ما الذي جعل ساعة أيلي كوهين مهمة لإسرائيل؟

صاحبها هو الآن كومة عظام نهشها الدود في مكان مجهول تحت الأرض. وليس هناك ولو ربع احتمال على أن بتلك الساعة رموزا أو شيفرات سرية قد تحتوي على معلومات أو أسرار يمكن أن تخدم إسرائيل أو تفيدها في شيء. ولا دليل أيضا على أنها قد تصنف ضمن القطع الثمينة، أو التحف النفيسة التي قد تعرض في المزادات بأرقام فلكية.
فما الذي جعلها إذن بين ليلة وضحاها، وبعد أكثر من نصف قرن من مواراة صاحبها الثرى تحتل مكانة تضاهي أو تفوق مكانة ساعة جيمس بوند الشهيرة؟ وعلى افتراض أن ساعة جيمس بوند بقيت مهمة بعد غيابه، فهل كان من الأهمية بمكان أن يبذل الإسرائيليون الغالي والنفيس، ويخصصوا قسما كبيرا من وقتهم ومالهم، مثلما ذكرت مصادرهم لأجل استعادة ساعة جاسوسهم أيلي كوهين بأي ثمن وطريقة كانت؟
ما الذي دفعهم ليغامروا حتى يقتنصوا بالاخير ساعة يد لا تقدم ولا تؤخر؟ والأهم من ذلك، لماذا طغت نبرة الزهو والانتصار بشكل صارخ على إعلانهم الخميس الماضي الفوز بها، وكأن الأمر لا يتعلق بغرض شخصي بحت يخص عميلا أعدم قبل خمسين عاما، بقدر ما يعني التوصل لتحقيق إنجاز عسكري واستخباراتي، قد تكون له تداعياته في المستقبل؟ هل كان الإسرائيليون حريصين على التسويق الإعلامي لخبر استعادة ساعة ايلي كوهين بتلك الطريقة الاستعراضية المعتمدة، أكثر مما كانوا مصممين بالفعل على استعادتها؟ وهل قصدوا من وراء تلك المبالغة اللفظية توجيه أكثر من رسالة لأكثر من طرف محلي أو إقليمي في الوقت نفسه؟ لقد ظل الأمر على أي حال في العواصم العربية سيان، ولم تثر ساعة الجاسوس الإسرائيلي الأشهر عربيا، أدنى اهتمام رسمي أو شعبي، وسط كم المشاكل والأزمات التي تطوقها من كل جانب.
ولعل ذلك التمهل في الرد على ما تعلنه أو تقرره أو تنفذه إسرائيل مهما عظم أو صغر شأنه، صار عادة عربية رسخت بمرور الوقت، وتحولت إلى ما يشبه التقليد الثابت الذي لا يكسر.
فمن الصعب إن لم يكن من المستحيل أن يظهر أي تعليق في تلك العواصم حول أي مسألة على علاقة من قريب أو بعيد بإسرائيل، من دون أن يستغرق الوقت الضروري الذي يجرب فيه خبراء لغة الإشارة كل مهاراتهم وبراعاتهم في أن يخرجوا في الأخير ببيان مبهم وفضفاض يكون مفتوحا على كل التأويلات والقراءات الممكنة. لكن الخبر الذي أعلنه الموساد الإسرائيلي الخميس الماضي حول تمكنه من خلال «عملية خاصة» استعادة ساعة اليد التي ارتداها الجاسوس الإسرائيلي ايلي كوهين، الذي أعدم في سوريا منتصف الستينيات، كان على ما يبدو خارج نطاق تغطيتهم تماما، وأدنى بنظر المتحدثين الرسميين وغير الرسميين من أن يستحق عناء التقليب عن اليمين وعن الشمال، واجتراح عملية قيصرية صعبة، للخروج بتعليق أو توضيح أو تعقيب حوله، بل لعله بنظر البعض منهم كان أشبه بالمزحة الصيفية الثقيلة، التي جعلتهم يقولون بينهم وبين أنفسهم إن شر البلية ما يضحك، ويتساءلون بشيء من السخرية والتهكم عما يجعل هؤلاء الإسرائيليين يبذلون كل تلك الطاقة الخلاقة لاستغبائهم، حتى بواسطة ساعة يد قديمة لا تساوي أرخص الساعات السويسرية التي يملكون.
وربما زادوا على ذلك وقالوا إن كنا قد فقدنا الاكبر والأغلى والأهم، هل سيضيرنا أن نفقد الآن الأدنى والأصغر والأقل أهمية؟ وهل سيهم الشاة سلخها بعد ذبحها؟ ولكن ألا يكمن الشيطان دائما وأبدا في التفاصيل البسيطة والصغيرة؟ وهل من الضروري دائما أن تكون كل الخسائر والهزائم العربية الكبرى مبررا أبديا لليأس والقنوط وللتقصير في الاهتمام بما يبدو بالمقارنة بها مسائل أقل تأثيرا وأهمية؟
إن واحدة من نقاط قوة الإسرائيليين هي في الاستثمار الإعلامي والنفسي الجيد لبعض الوقائع والأحداث المهمة، وغير المهمة، والحقيقية والمختلقة، وتضخيمها بشكل يخدم فقط خططهم وأهدافهم، ويحول الأنظار ولو جزئيا عن جرائمهم وانتهاكاتهم وخروقاتهم المستمرة منذ أكثر من سبعين عاما لكل المواثيق والقوانين الإنسانية. ومن الصعب إن لم يكن من المستحيل عليهم هنا أن يغلقوا ملفا إلا بعد أن يستنفدوا منه وللآخر أقصى ما يمكنهم من معلومات وتفاصيل، قد تكون أوراقا للضغط والمساومة والمناورة وقت اللزوم. إنهم ينفثون أرواحا اصطناعية في تلك الملفات القديمة تجعلها تستعيد حياتها وتظهر فقط بشكل مفاجئ عند الحاجة. وربما كان ملف الجاسوس كوهين واحدا منها، لكن ما الغاية من إخراجه الآن بالذات؟ وما المصلحة في ذلك وهل أن اختراع قصة الساعة يؤشر إلى شيء ما؟
ليس من باب الرجم بالغيب أن نتوقع أن تكون المسألة أعمق مما تبدو عليه في الظاهر. فأي سبب جعل الاختيار يقع على الساعة، في الوقت الذي كانت فيه هناك على الأقل فرضية أخرى، وهي أن يحصلوا مثلا أو حتى يخرجوا بقصة وهمية حول تمكنهم من الحصول على رفات أيلي كوهين نفسه، الذي ظلوا يطالبون به منذ اعدامه منتصف الستينيات في دمشق؟ ألم تكن الظروف في سوريا وعلى مدى السنوات السبع الاخيرة مناسبة جدا لهم حتى يحققوا واحدا من اهدافهم المعلنة في استعادة الرفات وتكريم العميل، الذي خلدوا اسمه في أكثر من شارع وميدان؟ فهل عجزوا حقا عن ذلك؟ أم انهم لم يكونوا راغبين أصلا في التوصل لتحقيقه حتى لا يغلق الملف بالشكل الذي لا يخدم أهدافهم؟ لعل ما قاله شاموئيل زئيف، وهو عميل سابق في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، ومؤلف كتاب «وحيدا في دمشق» حول سيرة الجاسوس الإسرائيلي، من أن «القصة الكاملة عن أيلي كوهين لم تكتب بعد، وستكتب فقط بعد أن يعقد السلام مع سوريا». يؤكد أن كل ما يتعلق بالجاسوس الإسرائيلي من قريب أو بعيد لا يرتبط بالماضي فحسب، بل بالمستقبل ايضا. وقد يكون التضارب المعتمد في التصريحات الإسرائيلية حول ساعة ايلي كوهين، بين ادعاء الموساد بان الحصول عليها هو ثمرة «عملية خاصة»، وحديث أرملة الجاسوس عن صفقة تم بموجبها شراء الساعة في مزاد، دليل على أن هناك رغبة في الربط المتعمد بين ملف ظاهره إنساني بحت، يتعلق برفات الجاسوس، وملف سياسي بالاساس سمته المزادات والصفاقات الاقليمية والدولية.
وهو ما ينسجم مع التحضيرات الواسعة التي تجري الان لتحويل باقي الملفات الوطنية والإنسانية الحقيقية، التي تخص الضحايا الفعليين، اي الفلسطينيين، بالدرجة الأولى إلى مزادات وصفقات قرن تفرض فيها تسويات اكثر سوءا وكارثية. إن ساعة ايلي كوهين قد تشير هنا ايضا إلى قرب نهاية الوقت الضائع في سوريا، والاستعداد لزمن التفاوض والصفقات المباشرة بين تل ابيب ودمشق، لا حول ملف كوهين فقط، بل حول ملفات الشرق الاوسط الكبير ايضا. اما لماذا ترسل إسرائيل اشاراتها تلك بمثل ذلك الاسلوب الملتوي والغامض؟ ربما علينا أن نسأل جيمس بوند.

كاتب وصحافي من تونس

ما الذي جعل ساعة أيلي كوهين مهمة لإسرائيل؟

نزار بولحية

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول فاطمةM:

    اولا من هو ايلي كوهين بالتحديد علما بان حزب شاص منح اسم ايلي كوهين الي رئيس جهاز الشين بيت و اسمه الحقيقي شياء وهو الاخ الغير الشقيق للملك محمد السادس بل هو الملك الفعلي للمغرب وهو في نفس الوقت وزير الاقتصاد الخارجي للصين وهو الرئيس مع العديد من قيادات حزب شاص يدير بورصة الالماس في مدينة انفارس البلجيكية
    ما كعني الاسم في حد ذاته في التلمود او في المنظومة الصهيونية….,,,,,?????
    كيف ادخل رجل اسرائيل العلوي حافظ الاسد ايلي كوهين الي سوريا من الارجنتين الا من اجل التجسس علي الجيش السوري الذي تكون في حضن الفكر العسكري الفرنسي و كيف قدم السيد وزير الدفاع حافظ الاسد في ذلك الوقت الي قيادات الجيش السني ايلي كوهين علي اسا بانه مواطن سوري هاجر و كون ثروة في الارجنتين ثم كان الجاسوس الاسرايلي يعيش علي مقربة من الرئاسة و كان يتلقي معلوماته من وزير الدفاع ثم لا يمكن ان ينسي بان العلوي عوض الجيش السوري بالعلوين الذين فتحت لهم اسرائيل ابوابها في واشنطن للتكوين و لكي يصبح جيشا طائفيا علوييا
    كيف طالب المرت و موفاز و السكرتير الخاص للسيد الرئيس حافظ الاسد الجنرال بريكادير في الجيش الاسرائيلي بشار الاسد بتسليم جثة ايلي كوهين و اتت القناة الاسرائيلية بارملة ايلي كوهين و بابنته في حوار حيث انضم الي المجموعة الاسرائلية للمطالبة بالعودة بالجثة فمن يستطيع ابراز الهوية الحقيقية لاياي كوهين و معني الاسم في التلمود او في الفكر الصهيوني ثم من يحدد هوية الذي لم اعدامه و كيف يقوم رجل اسرائيل الرئيس الذي اعدم الالاف من ابناء الشعب السوري و من ابناء الشعب الفلسطيني في سوريا من ابناء المخيمات الفلسطينية و من سوريا الي لبنان,,,,?????

  2. يقول رزق الله:

    الموضوع كامل وصادر عن انسان مشبع بالعروبة وملم بافكار الأعداء وبتصرفاتهم ومهتم بقضايا شعبه العربي، وهذه المواضيع اختفت من الاعلام العربي الذي لا يمضي يوما الا ويعمل على التطبيع مع من قتل شعبه واطفاله .

إشترك في قائمتنا البريدية