في الأيام الماضية، تفاقمت مشكلة الأكاديمية السويدية للفنون، التي تمنح جائزة نوبل للآداب سنويا، وانتشرت تلك التي سميت فضائح جنسية، فيها تحرشات واعتداءات على كاتبات وشاعرات منذ زمن طويل، وحتى هذا العام، بواسطة شخصية ثقافية معروفة في السويد، أيضا شبهة فساد مالي من جراء تعامل الشخصية نفسها مع الأكاديمية السويدية، في تنظيم احتفالات ومناسبات، بمبالغ مالية كبيرة. وكانت المحصلة النهائية مع الأسف، إلغاء جائزة نوبل للآداب هذا العام، وغير معروف متى ستعود الجائزة للظهور مرة أخرى، خاصة أن دستور الأكاديمية، تعدل بقرار ملكي بعد تلك العاصفة، وبات يسمح بالاستقالات التي كانت ممنوعة تماما، ما أدى لاستقالة عدد من شاغلي المقاعد، بمن فيهم الشاعرة التي ثار بسبب زوجها كل هذا اللغط.
أظن أن الفضائح، خاصة الجنسية، والفساد الإداري والمالي، ومحاولات التكسب بمشروعية وغير مشروعية، وأيضا استغلال السلطة والنفوذ، والعلاقات العامة، هي أشياء رائجة في كل المجتمعات سواء كانت متحضرة أو ممعنة في التخلف، وما دامت هناك مصالح لأفراد، فلن يكون الوصول إليها إلا عبر كل ما هو شائك.
ولطالما تحدثنا عن حقوق المرأة في المجتمع الغربي، ووصفناها بالحقوق العظيمة، وأن أبسط تلك الحقوق هو، النظرة الإنسانية لها، بعيدا عن كل ما يعيب، لكن تأتي مثل هذه العواصف، لتبين أن الغرب نفسه لا يخلو من الشوائب، وربما كان أكثر عنفا في الجريمة، وتدني الأخلاق، وتبدو السكة التي تسلك من البعض للحصول على ما يريدون، هي السكة نفسها التي تسلك عندنا، وربما تكون أكثر وعورة. ما يهم هنا ليس تلك الفضائح كما ذكرت، التي لن تكون الأخيرة التي تطال أكاديمية ثقافية معروفة منذ بداية القرن العشرين، أي الوقت الذي بدأت فيه بمهمة منح جائزة نوبل للأداب وكانت تكونت منذ قرون قبل ذلك.
الشيء المهم، هو أن جائزة كبرى، ومهــــمة وذات هيــبة وجلال كبيرين، يترقبـــها الذين يحبون الأدب والذين لا يعرفون عنه شيئا، كل عام، من أجل أن تهبنا اسما جديدا، قد نكون نعــــرفه سلفا ككاتب مشـــهور، ونترقبه، وقد يكون مغمورا بالنسبة لشعوب عديدة، ويتم تلقي اسمه وبعد ذلك إنتاجه المترجم للغات المختلفة، بعد ذلك.
إنها شيء أشبه بالعادة، أي انتظار الإعلان عن الفائز بنوبل للأداب، تأتي قبل ذلك تخمينات كثيرة، ترشح مبدعين عديدين، بعضهم مرشح دائم في سجلات الجائزة، وبعضهم يرشح للمرة الأولى أو الثانية، وقد اعتدنا مطالعة تلك التكهنات، وغالبا نحس باستمتاع شديد، أن ثمة قضية أدبية أثيرت، وبحثا في تاريخ كل من يتم ذكره في التكهنات، وأيضا محاولة أن يترجم له الناشرون إلى العربية، وتتم قراءته بصورة أو بأخرى.
باختصار يبدو موسم نوبل، مثل موسم البوكر العربية، وموسم كتارا، شديد الخصوبة، وبالطبع هو الموسم الأقوى، ذلك أن الحصول على نوبل ليس أمرا عاديا، إنه أشبه بانتشال الحلم من أعمق دهاليزه، وتحويله إلى حقيقة كبرى، يراها الجميع ويتأملها، ولا أظن أن كاتبا مهما نال من شهرة أو مجد، لا يحلم بالحصول على نوبل، حتى كاتبا مثل الياباني هاروكي موراكامي، صاحب رواية «كافكا على الشاطئ»، وغيرها من الأعمال السحرية الكبرى، أظنه يتشنج يأسا كلما أعلن عن الفائز بنوبل الأدب ولم يكن هو، والحقيقة أن هاروكي ليس في حاجة للكرونات السويدية التي تصاحب الجائزة، ولن يصبح اسمه أكثر سطوعا ورهبة، ولكنها قطعا جزء من تفصيل الكاتب المبدع، أن يحظى بما يعد اعترافا أو تقديرا لإبداعه.
أيضا يبدو لي كاتب مثل اليهودي عاموس عوز، صاحب رواية «قصة عن الحب والظلام»، الضخمة المذهلة، من الذين وضعوا قدما على أرض نوبل، لكن بوابة الجائزة ما تزال مواربة أمامه، والمسألة في نظري، كما هي مسألة الجوائز عامة، لا تخضع للإبداع فقط، ولكن تصاحب الاختيارات، أسرار أخرى، لا يعرفها الناس، منها بكل تأكيد، مسائل سياسية وجغرافية، ولن أتحدث عن التذوق الشخصي للمحكمين هنا، لأن المسألة ليست خاصة بنص معين، إنما بتاريخ كاتب وكتابة، ولو كانت المسألة إبداعا متميزا فقط، لحصل عليها موراكامي، وميلان كونديرا، وعاموس، وغيرهم كثيرون في شتى بقاع العرض، وحسبما أذكر فقد حضرت محاضرة مرة لعضو في الأكاديمية السويدية، كان يتحدث عن تلك المسائل، أي مسألة اختيار فائز لنوبل الأدب في كل عام، وأظنه قال بأن ثمة لوما وانتقادا دائما بسبب اختيار الفائز، ذلك أن الناس لا يعرفون آلية الاختيار التي يتم بها إعلان الفائز.
وبمناسبة آلية الاختيار هذه، لا بد أن نذكر أن نوبل في كثير من الأحيان تأتي بأسماء قد تبدو مغمورة حتى في بلادها، أو بالأصح ليست أسماء رائجة كثيرا أو مفضلة، وقد يأتي الاختيار بكاتب لا يملك تاريخا أدبيا يكفي لمنحه حتى جائزة في ناد ثقافي صغير، ويبدأ اللغط طبعا، وتبدأ النقاشات الحامية، ولا شيء يتعدل، بل تنشط حركة الترجمة للغات المختلفة، ويعرف المغمور جيدا بعد ذلك، ومن أكثر الأمثلة سطوعا في هذا الشأن، مسألة الرومانية أو الألمانية هيرتا مولر، التي جاء اسمها مع نوبل في سنة ما واكتشفنا خلف الاسم، كاتبة حقيقية، تملك عالما جيدا، ولغة فاتنة، وحتى سفيستلانا الروسية، صاحبة «قضية تشرنوبل»، كانت كاتبة جيدة، أبرزت نوبل جودتها، وأظن ما أثار الاستغراب فعلا، حين منحت لشاعر الأغاني والمغني الأمريكي بوب ديلان، هذا هو الاختيار الذي كان صادما بحق.
إذن نحن محرومون هذا العام من لغط جائزة نوبل للأدب، لن نتكهن باسم، ولن نترقب لحظة الإعلان، وننتظر بعد ذلك استطلاعات الرأي التي تتقصى ردود الأفعال، وشخصيا لست من المؤيدين لتجميد الجائزة، فالفضائح الأخلاقية موجودة دائما، والفساد المالي، لن ينتهي أبدا ما دامت ثمة مصالح هنا وهناك.
كاتب سوداني
أمير تاج السر
تحياتي للدكتورالمحترم : لكن جائزة نوبل ؛ وهي أكبرجائزة عالمية ؛ في السنين العشرالأخيرة ؛ لم تكُ بمستوى السنين التي قبلها ؛ في اختيار
الشخصيات والموضوعات الفائقة الجودة والإبداع…وفق معاييرالجائزة.هناك انحدار؛ وأرجّح أنّ السياسة قبل الجنس ؛ أربكت لجنة الجائزة.
وأعتقد أنْ عدم منح الجائزة لعام 2018 ؛ سيعطي للجائزة حضورًا متجددًا.فأحيانًا الغياب يفوق الحضور؛ للحبيب الغالي الكثيرالظهور.من باب : { زرغبًا تزدد حبًّا }.
تحية التقدير للدكتور جمال البدري
–
و انا اظن ان مستوى انحدار الاهتمام بالادب و الفنون
–
الراقية عامة هو ما اربك الجائزة بل وعطل الاهتمام بها
–
تحياتي
زايد أو نوبل ما الفرق بينهما يا ترى؟
هل يُعقل أن يُعطل المال الإماراتي جائزة نوبل للآداب حتى تتغلب جائزة زايد للـ ” آداب ” . وبذلك لم يسلم أي مجال من المجالات في هذا العالم لم تُدنسه الإمارات.