رحلة انهيار الجنيه المصري بدأت في أعقاب الانقلاب العسكري منتصف عام 2013، وهي نتيجة طبيعية ومنطقية لنزول الجيش إلى الشارع ودخوله عالم السياسة وسيطرته على البلاد والعباد بالقوة، وما حدث مؤخراً، هو فقط، أن الجنيه سجل مستوى قياسياً جديداً في الانخفاض، عندما تم تداول الدولار بأكثر من ثمانية جنيهات الأسبوع الماضي، ولأول مرة في تاريخه.
ما حدث منذ عام 2013 أن الهبوط كان تدريجيا وليس متسارعا، أي أن النظام الجديد في مصر نجح في تأجيل الانهيار، وليس تجاوزه، والسبب أن مصر، وهي ثاني أكبر اقتصاد عربي، تلقت خلال الفترة من منتصف 2013 وحتى نهاية 2014 مساعدات نقدية بالعملة الأجنبية من دول الخليج، تجاوزت قيمتها العشرين مليار دولار أمريكي، وهو الأمر الذي ساعد على تجنب انهيار العملة المصرية، وجنّب البلاد انهياراً اقتصادياً كاد أن يحدث بسبب الانقلاب العسكري.
يوم الثامن والعشرين من يونيو 2013، أي يوم انتشار الجيش في شوارع القاهرة تمهيداً لانقلاب الثالث من يوليو، كان الدولار الأمريكي يعادل 6.9 جنيه مصري فقط، كان حينها الجنيه قد انخفض أصلاً على وقع الأزمة السياسية في البلاد وتعثر الاتفاق بين الاخوان المسلمين وجبهة الإنقاذ، وكان متأثراً أيضاً بدعوات «حركة تمرد» للنزول إلى الشارع مرة أخرى.
وفي الشهور الثلاثة التي تلت الانقلاب العسكري، وتحديداً خلال الفترة من سبتمبر وحتى ديسمبر 2013، سجل الجنيه المصري ارتفاعاً طفيفاً، واستقر سعر صرفه على ارتفاع أمام العملات الأجنبية، بفضل المساعدات المليارية التي تلقتها مصر، بما في ذلك ودائع نقدية من الكويت بالعملة الصعبة، دعمت استقرار الاقتصاد والعملة وغطت مصاريف الجيش المنتشر في الشوارع. وفي عام 2014 عاود الجنيه المصري الهبوط التدريجي، لكن المساعدات النقدية حالت دون انهياره، ليبدأ عام 2015 وهو متماسك، إذ في اليوم الأول من العام الحالي كان الدولار الأمريكي يعادل 7.1 جنيه مصري، لكن غياب المساعدات الخليجية منذ بداية العام أدت إلى الهبوط الأسرع في تاريخ العملة المصرية منذ عهد الملك فاروق وحتى الآن، حيث فقد الجنيه المصري حوالي 14٪ من قيمته خلال عشرة شهور فقط!
هبوط الجنيه المصري أو انهياره يعود إلى عدة أسباب رئيسية أولها وأهمها انتشار الجيش في الشارع وتعطيل مؤسسات الدولة، وهو ما يكلف ملايين الدولارات يومياً، ويكبد الاقتصاد مصاريف إضافية، ويرفع نسبة العجز في الموازنة، حيث اضطر القوات المسلحة لسحب مزيد من الأموال من الاحتياطات النقدية خلال عام 2015 مع غياب المساعدات الخليجية، واقتصار إيرادات الجيش على المساعدات الأمريكية، وهي مساعدات عسكرية بحتة وليست مساعدات مالية.
أما السبب الثاني لهبوط الجنيه فهو انهيار القطاع السياحي، الذي يمثل ما بين 7٪ إلى 11٪ من الناتج المحلي الاجمالي لمصر، التي تمتلك ثاني أكبر اقتصاد عربي. والأهم من ذلك أن القطاع السياحي في مصر يدر على البلاد نحو 20٪ من إيرادات النقد الأجنبي، بحسب بيانات الهيئة العامة للاستعلامات، ما يعني أن انهياره يؤثر مباشرة على العملة الصعبة وتوافرها في السوق المحلي. ويعود انهيار القطاع السياحي إلى أن أكثر من 70٪ من السياح الذين يتقاطرون على مصر يأتون من القارة الأوروبية، بينما يمثل العرب ـ على أهميتهم- ما نسبته 8٪ فقط من السياحة في مصر، فيما يعلم الجميع أن السائح الأوروبي لا يمكن أن يزور دولة غير مستقرة سياسياً، أو دولة تشهد أعمال عنف وقمع، فضلاً عن أن صورة مصر تشوهت في العامين الأخيرين، بسبب اعتقالات الصحافيين وأحكام الإعدام بالجملة وانتهاكات حقوق الإنسان، وهي مجالات يوليها الغرب اهتماماً منقطع النظير، وتدفع الكثيرين إلى الخوف والتردد إزاء السفر إلى هناك.. فمواطنو الدول الديمقراطية يبحثون عن دول شبيهة لزيارتها والسياحة فيها. السبب الثالث، وربما الأهم، لهبوط الجنيه، هو ارتفاع وتيرة الفساد في مصر خلال العامين الأخيرين، حيث لا برلمان ولا أحزاب ولا معارضة ولا رقابة، وإنما ظلت البلاد تحت حكم فرد واحد، يقود السياسة ويقود الجيش أيضاً، في الوقت الذي يهيمن فيه الجيش على أكثر من 40٪ من اقتصاد البلاد، ما يعني أن السياسة والاقتصاد والأمن والدفاع والقانون والدستور والقضاء ظلت لمدة عامين في يد شخص واحد، وهي بيئة لا يختلف اثنان على أنها تعزز الفساد، وتتيح للفاسدين سرقة ما تيسر لهم من مقدرات الدولة.
هذه العوامل مجتمعة أدت إلى خزينة شبه فارغة في مصر، وتسببت بهبوط حاد في احتياطي النقد الأجنبي، الذي يتراجع بصورة مستمرة منذ ثلاثة أشهر، مسجلاً هبوطاً خلال الشهر الماضي وحده (سبتمبر) بنسبة 10٪ ليقترب من مستويات حرجة وخطرة، بعد أن هوى بأكثر من ثلاثة مليارات دولار في ثلاثة أشهر، أي أن العملة الأجنبية المخزنة في البنك المركزي المصري تتراجع بواقع مليار دولار شهرياً، وهي أرقام ضخمة قد تؤدي إلى مزيد من الهبوط والانهيار خلال الفترة المقبلة إذا استمرت الأوضاع على حالها.
الأزمة الاقتصادية والنقدية التي تمر بها مصر خانقة وخطيرة، والخروج منها لا يمكن أن يتم إلا بخطة طارئة تستدعي إنعاش القطاع السياحي، واستقطاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية.. وهذان القطاعين (السياحة والاستثمار الأجنبي) لا يمكن أن ينتعشا إلا بتوفير مناخ من الحرية والانفتاح والاستقرار والديمقراطية والحفاظ على حقوق الإنسان.
٭ كاتب فلسطيني
محمد عايش
لو كانت مصر دولة مصدرة كتركيا فلا توجد مشكلة بهبوط العملة
ففي يوم انقلاب السيسي كانت الدولار أقل من ليرتين تركيتين
أما الآن فهو أكثر من ثلاث ليرات تركية ولا مشكلة البتة
فانخفاض العملة التركية يزيد بالمنافسة بالصادرات!
الحل بمصر هو بعودة الديموقراطية ليعود الاستقرار والاستثمار
ولا حول ولا قوة الا بالله
المشكلة أن الديمقراطية في مصر ليست في صالح اسرائيل.
لماذا لا تقول ان انعاش الاقتصاد المصري ياتي بعد ازاحة السيسي و سجنه هو و كل من تلطخت يده بالدم و كل من شجع على اراقة دم المصريين و اطلاق سراح السجناء و عودة البرلمان المنتخب و الرئيس المنتخب و اقامة دولة القانون
هذا يعني ان الانهيار مستمر وان اموال الناس تتناقص وان الاوضاع تزداد سوءا في مصر.
رغم الانهيار الذي تتحدث عنه يا أستاذ محمد، فإن السيسي لم يستطع مقاومة الرغبة في شراء طائرات رافال من فرنسا ببضعة مليارات من الدولارات ليضيف إليها حاملتي طائرات هليوكبتر بملياري دولار رغم عدم وجود عدو خارجي خطير يهدد مصر، كما أنها ليست معدات ضرورية لمحاربة “إرهاب” الجماعات الإسلامية في مصر.
هنالك علماء اقتصاد يمكنهم تفسير عملية هبوط العملة او صعودها بطريقة تقنع القارئ،بدل التكهن بأن عوامل معينة أدت الى ما هي عليه….على سبيل المثال،يتم ربط نسبة زيادة الناتج القومي للبلد في العام بطبع المزيد من النقود.فإذا طبع البنك المركزي اكثر من اللازم سيؤدي الى هبوط سعر العملة.وهنالك أيضاً إيجابيات لهبوط سعر عملة معينة،إذ تصبح منتوجات البلد رخيصة للمشترين الأجانب،وبالتالي يزداد التصدير.
مقال موضوعي ممتاز
مع عظيم احترامى للاستاذ محمد عايش ولكل لمعلقين
اولا لماذا كل التركيز والهجوم على مصر فقط على الرغم من ان كثير من الدول فى المنطقة تمر بظروف اسوء من مصر
ثانيا الجيش المصرى ينزل للشوارع المصرية لحفظ الامن وحماية المنشئات الحيوية للدولة المصرية مما يؤدى الى ان تكون مصر امنه للاستثمار وهذا معمول به فى كل دول العالم
ثالثا سبب هبوط سعر الدولار نتيجة الاطرابات التى حدثت بعد ثورة ٢٥ يناير وماحدث بعدها من اعمال ارهابية سواء من الاخوان او غيرهم مما ادى الى هبوط دخل السياحة مما ادى الى تاكل لاحتياطى الاجنبى وبالطبع ضعف قيمة الجنية المصرى وكل هذه الاحداث والاطرابات شئ طارئ ومصر ممكن ان تتغلب علية ولا يسبب اى مشاكل لمصر حيث تستطيع مصر حاليا تقليل الاستيراد وخاصة للسلع الترفيهية وكذالك مع ضعف الجنية المصرى سوف تزيد الصادرات لرخص ثمنها بالنسبة للمنافسين لها
رابعا مصر دولة تملك امكانيات عالية ومستقبل باهر امكانيات بشرية وسوق استهلكى كبير وموقع ممتاز جاذب للمستثمرين خاص بعد الاكتشافات الضخمة الاخيرة للغاز
خامسا لقد مرت مصر بظروف اصعب واعقد من ذالك وتختطها فى السابق وسوف تتخطى مصر كل الصعاب باذن الله
كلنا نتمنى مستقبلا زاهرا لمصر و لكن التمني شيء و الواقع شيء آخر.
احد اهم محددات المستقبل هو النظام التعليمي فهو مصنع الاجيال و التقدم يتم بالانسان و من اجل الانسان. النظام التعليمي في مصر في كل مستوياته و كما ترى بكل وضوح في منتهى الضعف. اتكلم عن المدارس الحكومية و الازهر و الجامعات العامة التي تزدعم باملايين و تخرج الاميين.
ارجوك لا تكلمني عن فلتات او اعداد قليلة هنا و هناك. انا اتكلم عن الملايين.
للاسف المستقبل مع المعطيات الحالية مظلم جدا
مع رفضي للإنقلاب ومعارضتي له، و إتفاقي معك إن حكم العسكر سبب الخراب و كل خراب، إلا اني لم التمس أي موضوعيه في مقالك. فليس هناك إحصائيات دقيقه أو بيانات موثقه. و أني لأعجب من تجاهلك لتصريحات محافظ البنك المركزي السابق بأن تكاليف حفر تفريعة قناة السويس كانت السبب الرئيسي لإنخفاض الجنيه مؤخراً، و هي التصريحات التي علي مايبدو كانت السبب في الاطاحه به من مركزه قبل أن يرتد إليه طرفه. كما انك تجاهلت أيضاً صفقات السلاح المتواليه و تحميل الميزانيه بزيادة مرتبات و معاشات العسكريين و القضاه.
تدفقت على مصر 18 مليار من الدولارات من تحويلات العاملين بالخارج فى عام حكم مرسى فك الله اسره
ردا على الأخ محمد علي.
أولا: هبوط السياحة سببه عدم الاستقرار السياسي. وعدم الاستقرار بدأ بعد ثورة يناير هذا صحيح. لكن كان أمام مصر فرصة العودة للاستقرار في 2012 وكان الاقتصاد يتحسن لكن الجيش فضل الانقلاب على الانتخابات والحياة المدنية ولم يكترث بمصالح مصر.
ثانيا: نزول الجيش الى الشارع مكلف ماديا بغض النظر عن الأسباب. سواء لحفظ الأمن أو غيره. ولاحظ معي أن الأمن يتدهور في مصر كلما زاد الجيش من قمعه. يعني أن الاستقرار يأتي الى مصر من خلال الديمقراطية وليس من خلال القمع وحكم العسكر.
ثالثاً: صحيح أن كل ما يجري في مصر طارئ، ولذلك ينهار الجنيه لأن مصر تمر بظروف طارئة.
أخي المصريون يفقدون أموالهم كما قال كاتب المقال والجيش هو الذي يتنعم بخيرات مصر.. الجيش قوامه مليون شخص، وهناك 79 مليون آخرين موزعين بين النوم في المقابر والعيش في العشوائيات وما الى ذلك…..