إسطنبول ـ «القدس العربي»: شكلت الإذاعات السورية التي تم تأسيس معظمهما مع بدء الثورة السورية في شهر آذار/مارس لعام 2011 اللبنة الأساسية للإعلام الثوري، في ظل الصعوبات التي واجهت انطلاقة القنوات التلفزيونية الداعمة للسوريين المعارضين لحكم بشار الأسد، والتي أدت بالمحصلة إلى إغلاق معظمها بعد أشهر قليلة على الانطلاقة.
ومع اقتراب الثورة من عامها الخامس تزايدت أعداد الإذاعات السورية المعارضة للنظام حتى تجاوزت الـ25 إذاعة مقابل وجود ثلاث قنوات تلفزيونية فقط، الأمر الذي جعل تلك المشاريع الإعلامية (غامضة الدعم في مجملها) محط الانتقاد تارة والترحيب تارة أخرى من قبل المتابعين والمختصين في الشأن الإعلامي السوري.
ويرى الصحافي جوني عبو ـ المدير السابق لراديو «أورينت» في حديثه مع «القدس العربي» أن الإذاعات التي تأسست مؤخراً كإحدى وسائل الإعلام البديل نقلت الرأي العام السوري إلى مساحة واسعة من الأفكار والآراء والتصورات وحرية التعبير، لافتا إلى أن تلك الإذاعات عبرت عن شرائح اجتماعية لم يكن لها صوت سابقا.
فيما يقول الكاتب والصحافي علي سفر الذي واكب تجارب عدة إذاعات في هذا الصدد «إذا جاز لنا أن نجري مقارنة بين وضع سوريا في خمسينيات القرن الماضي وبين وضعها حاليا سنلاحظ بأنها كانت بلداً مزدهراً إعلامياً وعليه فإن السوق الإعلامية في سوريا تتحمل وجود عدد أكبر بكثير من عدد الإذاعات الحالي».
ويتابع «كثرة الإذاعات تعود لأسباب إجرائية من ناحية قلة التكلفة قياساً بإنشاء قناة تلفزيونية، كما أن إمكانيات التجريب وما يرافقه من خسائر مادية متاحة في الإذاعات لأنها قليلة مقارنة بالتلفزيون».
إلى ذلك تعتقد الخبيرة الإعلامية ميساء حسين (عضو الهيئة الإدارية لرابطة الصحافيين السوريين) أن تأسيس هذا الكم من الإذاعات يعود لسهولة انتشارها في الشارع السوري لأنها لا تخضع لرقابة القوات المسلحة على الأرض، بحسب رأيها، مشيرة إلى ضرورة التركيز على المضمون الهادف ووجود رؤية شاملة لتلك الإذاعات قادرة على إحداث الفارق وليس فقط أن تكون ضد النظام نظرياً.
إذاعات أون لاين
تنتشر معظم الإذاعات المستحدثة خلال الثورة في دول الجوار السوري كالأردن، وتركيا وتتقاسم مدينتا إسطنبول وغازي عنتاب الحصة الأكبر من تلك الإذاعات التي تعتمد على البث عن طريق الانترنت وليس موجات «ا ف. ام» (باستثناء بعض الإذاعات لديها بث على موجات اف. ام).
وفي هذا الشأن تلخص الصحافية بيسان أبو حمدان ـ مقدمة برامج في راديو «وطن» ـ لـ «القدس العربي» الأسباب التي تجبر الإذاعات على استخدام الانترنت بالقول «وجود الأبراج على الأرض السورية التي تتبع بعضها لسيطرة النظام والبعض الآخر لسيطرة تنظيم الدولة وفصائل إسلامية متشددة ما سيفرض شروطا وايديولوجيات معينة للإبقاء على محطات البث، إضافة إلى ظروف القصف العشوائي وإلقاء البراميل المتفجرة وما يرافقه من تدمير لتلك الأبراج ومحطات البث».
وفي السياق ذاته يضيف الصحافي فؤاد عبد العزيز «البث عن طريق الانترنت كان له بالغ الأثر للحد من انتشار الراديو في الداخل وبالتالي فإن الفكرة الأساسية التي أقيمت من أجلها الإذاعات وهي استثمار الناشطين المنتشرين في الداخل السوري بدلا من غرف السكايب لم تؤت ثمارها».
إضاءات إيجابية للإذاعات الحديثة
ساعدت هذه الإذاعات التي تنوع مضمون برامجها بين السياسة، والاقتصاد، والفن، والرياضة، والثقافة والشؤون الاجتماعية والإنسانية الخاصة باللاجئين السوريين، على ضم عدد كبير من الصحافيين المنشقين عن نظام الأسد بالإضافة لتأمين فرص عمل للناشطين الإعلاميين ذوي الخبرة البسيطة في المجال الإعلامي بمتوسط راتب لا يقل عن 500 دولار شهريا.
وأكد إياد كلاس ـ مدير البرامج في راديو «سوريالي» «أن لإنشاء هذه الاذاعات إيجابيات كثيرة لعل أبرزها يتعلق بتنوع الأصوات الحديثة التي ظهرت والتعبير عن مختلف شرائح الشعب السوري من النواحي الاجتماعية والأثنية والفكرية، بالتزامن مع خلق مساحات جديدة من التعبير ونشر الوعي والتغـــيير الاجــتـــماعي بــدلاً من جني الأموال باعتـــبارها مؤســـســات إعــلامية غير ربحية».
بينما نوه الصحافي فؤاد عبد العزيز «أن من الإيجابيات أيضا صنع جيل اعلامي غير متورط سابقا بخطاب النظام وغير متأثر به قادر على صناعة إعلام مهني في سوريا المستقبل».
سلبيات متباينة للإذاعات
تتهم الإذاعات السورية المعارضة بأنها لا تمتلك رؤية إعلامية واضحة وذلك يعود لاعتماد معظمها على التمويل الخارجي (غير المعلن) والذي في الغالب يحمل أجندة سياسية معينة قد لا تتوافق مع ثورة السوريين وأهدافهم.
الصحافي جوني عبو ـ مدير إذاعة «اورينت» سابقا يبين «حجم معاناة تلك الإذاعات كونها تبث من بلدان مجاورة أو بعيدة أي أنها ليست في البيئة السليمة مهنياً وجغرافياً، فضلا عن وقوع أخطاء عدة في الفترة الأولى لانطلاق الإذاعات بسبب التمويل أو سوء الإدارة والمحسوبيات»، على حد تعبيره.
وتوضح الخبيرة الإعلامية ميساء حسين لـ «القدس العربي» أن هناك استسهالا لفكرة إنشاء إذاعة، فالاعتقاد السائد أن الأمر لا يحتاج سوى لاستوديو وبعض الموسيقى، موجهة النقد للسوريين أنفسهم بصعوبة العمل كفريق وانتشار مبدأ «الشللية» حسب وصفها.
فيما تختلف الآراء بين إياد كلاس والصحافية بيسان أبو حمدان حول أبزر السلبيات، حيث ذهب الأول إلى أن أسلوب الإدارة والتنافس غير المحسوب بين الإذاعات وعدم العمل لتكميل بعضها البعض في هذه الفترة الحساسة من عمر الثورة السورية هي أبرز النقاط السلبية، بينما اعتبرت أبو حمدان العشوائية وغياب المهنية في اختيار الكوادر وعدم امتلاك أغلب العاملين لشهادات صحافية أو حتى جامعية ساهم في خلق بيئة إعلامية مشوهة.
ويذكر أن وسائل إعلام الثورة من إذاعات وقنوات تلفزيونية وجرائد ومجالات ومؤسسات لم يسبق وأن عقدت مؤتمراً عاماً يضم جميع تلك الوسائل لمناقشة آليات تطوير العمل الإعلامي الثوري، إنما جرت محاولات من قبل الائتلاف الوطني السوري وأطراف أخرى لعقد ورشات عمل إعلامية ولكنها لم تلق الإقبال المطلوب.
إيلاف قداح
قدمت هلس وهقص على الطريقة الإسلامية… يعني أكاذيب حلال.