امتلأت قريتنا بأجهزة التلفزيون محلية الصنع، وارتفعت أجهزة «الإيريال» فوق البيوت عبر قضبان حديدية مجوفة وطويلة، أو أعواد خشبية أعدت على عجل ليتعلق بها مشط من الألمنيوم، باتجاه الجنوب الغربي حيث جبل كوكب الذي تبث منه إشارة التلفزيون السوري.
كنا امتلأنا بحب الكرة حتى الثمالة، نحن أطفال القرية الذين صاروا يافعين، يلعبون الكرة كل مساء، ويبارزون لاعبي القرى المجاورة، يومها كان الانتماء إلى القرية لا يماثله إحساس آخر حين نمثلها في لعبة الكرة.
كل مساء ينقسمون إلى فريقين، وعند العودة من مدرسة المدينة يوم الاثنين يطوون كتبهم المدرسيّة بجريدة الموقف الرياضي، يتناقشون في أسماء اللاعبين ومستوى منتخبنا الوطني الذي تعثّر في التصفيات المؤهّلة لكأس العالم التي أقيمت في الرياض.
كان الأب قد غادرنا قبل سنة، وكانت الكرة مهرباً من أسئلة كثيرة، وجدت في ما بعد إجابات عليها. وقعت بيروت فريسة سهلة لعدوان صهيوني سريع جوبه بمقاومة شرسة من قبل الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين، العدوان الذي صدم العرب وأعاد الأذهان إلى نكسة حزيران، فيما العالم كله منشغل عن جريمة كبرى بمتابعة منتخب الحلم (البرازيل) ومنتخب آخر صنع صورة العربيّ الجريح البطل المغدور. ذلك هو منتخب الجزائر الذي هزم الألمان أحد عظماء الكرة في العالم.
اندمجت صورة المقاوم العربي الصامد المخذول، بصورة اللاعب الجزائري المقاتل المغـــــدور، كان الاثنان عرضة لمؤامرة الآخر، إسرائيل طردت أبطال المقاومة خارج لبنان بمؤامرة دولية وخذلان عربي، وألمانيا أخرجت الجزائر من البطولة بمؤامرة مع النمسا.
ومع اندحار أبطالنا كان الجمال ملجأنا الوحيد، حيث فريق البرازيل الذي تعب على إعداده المدرب سانتانا قبل سنتين.
ولم تكن أسماء سقراط وفالكاو وجونيور وزيكو غريبة علينا، كانت البرازيل قد احتفلت بفريقها بطلاً قبل الذهاب إلى النهائيات، وأعدت العدة إعلامياً لمتابعة فريق الأحلام، فمع كل هدفٍ كان يسجّل يصرخ المعلق «برازيل برازيل برازييللل» براء مفخمة ولام تقف على لسانه ثوان معدودات، يومض معه توقيع اللاعب الهداف على الشاشة، صوت المعلق الذي يظلّ في حلوقنا بعد البطولة بأعوام، ولأن أبطال الشرق يسقطون وتبقى بطولاتهم، فقد سقطت البرازيل على يد إيطاليا، الفريق الذي ذبح الجمال والخسّة في آن ٍ واحد، فبعد هزيمته للبرازيل، هزم الإيطاليون الألمان الذين اتخذناهم خصوماً إلى حين.
ذهبت كأس العالم، وبقي بيننا سقراط وفالكاو وجونيور وإيدير وبلاتيني وتيغانا وبلّومي وماجر وباولو روسّي ومارادونا .مثلما انتهت الحرب أيضاً بمجزرة صبرا وشاتيلا، وظلت صورة الأشلاء والموت.
كنت تركت المزرعة، بعدما اقتسمنا مع أخي الأكبر الأرض والديون، وعدت إلى البيت لأدرس بيدر العدس، أقضي سحابة اليوم راكباً عربةً صغيرة بعجلات حديدية مسنّنة (الجرجر) يجرها حصان أحمر، ماشياً ببطء على طريق مستدير من القش اليابس الذي يتكسر، تاركاً فسحة ما قبل الغروب لأشترك مع فريق القرية الجديد، الفريق الذي استعار أبناؤه أسماء لاعبي البرازيل.
لم أعد أتذكر من أسماء هؤلاء غير جونيور الذي كاد أن يفقد حياته عندما سقطت كرة بلاستيك فوق حظيرة مسقوفة بالزنك، فصعد الحظيرة وتهاوت صفائح الزنك على ذراع الطفل الغضة، وربما تذكرت إيدير، وسقراط وفالكاو اللذين شاركتهما مغامرات التهام البطيخ الأحمر في الحقول المجاورة.
عيسى الشيخ حسن
الحقبقة ان الفريق البرازيلي الساحر المدهش الذي لعب السامبا البرازيلية التي جعلت العالم يتمنى ان تستمر كاس العالم عام 1982 في اسبانيا شهورا عديدة واقسم انني الان اتمنى ان اشاهد تلك المباريات التي لعبها الفريق البرازيلي مع الاتحاد السوفياتي (هدف ايدر الخيالي) ومع فريق اسكوتلندا ومع فريق الارجنتين ولكن تلك المباراة الشؤم(مباراة ايطايا)انهت احلامنا اتمنى ان اسمع ذلك المعلق البرازيلي الرائع