ما العمل لإخراج الكرد من قبضة أمريكا ؟

حجم الخط
2

«داعش» لم يخرج من سوريا بعد. لا مصلحة لأمريكا ولا لتركيا بإخراجه منها. سيبقى فيها بشكل او بآخر لغاية استنفاد الغرض من استبقائه. أمريكا تريده ذريعة لبقائها في شرق سوريا، التنف وجوارها، وفي شمالها الشرقي، محافظات دير الزور والرقة والحسكة. تركيا تريده ذريعة لبقائها في شمال سوريا الغربي، عفرين وجوارها، وفي شمال سوريا على امتداد حدودها معها… لماذا؟
لأن لكلٍّ منهما مخطط ومطامع فيها، لأمريكا جملة أغراض، أهمها:
تموضع قوات غير سورية، بل معادية لسوريا، في مواقع حاكمة على حدودها الشرقية للحؤول دون تواصلها جغرافياً وتحالفها عسكرياً مع العراق وإيران.
الضغط على سوريا وحلفائها للحؤول دون إقامة قواعد عسكرية لإيران في سوريا عموماً وفي جنوبها القريب من «إسرائيل» خصوصاً.
تعزيز المركز التفاوضي للقوى والأطراف المتنازعة مع حكومة دمشق، بغية تعزيز مشاركتها من مركز قوة في أي مفاوضات تجري لتقرير مسار سوريا بعد الحرب، ولعرقلة استعادة وحدتها الجغرافية والسياسية، ولإفساح المجال أمام بعض المكوّنات الإثنية والمذهبية لإقامة كيانات خاصة بها أو، أقلّه، منحها قدْراً كبيراً من الحكم الذاتي.
لتركيا أغراضها أيضاً:
القضاء على كل وجود مسلّح لتنظيمات كردية متعاونة مع حزب العمال الكردستاني التركي ذي النزعة الانفصالية.
الحؤول دون إقامة كيان كردي سوري مستقل في شمال سوريا وشرقها، وعرقلة إقامة حكم ذاتي للكُرد السوريين، لتفادي انتقال العدوى إلى الكرد الأتراك.
إقامة مواقع عسكرية تركية في شمال سوريا بذريعة حماية الأمن القومي التركي من الكُرد الساعين إلى الانفصال.
سوريا ترفض كل هذه الادعاءات والمطامع الامريكية والتركية. حكومتها تصّر على استعادة كل المناطق الخارجة عن سلطتها وسيادتها. لذا تعتبر كل قوات غير سورية متواجدة على ارضها من دون اذن منها قوات محتلة. إلى ذلك، تعتقد سوريا، حكومةً وشعباً، أن أية قوات محتلة، خاصةً اذا كانت امريكية، هي مجرد أدوات لمخطط قديم – جديد لتقسيم سوريا وتفكيكها إلى جمهوريات موز متناحرة، وان المستفيد الاول منه هو «اسرائيل».
إذا كان»داعش» طرفاً غير سوري، فإن ثمة اطرافاً سوريين ضالعون ومشاركون في المخطط التقسيمي المشار اليه. ما يُسمى «قوات سوريا الديمقراطية – قسد» تنظيم سياسي وعسكري ذو نزعة انفصالية، وهو مموّل ومسلح من أمريكا ومتعاون معها. «الجيش السوري الحر» تنظيم عسكري ممول ومسلّح من تركيا وأداة بيدها. «جيش الإسلام» مموّل ومسلح من السعودية وخاضع لتعليماتها. إلى ذلك، ثمة تنظيمات مسلحة صغيرة ناشطة في جنوب سوريا الغربي ممولة ومسلّحة من «اسرائيل» ومتعاونة معها
بعد نجاح الجيش السوري في استعادة الكثير من بلدات وقرى في أرياف حمص وحماه وحلب واتجاهه إلى تحرير محافظة أدلب من «هيئة تحرير الشام» (النصرة»سابقاً)، وبعد نجاح روسيا في جمع ممثلين لمختلف أطياف سوريا للحوار في مؤتمر سوتشي، قامت أمريكا وتركيا و»اسرائيل» في المناطق السورية التي لها فيها قوات نظامية، أو قوات حليفة أو رديفة بعمليات مؤذية لعرقلة جهود سوريا من أجل استعادة وحدتها وسيادتها.
أبرز هذه العمليات إسقاط طائرة سوخوي روسية في أدلب بصاروخ جوي متطور محمول على الكتف من صنع أمريكا، أعلنت «هيئة تحرير الشام» مسؤوليتها عنه، ثم قيام تركيا بمهاجمة منطقة عفرين لإنهاء سيطرة «قوات حماية الشعب» الكردية عليها، وأخيراً قيام طائرات «التحالف الدولي» الامريكية بقصف قوات رديفة للجيش السوري كانت تقوم بمهام استطلاعية في منطقتي المدينة الصناعية وخشام النفطية شرقيّ نهر الفرات في محافظة دير الزور. بالتزامن مع هذه الاعتداءات تحركت عناصر «جيش الإسلام» و»النصرة» في غوطة دمشق الشرقية وأمطرت دمشق بوابل من الصواريخ والقنابل، ذهب ضحيتها العديد من الشهداء والجرحى المدنيين، ومثلها فعلت التنظيمات المتعاونة مع «اسرائيل» في جنوب غربي سوريا.
بات واضحاً أن أمريكا، والى حدٍ ما تركيا، شنّت هجمات مؤذية لسوريا، كلٌ من جهته ولاغراض خاصة به. المشكلة أن هذه الهجمات تتمّ في مناطق تتواجد فيها قوات نظامية سورية كشمال البلاد، أو قوات روسية في شرق دير الزور وأدلب. لم يحدث حتى الآن اي صدام عسكري مباشر بين القوات الامريكية والتركية من جهة والقوات السورية والروسية من جهة أخرى. لكن تجاور القوات الروسية والقوات السورية في الكثير من المناطق والمواقع، يجعل احتمال الصدام مع القوات الأمريكية محتملا.
ما العمل لتفادي تطور الحرب في سوريا وعليها من حربٍ بالوكالة بين لاعبين إقليميين إلى حربٍ ساخنة محدودة بين أمريكا وروسيا؟
ثمة خطر جديّ وماثل. خبراء استراتيجيون يعتقدون أن إدارة ترامب ربما ترمي في استراتيجتها الهجومية الجديدة إلى استنزاف روسيا في سوريا، على غرار عملية استنزاف أمريكا في افغانستان. ربما تظّن انها بذلك تُكره روسيا على حمل سوريا على الإذعان في المفاوضات المقبلة لمخططها الرامي إلى فك تحالفها مع إيران وقوى المقاومة اللبنانية والفلسطينية، وبالتالي القبول بنظام سياسي تعددي لامركزي يتيح للكرد السوريين حكماً ذاتياً في شمال شرقيّ البلاد.
موسكو لا تماشي سياسة واشنطن الهجومية في سوريا، وإن كانت حريصة على مداراتها لتفادي الاشتباك معها. لكن هذه المداراة لا تضمن ردع أمريكا، ومن ورائها «إسرائيل»، للتراجع عن مسارها العدواني المتصاعد.
ما العمل إذن؟
لعل السبيل الأفعل يكون بانتهاج روسيا مقاربة جريئة لمسألة الكُرد السوريين (والعراقيين) غايتها إخراجهم من قبضة الامريكيين.. كيف؟ بالتعاون مع إيران على للضغط على تركيا بغية التخلي عن سياستها العقيمة القائمة على محاربة الكرد السوريين بمعزل عن سوريا، بل على نحوٍ معادٍ لها، وبالتشديد على أولوية المصالح المشتركة بين البلدين الجارين، ووجوب مجابهة أعدائهما المشتركين معا، وبأن شرط الخروج من هذه الحال المضطربة والمؤذية لكليهما، إنما يكون بتغليب المصالح المشتركة على الأغراض، بل على الأوهام المكلفة والمتصادمة مع الواقع. ذلك يتحقق بالتوافق على خطوط عريضة للخروج من الصراع اللامجدي على النحو الآتي:
اولاً: وقف النار في كل أنحاء سوريا والذهاب بلا إبطاء إلى مؤتمر جنيف للتحاور والتوافق على تسوية سياسية متوازنة للصراع بالتزامن مع مباشرة سحب القوات الأجنبية منها.
ثانياً : توافق سوريا وتركيا، برعاية إيران وروسيا، على أولوية استعادة سوريا وحدتها وسيادتها على كامل ترابها الوطني، واتفاق البلدين على تحصين وحدة أراضيهما الجغرافية والسياسية وعدم المساس بها من طرفِ أيٍّ منهما.
ثالثاً: توافق سوريا وتركيا، برعاية إيران وروسيا، على منح الكرد السوريين الحق في الإفادة من نظام إدارة ذاتية محلية يجري اعتمادها في إطار دولة مركزية مدنية ديمقراطية، على أساس المساواة بين السوريين جميعاً في المواطنة والحقوق والواجبات والعدالة والتنمية.
رابعاً: يكون للسوريين وحدهم حق تقرير مضمون النظام السياسي الذي يريدونه لبلادهم على أن يتمّ ذلك دونما تدخل خارجي وبرعاية الامم المتحدة.
خامساً: انسحاب جميع القوات الاجنبية، ولاسيما تلك التي لم تأذن سوريا بتواجدها على ترابها الوطني، وذلك قبل مباشرة تنفيذ أحكام التسوية السياسية المتفق عليها في مفاوضات جنيف.
هل ثمة مقاربة أفضل وأفعل لإخراج كُرد سوريا، كما بعض عربها، من قبضة أمريكا ومن ورائها «إسرائيل»؟
كاتب لبناني

ما العمل لإخراج الكرد من قبضة أمريكا ؟

د. عصام نعمان

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول محمد حتاحت / مانشستر:

    هنالك غائب وحيد في هذا التحليل وكذلك الاقتراحات الناتجة عنه: الا وهو الشعب السوري
    الكاتب يرى (بعيون بشار وحلفائه) ان الاتراك والامريكان قواتان اجنبيتان.
    بينما يرى اغلبية السوريين ان ايران وحزب الله والعصابات (جمع عصائب) الشيعية الافغانية والاوزبكية والعراقية..ايضا قوات اجنبية.
    واما مقولة ان الحكومة استدعت شيعة العالم لتدمير سنة الشام هو امر شرعي فهي مقولة سيثبت التاريخ ،بالدماء، عدم شرعيتها.

  2. يقول جمال كردستاني:

    الاخ الدكتور عصام المحترم؛
    المشكله السوريه لا تحل باخراج الكرد
    من قبضة امريكا وانما تحل باخراج سوريا
    برمتها من فبضة اللاعبين فالكرد ليسوا اصل
    المشكله من حرك الامور في سوريا ؟
    اليست قطر وتركيا والسعوديه لانهاء
    الحكم العلوي وال الاسد؟ ولا اعتقد
    ان كل من ايران وتركيا سوف تقبلان
    بمعالجة الوضع بحصول الكرد على
    حقوقهم لان كرد البلدين عشرات
    اضعاف الكرد السوريين.

إشترك في قائمتنا البريدية