لا نحتاج إلى يوم عالمي يختص بأمور المرأة لندرك نحن العرب بأنه لا توجد مشكلة عربية نسائية، وإنما توجد بامتياز مشكلة عربية رجالية.
المرأة العربية تحتل المقاعد الدراسية في الجامعات العربية بنسب تفوق نسب الرجـــال في كثـــير من الأحـــيان، وهي لم تـــترك اختصاصـــاً إلا ولجته، ولها مكانة متميزة في ساحات الإعلام والفن والأدب والفكر والعلوم وفي أسواق العمل، وقد حققت كل ذلك بجهودها الذاتية، ومن خلال مسيرة نضالية طويلة شاقة مع التخلف والتعصــب والانحياز ضدها، سواء في محيطها العائلي أم في مجتمعها أم عند سلطات الدولة،
وبالتالي فإنها مهيأة وجاهـــزة وراغــبة في لعـــب دور فاعـــل نشيط في مجتمعـــاتها العربـــية وتبوؤ مراكز قيــــادية في ســـاحات كانت حكـــراً على الرجـــل، بسبب اعتقادات انتهـــازية كاذبـــة بتمُيز الرجل في قدراته الذهنــية والعاطفية والنفسية والخلقية.
أمام هذا الصعود المبهر في قدرات المرأة العربية وصفاتها الشخصية واستقلاليتها ونتاجها الغزير، نحتاج أن نطرح السؤال التالي بصراحة تامة: أين تكمن المشكلة؟ إنها تكمن في الرجل العربي، فلنعط أمثلة لتوضيح ذلك:
جميع رؤساء الحكم في أرض العرب هم من الرجال، فهم الذين يعيٍنون رؤساء الوزراء والوزراء والتنفيذيين الحكوميين الكبار، هؤلاء يستطيعون القفز نحو تمكين المرأة العربية كخطوة أولى وفي الحال، من خلال جعل نسبة المرأة في هذه المراكز الأساسية في حدها الأدنى لا تقل عن الربع أو الثلث، وتتدرج لتصل إلى المساواة المعقولة العادلة، لكن الرؤساء العرب يتحرجون عن فعل ذلك لأسباب تراثية أو دينية أو سياسية لاحصر لها ولا عد.
إن الغالبية الساحقة من مقاعد السلطات البرلمانية التشريعية في أرض العرب يحتلُها الرجل العربي، ويستطيع هؤلاء كخطوة أولى وفي الحال إصدار تشريعات قانونية تلزم كل دائرة انتخابية بأن يتم انتخاب ممثليها بنسبة تعطـــي للمـــرأة ربع أو ثلث المقاعد، لتتدرج في المستقبل نحو التساوي، لكن المؤسسات التشريعية العربية هي الأخرى تحجم عن اتخاذ هذه الخطوة تحت ذرائع تراثية أو دينية أو سياسية متوهمة.
إن مؤسسة القضـــاء العربي وقيادات غالبية مؤسسات المجتمع المدني العربي المهنية والسياسية والاجتماعية وغيرها يهيمن عليها الرجل العربي، ويستطيع القائمون عليهـــا إلزام مؤسساتهم بقـــوانين وأنظمة تقود إلى فعـــل نفــس الشيء، بحيث تصبح نسبة النساء في تلك القيادات لا تقل عن الثلث كحدٍّ أدنى،
لكن جميع هؤلاء يتكلمون عن العدالة والمساواة في المواطنة والحقوق والديمقراطية، لكنهم لا يمارسون متطلباتها بالنسبة للمرأة.
إن مثل تلك الخطوة، وغــــيرها من الأمثلة كثير، ستجعل من المرأة العربية شريكـــة فاعلة، من خلال سلطة حقيقية في واقع اتخاذ القـــرارات في ساحتي سلطة الحكم والمجتمع المدني، وبالتالي المساهمـــة الفعلية في حلّ الكثــير من التجــاوزات بحق المرأة المواطنة.
عند ذاك، وعند ذاك فقط، ستهزم التشريعات التاريخية غير العادلة وشتّى أشكال القراءات الفقهية التي تخطًّاها الزمن. لا يستطيع الرجل العربي أن يريح ضميره من أوزار تلك المشكلة المجتمعـــية، وعليه أن يتحمل مسؤوليته الكاملة تجاه ما لحق اخته في الإنسانية من ظلم وأذى، وذلك بسبب تخلُّفه الثقافي التاريخي، وبقائه في سجن العادات القبلية وتزمُّت الكثيرين من فقهائه، وتـــردّده الدائم نحـو ولوج الحداثة العربية ومتطلباتها التنويرية العصرية.
في هذه اللحظة التي نعيشها يحاول الجهاديون التكفيريون الذهاب إلى أقصى درجات التطرف في ظلم المرأة وجعلها سلعة من سلع الغزو البربري الذي يمارسونه، وسيكون أحد الردُود على تلك الأفعال المتخلفة اتخاذ خطوات لرفع مكانة المرأة بأنواع من الطرق المماثلة لما ذكرنا سابقاً.
لقد قامت المرأة العربية بما عليها بصورة شبه كاملة، لقد هيأت نفسها تعليمياً وتثقيفياً واندماجاً مبهراً في الحياة المجتمعية المدنية، بما فيها السياسية، ولقد تجلًى ذلك في الدور العظيم الذي لعبته في تفجير ثورات وحراكات الربيع العربي، بل دفعت الثمن غالياً في الشوارع والسُجون والمنافي، الآن من حقًها على أخيها الرجل أن يراجع ضميره وعقله وقلبه، يحل مشكلته هو، وبعدها لن توجد قضية تحت مسمّى مشكلة المرأة العربية.
٭ كاتب بحريني
د. علي محمد فخرو
لعل البحث عن تفعيل التكامل بين المراة والرجل في مجال الثقافة والحضارة اجدى من الكلام عن عيد المراة.