ماذا بعد الدولة؟ سيناريوهات التدخل المحتملة

■ بعكس ما كان عليه الحال قبل أشهر قليلة، فقد أصبح الجميع بلا استثناء مقتنعين بالتهديد الذي يشكله «تنظيم الدولة الإسلامية» على أمن المنطقة، ولا تكاد تخلو رسالة أو مقالة سياسية، كتبت خلال الأسابيع الماضية، من تعرض مباشر أو غير مباشر لـ»الدولة» التي تمددت على حدود الدول العربية، والتي تمادت في العنف والإرهاب لدرجة جعلتها تطغى على كل ما سواها، سواء كان أخبار الثورة السورية أو حتى أخبار الصراع مع الكيان الاسرائيلي.
وهنا نلاحظ أن هذا التنظـــيم الذي حاز انتقاد كافة الجهات والمنظمات الإقليمية والدولية – بما فيها تنظيم «القاعدة» التقليدي نفسه الذي تبرأ من أفعاله- هو نبت غريب فعلاً.
وجه الغرابة الأول هو أن هذا التنظيم، وعلى عكس تنظيم «القاعدة» مثلاً، يبدو غير مكترث بتحسين صورته أو توضيح غاياته ومراميه، بعكس تلك الثانية التي حملت أدبيات واسعة ومعادية لأمريكا التي يطلق عليها أيمن الظواهري في تسجيلاته اسم «هبل العصر»، والتي تبنت منطق الحرب غير التقليدية التي تستهدف مصالح أمريكا في الخارج، كما تستهدف ترويع الداخل من خلال عمليات انتحارية غايتها المعلنة هي الانتقام من السياسات الأمريكية المعادية للمسلمين والمساندة للاحتلال الاسرائيلي.
رغم أن هذا المنطق لم يكن، بطبيعة الحال، مقنعاً للغالب الأعم من المسلمين إلا أنه كان منطقاً يقوم على حجج يمكن الرد عليها أو مناقشتها.. لكننا اليوم نواجه وضعاً مختلفاً وغامضاً وهو ما يجعلنا نتساءل عن منبع هذا التنظيم الذي لا يتبنى أي مدرسة فكرية واضحة، على خلاف التيارات الراديكالية الأخرى التي تتبنى السلفية الجهادية مثلاً.
وسواء تكوّن التنظيم بعفوية من مجموعة من المهوسين المقتنعين بما يفعلون، أو كان مجرد ميليشيا من المرتزقة يقودها جهاز مخابرات ما، فإن سؤال توقيت ظهور التنظيم سيظل سؤالاً يفرض نفسه باحثاً عن إجابة شافية، فالتنظيم قد ظهر في وقت حاسم جعله يدعم بطريق مباشر أو غير مباشر موقف بشار الأسد وحملته على المدنيين بحجة الحرب على الإرهابيين في سوريا، وهو ما استغله الأخير خير استغلال. وفي العراق قطع التنظيم الفوضوي الطريق على الاحتجاجات السنية المطالبة بالعدل والمساواة، التي كانت قد قطعت شوطاً في طريق الوحدة وانتظار المكاسب.
أما في ليبيا حيث المعارك متواصلة بين الحرس القديم الذي عاد إلى السطح مدعوماً بدول إقليمية، وبين قوى أخرى قبلية يغلب عليها الطابع الإسلامي، وحينما كادت القوى المعتدلة أن تفرض وجودها وتحرز تقدماً على الأرض تدخل «داعش» على الخط بأفعاله الشنيعة التي خلطت الحابل بالنابل لتضع الإسلاميين ورافضي زعامة حفتر، المقرب من العلمانيين والفلول، على السواء في مرمى الاتهام بالإرهاب.
ولم يكد المشهد المؤلم للطيار الأردني المحترق ينتهي، حتى صدم الملايين بمشهد ذبح 21 من الأقباط المصريين بلا جريرة أو ذنب سوى وجودهم في المكان الخطأ..
سوف أتجاوز هنا وجهة النظر المعتبرة التي تشكك في حقيقة الفيديو، التي تبني تشككها على طريقة التصوير السينمائية وعلى تحليل صور المكان (تقرير فوكس نيوز الأخير نموذجاً)، لأن ما يهمنا هو ردود الأفعال الدولية وما ارتبط بها من تدخلات والسؤال: ما الذي أنتجته هذه الأحداث من مستجدات على ساحة المنطقة وما الذي ستنتجه من تدخلات؟
بممارساته الصادمة وغير الانسانية يكون التنظيم بعد خدمته لبشار في سوريا وللعناصر القريبة من إيران في العراق، قد قدم خدمة أيضاً للنظام المصري المشغول بحرب هيستيرية على المجموعات الإسلامية.. مصر التي كانت ترى منذ البداية أن مصلحتها تكمن في التدخل في ليبيا ولعب دور في ترجيح كفة العقيد حفتر ستستغل الحدث من أجل توفير غطاء يمنحها حق التدخل بدون قيود أو مساءلات..
ظهور «داعش» وإعلان استهدافه لمصر سيساهم أيضاً في لفت النظر عن الأزمة الداخلية المتعلقة بالشرعية، والمنتقدة لحالة استهداف الحريات، كما سيصنع من الرئيس المصري قائداً مهماً لجبهة الحرب الليبية الجديدة في حال تم الاعتراف به كشريك مقنع.
الإعلام المصري يركز على مشهد القتلى المغدورين على يد التنظيم الإرهابي.. ذلك المشهد الذي يجب ألا يناقش وأن يقبل على علاته ليكون مسوغاً جديداً للقيام بضربات معلنة داخل العمق الليبي بحجة الانتقام.
ومثل ضربات «التحالف» ضد تنظيم الدولة في سوريا والعراق، التي تقتل من المدنيين أكثر مما تقتل من رجال التنظيم جاءت ضربات الجيش المصري العشوائية التي خلفت ضحايا مدنيين ودماراً غير مبرر أثار نقمة وغضب الموطنين الليبيين وأعاد إلى السطح سؤال احترام السيادة الدولية.
الرافضون للضربات المصرية احتجوا على قصف مدينة «درنة» وصور الضحايا من الأطفال في حين أعلنت القوات الحفترية دعمها وتنسيقها مع الجيش والسلطة المصرية.
تصبح الصورة أن الجيش المصري المتهم بجرائم قتل في الداخل، خلال العامين الأخيرين، طال بعضها مسيحيين، سارع للانتقام من التنظيم الإرهابي الذي قتل مواطنيه الأبرياء، وهي صورة متشابكة مع صورة المواطنين الذين لم تبد عليهم أي مقاومة وهم يؤخذون للذبح، بل بدوا وكأنهم يمثلون دورهم بلا جزع.
«المجتمع الدولي» أعلن رفضه للتدخل العسكري في ليبيا، الذي نادت به مصر، داعياً لإيجاد حل سياسي.. في الواقع فإن هناك سببا رئيسا جعل الدول الأكثر تأثيراً مترددة في السير خلف مصر التي تعلن أن هدفها هو القضاء على «الارهابيين».. هذا السبب هو أنه لا يمكن الوثوق في التعريف المصري للإرهاب الذي يضع ليس فقط الأخوان ومناصريهم بل حتى المعارضين من التيارات العلمانية أو القريبة من اليسار كـ»6 إبريل» ضمن دائرة الملاحقين بتهم الإرهاب، لمجرد انتقادهم لسياسته الرسمية.
 بهدوء فإن «داعش» لو قتل مواطنين أمريكيين مثلاً داخل الحدود المصرية فإن ذلك لن يجعل من قصف أمريكا لمصر أمراً مقبولاً..!
تتسارع الأحداث مع تمدد «الدولة» وتصبح التدخلات الأمريكية التي كان يمنعها الحس الوطني مرغوبة وتضغط الدولة الأكبر في سبيل تنسيق الجهود ضمن تحالفها مطالبة بالعون اللوجستي والمادي الذي يمكنها من قيادة العمليات على الأرض.. الدول المصدرة للنفط تستجيب للوصفة الأمريكية مما يؤدي لاهتزاز أسعار النفط ونتائج كارثية على روسيا وإيران، خاصة بعد تدني أسعار البترول لأكثر من النصف.
هنالك نبوءة تقول إن العراق المنقسم سوف يزداد تقسيماً وإن أمريكا سوف تتدخل تدخلاً أرضياً مباشراً حين لا يشكل ذلك خطورة على رجالها بعد تهيئة الأجواء وكسب دعم الرأي العام داخلها وفي المنطقة.. نبوءة لا يمكن استبعادها وإفشالها إلا بوعي العراقيين وتوحدهم.
نتيجة أخرى للأحداث المتسارعة هي علو صوت بشار الأسد الذي اعتبره المبعوث الأممي في تصريح صادم أخير له «جزءاً من حل» المشكلة السورية، لتتصدر صورته الأخبار مرة أخرى جنباً إلى جنب مع تصريحات حسن نصر الله قائد «حزب الله» الذي استغل الأجواء هو الآخر لتبرير تدخلاته في سوريا ودعمه للحوثيين في اليمن، الذين يعتبرهم ثواراً حقيقيين وليسوا مجرد انقلابيين أو مخربين.
نصرالله الذي جمع أنصاره في 16/2 ليلوم بشكل غير مباشر الدول السنية التي أنتجت هؤلاء الإرهابيين التكفيريين، صنع من نفسه مع إيران طبعاً، المحور الذي يجب أن يتعاون معه كل من أراد محاربة تنظيم الدولة والقضاء عليه.
هل سيتحول اليمن إلى عراق جديد؟ الحكمة اليمانية التي منعت اليمنيين من خوض حرب أهلية رغم تغول أنصار الحوثي صمدت حتى الآن، مستفيدة من دروس المنطقة، لكن لا أحد يعلم ما الذي سيحدث في الأيام المقبلة، خاصة بعد تدخل فعلي، ومسكوت تقريباً عنه لإيران.
إذا كانت أمريكا سوف تستفيد بقبض تكاليف تدخلها العسكري في المنطقة فإن روسيا غريمتها أيضاً يمكنها أن تستفيد من خلال بيع الأسلحة وإطالة أمد النزاع الذي سيهدد دول المنطقة بقوة، خاصة المملكة السعودية التي سوف تحاصرها الحروب والنزاعات.
حينها لا يمكن لأي طرف في المنطقة أن يدعي الربح..

٭ كاتب سوداني

د. مدى الفاتح

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    الذي صنعوا داعش هم أنفسهم الذين يحاربوها الآن بأشكال مختلفة
    لقد استفاد الجميع من وضع داعش ما عدا الشعوب الخاضعة لداعش
    داعش تمددت بفعل الظلم على العرب السنة من قبل ايران وميليشياتها

    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول رضوان الشيخ- السويد:

    1-الإرهاب هو النظام البراميلي الكيمياوي الذي قتل اكثر من 200 الف إنسان ودمر المدن والقرى وشرد الملايين بمباركة امريكا الإرهابية
    2-ياسيدي أمريكاالإرهابية والتحالف الشيطاني الإرهابي والأنظمة الإستبدادية هم من صنعوا داعش
    اليوم يتحدثون عن تحرير الموصل والقضاء على داعش، ولكن الحقيقة تدمير وإحراق الموصل .

إشترك في قائمتنا البريدية