ماذا لو انهار الأقصى؟

حجم الخط
3

ماذا لو انهار المسجد الأقصى؟ سؤال منطقي واحتمال قائم وفرضية لا تصعب برهنتها
والسؤال ماذا نحن فاعلون؟ هل هناك خطة لتفادي هذه الكارثة قبل وقوعها؟ ماذا نحن فاعلون للحيلولة دون وقوع هذا الحدث الجلل، الذي يمكن أن يحصل خلال فترة زمنية ليست بالبعيدة، أم اننا سنبقى ننتظر حدوثه.
الكشف عن الحفريات تحت الأقصى والمتحف الإسلامي وسقوط حجر صخري من الجدار الغربي الجنوبي، والهزات الأرضية المتتالية التي تشهدها فلسطين، والزلزال الأكبر المتوقع في أي لحظة، ربما يؤدي إلى انهيار الأقصى وقبة الصخرة والحرم القدسي، بعد أن تخلخلت أساساتها، بسبب حفريات الاحتلال، وشبكة الأنفاق التي يبنيها تحت الاقصى والبلدة القديمة، وإن حصل هذا وسيحصل، فإن دولة الاحتلال المسؤولة عن الحفريات والداعمة للجمعيات الداعية لإعادة بناء الهيكل المزعوم، ستنفض يديها من هذه الجريمة وتعتبرها حدثا ربانيا، وربما تصفها بعقاب لمن لم يصونوا ويحافظوا على العهدة الربانية.
نتحدث عن الأقصى ليس فقط لمكانته الدينية لدى نحو مليار ونصف المليار مسلم، ناقصا بالطبع حفنة من السعوديين الجدد، ومن يشد على أيديهم من العرب الجدد، الذين اكتشفوا مؤخرا أن القدس هي قدس الأقداس بالنسبة لليهود، كما هي مكة قدس الأقداس بالنسبة للمسلمين، متناسين أيضا المسيحيين الفلسطينيين. وأهمية الأقصى تكمن أيضا في رمزيته التاريخية ومكانته المعنوية لدى الشعب الفلسطيني، فبدون هذا المعلم والصرح الديني إلى جانب كنيسة القيامة ورمزيتها ومكانتها الدينية لدى المسيحيين، تصبح القدس كأي مدينة أخرى لا شيء يميزها. فالقدس ببلدتها القديمة وأقصاها وقيامتها، وفلسطين، توأمان سياميان لا يمكن فصلهما عن بعض، فلا دولة فلسطينية من دون القدس ولا قدس من غير دولة فلسطينية.
والدليل على أن الانهيار ربما يكون أسرع مما نتوقع، هو السقوط المفاجئ لحجر صخري ضخم زنة مئة كيلوغرام من سور الأقصى من الجهة الجنوبية الغربية. وحسب التقارير فإن الصخرة التي سقطت من الجهة التي شهدت في عام 1969، عمليات هدم، إضافة إلى الحفريات التي تقوم بها جمعية «إلعاد» الاستيطانية وغيرها، التي تريد إقامة شبكة «أنفاق حائط البراق» تحت سور الأقصى الغربي. وجاء سقوط الحجر أيضا بعد تشققات حدثت في أرضية المسجد، ما يعني احتمال حدوث انهيارات أخرى جراء هذه الحفريات.
الشيخ عزام الخطيب مدير عام دائرة أوقاف القدس وشؤون المسجد الأقصى، يقول إنه حصل على معلومات خطيرة جدا من مختصين عن حفريات تجري أسفل القسم الشمالي من منطقة المتحف الإسلامي الواقعة في الجزء الغربي من المسجد الأقصى المبارك، قرب باب المغاربة، دلل على «نشاطات سرية» وجهود لربط الأنفاق المتعددة أسفل محيط الأقصى، خاصة في منطقة القصور الأموية أسفل منطقة مبنى المتحف الإسلامي. وتحدث عن وجود حفريات في الطبقات التاريخية والفراغات في أسفل محيطه.
الكل يحذر والجميع خائف من أن يقع المحظور فيصبحون «في حيص بيص من أمرهم»، ورغم ذلك لم يتقدم أي طرف بمبادرة حول كيفية تجنب وقوع المحظور، سواء من السلطة الفلسطينية، أو الأردن أو المغرب رئيسة لجنة القدس، أو أي دولة اسلامية معنية. التجارب السابقة تؤكد أننا نكتفي بردود الأفعال بعد وقوع الكوارث.
إسرائيل تدرك جيدا أنه حتى إن حصل الانهيار، خاصة إذا كان نتيجة هزة أرضية، فإنها ستكون قادرة على مواجهة ردود الأفعال والعواقب، كما هو الحال في المرات السابقة التي كانت تتوقع أن تكون أقوى، مثلا ردود الافعال على الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إليها، والمجازر التي ترتكب في قطاع غزة، وبناء المستوطنات ومصادرة الأراضي.
ولإسرائيل في حريق الاقصى المتعمد في 21 أغسطس/آب 1969 أكبر مثال، وتأخذ حكومة اليمين بمقولة غولدا مائير بعد يوم على الحريق؛ «لم أنم طوال الليل كنت خائفة أن يدخل العرب إسرائيل افواجا افواجا من كل مكان، ولكن عندما أشرقت شمس اليوم التالي، ادركت أن بوسعنا أن نفعل ما نشاء فهذه أمة نائمة».
إن دولة الاحتلال تسير وفق خطة بعيدة المدى تنفذها على مراحل تمتد لسنوات، فقد مرّ على احتلال القدس51 عاما، لم تُضِع خلالها وقتا. فمنذ هزيمة يونيو/حزيران 1967 واحتلال المدينة، وهي تعمل على تغيير معالم البلدة القديمة، ومحيط الحرم القدسي وقد نجحت، فهدمت حارة المغاربة في اليوم التالي لاحتلالها المدينة المقدسة وشردت أهلها، وفتحت ساحة البراق وحولتها إلى ساحة حائط المبكى، وغيّرت أسماء شوارع المدينة وحفرت الأنفاق تحت البلدة القديمة، وبنت الكنس والقطار السريع والتلفريك، وحولت تلة باب المغاربة، رغم الزوبعة في فنجان التي اثيرت في حينها قبل نحو10 سنوات، وهدأت بعد القبول بأعذار الدوافع الأمنية الاسرائيلية، وتحولت التلة التاريخية إلى جسر خشبي ثم حديدي قبل أن تصبح الجسر الذي يعبر عليه المستوطنون إلى ساحات الأقصى.
وإن لم تحصل كارثة انهيار الأقصى قريبا، في انتظار الهزة الأرضية الكبرى المتوقعة، فإن كارثة أخرى بدأت قبل سنوات وتصل الآن إلى خواتيمها، إنها كارثة تقسيم الأقصى زمانيا ومكانيا، على غرار الحرم الإبراهيمي في الخليل قبل نحو23 عاما. فلنعد بالذاكرة إلى الوراء قليلا، فقد كان محرما على المستوطنين دخول الأقصى علنا، وعلى نحو استفزازي، وكلنا يتذكر كيف فجّرت زيارة أرييل شارون، للحرم القدسي انتفاضة الأقصى/ الثانية. كانوا يدخلون خلسة وبأعداد قليلة، إلا أن العدد ازداد مع مرور الوقت من العشرات إلى المئات حتى وصل في ذكرى ما يسمى خراب الهيكل المزعوم يوم الاحد الماضي إلى اكثر من ألف وثلاثمئة شخص.
حدثت احتجاجات ومقاومة للزيارات من الخارج ومن العاملين في الاقصى، وبدأت تتلاشى في الوقت الحاضر، بعد أن أصبح المشهد مألوفا، وهذا هو ما تعتمد عليه سلطات الاحتلال التعود التدريجي. وأصبحت الاقتحامات الآن تتم5 أيام في الاسبوع من الاحد وحتى الخميس، ومن الساعة السابعة والنصف صباحا وحتى 11.30 قبل الظهر، تضيق خلالها شرطة الاحتلال على الفلسطينيين قبل أن تمنعهم بالكامل خلال هذا الفترة. وهذا يعني أن التقسيم الزماني يتحقق، بل تحقق من دون ضجة، فكيف سيختلف الحال لو جرى التقسيم المكاني «مكان صغير خاص يتعبد فيه هؤلاء اليهود المساكين» إنه مقبل، إن لم نفعل شيئا، وإن يكن تدريجيا وببطء شديد، هم ليسوا على عجلة من أمرهم، بل يعملون على مهل. وهذا بالطبع ينسحب على بقية القضايا العالقة الساخنة مثل الخان الأحمر والتجمعات البدوية في بادية القدس، التي تسعى اسرائيل لتفريغها من سكانها وهدمها لإطباق الخناق على القدس.
وأختتم بالقول إنه حتى لا نعض الأصابع ندما، ونقول «يا ريت اللي صار ما صار»
وحتى لا نقدم المزيد من الشهداء والجرحى احتجاجا على وضع يائس، نحن ساعدنا في خلقه، وإن كان على نحو غير مباشر، ولن يتغير والأمثلة على ذلك لا تعد ولا تحصى،
وحتى لا تضيع دماء شبابنا هدرا، وحتى نحافظ على مقدساتنا ومعالمنا التاريخية وأمجادنا، علينا وقبل أي شيء أن نوقف الاعتماد على ردود الأفعال الآنية وأن ننتقل إلى المبادرة والهجوم، علينا الامساك بزمام القيادة والمبادرة، كما في الماضي، علينا استنهاض الشارع الفلسطيني والعربي والإسلامي، فلا تزال قضية القدس ومقدساتها، جامعة لا مفرقة لهذه الشوارع الثلاثة متعطشة لانتصار ما، وتنتظر من يقودها نحو هذا الانتصار.
يجب أن توضع الدول العربية، لا سيما الأردن الوصي على المقدسات، أمام مسؤولياتها التاريخية، والانتقال إلى مرحلة الهجوم. فبيد الأردن الأوراق الضاغطة، ليس أقلها العلاقات الدبلوماسية، ولنا معها تجربة عندما حاولت اسرائيل اغتيال خالد مشعل زعيم حماس السابق في عمان، وكيف نجح الاردن في قلب الطاولة على رأس الحكومة الاسرائيلية في حينها. مطالبة مصر بالتلويح بقطع العلاقات مع دولة الاحتلال،
التحرك على صعيد الدول الاسلامية والسعي لقطع علاقاتها مع دولة الاحتلال، وكشفها أمام جماهيرها إن لم تكن قد فعلت.
لجنة القدس: اذا لم تتحرك هذه اللجنة الآن فلا داعي لوجودها أصلا ولا فائدة منها.
التحرك على جميع الصعد، الأمم المتحدة، اليونيسكو، الاتحاد الاوروبي ومحكمة الجنايات الدولية، ورفض الاكتفاء بالبيانات والإدانات. لنحرك شارعنا الفلسطيني نحو انتفاضة ثالثة ورابعة، فلم يعد هناك مجال للتسويف والمماطلة، والأرض والمقدسات تضيع من بين ايدينا. المبادرة فالمبادرة ثم المبادرة وإلا سنغلق أعيننا ونفتحها ولن نجد الأقصى ولا فلسطين.
كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»

ماذا لو انهار الأقصى؟

علي الصالح

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عربي-فلسطيني:

    لقد ذهبت يافا و عكا و صفد و حيفا و عسقلان و… و… و…فماذا لو انهار الاقصي؟
    .
    من يفرط في شبر، اي شبر، من وطنه أو يقتلع جذر، اي جذر، من أصله أو يفاوض علي حق، اي حق، من حقوقه لا يستحق يُطرح عليه مثل هذا السؤال.
    .
    ماذا لو انهار الاقصي؟ الأجوبة جاهزه: هذا ليس باقصاكم، كما ذكر أحد ‘المؤرخيين’ المصريين؛ أو سنبني أقصي اخر بإذن الله و بفضله علينا بالبترول؛ أو يقول قائل انهيار الأقصي افضل من أن يقع في يدي إيران(؟)… أو… أو…
    .
    الحقيقه هي أن المُقدّس هي أرض الاقصي، فلسطيننا، ولا إنقاذ للأقصي الا بتحريرها.

  2. يقول شفاء النعيمي:

    و حسبنا الله و نعم الوكيل !

  3. يقول الدكتورجمال البدري:

    تحياتي لأسرة القدس العربيّ الأفاضل ؛ بعد غياب ليس بطويل عن التواصل.لكنكم في القلب صليب وهلال…ما دفعك سيدي عليّ الصالح لكتابة هذا المقال ؟ أهوالإنذارأم الاستقاء من وحي برجي القوس والثور؟ لقد أطلقت قوسك فأصبت بسهمك الثور بين قرنيه بمقتل.هل قرأت سورة النجم ؟ ففيها نبوءة مقالك ( النجم ).وأشياءًا أخر.لقد بدأت السورة بواوالقسم المتضمّن التحذير؛ بمعنى : ( إيّاك ؛ إيّاك ) ماهو يافتى ؟ { والنجم إذا هوى }(1).حينما تأتي { إذا } فالأمرمتحقق لا محالة ؛ بغض النظرعن طول مدّة التحقيق للمشارإليه.وسورة النجم تناولت آيات المعراج ؛ بعدما تناولت سورة بني إسرائيل آيات الإسراء.ما هوالنجم؟ المسجد الأقصى.سيهوى ياصاح ؛ لأنه صدق ويقين من وحي يوحى ؛ رغم كلّ شعرالشعراء وثرثرة الخطباء البتراء ؛ والبداية الترامبية كانت في كانون أوّل 2017.والنهاية : التلاشي والسقوط المدويّ لدوام أعمال الحفريات الصهيونية…ربما سيكون في كانون أوّل 2018 ؟ إذن : سارعوا لتلتقطوا مع القبة الصفراء صورالسلفي ؛ كما التقط السيّارة من البئريوسف العبريّ فلا ضيق ؛ والتقط آل فرعون من النهرموسى النبيّ فلا غريق ؟ لاحظ ترتيب سورة النجم في المصحف ؛ لقد جاءت بعدها سورة القمركمجيء الشتاء بعد الخريف.والقمركناية لبلاد الشام.أي أنّ تهاوي المسجد الأقصى سيترافق مع وقائع بلاد الشام كما اليوم ؛ فلا قمرولا شمس ولا كوكب ياإبراهيم ؛ إلا القمرالأحمرللناظرين في نزهة ليل أظلم…والسّلام.

إشترك في قائمتنا البريدية