ما زال الآلاف من عشاق كرة القدم حول العالم يفركون رؤوسهم حيرة عقب تتويج المغمور ليستر بطلاً للدوري الانكليزي الممتاز، رغم وجود أندية أكثر عراقة وثراء وتاريخاُ وقوة منه، لكن لا بد من وجود أسباب لهذا الانجاز التاريخي.
عندما سئل المدرب الايطالي كلاوديو رانييري عن سر هذا النجاح، كانت اجابته بسيطة: لا أعلم. لكن في الواقع هي عوامل عدة تجمعت في الوقت والمكان المناسبين لتصنع من ليستر بطلا قاهراً في موسم استثنائي، أبرزها أسلوب لعبه وشراسة لاعبيه وقتالهم المستميت. ففي حين كان أسلوب لعب برشلونة «تيكا تاكا» قبل سنوات والمعتمد على الاستحواذ هو المحبب والذي يقود الى اللقب، وحاول كثيرون تقليده، فان نقيضه كان الأسلوب الاكثر نجاحاُ حالياً، وهو أسلوب ترك الاستحواذ للمنافس الذي انتهجته الفرق المستضعفة وغير المرشحة، فبدأها بوروسيا دورتموند بأسلوب «الضغط الارتدادي»، فنجح في فك احتكار العملاق بايرن ميونيخ محلياً ونجح في التأهل الى المباراة النهائية لدوري الأبطال، ليستمر مدربه يورغن كلوب مع ليفربول حالياً في الاسلوب ذاته ونجح في تأهيله الى المباراة النهائية للدوري الاوروبي عقب شهور قليلة من تعيينه، وهذا الأسلوب الذي يعتمد على بذهل جهد وطاقة واغلاق المساحات أيضاً انتهجه أتلتيكو مدريد وحقق به نجاحات رهيبة قارع بها نجاحات العملاقين الريال والبارسا، وهكذا أيضاً انتصر ليستر في الدوري الانكليزي، وسمح لكل الفرق بالسيطرة على الكرة لكنه استشرس في الدفاع ونجح قلبا دفاعه مورغان وهوث في توظيف خبرتهما وقوتهما لمصلحة الفريق، وأمامهما كانتي المقاتل الشرس الذي لا يسمح لمنافسيه أبداً بالراحة واستغلال المساحات، الى درجة ان طرفة انتشرت مؤخراً عن كفاءته تقول ان «كانتي عندما فقد عذريته استعادها مرة أخرى»! في اشارة الى انه لا يسمح لأحد أن يخطف منه أي شيء.
طبعاً مثل هذا الأسلوب، يتطلب نوعية معينة من اللاعبين الهجوميين، أبرزها السرعة والجهد العالي، وهذا ما توافر في فاردي واوكازاكي، وأيضاً تطلب وجود لاعب مهاري ماكر قادر على فتح الثغرات عند الخصوم، وهنا تألق النجم الجزائري رياض محرز بصورة رائعة.
طبعاً هذه العوامل قد لا تكون كافية لاحراز لقب الا بوجود مدرب مخضرم ومحنك، مثل رانييري، الذي أخرج ما في جعبته من عقليته الايطالية، في الاسابيع الاخيرة من الدوري، ما ذكرني بانتصار الآزوري بمونديال 2006 الذي جاء خطوة خطوة، وبدراسة فائقة لكل مباراة، وطبعاً ما سمح في هذا الأمر، هو تجرد لاعبي ليستر من الضغوط والتوقعات، والأهم تفرغه الكامل للدوري على عكس منافسيه الكبار الذي كانوا منهمكين في منافسات شرسة في دوري الابطال والدوري الاوروبي والكأسين المحليين، ما استنزف قواها وشتت تركيزها. وعامل مهم آخر هو الروح التضامنية بين اللاعبين، وهي روح قد نجدها عند الفرق والمنتخبات في المسابقات القارية والدولية، لكن على مدار موسم كامل فان ليستر يحسد عليه. السؤال المهم، هل سيكرر ليستر هذا الانجاز؟ من المنطقي ان يكون الجواب لا، لكن بعد التجربة تعلمنا ان نجاوب: ممكن!
خلدو الشيخ