو مأكلنا ومشربنا وفسحتنا المريحة للحديث.
هذا الذلّ المقيت رفضناه في بدء ظهوره. حاربناه بكل ما نملك من قوة وشجاعة. انتفضنا ضده. قبور الشهداء المنسيين تغطي جزءا من الأرض العربية، بلا جدوى. ثم بدأنا نشربه في الحليب، في الخبز المستورد، وفي المأكل والمشرب الذي تأتي به سفن الأعداء، وأصدقاء التجارة والربح الأكيد، ثم عبر الشاشات المبهرة بألوانها، وبؤسها الخفي الذي يسطِّح ما تبقى من عقلنا الحي. اليوم، أصبحنا لا ننتبه له. غير معنيين به، كأنه لا يهمّنا، وكأن الحديث عنه لم تعد فيه أية غواية. في المسألة شيء من الخوف لأن هذا سيرمينا حتما في مطاحن الفراغ والخوف والضغينة. نتأمل بعيون الدهشة الساحات الكبيرة المواجهة للبيت الأبيض أو غيرها، وناسا ينتفضون بقوة، يهودا، ومسيحيين، ومسلمين، وبوذيين، وبلا دين. يرفعون اللافتات. في المطارات يحتجون بكل ما يملكون من قوة، ويفرغون المساحات للصلوات. هذه أمريكا أخرى غير تلك التي بشّر بها دونالد ترومب. أمريكا القاضي الفيدرالي الذي أوقف العمل بقوانين الرئيس، عن الهجرة ومنع بعض رعايا بعض الدول الإسلامية من الدخول إلى أمريكا. فعل قضائي عطّل، ولو مؤقتا، قانون ترامب. هذه الممارسات العظيمة التي تعصي القانون عندما يكون ظالما، وهذا الاحتجاج الكبير كلف وزراء، وقضاة، وحكام مناطق، وموظفين، العزل دفاعا على ما تبقى من تسامح وخير، والتنبه للمكارثية الجديدة التي تدق على الأبواب، والعنصرية الرخيصة التي وجدت طريقها خاليا للتجلي بعنف وتوحش في أكثر البلدان تحضرا. حتى الرئيس الأمريكي السابق أوباما، دق ناقوس الخطر، هو الذي دخل البيت الأبيض بجائزة نوبل للسلام، بينما يدخل غريمه الجمهوري بالكراهية ضد كل من لا يشبهه. في هذا الوقت بالذات الذي ينتفض فيه العالم، يجتمع بعض الحكام العرب والمسلمين، مع ممثلي ترامب، ويتحدثون عن العلاقات الثنائية، والتجارية، والتجارب الباليستية الإيرانية، وعن مناطق الحضر الجوي في سوريا لحماية السوريين من أنفسهم، في هروب غير مسبوق إلى الأمام.
المشكلات حقيقية وصعبة، لا نقاش في ذلك، لكن الوضع الحالي وجودي، إذا لم يبد العرب والمسلمون أية ردة فعل، ستطؤهم الأقدام الخشنة العابرة نحو أراضيهم وخيراتهم الطبيعية. العالم كله منشغل بما يحدث. المسلمون عموما، والعرب بالخصوص، غير معنيين بما يصيبهم في الصميم. في اللحظة التي ينام فيها الناس في العراء، عالقين في الطائرات والمطارات، يناقش بعض المسلمين العرب مشكلات الأسواق العالمية، ويتباهون بأن الدولار هو عروتهم الوثقى، ورقة حظهم الخضراء في التبادلات التجارية. ماذا لو عوضوها باليورو، أو بالعملة الصينية القوية، سيصمت ترامب إلى الأبد، وسيضطر إلى البحث عمن يتوسط له مع الدول العربية والإسلامية الغنية. المسلمون الصامتون اليوم على قانون ترامب المتوحش، هم نفسهم الذين انتفضوا ضد فرنسا التي ضيقت على المسلمين يوم أصدرت قانونا يمنع بموجبه ارتداء البرقع في العمل، وفي الفضاءات العامة لأسباب أمنية مبررة جدا. ينامون قريري العيون في ظل حالة شديدة الخطورة بدأت في الانتشار وستكبر عدواها. حادث تفجير المركز الثقافي الكندي ليس إلا بداية صغيرة تعلن عن الآتي المظلم، ولن تكون إلا تجليا صغيرا لهذا الحقد الذي تربى في أحضان الحداثة الضريرة والتبعية العربية البائسة. البشرية تحركت بقوة في كل مكان.
برج أيفل، الرمز الفرنسي العتيد، توقفت أنواره تعاطفا مع الضحايا المسلمين الذي قتلوا في عدوان ظالم ليس أقل إرهابا مما فعله القتلة في مسرح البتاكلون، أو كاروسيل اللوفر، إلا العالم العربي، ظل منشغلا بعقل عاطل سيدمره إن هو لم يستدرك وضعه سريعا. واحدة من اثنتين إما إننا متخلفون حتى العظم ولا ندرك مصالحنا وكيفية الدفاع عنها، وإما إننا جبناء فوق ما نتصور، ونتلذذ بوضع الرؤوس تحت التراب والرمال مثل النعامات الهاربة من ظلالها؟ في انتظار مرور عاصفة، لن تمر إلا بكنس الكلّ. من هنا السؤال المحزن: لماذا إذن يصمت المسلمون ويتكلم غيرهم؟ هناك قاعدة بسيطة. لن يحترمك أحد إذا كنت ذليلا. حتى الذي تخدمه اليوم، سيرميك غدا في أول مزبلة، ويعوضك بصنيعة جديدة. بعض العرب فرحين لأنهم نفذوا من قائمة ترامب، مبدين ولاء غير مسبوق، ظنا منهم أنهم المفضلون، وينسون أن ذلك لن يكون إلا مؤقتا، وسيأتي دورهم. بعض العرب يرقصون بلا محارم لأن أمريكا اعتبرت بلدهم الأضمن سياحيا. يصدون كذبة خطيرة لأن لا أحد خارج المآسي العربية. البعض الآخر يلحون أن حدودهم مؤمنة، بينما يعرف الجميع أن داخلها مهتك بالتناقضات الإثنية والعرقية والدينية الخطيرة، ويكفي تحريك بسيط ليشتعل كل شيء.
وبلدان عربية أخرى تواجه أقدارها التي لم تعد بأيديها، في حروب أهلية طاحنة سببها الأنظمة العمياء التي لم تقرأ المخاطر القادمة، والمصالح الجهوية والدولية. وجامعة عربية لا تتحرك إلا إذا سمعت صوتا هاتفا يأتيها من وراء الصحارى والمحيطات، يذكرها بما يجب أن تفعله.
أتساءل، ماذا لو قمنا ذات صباح ولم نجد جامعة الدول العربية، وعمالها يتظاهرون في الطرقات، لإرجاعها لأن الأمة في خطر؟ ماذا سيحدث؟ لا شيء. لا حدث. سيضحك الجميع طويلا، ويهتفون بصوت واحد: الحمد لله، الوضع العربي بخير، بلا جامعة عربية، ولا مؤتمر إسلامي، ولا أية هيئة أخرى. وجودها من عدمه، لن يغير شيئا في المعادلة، ما دام العرب والمسلمون يصمتون ويتكلم غيرهم.
واسيني الأعرج
نحن نائمون يا أستاذ واسيني – رجاءً لا توقظنا لأنه لا فائدة ترجى منا
ولا حول ولا قوة ىالا بالله
حديثك سيّدي موجه لمن؟
لنخبة باعت نفسها رخيصة لأعداء الأمس و أنبهرت بناطحات سحاب ؟ أم إلى حكام جهلة أذلاء إستعصى عليهم ترك الكرسي فأستعانوا بجيوشهم على الخصوم من الشعب؟ ام إلى عتاة جبابرة لا يرقبوا في مسلم إلا و لا ذمّة؟ أم إلى هؤلاء المقهورين المدهوسين الذين آثروا إلا أن يعبروا البحار ليكونوا فريسة للحيتان ؟
حماية السوريين من انفسهم يا استاذ واسيني الاعرج؟!!
تبرير مبطن لآلة القتل الجهنمية والتي يقوم بها نظام الاجرام منذ 6 سنوات
وآخر افعاله تم الكشف عنها من قبل منظمة العفو الدولية بشنق 13 الف سجين اعزل
تساؤلات مشروعة والاجابات سهلة وهي بإختصار اننا لا نمتلك الجزأة على الحوار ونجيد فقط لغة التخوين فيما بيننا ربما لاننا مررنا بتجارب قاسية مع أنظمة قمعية عودتنا على الصمت أو التصفية لذا إعتدنا على الصمت والخوف حتى في بلاد الحرية ، العالم العربي بحاجة الى تغيير شامل بدءا ً من نمط التفكير ونهجه مرورا ً بفهم جديد لطبيعة الواقع السائد وإستيعاب حجم المشكلات التي يعاني منها العالم العربي وتشخيص أسبابها ويبقى القهر والقمع الذي أنتجه الطغاة على مر العصور أهم الاسباب التي ادت لهذه المخرجات الرهيبة التي يعيشها العالم العربي
اين انت يا مايكل انجلو لترسم لنا لوحة تتكلم عن حال العرب والمسلمين والعالم والاماكن المقدسة ….
من الغرائب أن وزير خارجية عربي دافع عن قرار ترامب الخاص بمنع مواطتي سبع دول عربية من دخول الولايات المتحدة لمد 90 يوماً متهماً إياها بالإرهاب في الوقت الذي إحتج فيه آلاف الأمريكيين أنفسهم على هذا القرار من عامة الشعب ومن بينهم رؤساء ومديرو أكبر شركات تقنية معلومات في العالم من بينها فيسبوك وأبيل وجوجل وغيرها، كما سارت مظاهرات في العديد من الدول الأجنبية (الكافرة) في مظاهرات ضد هذا القرار. ولكن طبعا لا عجب من تخازل المسؤولين العرب فهذه شيمتهم .. “يخص” عليهم (خسئوا).
….” لم نعد لا كما كنا”….
بالله عليك يا أستاذ “كيف كنا ” ?…ها هو التاريخ موجود و شاهد على…. “كيف كنا”
و اليوم لا مخرج من ما “كنا فيه” ولا من ما “نحن فيه” الا بمعجزة من الله جل و عز.
لا تيئس يا استاذ, غدا سنبدأ بالرد في المسلسلات الرمضانيه وبايات الذكر الحكيم.
واقع مؤلم ..!!! هذا هو واقعنا الذي نعيش ، فنحن لا نملك حتى انفسنا !! فهل سيسوء الحال اكثر إلى ان نطلب فيه الأذن بان نتنفس ؟؟!! ام اننا سنصحو من جديد ليكون لنا القدرة على نطق كلمة ( لا ) ؟؟!! اعتقد ان لنا في التاريخ عبرة لرسم خارطة المستقبل ، إلا ان هناك من يدفعنا للنظر إلى الأمام فقط ، بالوقت الذي احتل فيه عيوننا واستباح عقولنا لنكون لا شيء وسنبقى لا شيء ان بقينا نسير على ذات النهج والطريق .
صباحك سعيد أيها الأب الحكيم؛كم أحب كتاباتك ،وان كنت مقلة في التعليق عليها…
انت تمثّل صوت المثقف الجزائري المنصهر في محيطه العروبي،وهذا مايفسر المك حين تسكبه حبرا ياسيدي..
أعتز بك وأفتخر..