أستطيع أن أقسم بأن نتنياهو شرب نخبا وقفز فرحا وهو يرى ما حدث في باريس، وأطلقَ عبارة سافلة لا أستطيع كتابتها، ولكن ممكن أن تتخيلوها، إذا كانت وزيرة الثقافة تصف المستشار القضائي لحكومته بأنه «بُراز وزبالة»، فماذا يمكن أن يقول بيبي وهو يشمت بالفرنسيين! إلا أنه أسرع للاتصال بالرئيس الفرنسي معربا عن حزنه ومواساته.
ولكن معظم ما نشره الإسرائيليون على مواقع التواصل الاجتماعي كان شماتة لا لبس فيها، ومنهم من اقترح إرسال مساعدات طبية موسومة من المستوطنات في المناطق المحتلة عام 67، التي أعلن الاتحاد الأوروبي مقاطعتها. واستغل نتنياهو اللحظة المواتية التي انتظرها، فأعلنت حكومته المصغّرة حظر الحركة الإسلامية الجناح الشمالي برئاسة الشيخ رائد صلاح وإخراجها عن القانون لتصفية الحساب مع حركة رفعت لواء «الأقصى في خطر» منذ أكثر من عقدين، ورفعت لواء بناء «المجتمع العصامي» في مناطق 48، والأهم أن بيبي أراد القول بأنه في جبهة واحدة مع قوى «النور» أمام خطر الظلام الإسلامي. وهو حُلمه الذي أعلنه مرارا، بأن المواجهة الأساسية في العالم هي بين العالم المتنور وقوى الديمقراطية (على شاكلته)، وبين «الإسلام المتطرف» وقوى الظلام، حسب معاييره.
أما بشار الأسد فلم يُخف شماتته هو الآخر، ولا بد أن أبواقه تبادلت التهاني إذ راحت تطبل وتزمّر «هذا ما حذرناكم منه». وبمعنى آخر، فقد ثبتت صحة نظريته الملفقة، بأنه لم تكن هناك ثورة شعب في سوريا، بل هي حرب بين «المتنورين» و(الديمقراطيين قال)، وبين تطرف ظلامي إسلامي يجب القضاء عليه. فإما أن تكون مع بيبي والأسد وإلا فأنت «داعش» وقطاع رؤوس ومغتصب نساء حتى لو كنت مسيحيا وماركسيا!
ومقاومة الاحتلال خطر حتى لو مارستها فتاة بالميني جيب، ولو كان ناظم الغزالي حيا وهو يغرد «على عاصي الهوى الله أكبر» لاتهم بميول داعشية. تدهورت قيمة الإرهاب و(تجلجق)، وصار مثل الحذاء يفصّله كل من شاء حسب درجات قمعه، والنتيجة هي أن أعلنت الدول العشرون أن الأولوية هي لمحاربة الإرهاب، وليفهم كل واحد الإرهاب حسب ذوقه وطعمه، المهم ليس إنهاء احتلال، ولا إنهاء حقبة سوداء من القمع الدموي لشعوب تطالب بالحرية.
لا أقول هذا لتبرير سرطان الإرهاب وقتل المدنيين، بل على ضحية الإرهاب الرسمي أن تكون ذكية وعلى مستوى المسؤولية، وأن تَحذر من دخول الملعب الذي يريده لها أعداؤها. «داعش» ولد لسرقة وذبح الانتفاضة العربية، وأجهزة مخابرات كثيرة تعبث بهذا التنظيم! وكي نعرف ما هي هذه الأجهزة! يجب أن نسأل من المستفيد؟ فهو في كل واحدة من جرائمه يؤلّب المزيد من البشر ضد فكرة الثورات العربية، ويصب في صالح الاحتلال وأنظمة القمع في المنطقة.
وملاحظة لا بد منها، عندما أعلن جورج دبليو بوش، حرفيا بالبث المباشر، أن حربا صليبية قد بدأت، وذلك بعد ضرب التوأمين في نيويورك، لم نتهم المسيحية والمسيحيــين ولا السيد المســـــيح، بل قلنا إنها الإمبريالــــية ومصالحها، وعندما اغتصب الصرب ثلاثين ألف امـــرأة مسلــــمة لم نقل إن هذا دين الصرب! بل قلنا إنه نظام النـــــازي سلوبودان ميلوسيفتــش المدعوم من روسيا، وعندما أحرق المستوطنون عائلة الدوابشة لم نقـــل إنهم اليهــــود، قلنا إنهم غلاة المستوطنين المجــــرمــــين، وعندما أرسلت روسيا طائراتها لتحرق كل معارض للنظام بلا تمييز بين مسلح ومدني، لم نقل إنها المسيحية الإورثوذكسية رغم مباركة الكنيسة الروسية لبوتين واعتبارها حملة صليبية! بل قلنا هي مصالح روسيا على حساب دماء السوريين! وعندما أحرق آلاف المسلمين في مينامار، لم نشتم بوذا، بل قلنا إنها الطُغمة العسكرية الفاشية هناك.
فلماذا عندما يقوم مسلم بعمل إرهابي أو لا أخلاقي في الهند والسند أو في باريس يصبح على كل مسلم في العالم أن يعتذر ويشعر بالذنب! هل كل مسلم مسؤول عن تصرفات مليار ونصف مليار إنسان مسلم، بينما لا تتحمل قيادات وشعوب الدول الأغنى والأقوى في العالم المسؤولية تجاه القمع والاحتلال والعنصرية والقتل المجاني لمئات آلاف المسلمين!
الأمم الأقوى تفرض إعلامها وأجندتها ومفاهيمها لتصبح النموذج الأرقى، يصبح اعتراف ممثل أمريكي بإصابته بالإيدز، بعد معاشرة مئات النساء، جرأة ووضوحا، رغم أنه ربما نقل المرض لعشرات النساء وسيؤدي لموتهن! بينما يصبح اغتصاب معتوه لطفلة في باكستان هو الإسلام ودين مُحمد (ص)!
الغارات بآلاف أطنان القنابل والصواريخ العابرة للقارات من الغواصات النووية والقنابل المشبعة باليورانيوم المنضب على أحياء الفقر العربية، فهذه عظمة وتقدم تكنولوجي، بدون حساب للضحايا فلا يستحقون دقيقة صمت حدادا!
وعندما يدخل مستعربون متنكرون بملابس نساء محجبات وحوامل ويسحبون مصابا من سريره في مستشفى في الخليل ويقتلون ويرهبون طاقم وزوار المستشفى، فهذا مجرد عمل فني مسرحي وليس إرهابا! وعندما يعلن يعلون وزير الحرب الإسرائيلي أنه يعرف الذين أحرقوا عائلة الدوابشة قبل أربعة أشهر، ولكن ليس بحوزته ممسك قانوني ضد المجرمين فهذه ديمقراطية ونزاهة قضاء! لماذا يجب أن يشعر المهاجر إلى أوروبا الذي هرب من جحيم بلاده المحروقة بالقمع والتواطؤ الدولي بالخوف! علما أن منفذي جريمة باريس هم أفراد يرفض عملهم مئات ملايين المسلمين وعلى رأسهم المهاجرون!
على أقوياء وأغنياء هذا العالم تقع المسؤولية، هل يريدون عالما يعـــربد فيه الاحتلال والقمع واغتصاب السلطة والمافيات! والذي سيكون دفيئة للإرهاب شئنا أم أبينا! أم عالما يسوده العدل النسبي على الأقل فتجف منابع الإرهاب ويتفرغ البشر لرفاهــــيتهم والتمـــتع بتعدديتهم واحترامها.
أخيرا جميع تجار السياسة، يحاولون استثمار الحدث بدون أدنى حس إنساني، وبعضهم بفرح وشماتة! من نتنياهو وعصابته إلى الأسد وشبيحته إلى مارين لابان إلى بوتين وغيرهم.
هناك من حزن بالفعل على الضحايا الفرنسيين، لأنه حَزن من قبل على ضحايا المسلمين والعرب والأبرياء حيثما كانوا، لأنه يملك الحس الإنساني أولا، وهناك من رقص قلبه ويرقص وشرب نخبا، ولكنه يذرف دموع القطارة المدرارة التي يستخدمها الممثلون، ولهذا لن أعتذر عن كوني مسلما وعربيا، وعلى أصحاب دموع الصيدليات وأولياء أمور «داعش» وصانعي مهده ومجده الدموي أن يعتذروا، بل أن يعاقبوا على جرائمهم السابقة واللاحقة.
٭ كاتب فلسطيني
سهيل كيوان
لم أقرأ مقالا أجمل من هذا المقال المعبر بحق عن الظلم الذي يتعرض له المسلمون لكونهم مسلمين ولكون الشعوب العربية قد تجرأت وطالبت بالحرية والعدل والمساواة
أنا أيضا لن أعتذر من كوني مسلما وعربيا – فداعش لا تمثل ديني
وكذلك أنظمة القمع والقهر والاستبداد لا تمثل شعوب بلادي
ولا حول ولا قوة الا بالله
المسلمون كانوا يطلقون اسم ” حروب الفرنجة” على الحملات الصليبية مع أن الغرب نفسه يربطها بالصليب, و علينا أن نتساءل كم قتل و ذبح بشار من أهل سوريا و مع ذلك لم يلتحق منهم بداعش إلا القليل و أغلب مجنديها من الغرب: نحن لسنا داعش و لن نكون. معك حق أستاذ سهيل؛ بارك الله بقلمك. لن نعتذر عن كوننا عربا و مسلمين و لن نتغير أيضا. لن نرضى بنظام بشار و لن نرضى بداعش . شكرا جزيلا على المقال.
لا فض فوك كاتبنا الرائع ….والعجب كل العجب لصانعي الارهاب يحاربوه ولا استغراب ان يتباكوه ويشاركوهم الجبناء بقمة درجات النفاق، ليس لتعاطفهم بل لنفاقهم فبالامس ودعنا أطفالا وودعنا نساءا ورجالا وشهدنا هدم بيوت ومساجد وكنائس ومدارس ولم تكن الردود على قدر الحدث،.. تقسيم العالم العربي نجحوا به ، ليس لانهم أقوياء بل بسبب الجهل والغباء الذي ذكرته كاتبنا ..وأقول مثنيه على ما قلته من يصنع الارهاب لا يحاربه…ومن يدعي ارهاب امم دافعت عن حقها وارضها ووطنها هو ذاته ارهابي …الى متى سيستغرق سبات الاغبياء ..ومتى ستكشف عن دموعها التماسيح ..العالم متغابي …ونحن لا زلنا في مرقد في غباء ……..
أضم صوتي لأصواتكم اخوتي: لن أعتذر عن كوني مسلمة وعربية’ لا أشعر بالذنب و لست شامتة أيضا.
أريد أن يمثلنا إسلامنا و عروبتنا لا أقوال و أفعال فئة من المسلمين و العرب
( الإرهاب صار مثل الحذاء يفصّل) و الحذاء يتهلهل ثم يفنى’ الباقي هو الله و دينه
ولا حول ولا قوة الا بالله
لم اقرأ خلال فترة طويلة مقالة بهذه الجراة والشجاعة والوضوح كما هي مقالتك يا أستاذ سهيل وعلى كل حال فإنك في كل ما تكتب كنت فارسا متميزا عن باقي زملائك الكتاب العرب فماذا علينا ان نقول نحن القرّاء هل نكتفي بالثناء والمديح لما تكتب ام غير ذلك فإنني أشد على ايديك وابارك لك هذا الخط المتميز فيما تكتبه واهنؤك بل واهنيء نفسي على ان هذه الأمة لم تقم أبدا فهي بؤرة للابداع وستبقى هكذا الى ما شاء الله
صح لسانك وحياك الله
و اسمح ان اضيف ان ما وقع محزن حقا و لكن الاختبار الانساني الحقيقي لمن بكى اليوم على الضحايا الفرنسيين قد بكى او سيبكي على ضحايا الفقراء في اي مكان. او حتى الضحايا من اشقائه في فلسطين و كل بلاد العرب.
صحيح “دشرت جوزها ميت و ممدود وراحت تعزي في عبود”
مقال في الصميم
لا فُض فوك وأحييك على شجاعتك
مميز مثل العادة أستاذنا.
ahsant