لن أقاطع صالون الكتاب

حجم الخط
0

رغم دعوات المقاطعة التي دعت لها شخصيات أدبية، بعد ما تفوه به محافظ الصالون من كلام غير مقبول، في إحدى الحصص التلفزيونية وهو يتكلم عن «غزواته « في منع كتاب، أساء للمرأة في نسخة السنة الماضية من الصالون، فقد أراد الرجل أن يتذاكى ويحكي نكتة، لكنه ورّط نفسه أكثر، فقد خانته لغته وعبًر عن مكنون ذكوريته التي حاول تغليفها بالتنكيت في حصة تلفزيونية على المباشر.
ما حصل لمحافظ صالون الكتاب، يحصل عشرات المرات للمسؤولين الجزائريين من كل المستويات الذين لا يحسنون التعامل مع المحيط الإعلامي التعددي الجديد الذي تعيشه الجزائر، منذ سنوات، يمكن أن يورطوا أنفسهم ونظامهم السياسي، في كل خرجة إعلامية على المباشر. فقد تعود المسؤول الجزائري على القناة العمومية التي لا تبث على المباشر، كما تعود على صحافييها المتواطئين معه، الذين لا يطرحون إلا السؤال ومعه إجابته. قناة وصحافيون تخصصوا في تلطيف وتحسين مستوى هؤلاء المسؤولين، الذين يورطون أنفسهم في كل تدخل.
الأمر بالطبع لا يتعلق بالظهور في التلفزيون، فالمشكل أعمق من هذا بكثير. يتعلق الأمر في الحقيقة بطرق تعيين المسؤولين عندنا ومقاييسها، داخل نظام ريعي، يعتمد على الولاء كمقياس، يكاد يكون وحيدا. كما ظهر هذا الأسبوع بمناسبة تعيين مدرب الفريق الوطني لكرة القدم، الذي لا يملك من الشهادات التي تسمح له بالقيام بهذه الوظيفة إلا علاقاته بصاحب القرار السياسي، الذي اشتغل عند ذات يوم، كمنسق لحملته الانتخابية. هذا هو المقياس الأساسي الذي كان وراء تعيين المدرب الوطني في مواجهة رأي عام تحت الصدمة، لا يفهم كيف تصل الأمور الى هذا المستوى.
ما ينطبق على المدرب الوطني، يمكن تعميمه على التعيينات في كل المجالات الثقافية والسياسية والاقتصادية، فالولاء هو الأساس. كما هو حاصل في صالون الكتاب الذي نجد على رأسه رجلا بمستوى ثقافي وعلمي جد متواضع، يطلب منه أن يناقش ويحاور ويعطي رأيه في نشاطات ثقافية وفكرية، يحضرها أمين معلوف وسمير أمين وغيرهما من زوار الصالون الدولي للكتاب، المفترضين، الذين يدعون للحضور ويعتذرون كل مرة.
«عزومات» عادة ما تكون فرصة لظهور النهب الريعي في أسوأ مظاهره، يخرج فيها ضيف الصالون والجزائر بأسوأ صورة عن البلد بمن فيها، بعد ان أكل وشرب ونام في الفندق لأيام على حساب الصالون، من دون أن يحضر نشاطا ثقافيا واحدا خارج «الندوة « التي دعي لتنشيطها، في غياب الجمهور، بعد أن يكون المنظمون قد نسوا أن يعلموه أن تغييرا في القاعة قد حصل، بسبب عدم وجود الميكروفون أو المكيف أو أي شيء تافه آخر، وكأن هؤلاء السادة ينظمون نشاطهم هذا لأول مرة، في عمر الصالون.
بالطبع ليس من الوارد بالنسبة لهؤلاء المنظمين تصور لقاءات لهؤلاء الضيوف بمثقفي البلد أو طلبته، خارج الفندق الذي يتم فيه «حجز» الضيف مدة أقامته، فقد جرت العادة أن ينسى المنظمون ضيوفهم، بمجرد الانتهاء من الندوة التي لم تتم أصلا، أو تمت بحضور شكلي، في جو يصعب فيه فهم ما يقوله لك جارك الجالس أمامك، فقد زادت هذه الزيارات التي يقوم بها ضيوف الصالون بالشروط التي تتم فيها، في تشويه صورة البلد، بدل أن تحسنها، نتيجة المنطق الريعي الذي تحصل فيه.
لن أقاطع الصالون الدولي للكتاب الذي يفتتح أبوابه هذا الأسبوع، رغم كل هذا الذي حصل ويحصل، لأنه ببساطة ليس ملكا لمحافظه أو لمن عينًه. رغم هذا المنطق الريعي الذي يسيره والهفوات الكثيرة والمتكررة التي يعرفها تنظيمه، فهو فرصة للفرح واللقاء بين الأصدقاء والتعرف على الجديد من الكتب وطنيا وعربيا ودوليا. الصالون الدولي للكتاب هو تلك العائلات الجزائرية التي تأتي من الجزائر العميقة للتسوق وشراء الكتب من كل نوع. تحضر بكل أفرادها صغيرهم وكبيرهم، من الجنسين. الصالون، باختصار هو عرس كبير يجب أن لا يقاطعه الجزائريون. رغم موافقتي على التنديد بما صدر من كلام بذيء وغير مقبول من محافظ الصالون الذي لن تكون هذه الهفوة، هي آخر هفواته، إذا استمر في منصبه.
زيادة على هذا الطابع الشعبي الواضح الصالون، هو كذلك فرصة سنوية للقاء بالحرفيين من أصحاب المهنة، العرب والأجانب منهم، بكل إنتاجاتهم التي يحضرونها معهم إلى معرض، ما زال يوصف بأنه من أكثر المعارض مبيعات وزيارات في المنطقة العربية، على الأقل. معرض يمكن أن يكون مؤشرا جيدا عن تلك المقروئية التي نجهل عنها الكثير لدى الجزائريين، الذين ما زالوا يحترمون الكتاب ومن يكتب بشكل شبه ديني. كما تعكسه «المظاهرات « التي تحصل بمناسبة البيع بالإهداء التي تنظم في أروقة الصالون، لوجوه روائية مشهورة، كأحلام مستغانمي وياسمينة خضرة وواسيني لعرج وغيرهم من الكتاب والمؤلفين في شتى التخصصات، بما فيها الميادين البعيدة عن الرواية. يكتبون باللغتين العربية والفرنسية في مجالات الفكر والسياسة والتاريخ. يبقى صالون الكتاب المنظم سنويا فرصة لا تعوض للقائهم بقرائهم وإشعارهم بأن هناك من القراء من يثمن عملهم الفكري ومعاناتهم، في مجتمع بدأ فيه الروائي والمؤلف، ينافس كشهرة، السياسي ورجل الدين.
لن أقاطع هذا العرس الكبير، رغم تضامني مع زملائي من المثقفين الجزائريين الممنوعين من حضور فعاليات الصالون التي برمجوا فيها، مثل دحو جربال وعيسى قادري، ومن تضامن معهما كالمؤرخ الفرنسي صديق الجزائر، olivier le cour Grandmaison الذي قرر مقاطعة هذه النشاطات الثقافية التي ما زالت «الجماعة» هي صاحبة الكلمة العليا، في الموافقة عليها أو رفضها، بمقاييس أمنية – سياسية، عفا عنها الزمن، ما زالت تتكرر كبقايا لنظام سياسي أحادي قديم، يرفض أن يزول. نظام ما زال يعتقد أن من حقه أن «يفلتر» ما يقرأ الجزائري وما يسمع من أفكار حتى ولو كان ذلك بمناسبة معرض الكتاب السنوي.
كاتب جزائري

لن أقاطع صالون الكتاب

ناصر جابي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية