«ماد ماكس: طريق الغضب» للاسترالي جورج ميلر :شارليز ثيرون مُزيحةً «أسطورة ماكس» جانباً في جزئه الرابع

حجم الخط
1

باريس ـ «القدس العربي»: جرت العادة أن يصنع أحدهم فيلماً ينال تقييماً نقدياً عالياً، وقد يشارك في مهرجانات وينال جوائز، يصير مع مرور السنوات فيلماً كلاسيكياً ضمن نوعه، ضمن «الجانْر» الذي يُصنّف فيه، فيعود الفيلم على مُخرجه بالشهرة والمال، ثم يسرع الأخير متحمّساً إلى التحضير لجزء ثان، وربّما أكثر، منه. غالباً ما تفشل الأجزاء اللاحقة لاعتمادها أساساً على نجاح الجزء الأوّل، على اسمه وما حقّقه. إن كانت هذه عادة كثير من الأفلام المطروحة ضمن أجزاء متتابعة، فيمكن القول أن فيلم «ماد ماكس: طريق الغضب» قد نفذ وشكّل بجزئه الرابع، المعروض حالياً في الصالات الأوروبيّة، الذي افتُتحت عروضه في مهرجان كان السينمائي قبل أيّام، وأنّه الأفضل من بين سلسلة «ماد ماكس» التي أخرجها جميعها الأسترالي جورج ميلر.
ظهر الجزء الأوّل من السلسلة عام 1979، الثاني في 1981 بعنوان «ماد ماكس: محارب الطريق» وكان أفضلها، وصار لاحقاً فيلم «كلْت»، أي أحد أهمّ الأفلام ضمن نوعه، ضمن مجمل أفلام «الأكشن»، الثالث في عام 1985. وفي جميعها أدّى دور ماكس الغاضب، الأمريكي ميل جيبسون الذي التصقت صورة وشخصيّة ماكس عبر الأفلام الثلاثة، به. اليوم بعد ثلاثين سنة كان لا بدّ من إيجاد ممثل آخر للجزء الرابع من السلسلة فكان الإنكليزي توم هاردي.
زمانُ الفيلم هو ما بعد انهيار التمدّن والحضارات الإنسانية، أو «بوست-أبوكاليبتيك»، وهو ما يفسّر مكانه، صحراء خالية إلا من صخور ورمال وبعض المحاربين وسيّاراتهم الهجينة، وهذا كذلك ما يمكن أن يفسّر قصّته التي تُختصر في حرب على الطريق، ذهاباً وإياباً.
هنالك ممكلة غرائبيّة في الصحراء يحكمها طاغية اسمه إمورتان جو، الناس إمّا محاربون عبيد بأجساد بيضاء ورؤوس محلوقة، لا نميّز أحدهم عن الآخر، وإمّا بؤساء عبيد كذلك، ملطّخين بالوحل والوسخ ينتظرون ملكهم جو بالتكرّم عليهم ببعض الماء. وهنالك نساء فاتنات هنّ «زوجات» الملك، كل وظيفتهن هي إنجاب أولاد أصحّاء له، وهنالك البطلة الفعليّة للفيلم، فيوريوسا (شارليز ثيرون) التي ستنقل في بداية الفيلم حمولة من البترول في شاحنة تقودها، تخبئ معها في بطن الشاحنة الزوجات الراغبات بالهرب من بطش الملك. تنطلق فيوريوسا، وبعد قليل تنحرف عن المسار وسيكون ذلك بداية الحرب التي ستشتعل على الطريق، وأجزاء الفيلم كلّها تتمحور حروبها حول البترول. من جهة أخرى سيكون ماكس أسيراً لدى هؤلاء المحاربين العبيد، الذين سيخرجون جميعهم مع ملكهم للحاق بفيوريوسا لاستعادة البترول المسلوب والزوجات الهاربات، سيُوضع ماكس في مقدّمة إحدى السيّارات بادياً كدرع بشري. تبدأ الحرب التي تستغرق معظم وقت الفيلم.
الأحاديث في الفيلم مختصرة، أمّا الصّورة والحركة والموسيقى فهي أساسه، خاصّة أنّنا أمام حرب على الطريق، حيث لا كلام إلا الضروري منه. الحرب هنا هروب ولحاق، أثناء توجّه فيوريوسا وماكس والزوجات إلى «الأرض الخضراء» ثم أثناء عودتهم إلى المملكة. والحرب التي يخوضونها هي مع مجموع السيّارات المقاتلة التي تلاحقهم من قِبل الملك إمورتان جو ومن معه، وكذلك من قبل آخرين، كلٌّ منهم يريد الاستحواذ على البترول داخل الصهريج الضخم الذي تقوده فيوريوسا، وعلى الزوجات. وبذلك، بهذه المشاهد الحربيّة، بالتقنيّة والجماليّة التي تم تصويرها بها، كلّ لحظة منها بدت الأشرس فيها، يمكن القول بأنّه سيكون فيلم «كلْت» آخر سيفوق بجودته جميع أفلام «ماد ماكس» السابقة، وهو كذلك فيلم «الأكشن» الأفضل منذ سنوات، فيلم حرب طريق مشغول بفنّية تجعله من ناحية فيلماً جديراً بمهرجان كان النائي بنفسه عادة عن أفلام من هذه النوعيّة، ومن ناحية أخرى مؤسِّساً ربّما لنوع جديد من أفلام الأكشن في تصويره للحروب من الناحية المشهديّة: الانفجارات، الألوان: الأصفر نهاراً والأزرق ليلاً، اللقطات البانوراميّة وإحاطة الكاميرا بكل الحاصل أمامها، الإضاءة، السيّارات الحربيّة، الأزياء، الأصوات المرافقة لكل ذلك بما فيها الموسيقى، وطبعاً التكثيف في الفيلم، أي تخفّفه من الزوائد، ليكون بمعظمه حرباً ضارية.
أثار الفيلم بعض الانتقادات بأنّه يمرّر أجندة نسويّة، لكنّها انتقادات مفتعلة يريد أصحابها غالباً احتكار البطولة لشخصيّات تكون رجالاً، لا نساء. صحيح أنّ سلسلة أفلام «ماد ماكس» كرّست أحد أغرب وأعنف الشخصيّات السينمائية، وأنّها في الجزء الأخير منها أظهرت ماكس غريباً وعنيفاً، إنّما بهت حضوره أمام فيوريوسا، الامرأة، لكن ما المشكلة في ذلك؟ أرى أنّ البطل في الفيلم هي فيوريوسا حقاً، وليس ماكس، هي محور الحكاية والقائد والمقرّر أثناء الحرب وبعدها، والقنّاصة التي تصيب من فشل ماكس بإصابته، لمَ لا؟ قد يكون لسحر شارليز ثيرون دورٌ في ذلك، لكنّه الفيلم، الدور المكتوب لفيوريوسا يحتّم هذه الفوقيّة لصالحها وكان ذلك مقنعاً، ببساطة وببُعدٍ عن أجندات «ذكوريّة». ولا بأس في أن تأتي من تسحب البطولة من أسطورة ماكس، الرجل الغاضب. أمّا النساء المسنّات اللاتي حاربن مع فيوريوسا وماكس في طريق الرجعة، فليس في ذلك ما يبرّر القول أن للفيلم أجندة نسويّة. الأجندة المسبقة هي تلك التي في رؤوس من يرفض أن يكون بطل حرب كهذه امرأة، أو أن تسحب امرأةٌ البطولة من أسطورة سينمائيّة كماكس الغاضب.
أحاول تجنّب أفلام «الأكشن»، مشاهدةً وتعليقاً، لكن ليس في هذا الفيلم مسبّبات النفور التي تزدحم بها هذه الأفلام، كبضع لقطات رومانسيّة مُقحمَة تجمع بين البطل، رجل بالضرورة، وبين حبيبته، أو إظهار إنسانيّته في علاقات عائلية، أو البهلوانيّة التي يتمتّع بها ومعرفته الحتميّة بكل الأمور، صغيرها وكبيرها. فيلمنا هذا خال من الابتذال الذي تزخر به أفلام «الأكشن» الهوليووديّة.
هذه حرب حقيقية، أو جامحة في حقيقتها التي تحملها إلى حدود الخيال، صيغت وصُوّرت بكل تفاصيلها ضمن معايير جماليّة وسينماتوغرافيّة تجعلنا أمام فيلم قد تكون نظرتنا لأفلام «الأكشن» بعده مختلفة عمّا كانت عليه قبله. أمّا السحر فيه فكانت فيوريوسا، أو شارليز ثيرون إن أردنا التحديد أكثر.

سليم البيك

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول balli_mohamed:

    تحث ظل هده السطور اضع كلمة شبه قصيرة مما لاشك فيه نحن نعيش الرياح المتنوعة فاالسينما من دكاءها انها تسهر باالليل من اجل شيء واحد وهو صنع الصور الثي تجلب اكبر عدد من العشاق فقد تكون بلغة التسلية وقد تكون بلغة تاريخية وقد تكون بلغة بوليسية وقد تكون بااللغة الأخرى وقد تكون بلغة قضية ما وقد تكون بلغة الخيا ل الا ان هدا الأخير من حسن حظه انه لعب في جل الصور الثي لها علاقة باالواقع ومنه صور خاصة مسيطر فيها سيطرة كاملة مثل هدا اللون mad max 1 mad max2 سيارات تمشي بسرعة فائقة وماهي هي كدالك وتقع بعض الأشياء غريبة في الطريق وماهي كدالك لكنه الخيال ولهدا اللون تختار له السينما من هم في المستوى المطلوب ومن كلا الجنسين وترسم الصورة في الصحراء الخالية لازالت لنا كلمة عن هدا اللون الدي تكثر فيه الحركات المتنوعة اشكر المنبر الحريص على الألوان الكلاسيكية المتميزة

إشترك في قائمتنا البريدية