إنه شخصية روائية حقاً، وتستحق البحث والدراسة والاستبطان السردي، ذلكم هو الديكتاتور الليبي الراحل بالقوة، والمنتهي في مقتلة شنيعة، العقيد والرئيس السابق معمَّر القذافي. جسَّده في متوالية محكية، وعبر فصول روائية ممتعة، شيقة وجذابة، الروائي الجزائري المعروف باسم ياسمينة خضرا، في روايته «ليلة الرّيس الأخيرة» التي كتبها بالفرنسية، ولكنها تُرجمت إلى العربية بطريقة سلسة، من قِبَل اللبناني انطوان سركيس، الذي اجتهد كثيراً ليقدم لنا نصّاً ناصعاً، مصوغاً بلغة رشيقة .
ترتكز الرواية في كل فصولها ومشاهدها وتفاصيلها الشائقة على شخصية القذافي، ذلك الرئيس الذي شغل بخرافاته وخطبه وتحليلاته وأفكاره ونوادره العالم، ليس كخلاق ومبدع وصانع معجزات، بل كشخص عسكري، بدوي، يتحدر من أصول صحراوية، وقف الحظ إلى جانبه في يوم ما، وابتسمت له الدنيا، في لحظة من تاريخها الشائك والملوث بخطى الغزاة والطغاة وصُنّاع الدم، والمتشرِّب تواريخ البربرية والنازية والتتار، والذي ما انفك يقذف إلى العالم بأشخاص كثيرين شبيهين بالقذافي وغيره، ممن يُحسنون مداورة الشر والخير معاً، الشر حين تقف الحياة في لحظة من لحظاتها السمحاء ضدهم، والخير حين يجد من يصفق التاريخ لهم في لحظة من لحظاته، فيرشوه حتى يتخمه، وأن واتته الفرصة ليُزل ويُخطئ فسيقف الشر وصانعه الأول له بالمرصاد إلى أنْ يُرديه، حتى لو تحدَّر التاريخ من صلبه، حتى لو كان من أرومته ومن الدم الفاسد ذاته، ولنا في ستالين وهتلر وموسليني وفرانكو وبينوشيت وسلازار، خير مثال على ذلك، ومن الزمن الحديث صدام حسين وحافظ الأسد والقذافي، وهؤلاء العرب الثلاثة، تفننوا كثيراً في قتل المفضّلين من الأصدقاء والأقارب، لا بل وصل خيط الشر المنسوج من الكراهية والحقد والثأر إلى أبناء مدينته أولاً، ومن ثم قريته الصغيرة، وفيما بعد إلى عشيرته، ثم العائلة الواحدة من أبناء العمومة والاصهار، كمثال صدام حسين، مع حسين كامل وصدام كامل وبعض أفراد عشيرته من اليساريين الأوائل.
أما القذافي وهو مدار وبطل هذه الرواية، فكان يشك حتى في النملة التي تعترض مسير جزمته العسكرية، كان يشك في الهواء والشراشف، والمناديل، ويحاول أن يبتعد قدر الإمكان، عن حركة الطبيعة والكائنات الحية التي تمتلك الطاقة والحركة والتفاعل، لأن كل حركة تشكل مصدر قلق، وتُعد غير طبيعية بالنسبة إليه، وكل طاقة وفعل هو مصدر تهديد لأمنه، وسلامته الشخصية، فهو النبي المسلح الجديد، النبي العسكري الذي على الجميع من خلق وموجودات متحركة وبشرية، أن تطيعه وتحني الرأس وتخفضه له، وتمحو كل صلة لها بالكينونة، لتكون أمام القذافي مجرد آلة صماء، تتلقى تعاليمه وإشاراته ومشورته النبوية، ذات البعد العسكري، البعد الناهي والآمر، البعد الذي يجعل من الريح خاتماً في إصبعه ومن حركة النجوم والأقمار والأجرام، كواكب صغرى تدور في فلكه الشخصي هو، فلك النبوة العسكرية، فلك السلطة الدائرية التي تحوط كل شيء، وتراقب كل شيء، حيث الكل يخضع للرهبة واللاهوت السلطوي، سلطة الدولة المصنوعة وفق إرشاداته الدونية التي لا تمتلك ذرة من العقل العلمي العالي .
وبذا تكون السيادة والدولة والشعب والقوانين والدساتير المُحبَّرة بقلمه الأخضر، الأحمر الدامي، كلها ملكه، ملكه الصحراء التي ولد فيها، والقرى التي ترعرع فيها، والمدن التي درس فيها، وكل عائلة في البلد هي ملكه، ما أن يضع يده على شيء، حتى يصبح من أملاكه، بشراً أو حجراً، فلا عذرية للشيء أمام الحاكم الكلي، ليس ثمة من كلمة «لا» في قاموسه، فهو لا يعرفها، وهي كلمة غريبة عليه ودخيلة، ولو حاولت هذه الكلمة أن تدخل قاموسه، وتحاول اللعب بأفكاره وتبلبله فسوف يمحوها، ويحرق الكتب ويحرق البلد كلها، حتى لو طاول الحريق طرف ردائه، وشمله وشمل كل تاريخه ليحرقه، فسوف لن يعبأ الا بالقتل، ولا يحبِّذ غير طعم الدم، أن يكون شرابه الأخير، حتى لو انبجس الدم من جسده هو، فالدم هو لون النهاية الذي تدرَّب عليه، مذ كان غِرَّاً، وفتى ناحلاً راكباً دبابة التآمر والانقلابات .
تحت سقف كل هذه القضايا، كتب ياسمينة خضرا هذه الرواية المشوقة، بكل تلك التقنيات الخبيرة، في استبطان الحالات السيكولوجية التي تمتع بها بطل الرواية، التاريخ العائلي والشخصي والأرومي للبطل المتحدر من أسرة بدوية، وعائلة قروية، وبيئة صحراوية، ومن ثم الدراسة الفيزيائية للكائن وتحولاته السادية، في تعذيب الآخر، الملغي والممحو والمنتَقَص منه كبشري، أمام الجبروت النبوي للشارة العسكرية، والإشارة من يد الطاغوت والجنرال المتربِّي في حضن المؤامرة والدسيسة والإيقاع بالكائن المشكوك فيه، حيثما كان وسكن وعاش في البلاد التي يحكمها، وفي البلاد المجاورة التي يستطيع أن يزحزحها قليلاً عن الخارطة، لتكون رهن نظرته الماحقة والمتوعدة التي لن تغفر، ولا تتسامح ولا تنسى.
أما الشخصيات المُكمِّلة للرواية وبنيتها الدراماتيكية، ولتحولاتها التراجيدية التي كلما تصاعدت الأحداث والوقائع الحربية على الأرض، توتر السياق العام للرواية، وعلت حرارته، مع علو حرارة الأنباء والإحداثيات المثيرة التي يحققها الثوار، سنرى الشخصيّات النهائية، ممن سيقفون إلى جانبه، فهم فضالة من تبقى، مثل وزير دفاعه أبو بكر يونس، ومنصور ضو، قائد حرسه الشعبي، وخادمه مصطفى الذي يعد له الطعام والشاي وغيرها من اللوازم، فضلا عن ولده المعتصم الذي سينضم إليه في اللحظات الأخيرة التي سبقت النهاية، وثمة قائد شاب يُفضِّله القذافي على الجميع، وربما يُعد الشخص الوحيد المستميت من أجل الدفاع عنه، والموت بدلاً منه، انه شاب مقدام، لا يشك لحظة القذافي الشكاك حتى بأولاده، لا يشك بهذا المُقدَّم الشاب الذي تباسل، وباهل حتى المعتصم وسيف الإسلام في جرأته، وتحديه للمخاطر والصعاب التي خبرها طيلة مسيرته الحربية، والاستخبارية، والفنية التي توفرتْ له عن طريق المصادفة، والحظ والفرص المتاحة، من قبل الرئيس الذي وفرها له بسهولة، كون الرئيس يثق بكل خطوة وترسيمة من المقدم الشاب التي تعلمها بالفطنة والذكاء والحيلة والمعرفة والبطش والتنكيل ايضاً .
ينجح الروائي ياسمينة خضرا، وبطريقته الآسرة في كتابة الجمل المبتسرة والقصيرة واللافتة في أسر الإثارة داخل جملة مختصرة، ومركزة، خالية من الترف الكتابي في الاسترسال، وإرسال المخيلة إلى كل مكان، لتوصِف وتُسهب وتسرد الصغائر والكبائر، وتمطرنا بالواقعات في محيط السطر والورقة. ينجح عبر اللغة الفرنسية التي تتخلص من الزوائد والشحوم الكتابية، لكي لا يتورم حجم الورقة، فنستطيع عبر ذلك التركيز والإلمام بسير الحدث وحركته المركزية، وهذا هو ما حدث حقاً في تلك الليلة الأخيرة «للأخ القائد والأب المفدى»، معمر القذافي، حيث استطاع خضرا بمهاراته الأسلوبية والفنية وتقنياته الجمالية، أن يبهرنا بأحداث جسام وكبرى، وأيام وليال طوال، ليختصرها في أجواء تلك الليلة المشؤومة للقذافي ومشايعيه، وتعد بالمقابل ليلة ساحرة وجميلة، ونقلة نوعية في قلب التاريخ، بالنسبة للثوار الذين أشعلوا لهب تلك الثورة التاريخية، تلك التي أزاحت الكابوس المثالي المُتمثل بالأخ القائد، كما يسميه رفقاؤه، من قادة المسيرة التي تحولتْ إلى خاتم يديره الرئيس بين أصابعه كما يشاء .
أما الأمر الثاني الذي تجلى وسطع في هذه الرواية، فهو مقدرة الكاتب في السيطرة على عواطفه الشخصية، والخروج من داء العاطفة، ودائرة الانحياز الرومانسية التي غالباً ما تأسرها العاطفة، وتُخضعها لأهوائها، ليتجلى فيما بعد ذلك التجرد الواضح والجلي للسياق العام للرواية، في تخليها عن كل ما يثيره القلب من انحياز وتأثر وجداني، قد يقع فيه الكاتب، وهو يكتب سيرة القذافي كلها، في تلك الليلة الأثيرة، فهو، أي الكاتب ياسمينة خضرا، كتب بتجرد تام، وبأسلوب مقتدر في توظيف خطين ومعنيين وسياقين ليجعلهما متوازيين، في سياق روائي واحد، ألا وهو معمر القذافي المحبوب من قبل بعض الجماهير، والمنبوذ من قبل البعض الآخر منهم، معمر القذافي الذكي والألمعي والساحر والفاتن والوسيم والداهية، ومعمر المجنون والمتسلط والمتآمر والشكاك والنبي المدجَّج بالكراهية، والأسلحة والطغيان، معمر معبود الجماهير الزاحفة، الصاخبة المنادية باسمه واستمرار حكمه، والمناضلة من أجله هو، فهو ماوتسي تونغ الصغير، وستالين الصغير وجمال عبد الناصر الصغير، وهو الملعون، ابن الزنا، والدم الفاسد والقروي الجائع، والبدوي الجاهل، والمتآمر الضليع، والمتخلي والآثم وطاعن العذراوات، والشاري للذمم الأدبية والثقافية والسياسية ، والمشتري لرؤساء دول أفريقية وعربية، والمدير لسياسة تنضح بالشخصنة والإنّية وجنون العظمة، وهو أيضاً الكلب والضبع والطعين والجريح الذي ينزف وحيداً في العالم، دون صديق وراع ورفيق وصديق، أو حبيب ونديم وسمير، حيث الجميع قد تخلى عنه، وفرّ إلى الضفة الثانية، فتلك فرصته وتلك السانحة التي وفَّرها مزاج التاريخ له، ففرّ هارباً من الثوار الذين وصفهم بالصراصير والجرذان، والذين كان يتوعَّدهم بالمحاربة، من شارع لشارع، ومن زنقة لزنقة، ومن ساحة لساحة، متوعداً بحرقهم، وإبادتهم، ومحوهم بسهولة عن وجه البسيطة .
يقول الراوي على لسان القذافي: «الحياة بالغة التعقيد وبالغة الفظاظة، منذ أشهر معدودة، كان الغرب، ومن دون أي شعور بالعار، يفرش دربي بالمخمل، ويستقبلني بكل مظاهر الشرف، ويطرز كتفيّ كعقيد بأكاليل الغار، سمحوا لي بنصب خيمتي على مروج باريس الخضراء، وهم يضربون صِفحاً عن فظاظتي ويغضون الطرف عن فظاعاتي، واليوم يحاصروني على الأرض كفارٍّ من إصلاحية …. في يوم تكون معبوداً وفي يوم آخر تكون منبوذاً، في يوم تكون أنت الصياد، وفي يوم آخر الطريدة».
ياسمينة خضرا: «ليلة الرّيس الأخيرة»
ترجمة: انطوان سركيس
دار الساقي، بيروت 2015
189 صفحة
هاشم شفيق
اتقي الله في نفسك
هل شققت علي قلوب الناس
لمذا بقت فرنسا في الجزائر 130 سنة ؟
الجواب واضح .
لماذا قـــــــــول الحقيــــقة صعب جدا ؟؟؟
نعم …
احيانا يضطر الشخص لعدم قول الحقيقة ..ونحن نرى ذلك في واقعنا …فيضطر مثلا ان يجامل الشخص ويكذب وينافق ..الخ
لماذا ياترى يخفي الحقيقة؟؟
أتوقع أن يكون مصير بشار كمصير القذافي
أما السيسي فإنه سيتمنى مصير مبارك لأن شعب مصر قد نفد صبره
ولا حول ولا قوة الا بالله
اذكروا محاسن موتاكم
انتم لا تعلمون على ما يدور ، في ليبيا ، ونحن لا ندري ، ماذا يـدور في الجزائر ، بالنسبه لمعمر القذافي عند الليبيين هــو الاب والاخ والصديق والرفيق ، والعزيز ، والقائد ، والريئس ، والسيد ، والحاكم ، فــهم يحبونه ولايكرهونه ومـرتاحين مــعه ….. وبدليل 6 سنوات وداخلين على 7 ولازالت ليبيا تأن ، الذين لايحبونه هــم فــيئه قــليله عاشت خرج ليبيا ، يا أخوانيه اوجهاديه او مقاتله وهذه العالم العربى يعانى منها …… فأتركوا ليبيا لليبيين يا ناس ، واتركوا ســوريا لسوريين ، ومصر للمصريين ، والجزائر للجزائريين ،،، سوف يهنؤ ويرتاحوا،