مئة عام على «سايكس – بيكو»: خيبات عربية وأزمات وجودية وعودة للديكتاتورية… والنظام العربي يواجه أزمة شرعية ويعاني أزمة حضارية وليس صدام حضارات

حجم الخط
0

لندن ـ «القدس العربي»: هل كانت بريطانيا تعرف عواقب وعودها التي قطعتها للعرب واليهود والفرنسيين في ذروة الحرب العالمية الأولى؟ خاصة أنها حنثت بكل الوعود وحاولت «تقطيب» حلول لإرضاء الجميع. فلم يحصل الهاشميون إلا على إمارة في الأردن وليس دولة عربية مركزها دمشق التي أخرجهم الفرنسيون منها.
ومنحت لبنان للموارنة إلا أنهم لم يستطيعوا حكمها أما اليهود فحصلوا عام 1948 على قطعة من فلسطين قبل أن تمكنهم هزائم العرب من السيطرة على كامل فلسطين وأجزاء من سوريا.
ومع أن اتفاقية سايكس- بيكو التي تحل مئويتها الأولى هذا الشهر تمثل كما كتب المؤرخ العربي جورج أنطونيوس قمة الجشع المدفوع بالشكوك التي قادت للحماقات إلا أنها ظلت حاضرة في العقل العربي حتى اليوم ومحلاً لمحاولات متكررة للتخلص منها.
فحدود العالم العربي اليوم التي رسمت في الخطة ليست هي التي اتفق عليها وزير الخارجية البريطاني سير مارك سايكس ونظيره الفرنسي فرانسوا جورج ـ بيكو وأسهم فيها وزير الخارجية الروسي سيرغي سازانوف لأن الحصص التي حصل عليها كل طرف تغيرت في الحرب والديبلوماسية مع نهاية الدولة العثمانية عام 1918. فلم تحصل روسيا على اسطنبول بعد أن طرد مصطفى كمال أتاتورك القوى الغربية من الأناضول فيما سيطرت بريطانيا مدفوعة بالإستفراد بالنفط على الموصل التي كانت من حصة فرنسا وطالبت بها تركيا.
ولا يزال الهاشميون يحكمون الأردن إلا أن الشريف حسين خسر الحجاز لحاكم نجد عبد العزيز بن سعود الذي دعمته بريطانيا.
وظل فرع للهاشميين يحكم العراق حتى عام 1958. كان معظم العالم العربي قبل دخول تركيا الحرب تحت السيطرة الإستعمارية من شمال أفريقيا إلى مصر ومحميات الخليج وعدن إلا أن اتفاقية سايكس ـ بيكو تمثل في الذهنية العربية رمز الخيانة الإستعمارية.
وفي العدد المهم لمجلة «إيكونوميست» «الحرب من الداخل: تقرير خاص عن العالم العربي» الصادر اليوم قراءة عميقة لمصائر العرب.
وتنقل عن رامي خوري، من الجامعة الأمريكية قوله إن «سايكس – بيكو» تمثل للعالم العربي «رمزاً للظلم الإستعماري وقرناً تلاعب فيه الغرب بنا وتدخل عسكرياً». وحللت المجلة «تداعيات سايكس ـ بيكو» عبر عدد من المحاور مثل النزاع الديني- السنّي والشيعي حيث نقلت عن يوجين روغان، مؤلف كتاب «سقوط الدولة العثمانية» قوله إن مصير العالم العربي سيتشكل عبر ثلاث تيارات وهي: الإخوان المسلمين والإسلام الشيعي والسلفية الجهادية. وكذا قرأت النفط وأثره على دول المنطقة وحرب الهيمنة الدائرة بين السعودية وإيران والنظام السياسي العربي «المالك والمملوك» والتدخلات الخارجية من بيروت إلى بغداد واستكشفت مصير الديمقراطية.
وفي افتتاحية العدد الجديد حددت عدداً من النقاط الهامة التي تؤكد على أهمية الإصلاح وضرورته وإلا واجه النظام العربي مصير النهاية، مشيرة إلى أن النظام الريعي قد انتهي ولم يعد الحكام والملوك يملكون أدوات الحكم مثل النفط والموارد الأخرى التي اشتروا فيها ولاء الشعوب وأنفقوا على أجهزة الأمن.

صدام حضاري

وتعتقد المجلة أن النظام العربي قد انهار وأن المنطقة تواجه أزمة حضارية داخلية وليست صداماً بين الحضارات.
وتقول إن سبب الإنهيار هو فشل النموذج السياسي، رغم أن النظام الملكي ثبت أمام الإنتفاضات أكثر من الجمهوريات، أما الأمر الثاني فيتعلق بعدم قدرة النظام الريعي على البقاء في ظل التحولات الدولية.
ولا ينحصر الأمر فقط في الدول النفطية ولكن الدول الأخرى التي تعتمد على موارد غير النفط، أما العامل الثالث وراء الإنهيار فيتعلق بدور الإسلام في الحياة العامة.
ولا يوجد اتفاق على تفسير واحد للإسلام ودور الجهاد على الأقل في المجال السنّي، أما الأمر الرابع فيتعلق بأثر التدخل الأجنبي في الدول العربية وشؤونها الداخلية، فالغزو والإحتلال أديا إلى عدم الإستقرار بنفس الطريقة التي أدى فيها عدم التدخل إلى كارثة كما فعلت أمريكا في سوريا التي تحولت إلى كارثة.
وترى المجلة أن العالم العربي يعاني اليوم من أزمة شرعية حيث ينظر للأنظمة العربية فيه على أنها «أولاد غير شرعيين» خلفهم الإستعمار.
وحاولت الأيديولوجيات المعروفة في العالم العربي – الإسلامية والقومية والسلفية الجهادية التخلص من حدود سايكس- بيكو ولكنها فشلت تماماً كما فشل جمال عبد الناصر بتحقيق وعود الوحدة العربية وتحرير فلسطين.
وباستنثاء الملكيات العربية التي نجحت ببناء مدن براقة فلم تستطع الأنظمة الأخرى بناء اقتصاد مزدهر.
ولم تنجح النماذج القائمة على تحكم الدولة بالنمو الإقتصادي الإندماج في اقتصاد العولمة. وانتهت الدول التي حاولت استنساخ النموذج الصيني القائم على لبرلة الإقتصاد مع تحكم الدولة بنماذج مشوهة تشبه النموذج الذي ولد بعد انهيار الإتحاد السوفييتي السابق.
ففي روسيا أدى انهيار الشيوعية لولادة رأسمالية المحسوبية. وفي العالم العربي أدى تحرير الإقتصاد في تسعينيات القرن الماضي إلى المحسوبية أولاً والسخط ثانياً واخيراً نهاية الأنظمة.
وعوضاً عن محاولة الحصول على الشرعية عبر الديمقراطية وحكم القانون اعتمد الحكام عل المخابرات والشرطة السرية.
وفي الدول التي يتجذر فيها الإسلام انتفع الحكّام من طاعة الناس لهم والتخويف من الفتنة. ولكن الصدع الموجود اليوم في العالم العربي المقرون بالإضطهاد والسجن والتعذيب أسهم في تغذية العقيدة التي تقول إن الحكام العرب هم «كفار». ووسط كل هذا الإضطراب ربما وجدنا مقارنات تاريخية، ففي البداية رأى البعض في الإنتفاضات العربية صورة جديدة عن ثورات الديمقراطية في شرق أوروبا التي تبعت سقوط النظام الشيوعي عام 1989.
ولكن الموازنة بين الثورات العربية وما جرى في يوغسلافيا السابقة نهاية القرن العشرين أقرب. وهناك من ذهب وقارب بين الحروب التي يشهدها العالم العربي بالحروب الدينية في القرن السابع عشر.
وترى المجلة أن الفوضى التي يعيشها العالم العربي هي نتاج لإنهيار الدولة العثمانية التي لم يتعافى العرب منها بعد.
فقد خسرت تركيا أقاليمها الأوروبية في القرن التاسع عشر وتبع ذلك خسارتها الولايات العربية في القرن العشرين وها هي الدول العربية التي نشأت على أنقاض الدولة بعد رحيل الإستعمار تتداعى الواحدة تلو الأخرى في القرن الحادي والعشرين.
وتزعم المجلة أن العرب اليوم يواجهون السؤال نفسه الذي واجه العثمانيين وله علاقة بالحداثة والتفوق الغربي، والسؤال عن تدهور الحضارة الغربية وتفوق الغرب.
وفي محاولة الإجابة على السؤال تعددت الأجوبة والحلول، ودعا بعضها لتبني النموذج الغربي والآخر رفضه وهناك من قدم حلولا وسط.

مفاهيم خاطئة

وفي هذا السياق ترى «إيكونوميست» أن قرناً من الخيبات عاشه العرب من الخيانة الإمبريالية، الحروب والتشرد والإحتلال والفشل في حل القضية الفلسطينية، وكل شيء من القمع والتشدد إلى الإرهاب ولا يزال يلقي بظلاله على الزمن العربي، فالليل داهم والآمال التي عقدت على الثورات العربية عام 2011 وأطاحت بديكتاتوري بعد آخر بددت الآمال بولادة ديموقراطيات عربية حيث عادت الأنظمة العسكرية بثوب جديد.
ومصر مثلا في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي في حالة من البؤس أشد مما كانت عليه في ظل محمد حسني مبارك.
فيما انهارت دول في العراق وسوريا وليبيا واليمن. ويعيش العالم العربي حروباً أهلية وطائفية تتغذى من النزاع بين إيران والسعودية.
ويشهد تمدداً «الخلافة» الجهادية لتنظيم الدولة الإسلامية بأيديولوجيتها البشعة لمناطق أخرى من العالم العربي. وضع قاتم كما يبدو ولكنه قد يتدهور للأسوأ كما تقول.
فإذا كانت الحرب الأهلية اللبنانية (1975- 1990) مقياساً فالحرب الأهلية السورية ستكون أسوأ وقد تستمر لسنوات. وهناك مناطق مرشحة للإنفجار، فالجزائر يواجه أزمة في القيادة وقد ينتشر التمرد في سيناء إلى عموم مصر وهناك مخاطر من وصول الفوضى إلى الأردن وقد تجبر إسرائيل على الدخول في دوامة الحروب على حدودها.
وعلى الجانب الآخر من العالم العربي تعيش دول الخليج أزماتها الخاصة الناجمة عن انخفاض أسعار النفط وحروب الوكالة بين السعودية وإيران والتي قد تقود إلى مواجهة مباشرة.
وتفسر المجلة الوضع الحالي في العالم العربي بأنه ليس صدام حضارات ولكنه حروب في داخل الحضارة العربية. ولأنها حروب داخلية فمن هم في الخارج لا يستطيعون حلها. فالتسوية لا تأتي إلا من داخل العرب أنفسهم.
وفي محاولة لتحليل الأزمة الداخلية وأسبابها ترى المجلة أنها نابعة من أزمة الشرعية التي تعاني منها الدول العربية، وفشل الأيديولوجيات الإسلامية والعروبية واليوم الجهادية.
وهو ما كان سبباً في تداعي الدول اليوم الواحدة بعد الأخرى، بشكل أعاد النظام العربي إلى الولاءات الإثنية والقبلية والهويات الدينية.
وترى المجلة أن الأزمة التي يمر بها العالم العربي عميقة ومعقدة لا تنفع معها الحلول التجميلية.
ويقتضي البحث منا التخلي عن أربعة مفاهيم خاطئة: الأول متعلق بالآثام التي ارتكبها الغرب في المنطقة العربية من سايكس بيكو وإنشاء إسرائيل والعدوان الثلاثي على مصر عام 1956 والتدخلات الأمريكية المتكررة في المنطقة والتي أسهمت في تدهور الوضع. وفتح الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 الباب أمام الطائفية لتفلت من عقالها.
صحيح أن الإستعمار خلف آثاراً سلبية لكنه لم يمنع دولاً من الإزدهار مثل كوريا الجنوبية أو بولندا. ولهذا فالمسألة داخلية وترتبط بالديكتاتوريين العرب الذين غلفوا استبدادهم بخطاب الوحدة العربية وتحرير فلسطين.

لا مركزية

الخطأ الثاني يتعلق بخريطة العالم العربي التي يتهم اتفاق سايكس- بيكو برسمها من دون الأخذ بعين الإعتبار الخصوصيات الإثنية والعرقية لسكان المنطقة. ولهذا لا بد من تشكيل جديد للمنطقة. وتعتقد «إيكونوميست» أن تشكيل خريطة جديدة غير عملي نظراً لعدم وجود خطوط واضحة يمكن للأعراق والطوائف عبرها تغيير مناطقهم.
وترى أن الأكراد الذين حرمهم الغرب من دولتهم قد يحققون استقلالاً في سوريا والعراق. وبدلاً من تغيير الحدود، لا بد من تغيير شكل الحكم من مركزي إلى لامركزي، فدرالي. فتخفيض سلطات الحكومة المركزية لا يعني تقسيماً لأرض مقسمة أصلا وتم تقسيمها بطريقة غير عادلة، بل يجب النظر إليها كطريقة لتوحيد البلاد. أما الخطأ الثالث فيتعلق بأسطورة قدرة المستبدين العرب على الوقوف أمام التطرف.
وتشير المجلة إلى مصر السيسي، فحكمه يكشف عن قمعه وعجزه اقتصاديا، فيما يزداد السخط في سوريا مع أن الأسد وحلفاءه يحاولون تصوير نظامه على أن الحاجز ضد التطرف.
والعكس هو الصحيح فقمع النظام هو المحرك الرئيسي للعنف في البلاد و «الديكتاتورية العربية ليست أساساً للإستقرار. وكان هذا واضحاً من انتفاضات عام 2011.

لا تلوموا الإسلام

أما الخطأ الرابع فهو لوم الإسلام وتحميله كل خطايا العالم، كما يحبذ المرشح الجمهوري دونالد ترامب والمحافظون الأمريكيون فعل هذا وبنفس الطريقة التي حملت فيها أوروبا المسيحية مسؤولية الحروب ومعاداة السامية.
والسؤال الذي يجب أن نجيب عليه أي إسلام نلوم؟ الذي يقطع الرؤوس بحسب تنظيم
«داعش» أم الإسلام الثوري الذي يتراجع في إيران أم النسخة السياسية التي يدعمها قادة النهضة في تونس والذين يطلقون على أنفسهم «المسلمين الديمقراطيين».
ومن هنا فشيطنة الإسلام لن تعزز إلا نظرة «داعش» المانوية. وعلى العالم الإعتراف بتنوع التفكير الإسلامي ودعم التوجهات المعتدلة وتحدي المتطرفين.
ومن دون الإسلام فستستمر المشاكل. وهذا يعني أن حل مشاكل العالم العربي ستكون مهمة صعبة وبطيئة.
ولا بد من هزيمة تنظيم الدولة وتسوية سياسية تعزز سنة العراق وسوريا وتدفع لتعايش بين إيران والسعودية. ويجب نشر الإصلاح في الدول التي نجت من الإنتفاضات.
وعلى حكامها التغيير أو مواجهة الخروج من السلطة، خاصة أن ادوات السلطة القديمة ضعيفة: وستظل أسعار النفط منخفضة لوقت طويل ولا يمكن للشرطة السرية منع التمرد والمعارضة.
وعلى الحكام والرؤساء الحصول على ثقة أبناء شعبهم. وهم بحاجة إلى «طاقة» شرعية من خلال فتح المجال أما النقاد سواء كانوا إسلاميين أم ليبراليين لتحقيق الديمقراطية. كما أنهم بحاجة إلى «إنتاجية» متنوعة من خلال تقوية حكم القانون وبناء اقتصاديات قوية تزدهر ضمن نظام العولمة.
وهذا يعني التخلص من النظام الريعي الذي حمى النظام القديم. ويجب على الغرب مساعدة العالم العربي في تحقيق حلمه بالتغير، مع أن لا أمريكا أو أوروبا تستطيع فرض التغيير من الخارج. فمن خلال التشجيع واحتواء القوى الخطيرة مثل تنظيم الدولة ودعم الديمقراطية الجديدة في تونس والإصلاح السياسي في المغرب.
وعلى الإتحاد الأوروبي فتح أسواقه للبضائع المقبلة من شمال أفريقيا ويجب أن تنحج السعودية في مسعاها للإصلاح والتحول من اقتصاد النفط. والجائزة الكبرى هي مصر، «في الوقت الحالي يقود السيسي بلاده نحو الكارثة التي سيتردد صداها في كل أنحاء العالم العربي وما بعده… وبالمقارنة فنجاح مصر في اللبرلة سيقوى المنطقة». وفي النهاية تقول المجلة إنه من دون إصلاح فالثورة الآتية تنتظر على الباب» ولدى العرب فرصة للإزدهار: لديهم نفط وأنهار وشواطيء وآثار وشعوب شابة وموقع على خطوط التجارة قريب من أوروبا وتراث ثقافي وعلمي ولكن على قادتهم والمتشددين منهم رؤيته.
وفي المحصلة النهائية فإن أزمة الشرعية التي يعاني منها النظام العربي نابعة بالضرورة من طريقة قولبته للدين والتلاعب على الطائفية.
وتشير «إيكونوميست» إلى تحول فهم «المظلومية» من الشيعة إلى السنّة. ففي العراق حلت صور وأيقونات أئمة الشيعة محل صور صدام وتماثيله. وتحولت بغداد، عاصمة الخلافة السنّية إلى مدينة شيعية.
واليوم تغلق الشوارع من أجل تسهيل حج الشيعة لأماكنهم المقدسة في الجنوب. والمفارقة أن العرب السنّة هم اليوم الذين يتصرفون ويشعرون بالمظلومية، مع أنهم يشكلون غالبية المسلمين العرب. فهم يشعرون بالحرمان والتهميش في العراق والإضطهاد في سوريا والإستفزاز في لبنان من «حزب الله» ويشعرون بالتشريد والإحتلال من إسرائيل في فلسطين.
وفي اليمن أزيجوا عن السلطة على يد الحوثيين. وتواجه اليوم فيالق سنّية وشيعية بعضها البعض في سوريا.

عام 1979

وفي الماضي استخدم الملوك والحكّام الإسلام السياسي في الحرب ضد اليساريين. وانتعش الإخوان بعد حرب عام 1967 وكان عام 1979 مليئاً بالأحداث ففيه وقعت مصر معاهدة كامب ديفيد وفيه وصل آية الله الخميني إلى السلطة في إيران.
وفيه اجتاح الإتحاد السوفياتي أفغانستان مما دفع بالسعودية وأمريكا لدعم الجهاد هناك، واحتل فيه جهيمان العتيبي الحرم المكي.
ومع وصول القوات الأمريكية إلى السعودية عام 1990 لإخراج صدام من الكويت تبني أسامة بن لادن الجهاد ضد أمريكا والحكام في السعودية.
ونعرف لاحقاً أن هجمات عام 2001 كانت المحفز لجورج دبليو بوش كي يغزو العراق. وكان القرار بمثابة تغيير للبنية الطائفية في العراق والمنطقة بشكل عام.
وتقول المجلة: «عادة ما يقال إن الشيعة لم يصدقوا أنهم ربحوا السلطة والسنّة لم يصدقوا أنهم خسروها مما زاد من وحشية النزاع».
وحفز الغزو ظهور القاعدة وتمظهراتها الجديدة مثل تنظيم الدولة . وأعاد بروز التنظيم عام 2014 للأذهان ثلاثة موضوعات: الإنسحاب الامريكي عام 2011 والمظلومية التي تعرض لها السنّة على يد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وأتباعه في العراق وانهيار الدولة في سوريا والتي سمحت للقاعدة ببناء مركز لها.
وتشير المجلة للخليط الغريب من التحالفات التي برزت بفعل تداخل النزاعين في كل من سوريا والعراق: بين إيران وأمريكا وروسيا وإيران والسعودية وتركيا والأردن والمعارضة المعتدلة. وكيف تحالف الأكراد مع أمريكا ضد تنظيم الدولة ومع الروس ضد المعارضة السورية. ويرى الحكام السنّة خاصة آل سعود أنفسهم محاصرين من إيران التي تريد إثارة المشاكل في اليمن وسوريا والعراق والبحرين ولبنان.
وبحسب مسؤول سعودي بارز «تريد إيران إنشاء إمبراطورية فارسية». وتدخل السعوديون في اليمن بعدما احتل الحوثيون صنعاء، أما في سوريا فعملوا مع الأتراك لدعم المعارضة السورية.
ويقول مصدر مطلع أن واحداً من الأسباب التي جعلت السعوديين يتصرفون كحماة للقضية السنية هي محاولتهم إبعاد الشباب السنّة عن «داعش». أما إيران التي تشعر بالإمتنان لعلاقاتها مع سوريا ولدورها في تسهيل مرور السلاح لحليفها «حزب الله» في لبنان.
وتفضل طهران حليفا قويا في بلد ضعيف مثل لبنان. إلا أن زعم «حزب الله» هذه الأيام أنه الحاجز ضد طموحات إسرائيل ويدافع عن كل المسلمين غير مقنع وأصبح عوضاً عن ذلك رأس الرمح في الدفاع عن الشيعة.

تنافس إقليمي

وفي المناطق التي لا يوجد فيها نضال سنّي- شيعي هناك حروب بالوكالة من نوع آخر، فقطر وتركيا تدعمان الإخوان المسلمين فيما تعارض الحركة مصر والإمارات وإلى حد ما السعودية. وفي ليبيا المقسمة يدعم المؤيدون للإخوان «فجر ليبيا» أما معارضوهم فيدعمون «الكرامة».
وتشير إلى أزمة حركة الإخوان المسلمين الذين يعيش معظم قادتهم بالمنفي في كل من تركيا وقطر ويندبون فترة حكم محمد مرسي الذي همش الليبراليين وفتح الطريق أمام الجيش للإطاحة به.
مع ان قادة إخوانيين من دول اخرى نصحوه بتبني موقفاً تصالحياً. وينقل عن أتش إي هيللر من المجلس الأطلنطي: «لو لعب الإخوان المسلمين أوراقهم بطريقة مختلفة فربما تجنبو الإنقلاب بشكل كامل»، ولكنهم «شعروا بنشوة أنهم يعيشون في عهد جديد ولا حاجة لديهم بأن يتنازلوا».
وهذا على خلاف حركة النهضة التي تحركت بتعقل وحصلت على أصوات في مجلس النواب عام 2011 وحكمت عبر تحالف.
ومع تزايد العنف الجهادي والإطاحة بمرسي أبدت النهضة مرونة في عدد من النقاط أثناء كتابة الدستور، وأصبحت أكثر علمانية من الحزب الذي أرادته وسلمت الحكم لحكومة تكنوقراط عام 2014.

تجربة مغربية

وترى المجلة ان الملك محمد السادس تجنب تظاهرات حاشدة عام 2011 وعيّن حكومة إسلامية في العام نفسه. فيما ركزت الدولة جهودها للسيطرة على الخطاب الديني. فقد تحركت ونتيجة لتفجيرات الدار البيضاء عام 2003 وكجزء من مكافحة التطرف، للسيطرة على المساجد.
وأنشأت مدرسة للأئمة وأخرى لتدريب الأئمة من دول الساحل والصحراء الإفريقية وفرنسا وبلجيكا التي افتتحت في الرباط عام 2015. وتهدف لنشر الإسلام المعتدل القائم على المذهب المالكي. وبدأ المغرب برنامجاً رائداً لتدريب النساء «المرشدات».
ومشكلة النموذج أن بعض الناس قد يتعامل معه كمحاولة لترويج «إسلام الدولة». ويعبر ملف «إيكونوميست» في تنوع محاوره عن محاولة للنظر إلى مشاكل العالم العربي.
وفي ضوء الهجمات التي شنت على باريس وبروكسيل وبيروت وأنقرة واسطنبول فعلى العالم أن لا يتجاهل مشاكل العرب الوجودية.

مئة عام على «سايكس – بيكو»: خيبات عربية وأزمات وجودية وعودة للديكتاتورية… والنظام العربي يواجه أزمة شرعية ويعاني أزمة حضارية وليس صدام حضارات

إبراهيم درويش

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية